شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
وثيقة السلم الأهلي وتعزيز لغة الحوار*
* وثيقة أطلقها في بيروت ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار، بتاريخ 25 حزيران/ يونيو 2014م.
يمر العالمان العربي والإسلامي بفتن كبرى وتحديات خطيرة، على المستويات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، القلق على مصير الإنسان ومستقبل أوطاننا المهددة بوجودها، وبسقوط قيمها الأخلاقية والوطنية.
ولبنان في قلب الخطر من هذه الفتن وتحدياتها، لأسباب وعوامل عديدة، وفي مقدمتها الانقسامات السياسية الحادة، وغياب ضمانات فعلية للحؤول دون اندلاع العنف الداخلي، وولادة بيئة حاضنة للإرهاب على خلفية انفتاح البلد على صراعات الجوار الإقليمي، التي أودت بحياة مئات الآلاف من المدنيين والمواطنين الأبرياء من جميع المذاهب والطوائف والانتماءات، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى ملايين النازحين والمعوقين المنتشرين في مخيمات اللجوء والتهجير القسري.
وفي ضوء هذا الواقع لاحت بوادر الفتن الطائفية والمذهبية، وتسارعت وتيرة التحريض في هذا المنحى، وبدا واضحاً استغلال العصبيات الدينية في صراع سياسي بالغ الوضوح، ما يكرس النزاعات بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد، ويفتح الحروب المدمرة للبشر والعمران والحاضر والمستقبل، والمهددة للمقدسات والمقامات والرموز المسيحية والإسلامية.
وما زال الواقع العربي البائس يرزح تحت نيران هذه الحرب وشعاراتها الدموية الممعنة في حفر التناقضات الدينية والإثنية والعرقية في جسد الأمة، وتدمير مقومات العيش الوطني المشترك، وخصوصاً حين يتغطى ذلك بفتاوى شاذة ومشاريع ناشزة عن تعاليم الأديان ورسالاتها السمحة.
وبمعزل عن استعراض مصادر العنف بجميع صوره وأشكاله، فإن المجتمعات العربية والإسلامية تنتظر مبادرة محركة تأمل منها أن تساهم في تطويق الفتن ومعالجة أسبابها وتداعياتها، من خلال توفير الشروط الموضوعية لمناخ إيجابي مؤثر يدفع باتجاه التأسيس لرؤية ذات جدوى في تشكيل الهيئات والتيارات والمؤسسات المناهضة لتيار العنف العبثي وخطابه الأيديولوجي.
ونحن -مؤسسات المجتمع المدني- نطرح قضية العنف من جوانبها المختلفة انطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية، وضرورة العمل لمواجهة هذا التحدي بالتضامن والتكامل مع المؤسسات والجمعيات المماثلة، ولا سيما منظمات المجتمع المدني وسواها من القوى والفعاليات الثقافية والإعلامية والدينية والتربوية الممتدة على مساحة الوطن كله، مع اعترافنا بأن ما تقترحه هذه المبادرة الأولية لا يعدو أن يكون مدخلاً لوضع الأسس والمنطلقات لمبادرات وبرامج تستكمل الجانب العملي والتنفيذي من تطلعاتها على عين الله ورضاه.
أولاً: نؤكد على الأصول الإبراهيمية المشتركة بين الأديان التوحيدية، وندعو إلى سلام الأديان على قاعدة احترام التنوع الديني، ونرى في الأعمال العدوانية على مقدسات ورموز أي فئة عدواناً على الجميع.
ثانياً: نرفض استغلال الدين والمذهب في النزاعات السياسية بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة، كما نرفض نزعة الاحتواء السياسي للمذاهب الدينية وطوائفها، ونرى في استبداد بعض الحكومات وتخليها عن قضايا التنمية والاستقلال والحوار والتحرر والعدالة الاجتماعية، عوامل من شأنها تعزيز منطق التطرف بجميع ألوانه وخصوصاً التطرف الديني، ونشدد على أن ممارسة الإساءة والكراهية تجاه المسلمين في الغرب فضلاً عن سياسات الغرب المتحيزة في الكثير من الأحيان، ظاهرة سلبية تنتج المزيد من عواقب التطرف والتطرف المضاد.
ومن هنا يأتي الحرص على الدور الأخلاقي والاجتماعي للدين وأثره في تعزيز القيم الأخلاقية المشتركة بين الأديان لبناء السلم الوطني والأهلي، الأمر الذي يساهم في تعميم مساحات الحوار المجتمعي بعيداً عن القطيعة والحواجز الوهمية بين مختلف الديانات.
ثالثاً: ندين فوضى الفتاوى المحرضة على تأجيج الفتنة بين المسلمين السنّة والمسلمين الشيعة، والتي يمكن أن تنعكس على أبناء الطوائف الإسلامية الأخرى، ونرى فيها خطراً على وحدة الأمة واستقرارها وأمنها، ونرى أن الصراعات والصدامات الراهنة في العالم العربي والإسلامي لا علاقة لها بمذاهب السنّة والشيعة، وخصوصاً النهج الإلغائي لبعض الحركات بما يشوه صورة الإسلام والمسلمين، ونركز على وجوب وقف الاتهامات المتبادلة وحرمتها، فضلاً عن تحريم التكفير المتبادل بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم الشرعية والفقهية.
ونهيب بالعلماء ورجال الدين العمل على تطوير الخطاب الديني في ضوء المقاصد الأخلاقية السامية، ومنابذة أي حركة أو مشروع يستخدم العنف الديني أو يحرض عليه بتسويقه أو تبريره، وإلى استصدار الفتاوى من المرجعيات الإسلامية لتحريم وتجريم جميع أشكال العنف والقتل والخطف وانتهاك الحرمات، وازدراء الأديان، والأعمال الإرهابية الإجرامية والانتحارية، واعتبارها من ظواهر الفساد وجرائمه، مع التأكيد على دور المرجعيات الروحية كافة في تقديم الحلول الممكنة للتقريب بين المختلفين دينيًّا، من خلال الحوار المباشر ورعاية أنشطته وبرامجه ومؤسساته.
رابعاً: ندعو جميع جمعيات وهيئات ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الحوار المسيحي - الإسلامي، والإسلامي - الإسلامي، إلى إعداد خطة طوارئ دينية ومدنية، تعمل على إطفاء الفتن الدينية والأهلية، وتوحيد الموقف من تحليل ظاهرة العنف باسم المقدس، ومعالجتها من خلال البرامج المختصة، بدراسة أسبابها وتداعياتها الخطيرة.
وفي هذا المجال لا بد من العمل على جمع كلمة المؤسسات الدينية والمدنية والثقافية والتربوية والأهلية، والاستفادة من خبراتها وتجاربها في مجال تحقيق السلم الديني والمدني والأهلي، وفتح آفاق التعاون بينها، ووضع الخطط الزمنية لتنفيذ الأولويات من مقترحاتها في ضوء الواقع الراهن وتحدياتها.
خامساً: ندعو وسائل الإعلام المختلفة إلى احترام الأديان ورموزها ومقدساتها، وتحمل المسؤولية الكاملة في الدفاع عن الوئام الديني، والاهتمام ببرامج التسامح والحوار، ومجانبة التحريض المباشر وغير المباشر على الصراعات العرقية والدينية.
سادساً: نشدد على الالتزام والحفاظ على صيغة العيش الوطني المشترك، واحترام الحريات الدينية في إطار القانون والقيم الأخلاقية، وبذل كل الجهود الهادفة إلى تحقيق السلم الديني في لبنان والعالم العربي والإسلامي.
وندين اللجوء إلى العنف الديني، واستخدام السلاح الذي يهدد في الداخل وحدة الوطن وسلامة أبنائه، وندعو إلى الالتزام بالحوار المسؤول وسيلة وحيدة. مؤكدين على أن الحفاظ على الخصوصيات الدينية العقائدية والشرعية في لبنان، واحترام حرية المعتقد الديني للجميع، وحق المواطنة والمساواة الكاملة للجميع، لا تتنافى مع حق المجتمع المدني في التعبير عن أفكاره وآرائه الملتزمة بأدب النقد، وقيمه المعرفية والأخلاقية والوطنية.
إن الحفاظ على الوفاق الوطني، والعقد الاجتماعي اللبناني بكامل مكوناته، هو مسؤولية الجميع، لإنهاء حالة الاحتقانات المذهبية والطائفية الحادة. وعلى هذا الأساس نرحب بجميع المبادرات المتصلة بالحوار والعيش المشترك في لبنان، ونساند الجهود التي يبذلها رؤساء الطوائف اللبنانية للحفاظ على الصيغة اللبنانية وميثاقها.
إننا في هذا اللقاء، وبناء على هذه العناوين، وكل ما يساهم في نبذ العنف وتعزيز السلم الأهلي ولغة الحوار، نؤكد على استعدادنا للتعاون مع الجميع، ولمد اليد لكل مؤسسة ترغب بالمساهمة العملية في هذا الجهد، الذي نأمل أن يستكمل بخطوات عملية.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.