شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
مساءلة الحاضر
عند كانط وفوكو وهابرماس
الدكتور عطار أحمد*
* أستاذ محاضر بقسم الفلسفة، جامعة تلمسان، الجزائر.
- 1- من الواقع إلى النص
إنّ المتتبع للنّصوص المؤسِّسة للحداثة لا يمكنه إغفال مجهود كانط Emmanuel Kant ونصّه حول التّنوير الذي كان نصًّا لفهم ما يحدث، وجعل الحاضر وليس الماضي موضوعاً للتفكير، الأمر الذي تنبَّه إليه يورغن هابرماس في كتابه «الخطاب الفلسفي للحداثة» 1981، حين أدرجه ضمن سيرورة النّصوص المعالجة لها وصولاً إلى النّصوص الأكثر نقداً لها كأعمال دريدا وفوكو.
بمعنى آخر «من كانط الذي سمح نسقه الفلسفي بانفتاحات فكريّة لتدشين أوّل نظرة فلسفية في الحداثة مع هيجل، كما يعتقد هابرماس، إلى ديريدا الذي يعبّر عن لحظة فكرية من لحظات ما بعد الحداثة القائمة بشكل من الأشكال، على استلهام نمط النقد النيتشوي «نيتشه»، مروراً بماركس وفيبر وهايدغر والنظرية النقديّة»[1].
والسؤال ما قيمة النص الكانطي، وما هو مغزاه بالنسبة لفوكو وهابرماس؟
قبل الولوج إلى النّص الكانطي لا بد أوّلاً من الحديث عن أحد أهم مفاهيمه، إنّه مفهوم «الذات»، ذلك أنّ جوهر الفلسفة الكانطيّة هو التّأمل في الذّات، لأنّ السؤال الجوهري لأسئلته الثلاث (ماذا يمكنني أن أعرف؟ ماذا يجب أن أعمل؟ ماذا بوسعي أن آمل؟)، هو السؤال عن: ما الإنسان؟ إنه أساس فلسفة الوعي، فماذا تعني الذات في الفلسفة الكانطية؟
لقد كان عصر كانط عصراً جيداً، أوّل ما تميز به هو: مقولة الفردانيّة individualité ونمو مقولة الذّات، على جميع الأصعدة السّياسية، الاجتماعية، الجمالية...، ولم يخرج شيء عن هذا الإبستيمي، «فإنسان الحداثة يفهم نفسه على أنه كائن في الوجود مرتبط بنشاطه الخاص، أي كائن مستقل، ويملك غايته بنفسه، وهذا الفهم الجديد يعكسه الفهم الأدبي لكلمة «ذات»، التي يظهر من خلالها، (Sub-iectum)، إنّها لا تخضع إلَّا لنشاط هي صاحبته، وتجعل من الذّات مالكة لنفسها»[2]، وصانعة لقوانينها العامة.
أما من الناحية الفنية، فنلمس كذلك الحضور المتنامي «لحرية الذّات»، فالفن الحديث ممثلاً في الرّومانسية، نجده يعود إلى الطاقة «الداخلية» للفنان، لقد أضحى الفن تعبيراً عن تجربة ذاتية مستقلة، بوصفه شكلاً للحياة، ونعيم الاستمتاع بالذات، فانفعالات النّفس، وأحاسيسها كلّها ستأخذ قيمة فنية، «لنبادر إلى القول: إنّ مفهوم الذاتية هو أوّل المفاهيم التي شكّلت قاعدة الحداثة في كل المجالات بما في ذلك الفلسفة»[3].
في الفلسفة يتجسد مبدأ الذّاتية عبر الكوجيتو الديكارتي «الذي يظهر، كذاتية مجردة، في عبارة: أفكر إذن أنا موجود «Cogito Ergo Sum» عند ديكارت، وفي شكل صورة وعي للذات متعالي عند كانط»[4].
بمعنى أنّه «سيتحقق هنالك عبور من ديكارت إلى كانط، عبور من الذات العارفة انطولوجيا (le je pense) إلى الذات التروستندالية (Transcendantale)»[5]، ليصل إلى الذات المطلقة مع هيجل.
إنّ مهمّة كانط كانت مبنيّة على تحرير مبدأ الذّاتية، فبتنصيبه للعقل محكمة عليا خلَّصه من حالة القصور، ودفع العقل للقِران مع الإرادة الحرّة، فتحت عنوان «ما معنى أن تهتدي بالعقل؟»، يجيب: Penser par soi même بالألمانية Selbstdenken «هي أن تعتمد على نفسك»، هذا هو شعار الأنوار ونقطة انطلاقه، ومحرك الوعي في مجتمع على طريق الحرية»[6]، وتجاوزه للعقل الموروث عن الفلسفات الميتافيزيقية التقليدية بواسطة ملكة بداخله هي النقد la critique.
لقد تصوّر كانط أنّ عصره هو عصر النّقد[7]، نقد كلّ شيء بما في ذلك نقد سلطة الدّين وسلطة السّياسي المستبد والنّقد المعرفي، ومنه جعل كانط من الذّات قابلة للتّجزؤ والنّقد، للتّعامل مع ميادين: المعرفة بالعقل النّظري، والأخلاق بالعقل العملي، والحكم الجمالي بملكة الحكم، وكلّها تعبيرات عن مبدأ الذّاتية، لتنتهي دائرة تحرارته إلى نقد ذاتي، حيث «يظهر المنعرج الكانطي عندما يرتدّ العقل على نفسه، ويعتبر أنّ اختبار مجاله الخاص للنقد، هو اعتراف بامتياز لحدوده، بذلك ستتعرف كل النّماذج النّقدية على نفسها بالنسبة للنقد الكانطي»[8].
وسيتواصل هذا التحرير للوعي والمزج بين الذاتية والحرية مع هيجل، أين ما امتزجت الذاتية بالحرية تظهران أهميتهما كمفهومين «يتغلغلان في الدّولة، الدين، والمجتمع، ففي كتاب هيجل «أصول فلسفة الحق»، يتلخص بوضوح تجسُّد مبدأ الذّاتية داخل إصلاح الحياة الدّينية، العلم الحديث، الأخلاق، الفن..، يقول هيجل: «إنّ حق الحريّة الذاتي، يشكل النّقطة المركزيّة، والنّقدية التي تعلن الفرق بين الأزمنة الحديثة، والقديمة»[9].
ومنه نفهم فلسفة كانط كتعبير عن عصر جديد، هجر المطلق، ويجتهد ليحل محله ذات حرة تتحكم في دوائر كانت حكراً عليه، فهل يمكن للذات أن تحلّ محله؟
حول هذا الإبدال كتب شيلنغ عبارة مقلقة جاء فيها: «الأب الرّب» نأى بجانبه عن الاستمرار في الخلق، وترك المجال للإنسان لتولي هذه المهمة. إلَّا أنّ المخلوقات التي تتمتع بالحرية من واجبها استخدام هذه الحرية توظيفها بالطريق الصحيحة، وبالاستعانة باللّغة يتوجب على هذه المخلوقات، أن توجد الاعتراف المتبادل فيما بينها...»[10].
لكن هذا الإبدال رغم إيجابيته إلَّا أنه يحمل بداخله قلقاً كونه خطوة جديدة نحو المجهول، إنها محاولة تحمل الجدة في كل جوانبها مما يجعلها فريدة وليس لها سابقة تنحو منحاها أو تستفيد من تجربتها، فحرية هذه الذات يجعل تجربتها هي الأولى، وأمام مشكل فقدان النّماذج والمعايير المرجعية التي نستند إليها، وجب على الحداثة، أن تبحث عن كلّ هذا في ذاتها.
لذا وجب على الوعي ومبدأ الذّاتية، المتحررين من كلّ إلزام ديني، أن يتلمَّسا طريقهما لوحدهما، لتأسيس الأخلاق، الفن والعلم، بعد أن فقد كلّ معيار مطلق، «فمشروع التّنوير الغربي في اللحظة التي كان يقطع فيها مع المشروع اللاهوتي المسيحي، كان يعاني من بذرة انفصام داخلي ذاتي في أعماق لحمته وبنيته»[11].
وهذه معضلة أرَّقت كانط وهيجل فيما بعد، ففي «فينومينولوجيا الفكر»، شيد هيجل «أوديسا الذات»، منذ بداياته المتماهية كليًّا مع الطبيعة، وصولاً إلى ميلاده، ميلاداً جديداً، في الأزمنة الحديثة، ومصالحته مع واقعه، وأدرك بريقها ولكن كذلك شروخاتها.
ورغم نضج وعي هيجل بالتنوير إلَّا أننا سنقف عند زمن سابق لزمن هيجل هو زمن كانط، وبالأخص نصه إجابةً عن سؤال التنوير «ولو أنّ هذه الإجابة تظهر لنا اليوم متواضعة»، إلَّا أنّها لم تكن الوحيدة في وقتها، فيمكن أن نستحضر في السّياق نفسه إجابة أحد التنويريين الألمان وهو: كريستوف مارتن فايلن Christoph Martin Wieland عن ما هي الأنوار؟، أجاب بما يلي:
«كلّ إنسان له على الأقل إحدى عينيه، تعمل على التّمييز الموجود بين الضوء والظلمة الأنوار والظلمات، ففي الظلمة لا نرى الأشياء، أو على الأقل ليس بوضوح لنتعرف عليها والتفريق بينها، وبمجرد أن يأتي النور تتضح الأشياء فتصبح مرئية ونقدر على التّمييز بينها. لكن لبلوغ ذلك هناك شيئان ضروريان: أوّلاً: يجب أن يكون هناك قدر كافٍ من الضوء، وثانياً: فإنّ على الذين يرون ألَّا يكونوا عمياً ولا يعانوا من عاهة، ولا يكونوا ممنوعين بواسطة سبب آخر على المقدرة أو إرادة الرؤيا»[12].
نفهم من هذا الاقتباس تنوع الإجابات حول التنوير، وتفرد كانط بالشهرة عنها، فما هي أصالة كانط في هذا الموضوع؟.
- 2 - كانط[13]: جواب عن سؤال ما التّنوير؟
في هذا المقال أجاب كانط عن سؤال طُرح من طرف القس زولر Paster Zoller حول الأنوار Aufklärung نشر في مقال ظهر في يناير 83 في المجلة نفسها Berlinische Monatsschrift حيث «إنّ المفهوم الألماني» Aufklärun يترجم بالأنوار (بالجمع)lumières، ولو أنّ هذه الكلمة lumières الفرنسية تقابلها بالألمانية licht لهذا فإنّ ترجمتها بالأنوار هي أقرب ما تكون ترجمة أدبية، وإنّ المصطلح الألماني Aufklärung هو كلمة مركّبة من Auflaren التي تعني éclairer الإضاءة، والزائدة الألمانية ung التي تعني في الآن نفسه فعلاً أثناء الحدوث[14]، أو نتيجة لهذا الفعل، وأحياناً أخرى حالة أو موضوع Objet»[15].
ومهما تكن الترجمة الصحيحة فإن المعنى الذي قصده كانط كان العبور من الظلمة إلى حالة إيجابية هي التنوير، ثم يحلل ما هي أسباب وجود الحالة الأولى، وما هي عوامل الانتقال إلى الثانية، يجيب كانط: «إنّ الكسل والجبن هما السببان اللذان يفسران بقاء السّواد الأعظم من النّاس، برغبة منهم، قاصرين على الرغم من أنّ الطبيعة قد حررتهم، منذ زمن بعيد، من كل توجيه خارجي، ممّا يُسهّل على البعض فرض ذواتهم عليهم كأوصياء»[16].
إذا هي وصايا نتاج عدم استعمال العقل، وجبن الضمير ممّا فتح المجال للآخرين لفرض الوصاية عليهم، وتخويفهم من استعمالهما، من تحررهم، ومن ثمة فإنّ قلّة من الجمهور عرف الاستنارة، ليفكروا بأنفسهم بدل هؤلاء الأوصياء الذين يثبتون الأحكام المسبقة والاستبداد، ويخافون من خطوة التّحرر، هذا هو فحوى النص الكانطي الشهير «ما الأنوار؟».
«إذ ما قاربنا مفهوم الأنوار المعالج هنا، مع نفس المفهوم الحاضر في نصوص أخرى لكانط، فإنّ الفكرة السائدة هي التّالية: فكّر بالاعتماد على ذاتك «Penser par soi- même» إنه المعنى الذي يتكرر، ويبقى في الأخير بالنسبة له المعنى الأساسي لمفهوم التنوير»[17].
إذاً هي مهمة لتحرير الوعي من كل ما يسجنه أو ينقص من قدراته للتخلص من مقولة: لا تفكر بل نفذ[18]، النّداء الطّاغي على كلّ الأصوات، عند السياسي والعسكري والديني، ولو أنّ كانط يفرق بين استعمالين للعقل، ويقول: «ينبغي أن يكون الاستعمال العام لعقلنا حرًّا على الدوام، لأنّه الوحيد القادر على نشر الأنوار بين النّاس، بينما يمكن أن يحدّ الاستعمال الخاص، دون أن يمنع ذلك تقدم الأنوار بشكل ملموس»[19].
نفهم من ذلك وجود استعمالين للعقل، الأوّل: عمومي وعلينا جعله حرًّا، والثاني: خاص يمكن الحدّ منه، بمعنى أنّ المصلحة العامة تفرض خضوع الفرد وطاعته، كونه عضواً في المجتمع وتحت قوانينه، وبالمقابل فإنّه يمكن أن يسهم برأيه حول المجتمع والقوانين بعد أن يلتزم بها، بمعنى أنّ استعمال العقل فيه «تحمل لمسؤولية ذاتية تُجاه النّفس ومسؤولية جماعية ترتبط بالإسهام في بناء الفضاء العمومي الذي ينتمي له الفرد، لذلك فإن مدلول التّنوير يرتبط بالنزوع الموضوعي للتطور لأجل بناء فضاء أفضل وأرقي»[20].
لكن لننتبه أنّ كانط لا يقصد بالتّحرر من الوصاية فقط للفرد، بل يولي أهمّيته الجماعية كذلك «التّنوير الجماعي»، عبر الاستعمال العمومي للعقل، فتبادل الآراء وسط جوٍّ عام من الحرّية سيساهم في تشكيل سلطة تشريعية ثمّ نقدية، فهاتين الوظيفتين تؤسسان لعقلانية تراقب الدّولة، وتبنيان مفاهيم: المواطنة، الديمقراطية، والمجتمع المدني.
بعد هذا التّفريق يطرح كانط سؤالا جوهريا هو: «هل نعيش حاضرا مستنيرا؟» فيجيب بالنفي؛ لأنّه ما يزال يعتبر العصر بداية انتشار للأنوار، حكم كانط على عصره هو كذلك نقد مبطن لواقعه خاصة في ألمانيا مقارنة بغيرها من الدول كفرنسا مثلاً، وهذا يدفعنا إلى التفكير في بداية التنوير بين فرنسا وألمانيا، البداية التي يمكننا ربطها أولاً بظهور الفكر التنويري ثم تغيرات واقعية في كلا البلدين.
«وبالفعل فإنّ تاريخ الفلسفة أو الأدب الألماني يشير إلى أنّ الحقبة المسماة الأنوار، تبدأ في ألمانيا تماماً كما في فرنسا في نهاية القرن السّابع عشر، طبعاً كما يعلق ماندلسون Mendelssohn فإنّ الأشياء تظهر ثمّ تلحقها أسماؤها أخيراً»[21].
وكما أشرنا من قبل فإن هناك نصوص عديدة[22] تحدثت عن التنوير، فحاولت فهمه بجعله موضوعاً للتفكير الفلسفي كحدث تاريخي يستحق التأمل كونه وعي الأنا بتغيرها، وتغير حاضرها، مما يسمح لها بالتريث والسعي لاستيعابه.
عند هذا الحد نفهم أصالة النص الكانطي، فهو ليس تأملاً في التاريخ وحركته، بل الاعتقاد بأن هذه الحركة تحدث داخل الوعي نفسه وليس خارجه، ولو أن هذا الخارج يتفاعل لاحقاً بما تغير داخليًّا في العقول، وهنا نفهم الفرق بين نص كانط والنصوص الأخرى[23].
وأوّل ما يلفت الانتباه لهذه النّصوص مقارنة بنص كانط، هو «أن كانط ينضج مفهوماً فكريًّا ثقافيًّا، أكثر منه مادي «التفريق بين الحداثة والتحديث»، فيتميز بذلك عن أغلب معاصريه، فمندلسون[24] Mendelssohn، في إجابته عن سؤال: über die Frage: was heisst Aufklärung? وكوندرسيه Condorcet، كلاّهما يدافع عن مفهوم واقعي للأنوار، عندما يعرفونها بتقدم حضاري، أي بالمضمون المادي، وبالعكس عند كانط يقترح مفهوماً صوريًّا لأنّ مصطلح Aufklärung لا يعني سيرورة تحقق المكاسب، ولكن أولاً: إصلاح حقيقي في طريقة التّفكير[25].
هاهنا يفهم عمق الطرح الكانطي للأنوار، بتناوله للتنوير كفعل ذاتي مركزه الوعي الحر، لأن فعل التنوير يرتكز أولاً على الإرادة الحرة، ثم يخرج إلى العالم الخارجي، وهذا ما تفهم به فكرة الثورة الكوبرنيكية التي أحدثها كانط وجعلت معاصريه ومن جاء بعده يعتبر كانط مفتاح الحداثة، وهو تماماً التصور الذي يقدمه يورغن هابرماس عندما يحكم على مواطنيه كانط وهيجل كمنضجين للحداثة، كما أن ميشال فوكو يعتبره كذلك بحق عتبة حداثتنا».
إنّ تصور فوكو حول كانط والحداثة يشابه كذلك الطرح الهيدجري، «فعلى النقيض من هوسرل الذي يرفض أن يرى في الكانطية عتبة الحداثة، من حيث أنّ إشكالياته تماثل إشكالية ديكارت وترتكز عليها، فإنّ هيدجر يعتبر كانط مؤسسا أو رائدا (L’investigateur)، للحداثة الفلسفية..»[26].
من خلال هذه الاقتباسات نلاحظ أنّ هناك اهتمام مزدوج بالنّص الكانطي، من طرف قطبين متعارضين للحداثة وما بعد الحداثة، هما: هابرماس وفوكو، «وإذا كانت العلاقة بين فوكو وهابرماس هي في الأرجح علاقة موسومة بعدم التّفاهم وسوء الفهم المتبادل[27]، فإنّ فلسفتيهما ليستا بنفس القدر من التعارض، بل إنّ لهما قاسماً مشتركاً، فالجواب الكانطي على سؤال الأنوار، يشكّل مركز اهتمام مشترك، ولو أنّ كل واحد منهما يقترح قراءة مختلفة»[28]، فلنستفهم فحوى الاهتمام الفوكوي بالنّص الكانطي، واهتمام هابرماس به.
- 3 - سؤال فوكو عن إجابة كانط
للإجابة عن السؤال المطروح يدعونا ميشال فوكو لإظهار بعدين للنّص، الأوّل تاريخي والثاني معرفي»[29]، وفي تعليق له، عبر نصين مختلفين الأوّل بالإنجليزية والثّاني بالفرنسية، يتبعهما فيما بعد بوريقات حول الحداثة عند بودلير، يقف عند اللحظة النّقدية التي يدشنها فيلسوف التّنوير، فيرى أنه دشن سؤالاً جديداً هو السؤال عن: حاضرنا؟ عن الرّاهن «وحسب فوكو لا يُعدّ سؤال الحاضر هذا جديداً عند كانط، بل ما يمكن اعتباره جديداً واكتشافاً مهمًّا هو الكيفية الجديدة التي قارب بها كانط حاضره»[30].
«يرى فوكو أن سؤال التّنوير هو سؤال الحاضر المحض، فهو لم يبحث عن فهم الحاضر انطلاقاً من كلية أو مستقبل، إنّه يبحث عن حدث مختلف يجعله مدخلاً يبتعد عن الأمس»[31]، ويلج بنا إلى الحداثة، وهذا ما جعل كانط أوّل فيلسوف يصوّب سهم قوسه نحو قلب الزّمن الحاضر، مكثف ومحول إلى راهنية ليفتح بذلك خطاب الحداثة»[32].
عند هذا الحد نعي تحليل فوكو للحظة الكانطية، لكن السؤال الملفت الذي يطرحه هابرماس وهو يحلل نص فوكو، الذي بدوره يحلل نص كانط، الذي يجيب عن سؤال في مقال آخر ما الأنوار، هو: كيف لفوكو أن يهتم بهذه الدّراسة النقدية الكانطية، وهو المعارض والباحث عن آليات السلطة الحداثية؟.
فالمعروف عن فوكو أنّه أجهد نفسه الاقتفاء أثر «إرادة المعرفة»، لأجل فضح استراتيجيات السلطة، فَلِمَ يا ترى يعود لبدايات الحداثة؟ فالعجيب أنّ فوكو في أواخر أيامه غير موقفه من الحداثة «حيث عاد إلى حظيرة التّنوير من خلال شرحه الشّهير لنص كانط ما هو التّنوير؟ وعندئذ راح ينسب نفسه إلى ميراث كانط النّقدي العقلاني لأوّل مرة»[33].
يَعتبر هابرماس هذه العودة تداركاً «للتّناقضُ الإنجازي Contradictio Performative»[34] الذي سقط فيه، «فإنّه يمكننا القول بأنّه ارتبك في تناقض مفيد، وربما ستكون قوة هذا التناقض هي التي أعادت فوكو مع هذا النّص الأخير إلى المياه الإقليمية للخطاب الفلسفي للحداثة، الذي أراد الانفلات منه بالرغم من ذلك[35]”، حيث أن السؤال عن الحاضر: هل هو الحداثة أو ما بعد الحداثة، قد أثار جدلاً حادًّا بين التيار الما بعد حداثي وبالأخص جون فرانسوا ليوتار الذي اعتبر أن الحاضر هو ما بعد الحداثة، في حين اعتبر هابرماس الحداثة مشروعاً لم يكتمل بعد، وساهم فوكو في التفكير حول ماهية الحاضر.
ومهما يكن من تصور فوكو المعارض أو المتدارك لهذا الموقف من الحداثة، إلَّا أن ما يهمنا هو انه أكد على قيمة السؤال الكانطي «النقدي للحاضر»، وهابرماس بدوره ثمن هذه المسألة وضم صوته إليهما حول ضرورة نقد ومساءلة الحاضر ومعالجته كموضوع فلسفي للتفكير.
ذلك أن نظرة فوكو[36] لنص كانط الشّهير ما الأنوار؟، جاءت من زاوية تصوره للحظة تاريخية هامة في مسيرة العقل الغربي، إنّها العتبة التي غيرت وجه العالم، كونه فتح السؤال عن الآن، الحاضر، وهو سؤال أنطولوجي عميق[37]، «فأنطولوجيا الحاضر تعتبر طريقة جديدة للتّفكير التي تربط السؤال: من نحن؟، بالاستفهام النّقدي حول الحاضر: ماذا يحدث اليوم؟، ما هو بالضبط هذا الحاضر، الذي انتمي إليه؟،...إنّه سؤال يخترق كلّ الفلسفة الألمانية: من كانط إلى هيجل وماركس، وصولاً إلى مدرسة فرانكفورت، ولم يبدأ هذا السؤال فقط مع نصّ كانط، بل لقد وجد حتى في الإصلاح، إنّه استفهام تاريخي نقدي historico-critique»[38].
«وقد اكتشف فوكو في كانط المعاصر الذي يحوّل الفلسفة الباطنية إلى نقد للزمن الحاضر، أي أن يستجيب لإثارة اللّحظة التّاريخية. ورأى فوكو في جواب كانط عن سؤال: ما الأنوار؟ انبثاق (أنطولوجيا الرّاهنة..)»[39] ويجعل من التّفلسف في الراهن «في الوجود الآني والهوية»، موضوعاً للتّفكير، فلقد مهد كانط الطّريق لهيجل لتحويل الحداثة إلى موضوع للتفلسف، وهو تقليد ثانٍ سيبقى كذلك متواجداً في الفلسفة الألمانية حتى هابرماس، مروراً بنيتشه وهيدجر.
خاتمة وخلاصة
ومجمل القول أن كانط كان أكبر ممثّل للأنوار الألمانية[40]، ويعتبر نصّه حولها البرنامج الفكري والأخلاقي والسّياسي للحداثة، فمساهمته في النّقاش المثار سنة 1783 من طرف مجلة Berlinische monatsschrift أسهم في فهم الحداثة، كما أنّه أوّل من فصل داخل العقل التّقليدي، وفي الفلسفات التأملية الكلاسيكية: بين عقل عملي وآخر نظري، وملكة الحكم الجمالي، بما يقابلها من ميادين ثلاثة (العلم، الأخلاق، الفن)[41].
ويرى هابرماس هذه التّمييزات كانعكاس لشروخ كانت موجودة بالفعل، إنّ كانط عبّر بطريقة غير واعية عن عصره، وواصل هيجل التّقليد الكانطي في اعتبار الحداثة موضوعا للتّفكير وواصل معه تصور عقل مجزأً، لكنّه تنبّه أكثر من كانط لتصدعات الحداثة، ممّا جعله يؤسّس كذلك تقليداً لنقد الحداثة، سابقاً للنقد الجذري لها مع فريدريك نيتشه.
ومنه نفهم المغزى الهابرماسي من إعادة قراءة النص الكانطي للبرهنة على أن قضية نقد الحداثة لم تبدأ مع نيتشه وإنما هي سابقة عليه، ووضع الحداثة كموضوع للتفكير الفلسفي ثم نقده هو تقليد كانطي، تنبه إليه كذلك فوكو الذي اعتبره فاتحا لدرب جديد في التفلسف هو: التفكير في الراهن اليومي (في أي عصر نعيش؟)، ومقالنا جاء للتنبيه والتذكير بهذه المهمة الفلسفية النقدية الهامة.
[1] سالم يفوت، هابرماس ومسألة التقنية، مجلة فكر ونقد، العدد الأول – دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب - الرباط - سبتمبر، 1997.
[2] Gérard Rault et Jean Marie Vaysse, Communauté et Modernité, Harmattan, Paris, 1995, p 218.
[3] محمد الشيخ وياسر الطائري، مقاربات في الحداثة وما بعد-الحداثة حوارات منتقاة من الفكر الألماني، دار الطليعة، الطبعة الاولى، بيروت، 1996، ص 12.
[4] Habermas J, Le discours philosophique de la modernité, douze conférences, Tr; Christian Bouchindhomme et Rainer Rochlitz, Gallimard, 1988, p 22.
[5] Charles Ramond, Kant et la pensée moderne, Presse Universitaire Bordeaux3, France, p 48.
[6] Jean Mondot (textes choisis et traduits par), qu’est- ce que les lumières?, Presses Universitaires de Bordeaux, 2007, p 123.
[7] Kant, CRP, 1781, p 727.In, Denis Houard, critique philologique et philosophique chez le Clerc Heumann et Kant, Revu philosophique, Tom 39, Ann 124, PUF, 1999, Paris, p150.
[8] Denis Houard, la Critique Après Kant, Revu philosophique, Tom 39, PUF, 1999, Paris, p148.
[9] Etienne Ganty, Penser la modernité, op.cit, p 49.
[10] هابرماس، يورغن هابرماس لمحة موجزة ، مختصرات من رسالته في الدكتواره، مجلة دوشلند، 2009، ص 24.
[11] مطاع الصفدي، تنوير المنير، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد37، مركز الإنماء القومي، 1985- 1986، ص58.
[12] Jean Mondot, qu’est- ce que les lumières?, op.cit, p123.
[13] جاء نص كانط «ما الأنوار؟» الذي صدر في «المجلة الشهرية البرلينية» عدد ديسمبر 1784 كإجابة عن سؤال حول ماهية الأنوار طرح بطريقة استنكارية وتهكمية، في عدد شهر ديسمبر من سنة 1783، من طرف راهب غير مشهور يقطن بالعاصمة برلين اسمه تسولنر Johann Friedrich Zöllner، ولقد جاء السؤال الاستفزازي في نهاية مقال عالج مسألة «قانون الزواج المدني»، الذي بدأ ينتشر آنذاك، ولقد انتقده هذا الراهب ذو التوجه البروتستانتي بشدة، في المقابل أشاد بعقد الزواج الكنسي ونصح المؤمنين والدولة بالتمسك به Jean Mondot, qu’est- ce que les lumières?, op.cit p 07.
[14] إنّ إعادة التّفكير في المعنى اللغوي لمصطلح الأنوار يدفع إلى التفكير من جديد وبشكل تأويلي مختلف عن مغزاها الذي يدل على أنها عملية تدريجية انتقالية وهو المعنى نفسه (التغير) الذي نجده عند بودلير في كتابه «رسام الأزمنة الحديثة».
[15] Jean Mondot, qu’est- ce que les lumières?, op.cit, p 08.
[16] وحيد بوعزيز، فوكو والأنوار، مجلة أيس، العدد 1، الجزائر، جوان 2005، ص 7.
[17] Jean Mondot, qu’est- ce que les lumières?, op.cit, p15.
[18] Kant: «Raisonnez autant que vous voudrez et sur tout ce que vous voudrez mais obéissez!» in, Stéphane Haber, Yves Cusset, Habermas et Foucault, Parcours croisés, op.cit, p 178.
[19] إيمانويل كانط، ما الأنوار؟، ترجمة: نعيمة حاج عبد الرحمن، مجلة أيس، العدد 1، الجزائر، جوان 2005، ص8.
[20] سامية الهواشي، من نقد الخرافة إلى نقد الاغتراب، فلسفة النقد ونقد الفلسفة في الفكر العربي والغربي، مرجع سابق، ص 65.
[21] Ibid, p 09. - Voir aussi «Chapitre: 09. Autonomie et sortie de la minorité, La fonction du concept d’Aufklärung», in «Stéphane Haber, Yves Cusset, Habermas et Foucault, Parcours croisés, op.cit.», p 173.
[22] ذلك «أنّ الألمان يحملون لزمن أبعد ما هو عند الفرنسيين، نصوصاً تتحدث عن الأنوار وتحوم حول النّص الكانطي الشهير «ما هي الأنوار؟» Was ist Aufklärung لكن لماذا يحضى النص الكانطي بكل هذه الهالة والاهتمام، عند التّطرق لموضوع الحداثة، رغم أنّ هناك نصوص عديدة تحوم حول النّص الكانطي الذي ظهر في الجريدة الفصلية لبرلين (Berlinische Monatsschrift) نصوص تعالج نفس الموضوع (الأنوار)، ولو أنّ المؤلفين ليسوا بنفس شهرة كانط، لكنّ نصه ليس سابقاً عليهم، بل هو يتوسطهم. وإذا كان النّص الكانطي ترجم في فرنسا فإنّ النّصوص الأخرى ظلّت غير معروفة رغم أهميتها فإنّ التّعرف عليها سيخرج النّص الكانطي من يتمه مكانته وسطهم ليس فلسفيًّا فقط، بل كذلك سياسيًّا ودلاليًّا sémantiquement, Jean Mondot, qu’est- ce que les lumières?, op.cit, p 7.
[23] Jean Mondot, qu’est- ce que les lumières?, op.cit, p 07.
[24] موسى مندلسون (Moïse Mendelssohn) ولد في 6 سبتمبر 1729، بداسو Dessau وتوفي في 4 جانفي 1786 ببرلين، فيلسوف ألماني، من تيار الأنوار وهو جد الموسيقار الشهير فليكس مندلسون، يعتبر موسى مندلسون أحد مفكري الحسكلة (l,Haskalah) (حركة التنوير داخل الفكر اليهودي)، يرى فيه ميشال فوكو: «منعرج أساسي في الفكر اليهودي والألماني»، خاصة مع نصه حول التنوير الذي صدر قبل شهرين من ظهور نص كانط، حول الأنوار، ولو أن كانط يشير إلى انه لم يطلع عليه، إلا أن الفرق واضح بين الفيلسوفين حول المشروع، فإذا كان مندلسون يفضل الفعل: «يضيء» «éclairer» (Aufklären)، الذي هو ملموس وعيني، وأكثر تحديدا، فإن كانط يفضل الاسم: «الأنوار» Lumières» (Aufklärung) الأكثر عمومية وتجريدا، كما أن كانط أكثر تفاؤلا من مندلسون.
Denis Huisman, dictionnaire des philosophes, op.cit, p 3901, Voir aussi, Dominique Bourel, Moses Mendelssohn, la naissance du judaïsme moderne, Paris, Gallimard, NRF, 2004, pp 640,648.
[25] Stéphane Haber, Yves Cusset, Habermas et Foucault, Parcours croisés, op.cit, p 176.
[26] محمد سبيلاً، مخاضات الحداثة، دار الهادي، ط1، بيروت، 2007، ص 29-30.
[27] لم تكن لقاءات فوكو وهابرماس حميمية أبداً، ففي حين لا يذكر فوكو هابرماس إلَّا في القليل النادر، فإن هابرماس على العكس تماماً، يحاوره في النص التأبيني «سهمٌ في قلب الزمن الحاضر»، كما خصص له فصلين كاملين في كتابه: الخطاب الفلسفي للحداثة. فلم يتوافق موقف فوكو مع هابرماس في تصور الحداثة، ولا موقف فوكو وليوتارد اللذان يرفض حتى هابرماس، وضعهما في الخانة نفسها، كون فوكو: «يرفض التخندق داخل أو خارج الحداثة»، ويمكن رصد ثلاث تقاطعات معرفية بين الفيلسوفين: الأولى سنة 1980 حين ألقى هابرماس محاضرته حول: «الحداثة مشروع لم يكتمل بعد»، التي ستترجم إلى الفرنسية في السنة الموالية، وسنة 1982، يعالج فوكو نص كانط «ما التنوير؟»، وفي العام الموالي يلقي هابرماس أربع محاضرات في «الكوليج دي فرانس»، انسحب فوكو دون أن يستمع إليها، وهي التي ستنشر في «الخطاب الفلسفيّ للحداثة»، أما أول لقاء بينهما سيكون: «في مارس 1983، وسيكتب هابرماس مقالاً تأبينيًّا، بمناسبة وفاة فوكو، في جوان 1984.
[28] Stéphane Haber, Yves Cusset, Habermas et Foucault, Parcours croisés, op.cit, p 167.
[29] Ibid, p 173.
[30] وحيد بوعزيز، فوكو والأنوار، M. Foucault, Qu’est-ce que l’Aufklärung?، مجلة سابقة، ص9.
[31] Stéphane Haber, Yves Cusset, Habermas et Foucault, Parcours croisés, op.cit, p 174.
[32] هابرماس، سهم في قلب الزمن الحاضر، تر: بلعباس أحمد، مجلة فكر ونقد، السنة الأولى، ع 3 – نوفمبر 1997، ص 23.
[33] محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، ما بعد الحداثة، تجلياتها ، دار توبقال، ط1، المغرب، 2007.ص68.
[34] لفهم هذه التناقض يمكن العودة إلى المحاضرة الرابعة من كتاب هابرماس، الخطاب الفلسفي للحداثة.
Habermas J, Le discours philosophique de la modernité, p105.
[35] هابرماس، سهم في قلب الزمن الحاضر، مرجع سابق، ص60.
[36] «يعترف هابرماس أن فوكو دعاه لمائدة مستديرة لمناقشة نص كانط ما الأنوار(مع هربرت درايفوس، وريتشارد رورتي، وتشارلز تايلور)، بمناسبة مرور مائة عام عليه، في أكتوبر 1984، علماً أنه كان يجهل صدور تعليق لفوكو حوله، ولم يفهم هابرماس مقصود فوكو، إلَّا بعد اطلاعه على دراسته للنص في ماي 84. انظر النص التأبيني لوفاة فوكو: هابرماس، «سهم في قلب الزمن الحاضر»، مرجع سابق، ص 54.
Voir: Habermas J, «Une flèche dans le cœur du temps présent», Critique N° 471 - 472, août-septembre, 1986, p p 794 - 795.
[37] يمكن أن نتفهم خلفيات هذا الاهتمام من خلال هذه الفقرة التي يقول فيها ميشال فوكو: «اعتبر نفسي صحفيًّا، من حيث إن ما يهمني هو الراهن l’actualité ما يحدث حولنا، ما نحن عليه، ما يحدث في العالم. إن الفلسفة حتى قدوم نيتشه كانت غايتها هي الأبدية، لقد كان نيتشه أول فيلسوف صحفي أدخل اليومي إلى الفلسفة، فمن قبل كان الفيلسوف يهتم بالزمن والأبدية، لكن نيتشه شغله الحاضر(...) فإذا أردنا أن نكون سادة مستقبلنا فعلينا طرح سؤال اليومي بجدية، لهذا السبب تظهر لي الفلسفة كنوعاً من الصحافة الجذرية (espèce de journalisme radical)
- Michel Foucaul, le monde est un grand asile, 16 juin 1973, In, Fred Poché, une politique de la fragilité, Ethique, dignité et luttes sociales, «Avant-propos», éditions du cerf, Paris, 2004, p11.
[38] Stéphane Haber, Yves Cusset, Habermas et Foucault, Parcours croisés, op.cit, p 93.
[39] هابرماس، سهم في قلب الزمن الحاضر، تر: بلعباس أحمد، مجلة فكر ونقد، السنة الأولى، ع 3 – نوفمبر 1997، ص60.
[40] هناك من يعتبر الفكر التنويري الكانطي ناقصاً وحمل الكثير من التنازلات وقدَّم «تقييماً سلبيًّا لفلسفة كانط بسبب موقفه المتوتر والمتذبذب من الدين،.. والذي فيه تنازل قد يخذل كل من رغب في التنوير الكامل واللامشروط». انظر: محمد المزوغي، عمانوئيل كانط الدين في حدود العقل أو التنوير الناقص، دار الساقي، ط1، بيروت، 2007، ص 24 وما بعدها.
[41] هابرماس، الحداثة وخطابها السياسي، ترجمة: جورج تامر، دار النهار للنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2002، ص 209.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.