شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
كيف صنع الإسلام العالم الحديث؟
السؤال اللغز ومسؤولية المثقف المسلم
مراد غريبي*
* كاتب وباحث من الجزائر.
الكتاب: كيف صنع الإسلام العالم الحديث؟
الكاتب: مارك غراهام.
ترجمة: عدنان خالد عبدالله.
الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث.
إصدار يبدو من عنوانه أنه إرهاصة جديدة من إرهاصات نظرة الآخر للإسلام والمسلمين كموضوع عام وهوية دينية تاريخية متفاعلة مع الإنسانية منذ ميلاده حتى الزمن الجديد، زمن انفجار الهويات وصراع الحضارات ونهاية التاريخ، لكن كتاب «كيف صنع الإسلام العالم الحديث؟ (How Islam CreatedThe Modern Word) لمؤلفه مارك غراهام الصادر باللغة العربية عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث (كلمة) في طبعته الأولى سنة 2010، هو قراءة مغايرة لعنوان الإسلام كدين وحضارة لا تزال بصماتها راسخة في الأذهان في تفاصيل حركة الحياة الإنسانية.
كتاب خطّت فصوله حسب المؤلف انطلاقًا من مبدأ تربوي تعلَّمه عن والديه منذ نعومة أظافره كما أشار إليه في إهدائه: «علماني محبة الحقيقة وفضيلة الاحتفاظ بذهن متفتح». هكذا اختصر الكاتب رحلته البحثية والاستكشافية في تاريخ الإسلام العلمي بشتى أبعاده وآفاقه ومستوياته، على أنها ثمرة تربية خاصة بحب الحقيقة وفي رحاب ثقافة الانفتاح والاستطلاع الثقافي، التي أخذته لشوارع قرطبة بإسبانيا إلى ما هنالك من مقدمات. وتوطئة البروفسور أكبر أحمد[1] التي ينتهي فيها إلى أن هذا الكتاب بعد أحداث 11 من سبتمبر ينبغي أن يكون كتابًا إجباريًّا.
وتمهيد المؤلف الذي يضع الدافع الرئيس لتأليف هذا الكتاب أمام القارئ، والمتمثل في كون قصة الإسلام هي القصة المنسية عن عمد، والمحنطة بقاياها في المجلات العلمية المتخصصة، هذه قصة ديانة مظلومة عند الكثيرين في الغرب، قصة تراث غني من المعرفة لم يُحفظ، قصة كيف صنع الإسلام العالم الحديث؟
في هذه القراءة المقتضبة لكتاب أقل ما يقال عنه: إنه إبداع أدبي من خارج الدائرة الإسلامية بالضفة الأخرى ما يعرف بعالم الحداثة أو العالم الحديث، لا يمكن أن نغفل عن ومضات الإنصاف ودلالات قيمة المعرفة، والاعتراف في بناء جسور التعارف الحضاري والثقافي بين بني البشر.
هذا الكتاب سلَّط الضوء على العديد من المحطات في تاريخ الإسلام والمسلمين بل كشف عن عدة حقائق واعترافات كبار رجالات الغرب الحديث والمعاصر بالدور الحضاري الثقافي للإسلام دين المعرفة والحضارة والتسامح والسلام، حيث نلحظ الحبكة الروائية للمؤلف، والقدرة على توظيف المعلومات والربط بين محطات التطور المعرفي للمسلمين، ومرد ذلك إلى تخصص المؤلف في الأدب والرواية التاريخية.
ولعل مقدمة مترجم الكتاب للعربية الدكتور عدنان خالد عبدالله من جامعة الشارقة، تُنبِّه للعديد من الملاحظات التي تتبادر لذهن القارئ العربي، وأهمها أن الشمول وغزارة الروايات والأحكام تندرج ضمن فكرة وحيدة أنه كتاب موجه للغرب الجاهل أو المتجاهل لفضل الحضارة الإسلامية، حيث يهدف مارك جراهام لتسليط الضوء -بكل ما تسنَّى له من مصادر ومعلومات- على حقيقة أن كل منجزات الغرب العقلية والفلسفية والعلمية إنما بدأت من عالم الإسلام!!
للوهلة الأولى القارئ المسلم المهتم بثنائيات الإسلام (العقلانية – الحضارة – الآخر – الحوار – التعارف- الحداثة...) وما هنالك من عناوين تغني الدور الإسلامي في الحضارة الإنسانية، يدفعه العنوان بقوة نحو التفكير بالدراسات الاستشراقية بكل تياراتها اليمينية واليسارية المتطرفة والمعتدلة التي حاولت ولا تزال تحاول صناعة صور نمطية محددة وفق أجندات سياسية تاريخية معينة، كل همِّها النيل من هذا النور الذي يزداد إشعاعًا على الرغم من كل الانهيارات التي عرفها ويعرفها على جميع الأصعدة وعبر التاريخ الحديث والمعاصر.
كما أنه يستثير الذاكرة الثقافية للمسلم المثقف بكتابات نقّاد الفكر الاستشراقي أمثال الدكتور إدوارد سعيد، ويزيد من نباهة المثقف المسلم بأن تاريخ الإسلام إلى زمننا المعاصر سوى محطات لا بد من مراجعتها وتمحيصها لاستنهاض الوعي الجديد بالدور الحضاري للمسلمين في الراهن الإنساني، لهذا ولعدة أسباب وأفكار قد يقف عندها وعليها القارئ المسلم.
هذا الكتاب مهم في راهننا الإسلامي لرفد الخطاب الإسلامي الجديد في ظل العنصريات المتلاطمة على عنوان الإسلام من الداخل والخارج، على سبيل المثال لا الحصر فالقول بالعقلانية الإسلامية لا يرفضها فقط بعض الغربيين فحتى ضمن جغرافية الإسلام الفكرية والثقافية هناك من يرفض مقالات الفلسفة والعقل والعرفان والتصوف والعلوم والفن وما هنالك من عناوين يصعب بل ليس بالإمكان لثقافة التعصب أن تقبل ولو فكريًّا ارتباطها بالإسلام دين العلم والمحبة والتسامح والإنسانية باقتدار...
باختصار بطاقة هذا الكتاب المهم في مشروع مستقبل الإسلام الحضاري، تتحدد في عشرة فصول تتوزع بين الدين والسياسة والحرب والحداثة والإرهاب، تتباين في بيت القصيد، دون أن نغفل بعض المؤثرات التاريخية في الرواية، ناهيك عن الخلفية الثقافية التي لا تنعدم تمامًا؛ كونها تتراوح بين رياح الثقافات المتصارعة سواء في التاريخ الإسلامي الجواني أو ما يعرف بالحروب الصليبية، فعبور المؤلف بين مربعات صدر الاسلام الأول وما بعد الخلافة الراشدة وصولًا إلى ما يراه العديد من المؤرخين والمستشرقين على أنه ميلاد إمبراطورية الإسلام، دون الوقوف على التفاصيل التي تسكنها شياطين الإسقاط والتسقيط للنقاء الإسلامي، يجعل العديد من الفصول ملغمة وبحاجة لحذر ثقافي رصين.
طبعًا الاستنتاجات العامة في الفصول على الرغم من كونها تحسب للإسلام لكنها تبقى محل نظر وتدقيق، فمثلًا عنوان الفصل السابع: «سلاح الإسلام السري» هو تصوير منهجي لرؤى استشراقية معينة، صعب بل من الخطورة تقبُّله في سياق الاسترخاء الفكري مع الكتاب.
دون أن أنسى ملاحظة مركزية حول سياقات النصوص التاريخية وتوظيفها في رسم لوحات أدبية عن تراث الإسلام وعلاقته بالعالم الحديث وإدراج الصور التوضيحية كمبسط ثقافي.
ثم إن مطارحات الكاتب حول الفلسفة اليونانية والأعمال الفلسفية والفكر العلمي والأدبي للمسلمين وربط ذلك كله بتضاريس التاريخ السياسي للمسلمين وتفاعلات المسلمين مع الآخر، وما هنالك من صيغ روائية تبعث على ضرورة الفصل بين الذاتية والموضوعية في مشوار القراءة حتى لا تهضم فكرة أبناء إبراهيم وتمرر ضمن إطار التسامح الديني الذي غالبًا ما يوظف حسب المصالح السياسية عبر تاريخ الإسلام والآخر كله، فمن الكوميديا الإلهية لدانتي واقتباساته المفبركة وفق الإتقان الأدبي الاستشراقي، وصولًا للعمارة القوطية في بناء بيزا تتراكم مؤثرات التاريخ والسياسة والتجارة والفن في رسم معالم التفاعل بين الإسلام والآخر في الغرب والشرق، حيث يقفز المؤلف نحو مسألة «ما وراء مشكلة التدهور الإسلامي؟» فيؤشر للصراعات الفكرية والطائفية والإثنية دون أن يستبعد المؤامرة المتمثلة في الاستشراق...
لعل الفكرة العامة التي يمكن استخلاصها حول هذا الكتاب أنه خليط أفكار وآراء ونصوص ومقاربات ومقابلات ومشاكل ومحاولات توفيق وتهذيب لتاريخ ما يعرف بالشراكة الدينية والثقافية تحت غطاء التسامح والحوار والتواصل الدينية، وعبر لغة الرواية التاريخية والذاكرة المتراكمة.
هذا الكتاب جدير بالقراءة فعلًا، ليست دعوة إعجاب وانبهار أمام أفكاره وفصوله الصداحة بالدفاع عن حق الإسلام الثقافي لدى الغرب، ولكن هي دعوة لأهل الثقافة الإسلامية من طنجة إلى جاكرتا (أفرادًا ومؤسسات) إلى النباهة والفطنة واللياقة المعرفية أمام العصر الجديد للأدب الروائي التاريخي في الغرب، وخاصة ذلك المشتغل على الإسلام ومواضيعه.
صحيح أنه جميل أن ينصف الإسلام من قبل كُتَّاب وأدباء وعلماء العالم الحديث في الغرب والشرق لكن الأجمل أن نلاحق هذا الإنتاج الثقافي عن الإسلام ليس بالترجمة فقط والإشهار الأعور، بل بالنقد والتمحيص والتحقيق والتعريف لكل ما ينتج حول ديننا الإسلامي من تعريفات وترجمات لنصوصه وتراثه، لأنه ببساطة تراث الإسلام المعرفي والعلمي هو هويتنا الثقافية المتراكمة، وبيتنا العظيم المهيب رغم الأغطية المنشورة عليه والأغبرة المشوهة لحقائقه، نحن أحق برفع الغطاء ونفض الغبار ليس عن السلاح السري المفتعل للإسلام، وإنما عن الحقيقة الحضارية للإسلام دين الإنسانية والمحبة والتعارف كما حددتها آيات القرآن الكريم وأنوار الرحمة المحمدية المهداة...
هذا الكتاب في شتى تموجاته السردية وإسقاطاته الفكرية ومقارباته التاريخية يبعث برسالة أخرى تتعلق بكل مسلم مثقف شاهد على شروط النهضة الحضارية الجديدة للمسلمين أو بتعبير آخر مستقبل الإسلام في العالم المعاصر، ألا وهي ضرورة القراءات المعمقة والمستمرة ليس على منوال القراءات الإضافية التي ختم بها المؤلف كتابه، ولكن اشتغال معرفي متطور حول الإسلام ناظرًا ومنظورًا إليه من أجل تجاوز مأزق الإسلام-فوبيا من الداخل وفق خطاب وواقع ثقافي إسلامي متوازن.
أما بعد.. كان في وسعي التعبير بإسهاب عن تفاصيل فصول الكتاب وعرض أفكاره بالاسترجاع الإشهاري لكن قراءة الكتاب لا بد أن تكون انطلاقًا من أساسها المنهجي الذي أشار إليه الكاتب في إهدائه لوالديه بخصوص محبة الحقيقة والاحتفاظ بالذهن المتفتح، بل أقول: إن كل فكرة تلقى الإعجاب منا لأنها تمدح هوياتنا يجب أن تولد فينا روح الدبلوماسية المعرفية.
بل كلما كان الكتاب أكثر إثارة كانت القراءة أكثر حيطة، حيث نقرأ من أجل خلق آفاق جديدة من الوعي للذات والآخر. بكلمة: هنا تقع مسؤولية المثقف المسلم على واجهة المستقبل.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.