شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
مجلة الكلمة وروح التوّاصل الحضاري
الدكتور عبد الرزاق بلعقروز*
*أستاذ فلسفة القيم، جامعة سطيف2، سطيف - الجزائر.
إنها العبارة الخالدة التي جاءت بها لغة القداسة إلى الإنسان، من أجل أن تكون «الكلمة» هي الرَّافعة والحافزة نحو أفق القداسة والمعنى، إن «الكلمة» لمن روح القدس، إنها تدخل قلب الإنسان فتُحوِّله إلى إنسان ذي مبدأ وذي ورسالة كما قال فيلسوف الحضارة الجزائري مالك بن نبي.
عرفنا مجلة «الكلمة» من خلال إشراقاتها الحضارية التي نُبصر فيها نوراً من فيلسوف الحضارة الجزائري مالك بن نبي، استأنسنا لها؛ لأن عناوين حركتها تمتح من معجم المرحوم، وتنخرط في إشكالاته وتُفكِّر معه.
إن مجلة «الكلمة» بروحها الفكرية، قد أسهمت في تكوين رؤية فكرية حضارية، تنبني على ضرورة ترسيخ العنصر الثقافي الحضاري، كأداة رافعة للإنسان المسلم إلى مستوى الحضارة، ومُدركة لأهمية البناء الفكري للإنسان، وتكوين منظومة من المعرفة لا تقطع مع الرؤية الكونية التَّوحيدية، وإنما تُؤسّس عليها رؤيتها؛ ومفاهيمها؛ حول الإنسان والأشياء، فـ«الكلمة» نور معرفي يفيض في أفق العالم الإسلامي، ويتغذّى على رحيق الجهود المعرفية والفكرية لأبنائه الذين يمتلكون الرؤية السليمة، والمنهج القويم، والمعرفة الرّشيدة والقيم الرفيعة.
إن مجلة «الكلمة» قد فتحت أفق التواصل بين المغرب الإسلامي والمشرق أيضاً، إنها وإلى اليوم جسر معرفي تحكمه روابط الانتماء إلى الأمة، ووحدة الهم الحضاري، وقد وجد الكثير من أبناء المغرب بخاصة في الجزائر، وجدوا شعوراً استنئناسيًّا في «الكلمة»، فاندفعوا ينشرون فيها حول قضايا النهضة والحضارة وهموم الفلسفة الإسلامية القديمة والراهنة.
ووجدت «الكلمة» إدارة وهيئة مشرفة عليها؛ وجدت في أقلام الجزائريين ركيزة وجهداً معرفيًّا يستأهل مقام النّشر والتّعريف به، وتوسيعه إلى العالم الإسلامي ككل، لقد توجّهت هذه الأقلام نحو مجلة «الكلمة»؛ لأنّها وجدت فيها روح قصدية المعرفة الخالصة؛ وهمَّ بناء فكر ومنهج هذه الأمة، وما عدا ذلك من اختلافات في المذهب أو الانتماء الجزئي، لم يكن ذا فضاء ضمن هذه المساحة من التعارف، وهكذا تحقق هذا التكامل بين إرادة معرفية ذات حماسة للمعرفة مثّلتها جهود الكُتَّاب الجزائريين؛ وبين مجلّة جعلت من مقاصدها نشر هذا الوعي المنهجي والفكر الحضاري الذي يتوفر على مواصفات المعرفة العلمية القوية.
والكلام عن «الكلمة» كأفق للتواصل، يقودنا إلى الكلام عن رئيس التحرير زكي الميلاد، التي نشأت بينه وبين النخبة في الجزائر وشائج قوية من المحبة والود والاحترام المتبادلين، لقد وجدوا فيه واحداً من ذرية مالك بن نبي؛ بخاصة وأن زكي الميلاد قد أخرج كتاباً عن المرحوم؛ وهو من أجود الكتب التعريفية بفكر مالك بن نبي وبمشروعه، وليس التعريف فحسب، وإنّما التفكير معه واستئناف مشروعه.
إن زكي الميلاد لا يهدف إلى معرفة مالك بن نبي فقط، وإنّما التفكير معه أيضاً، وبالتالي فالصّلة كانت حضارية في جوهرها؛ وبعيدة عن أيّة نزعة تصنيفية تفاضلية بين المشرق والمغرب، وهكذا فالمجلة تحقق فعليًّا مشروع زكي الميلاد في التعارف بين الحضارات؛ الذي يجوز لنا تسميته بالحوار الدّاخلي بين الحضارات.
إن التواصل رهان مركزي من رهانات مجلة «الكلمة»، وهي ترحّب بما يتوفر على الشروط العلمية والمنهجية، ويدخل ضمن هذا الفضاء من الاهتمام، وشخصيًّا نشرت فيها مقالاً عن حدود النّظريات التواصلية والحاجة إلى مشروع التعارف باعتباره فضاءً بديلاً عن لغة التواصل المحدودة بحدود دوائر الانتماء الغربية التي تنظّر لها، وزكي الميلاد يرغب في الارتكاز على المضامين التي تجد مستنداتها النّظرية من المعجم المعرفي القرآني في زيادة التعريف والتوسيع برؤيته في تعارف الحضارات، كيْما ينتقل من طور الأخذ إلى طور العطاء، ومن طور التلقي إلى طور الإنتاج والتّوجيه.
أما عن تحقيق التواصل بين المعارف وتكاملها، فإن مجلة «الكلمة» قد أسهمت وبقسط وافر في استقبال المادة المعرفية الفلسفية؛ وعملت على نشر نصوص مترجمة كالذي قامت به في محور الأيديولوجيا، لبول ريكو وغيرهم، وهذا يدل على رغبة «الكلمة» في تحقيق التكامل المعرفي، وفي ترسيخ مبدأين أساسين هما:
• مبدأ بلوره ابن رشد: الذي سوّغ التكامل المعرفي من منطلق حاجة العلوم بعضها إلى بعض.
• مبدأ أبو حامد الغزالي: الذي سوّغ مشروعية التكامل من الطبيعة الماهوية للمعرفة في حدّ ذاتها، من أنّها تحتاج إلى التَّكامل.
وانفتاح «الكلمة» أو بالأحرى تواصلها مع الدّرس الفلسفي، قد أثمر خصوبة في نوعية الطّرح ومستوى الّتفكير، وما هذا إلَّا لإيمانها بتعدُّد المناهج ووحدة الحقيقة كقوانين ناظمة للمعرفة، ومن المعلوم أن المجتمعات الإسلامية المعاصرة بدأت تدرك وعلى نطاق واسع؛ محورية الدّرس الفلسفي المعرفي في بناء العقول، وبناء المنهجية الفكرية التي تُكوِّن الإنسان النّاقد لذاته والنّاقد لغيره، الذي يمتلك جرأة على استخدام فكره بمعزل عن قيادة الآخرين له.
وللفلسفة ركن ركين في محاور «الكلمة» بخاصة في الأعداد الأخيرة التي أضحت الفلسفة فيها، مقدمة المقدمات وشبكة العلاقات بين المعارف، لأن مجلّة «الكلمة» هنا تدرك ما قاله ابن باديس المصلح الجزائري عندما جرى نقده من منحى أن العامة لا تفهمه، فقال ليس الغرض هو النزول إلى العامة، وإنما العلم يُسعى نحوه ويُرتفع إلية لا العكس.
حقيق بنا إذن القول: إن «الكلمة» ليست مجرّد مجلة تطّرد أو تتواتر فصليًّا، وإنّما هي روح ومشروع حضاري يهدف إلى إصلاح الفكر وبنائه بناء منهجيًّا سليماً، ويهدف إلى إعادة الصلة الممزقة بين الفكر والحياة، والانفتاح الواعي والذكي على الإنتاجية الفكرية الغربية، وفضلاً عن هذه الملامح المعرفية، فإن التواصل بين الخصوصيات الثقافية في العالم الإسلامي، ملمحاً جوهريًّا ضمن دوائرها ورهاناتها.
ونحن بدورنا نؤكّد أهمية مواصلة مقصد التعارف الذي هو العنوان المركزي لمجلة الكلمة، ونؤكد ضرورة أن تكون الكلمة فضاءً تطبيقيًّا من أجل تحقيق التكامل المعرفي بين العلوم والمعارف، ضمن رؤية توحيدية حضارية؛ لأن التكامل في مجالاته المتنوعة: التكامل المعرفي وتكامل القيم، مداخل استراتيجية لإصلاح التعليم وإصلاح الفكر، الذي لا يمكن أن تكون هناك أية نقلة حضارية من دونه، لأن التعليم هو الحمض الذي يُحوِّل مادته إلى الصورة التي يبتغيها، أي إن الفكر أيضاً هو حمض تحويل الإنسان إلى نموذجه وصورته؛ وبالتالي فحري بالكلمة مضاعفة النشر الذي يخدم أفق التكامل المعرفي، والبحث عن المسالك الفكرية والعملية التي تنقل الإنسان المسلم من طور السكون إلى طور الحركة، ومن طور الفتور إلى طور الفعالية والإنجاز والإبداع.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.