شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
مجلة الكلمة..
هموم وتطلعات
حسن آل حمادة
أصدرت مجلة الكلمة عددها الأول في خريف 1993م، وها نحن نحتفل بعددها الثاني والثمانين، ولي مع هذه المجلة ذكريات جميلة، فعددها الأول وصلني بنسخة مصوّرة في القطيف ثم اقتنيت عددها الثاني من الشام وكنت وقتها مغرمًا بملاحقة الدوريات الفصلية الدراساتية، لأنني كنت في مرحلة البكالوريوس في الجامعة، وقد تخصصت في «المكتبات والمعلومات»، وفي تلك الفترة وجدت ميلًا عندي لأن أكتب الدراسة والبحث، وكانت مجلة الكلمة خير معين لي، وأنا أتتبع منهجية كتّابها الذين أفدت منهم كثيرًا.
ولشغفي بمجلة الكلمة علمت فيما بعد أنها تصل إلى البحرين وتباع فيها مما سهّل عليّ أن أقصدها من القطيف في مدة زمنية لا تتعدى الساعة، وحرصت على أن أبتاع مجموعة من كل عدد جديد لأوفر المجلة لمن يطلبها، ثم تلقيت عرضًا لأن أكون ضمن هيئة تحريرها، وكانت فرصة من الفرص الجميلة في حياتي.
بعد هذه الإشارة السريعة لعلاقتي بالمجلة سأبدأ حديثي عن المجلة، فالمجلة حسب قواعد النشر فيها تهتم: «بقضايا الثقافة ومشكلاتها في العالم العربي والإسلامي، والتجدد والبناء الحضاري، وكذلك قضايا الإنماء التربوي والتعليمي، ومستقبليات المشروع الثقافي -الحضاري- الإسلامي المعاصر، مع الإيمان بقيم الحرية والانفتاح والتسامح».
وهي اهتمامات -كما رأيتم- تمثل خارطة طريق لكل من يحمل همّ النهوض بواقع مجتمعاتنا العربية والإسلامية، إذ لا نتصور أن تتقدّم مجتمعاتنا إذا كانت القضايا التعليمية والتثقيفية في آخر أولوياتها، وليس بمقدورنا أن نتوقع إصلاحًا ثقافيًّا حقيقيًّا إن لم نؤسس لمجتمع مدنيٍّ، تحترم فيه الحريات، وتسود فيه قيم: التعددية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والإخوة، التي تذيب كل الحواجز المصطنعة بيننا كشركاء في الإنسانية.
إن مجلة الكلمة هي مجلة فكرية رائدة وسبّاقة؛ إذ استطاعت خلال فترة صدروها التي امتدت لأكثر من عقدين؛ أن تبلور مجموعة من المفاهيم المهمّة التي أصبحت الآن تناقش وتطرح بجديّة في الكثير من المنابر الثقافية؛ على المستوى الرسمي والشعبي، مثل قضايا: الحوار، والتعددية، والعنف، واللاعنف، وحقوق الإنسان، ومفهوم المجتمع المدني، و...إلخ. وباستطاعة أي متابع ومهتم أن يرجع لأعدادها التي فاقت الثمانين عددًا، عبر موقعها الإلكتروني؛ لتتضح له الرؤية بعيدًا عن أي مبالغة في القول.
مجلة الكلمة بين النجاح والإخفاق
النجاح
أتصور أن المجلة نجحت في تقديم صورة طيبة عن مثقفي المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وقد تفاجأ الوسط الثقافي في المملكة وفي الوطن العربي أيضًا، بالمستوى المتقدِّم لأطروحات المجلة، وأكتفي هنا بمقطع كُتب في صحيفة الوقت البحرينية حولها إذ تقول: «ما يميز مجلة «الكلمة»، بوصفها دورية فكرية دينية، هو قدرتها اللافتة على توفير مواد متنوعة تلبي مختلف الأذواق والتوجهات المراد استقطابها. قد تبدو المهمة يسيرة للوهلة الأولى، فالمسألة لا تتعدى تجميع كم من الكتابات في مختلف الأبواب والاهتمامات، تتراوح بين المعرفي الرصين والمعلومات والمتابعات والأخبار الثقافية إلا أن ذلك لا يُعبِّر عن تمام الصورة. فهناك دوريات عديدة تأخذ بمثل هذا الالتزام التحريري، وتتجه إلى توليف محتوى متعدد المضمون والمستوى، إلا أنها تظل باهتة، ومحكومة بالإهمال وربما الاحتجاب»[1].
ولعلّ من المناسب أن أشير هنا إلى أن رئيس التحرير الأستاذ زكي الميلاد، كرِّم في طهران من قبل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ضمن شخصيات تقريبية، في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي الحادي والعشرين للوحدة الإسلامية، بعد اختيار مجلة (الكلمة) كأفضل مجلة هادفة في وسائل الإعلام، ونقل الرأي الحر والواعي في هذا العام.
وقد تسلَّم الأستاذ زكي الميلاد درعًا تذكاريًّا تضمن خطابًا من الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، جاء فيه:
«امتزج فكر الدعوة إلى الوحدة وعزمكم الراسخ في بوتقة واحدة، فبذلتم جهودًا مضاعفة ومشكورة في نشر وترسيخ الفكر الوحدوي من خلال مجلتكم (الكلمة) الموقرة.
تثمينًا لهذه الجهود المخلصة والواعية في نشر هذه الأفكار، فقد تم ترشيح مجلتكم الصادقة كأفضل مجلة هادفة في وسائل الإعلام ونقل الرأي الحر والواعي في هذا العام.
وبهذه المناسبة نهديكم لوحًا تذكاريًّا معطرًا بأمنيات التوفيق والنجاح دائمًا في نشر وتأصيل الانسجام والتلاحم وإيجاد الصحوة في صفوف الأمة الإسلامية، نبارك لكم ولزملائكم هذا النجاح، ونبتهل إلى الله لكم بالتوفيق والسداد».
واسترسالًا في الحديث عن النجاح الذي تحققه المجلة، ألفت نظركم إلى أننا قبل أن نعمد لإقفال العدد الذي بين أيدينا عادة، فإننا نُرحِّل مشاركات جديدة قد تكفي للعدد الذي يليه، نتيجة لتزاحم المواد التي تُرسل للمجلة من دول عربية وأجنبية لكتّاب عرب.
ومن دلالات نجاح المجلة أن الكثير من الكتّاب تفاعلوا مع أطروحاتها، وراحوا يبشرون بها في كتاباتهم، وإن لم يُشِر بعضهم لها كمصدر للفكرة، وقد يلحظ القارئ اعتماد بحوث الكلمة كمصدر لعددٍ من الكتابات المعاصرة، ونحن على قناعة أن البناء الثقافي والتغيير يحتاج لأزمنة قد تطول شيئًا ما، والثورة الفرنسية خير شاهد على ما نقول.
ونظرًا للنجاح الذي حققته الكلمة فقد أصدرت سلسلة من الكتب، آخرها كتاب: «مستقبل الثقافة الإسلامية في ظل ثورة المعلومات وتحديات العولمة (إعداد وتقديم حسن آل حمادة)، ط1، بيروت: مؤسسة الفلاح. 2007م»، وقد شارك في كتابته ثلاثة وخمسون باحثًا من مختلف البلدان العربية، وسيصدر قريبًا في طبعة ثانية عن مركز الحضارة في بيروت.
الإخفاق
وإذا كانت كثرة المواد التي تصلنا من الخارج دلالة قوة للمجلة، فهي في الداخل تمثل دلالة ضعف، فبالكاد تصلنا مشاركة واحدة لكتّاب من خارج أسرة التحرير في المنطقة، وربما تكون أكثر المشاركات المحلية وصلت إلينا بناءً على طلب وإلحاح منّا! فالمجلة فشلت في استقطاب الأقلام المحلية، والكرة الآن في ملعب الكتّاب إذ إن المجلة تُرحب بالنتاج المحلي كما ترحب بأي مشاركة جادة تصل إليها.
ومن إخفاقات المجلة أنها لم تدخل معظم المنازل، ولم تتداولها الكثير من الأيدي، وإن علّل البعض ذلك بعدم وصول المجلة للمنطقة في فترات سابقة؛ فهي الآن تتوافر بشكل منتظم، وأعدادها متاحة على شبكة الإنترنت في موقع خاص بها.
وربما يُعاب على المجلة أيضًا كونها نخبوية في أطروحاتها، وأنا لا أميل لهذه الرؤية؛ فكثير من موادها مُيسَّرة للجميع، وإن غلب عليها الالتزام بالمنهجية الأكاديمية في الكتابة؛ كونها تُعنى بالبحوث والدراسات، وتبتعد عن منهجية المقالات القصيرة.
نقطة على السطر: المجلة أهلية، وهذا يعني أنها تموِّل نفسها بنفسها، وإن شئنا لها ولغيرها من المجلات المحلية الأهلية الاستمرار فهي بحاجة للدعم والمؤازرة، من قبل من يعنيهم أمر النهوض بالمجتمع؛ باعتبار أن الثقافة هي البوابة الأهم لإحداث التغيير المنشود والمرتقب.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.