شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
ملف: الغيرية.. الأبعاد والدلالات
إعداد وتقديم: الدكتور العربي ميلود
تقديم
في زمن الصراع هذا، ومع غياب الصور الفعلية لهوية الإنسان، وارتباط جل تصوّراتنا الفكرية مع هذا الواقع المتأزم، نرى أنه لا بد من ضرورة إعادة النظر في مفهوم الغيرية واستيعابه، لأجل إقحامه في تحقيق الطفرة التاريخية لمجتمعنا الراهن.
لا جرم أنها مساءلة يحرّكها حضور مهمش في العالم المعيش للمفهوم الإجرائي للغيرية، فالذات لا وجود لها، ولا هوية لها إلَّا إذا حضر الآخر، الذي يوفّر كل مسوغات وعوامل إنجاز الذات الفاعلة والتواصلية.
الغيرية هي استراتيجية تأمّلية تتّجه صوب قولبة معنى للإنسان يخلصه من نزعة التمركز حول الذات، والوثوب بالحياة الإنسانية إلى أقصى صور التحضّر على الصعيد الأخلاقي تحديدًا، لأنه الحامل لكل أبعاد تحرّر الذات من شتّى أشكال الوعي الزائف، وفي ضمنه يمكن أن تتحقّق فكرة الغيرية الأساس: العيش لأجل الآخرين في مجتمعات عادلة.
وللخوض في غمار سؤال الغيرية عبر ممرات متعدّدة، اخترنا في هذا الملف مجموعة مقالات تعالج في جانبها الإشكالي تمثُّلات حضور الأنا والآخر وفق سياقات مختلفة.
أولى المقاربات في هذا الملف هي للدكتور العربي ميلود من جامعة مستغانم غرب الجزائر، تتطرق لرهانات الغيرية أمام تأزم مفهوم الإنسان، وقد حاول الباحث التطرق في مقاربته للجانب المفاهيمي وتداخلاته، علّه يكون الممر الأيسر لفهم معنى الغيرية كنسق، وكفعل تواصلي تندرج ضمنه أغلب ثنائيات الوعي الذاتي والوعي الاجتماعي.
المقاربة الثانية للموضوع، هي للدكتور مرقومة منصور، وقد اختار صورة الآخر عبر التاريخ مع الإشارة إلى الأشكال التي عرفها هذا المفهوم، بما يضيء الفهم حول دلالات حضور الأنا والآخر في ظل تعقيدات الوضع الإنساني الراهن.
المقاربة الثالثة هي للدكتور قسول ثابت، من جامعة سيدي بلعباس غرب الجزائر، وتتمحور حول مفهوم الصداقة لدى أبي حيان التوحيدي؛ إذ يعدّ هذا المفهوم من أكثر المفاهيم حمولة للغيرية، ولا يمكن التعريج عليه فكريًّا دون الحديث عن رسالة أبي حيان التوحيدي عن الصداقة والصديق. فبرغم تجربته المريرة ونظرته التشاؤمية إلَّا أن أديبنا ألقى بتصوراتنا صوب مسألة الصداقة، وكيف يمكن أن تمثِّل رابطًا قويًّا في العلاقات الإنسانية، وكما يعبر صاحب المقال عن ذلك، بأن كتاب الصداقة والصديق الذي كُتب في أدق مرحلة من حياة التوحيدي بما اشتمل عليه من الفقرات الجميلة، والمقطوعات البديعة، والأخبار الطريفة، والصور الفنية الرائعة، يعتبر تحفة فنية فريدة تدل على روح حسّاسة ترتاح للصداقات وتطرب للإخوانيات.
المقاربة الرابعة في هذا الملف هي للأستاذة مروفل كلثوم، من جامعة سيدي بلعباس، الجزائر. وقد تمحورت مداخلتها حول فلسفة الاغتراب ومعانيها الاشتقاقية والاصطلاحية، ضمن فضاءين معرفيين مختلفين، الفضاء العربي الاسلامي وما جاد به في تحديد معنى الاغتراب فكرًا وشعرًا، والفضاء الغربي وأين سعت فلسفاته لمقاربة موضوع الاغتراب بمفهوم الإنسان وآلامه، كما أكَّدت الباحثة في مداخلتها على ضرورة تحديد مفهوم الاغتراب معرفيًّا واجتماعيًّا لأجل تجاوز صوره السلبية، وتحقيق الغيرية في أسمى صورها، كيف تتواصل الذوات دون أي إقصاء أو تمييز.
المقاربة الخامسة هي للأستاذ مخلوف سيد أحمد من جامعة سيدي بلعباس، حول حضور الجسد في العالم ودلالاته، ولعل تجربة الجسد هي أبلغ التجارب تعبيرًا عن الغيرية وعن الإنسان ذاته، الذي لا يعدّ سوى حضور جسدي في العالم، تجعل منه اللغة جسدًا وظيفيًّا وتواصليًّا؛ إذ يعتقد الباحث أن التواصل اللاشفوي أكثر فصاحة ونزاهة ودقة من التواصل الشفوي، فهو أكثر تلقائية وأقل خضوعًا للسيطرة أو المواربة. وبغية مفهمة الجسد فلسفيًّا اختار الباحث في مداخلته نموذج الفيلسوف الفرنسي موريس مرلوبونتي صاحب نص المرئي واللامرئي ليضبط دلالات الجسد من خلال مقاربته الفينومينولوجية.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.