شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
وضعيات الفكر الإسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت متأثرة لحد كبير بظهور الدولة العربية الحديثة، التي ورثت مرحلة مابعد الاستعمار الأوروبي، لكنها كانت امتداداً لأنساقه الثقافية ومنظوماته الفكرية والمرجعية، التي أخذت منها كل ما يرتبط بتكوين الدولة، وتشكيل مؤسساتها وصياغة أنظمتها وقوانينها وتشريعاتها. المهمة التي نهضت بها النخب السياسية والثقافية ذات النزعة العلمانية، التي اكتسبت تعليمها من مدارس وجامعات أوروبا، وظلت وثيقة الصلة بالثقافة الأوروبية. ومن الواضح أن هذه المهمة لم تكن بعيدة عن أنظار وتخطيط الجهات الأوروبية المستعمِرة، التي كانت تدرك أكثر من غيرها أن مهمتهالاتنتهي أو تتوقف بمجرد سحب سيطرتها العسكرية المباشرة على المناطق التي استعمرتها. فأوروبا جاءت لهذه المنطقة لكي تبقى فيها وتجذر وجودها وتربطها بمنظومتها الثقافية والسياسية والقانونية، وبنظام مصالحها القومية والاستراتيجية، وذلك لخلفيات ترجع إلى تاريخ هذه المنطقة ودياناتها وحضاراتها وتراثها، وهي الخلفيات التي كانت بواعثها في الحروب الصليبية ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين، والتي دفعت «نابليون» إلى أن يضم إلى حملته العسكرية على مصر بعثة علمية سنة 1798م. فالغرب كان مسكوناً من القديم بالشرق الذي عرفت فيه أقدم الحضارات، وظهرت فيه الديانات السماوية الكبرى، وعرف بأرض الرسالات.
لذلك فإن قيام الدولة العربية الحديثة كان بداية لقطيعة معرفية ومرجعية وصدامية فيما بعد مع المنظومة الثقافية الإسلامية، يشهد على ذلك الطريقة التي تعاملت بها الدولة العربية مع كل ما يرتبط بهذه الثقافة من مؤسسات وهيكليات.
فقد تعرضت إلى الإهمال والإضعاف، وأخضعت بعضها تحت وصايتها وهيمنتها مثل المؤسسات الوقفية والمعاهد الدينية، وضيقت على الجامعات الدينية وقلصت من وجودها وفاعليتها، وأسست ما هو بديل عنها وهي الجامعات التي حاولت الاهتمام بها ورعايتها لضرورات بناء الدولة المدنية الحديثة والنهوض بها وتحديثها.
فالثقافة الإسلامية لم تكن المنظومة المرجعية للدولة العربية الحديثة، فقد انقلبت عليها، وإن دونت في دساتيرها أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي والمصدر الرئيسي للتشريع أو المصدر الوحيد على اختلافها واشترطت أن يكون رئيس الدولة مسلماً ، كل هذه البنود التي دونت في مقدمة الدساتير لم يكن لها أي أثر حقيقي في علاقة مرجعية بالثقافة الإسلامية إلا في بعض الجوانب الشكلية والطقوسية المخصصة لبعض المناسبات، حيث تحاول الدولة بتقصد أن تظهر شكلاً من علاقتها بالدين.
هذه الوضعيات ساهمت في تراجعات الفكر الإسلامي وركوده، والذي كان بارزاً في المنطقة العربية آنذاك هو فكر الإسلاميين المصريين وبالذات المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، والذين كان لهم دوراً مهماً على الصعيد الفكري في أكثر المراحل والظروف حساسية وخطورة،وذلك بعد إلغاء الخلافة العثمانية سنة 1924م، وتوسع النفوذ الأوروبي وتغلغله في المنطقة العربية والإسلامية على مختلف الأصعدة.
لذلك فإن المقولة الرئيسية التي تم التركيز عليها والإنطلاق منها هي مقولة «شمولية الإسلام» المقولة الفعالة في مواجهة ما تعرضت إليه المنطقة من تجزئة وتقسيم،وما تعرض إليه الفكر الإسلامي من إشكاليات حاولت الفصل بين الدين والدولة والشريعة والحياة.
هذا الدور الفكري البارز من طرف الإسلاميين المصريين لم يسيتمر على النسق ذاته وفي وتيرة متصاعدة، فقد تعرض لنكسات وتصادمات حدت من فاعليته وتقدمه، بعد اغتيال القائد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ «حسن البنا» [1324ـ1368هـ/1906ـ1949م] وإعدام المفكر القانوني «عبد القادر عودة» سنة 1954م، والذي اشتهر بكتابه «التشريع الجنائي في الإسلام مقارناً بالتشريع الوضعي» وكان إعدامه نتيجة التباينات الثقافية التي كانت وراء الصدام والتعارض بين جماعة الإخوان المسلمين وحكومة جمال عبد الناصر، وفي سنة 1966 أعدم الشهيد «سيد قطب» [1324ـ1386هـ/ 1906ـ1966م]، أحد أكثر المفكرين الإسلاميين تأثيراً في الحياة الفكرية، العربية والإسلامية. هذه الأحداث كان لها أعمق الأثر على بنية وتكوين جماعة الإخوان وعلى مساراتها والأوضاع التي وصلت إليها.
ما نخلص إليه إن الدولة العربية الحديثة ليس فقط لم يكن لها مساهمات حقيقية في تطور الفكر الإسلامي، بل دورها كان عكسياً فقد ساهمت في تراجع وتوقف حركية هذا الفكر الذي قطعت صلتها به معرفياً ومرجعياً إلا في نطاقات محدودة ولحاجات توظيفية وشكلانية. فالدولة بمؤسساتها وأجهزتها كانت المؤثر الأكبر على مجريات الأمور، وفتحت المجال أمام نشاط النخب العلمانية التي تعاظم دورها، لذلك وجد الفكر الإسلامي نفسه مدفوعاً لحماية ثغوره الفكرية، والتشدد تجاه مسألة الهوية، وبتعبير الدكتور «محمد محمد حسين»، في عنوان كتابه سنة 1966م «حصوننا مهددة من داخلها». ومعظم كتابات الإسلاميين آنذاك كانت متأثرة بتلك السياقات،وكان يغلب عليها النزعة الدفاعية التي تستشعر الخطر والتآمر الداخلي والخارجي، والتأكيد على مبدأ الثقة بالإسلام كخيار حضاري شامل، أو وصفه بأنه عقيدة وحياة كما درجت على ذلك العديد من الكتابات الإسلامية. والتقويمات تكاد تتوافق حول تلك المرحلة، والوضع الذي كان عليه الفكر الإسلامي لشدّة وضوحها والتعبير المتزايد عنها في أدبيات الإسلاميين.
في ظل تلك الوضعيات جاءت كتابات السيد «محمد باقر الصدر» [1353ـ1400هـ/ 1935ـ1980]، التي كانت حدثاً فكرياً بارزاً إستوقف إنتباه مختلف النخب المتعارضة في رؤيتها الفكرية والثقافية، بالمستوى العلمي والمنهجي التي كانت عليه، وبقوة المنطق والبرهان والتحليل والنقد، السمات الشاخصة بوضوح كبير على تلك الكتابات. فمنذ صدور كتاب «فلسفتنا» سنة 1959م، وتلاحق بكتاب «اقتصادنا» في 1961م، و«البنك اللاربوي في الإسلام» في 1969، إلى كتاب «الأسس المنطقية للإستقراء» في 1972م، والأنظار تتوجه باهتمام كبير نحو هذه الكتابات، الاهتمام الذي تعزز بتلاحق هذه المؤلفات وتنوع موضوعاتها، وهي من الموضوعات الدقيقة والمعقدة والصعبة حسب تصنيفها العلمي،والتي توقف أو تراجع الابداع والابتكار العلمي فيها في الكتابات الإسلامية المعاصرة، وبالذات خلال النصف الثاني من القرن العشرين. فلم يكن هناك تراكمات معرفية تساهم في بناء لبنات هذه العلوم وتطورها العلمي والمنهجي بحيث نعتبرها متصلة بكتابات السيد «الصدر»، وأنها من أرضيات التأسيس والتكوين المعرفي والمنهجي. ففي حقل الفلسفة هناك تراجعات كبيرة في دراسات الإسلاميين لهذا الحقل الذي يعتبر من أقدم حقول المعرفة. ولعل الكتاب الجدير بالذكر في هذا المجال والذي يسبق كتاب «فلسفتنا» هو كتاب «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية» للشيخ «مصطفى عبد الرزاق» [1302ـ1366هـ/ 1885ـ1946م]، الصادر سنة 1944م، وهو في الأصل محاضرات دراسية ألقاها المؤلف في الجامعة المصرية أواخر الثلاثينات. إلى جانب كتاب آخر صدر سنة 1947 للدكتور «إبراهيم مدكور» عنوانه «في الفلسفة الإسلامية: منهج وتطبيق»، وقد اختلف المنحى الموضوعي والمنهجي بين هذه المؤلفات، فكتاب «عبد الرزاق» كان القصد الأساسي منه الدفاع عن أصالة التفكير الفلسفي عند المسلمين، وأسبقية النظر العقلي في الإسلام قبل تدخل العوامل الأجنبية،وذلك في سياق نقد آراء بعض المفكرين الغربيين في أحكامهم على الفلسفة الإسلامية منذ مطلع القرن التاسع عشر إلى أواخر الثلاثينات من القرن العشرين. وهو ذات المنحى الذي عكسه «مدكور»، في كتابه. فإذا كان الكتاب الأول هو أقرب لتاريخ الفلسفة، والثاني هو دراسة في المنهج والتطبيق، فإن كتاب «فلسفتنا» يبحث في صلب الفلسفة ومرتكزها الرئيسي، وهو نظرية المعرفة، التي هي حسب السيد «الصدر» نقطة الانطلاق الفلسفي لإقامة فلسفة متماسكة عن الكون والعالم،فما لم تحدد مصادر الفكر البشري ومقاييسه وقيمه لايمكن القيام بأي دراسة مهما كان لونها، وهي القضية كما يضيف السيد «الصدر» التي تدور حولها «مناقشات فلسفية حادة تحتل مركزاً رئيسياً في الفلسفة، وخاصة الفلسفة الحديثة» (1) . إلى جانب هذا الاختلاف المنهجي، هناك أيضاً الاختلاف في الدواعي والبواعث، فالكتابان الأولان كانت بواعثهما تستجيب لحاجات معرفية ذات علاقة بالآراء والأحكام ووجهات النظر، أم اكتاب «فلسفتنا» فكان يستجيب لحاجات موضوعية في الدرجة الأساسية نتيجة تعاظم الأفكار الشيوعية والماركسية في العراق والعالم العربي خلال فترة الخمسينيات، وهذه النقطة هي كذلك من ملامح المفارقات، فقد كان الكتاب الغربيون وأفكارهم هم المعنيون بالجدل والنقاش في الكتابين السابقين، وبالذات وجهات نظر وأفكار المفكر الفرنسي «أرنست رينان» الاستفزازية والسجالية في تصوير العقل العربي بالدونية وعدم تفوقه في النظر العقلي والفلسفي، بينما كتاب «فلسفتنا» كان سجالاً نقدياً ومعرفياً مع الشيوعيين والماركسيين بصورة رئيسية.
أما كتاب «اقتصادنا» فالصورة حوله أوضح بكثير، فالكتابات الإسلامية في هذا الحقل لم يكن مشهوداً لها بالتفوق والتجديد والابتكار، قبل كتاب «اقتصادنا» وبعده بما يقارب العقدين من الزمن. فقبله كانت المساعي الأكثر جدية كما يرى الدكتور «شبلي الملاط» ما خلفه «ابن خلدون» [732ـ808هـ/ 1332ـ1406م] من تراث يصفه بالقصيب، ويستشهد على ذلك بكتاب «موسوعة الاقتصاد الإسلامي» لمؤلفه «محمد عبد المنعم الجميل»، صدر في مجلدين بالقاهرة سنة 1980م، حيث أطال الحديث عن مقدمة «ابن خلدون»، مع إن جهوده في هذا المجال، كما يضيف «الملاط» ليست فريدة أو جديدة، إذ سبقه في الاستفادة من تلك المقدمة العالم القانوني «صبحي المحمصاني» في أطروحته للدكتوراه عن «الآراء الاقتصادية لابن خلدون» قدمها في العشرينات من القرن الأخير. أما بعده فقد صدرت أعداد كبيرة من الكتب والمقالات حول الاقتصاد الإسلامي في الإنكليزية كما في العربية، لكن الكثير منها حسب رأي «الملاط» يميل إلى العموميات ويفتقر إلى الدقة، مما يحول دون صدور بحوث جدية ومنهجية لهذا السبب والكلام للملاط تتسم كتابات «محمد باقر الصدر» في الاقتصاد والحقل المعرفي بأهمية بارزة. فقبالة خلفية كلاسيكية لم يكن فيها وجود لعلم الاقتصاد، يقصد بذلك عصر ابن خلدون، وعالم إسلامي لم يخرج مع حلول عام 1960م بأي فكرة متساوقة ومتماسكة في هذاالمجال، أعد «الصدر» كتابين جديين ومطولين عن الموضوع هما «اقتصادنا» و«البنك اللاربوي في الإسلام» (2) .
أما في حقل المنطق، فإن كتاب «الأسس المنطقية للإستقراء» يعتبر من المؤلفات الأقل شهرة بمعنى إنه لم يعرف على نطاقات واسعة مقارنة بالكتابين المذكورين، مع إنه الكتاب الذي يصوره تلامذة المؤلف على إنه من أكثر مؤلفات السيد «الصدر» التي تبرز عبقريته العلمية. ولاشك أن الكتاب يبرز هذا التفوق العلمي والفكري، فقد اقتحم حقلاً فائق الدقّة في نمطيه القديم والحديث، بكفاءة علمية عالية،وبثقة علمية كبيرة من المؤلف، حيث اعتبر محاولته في هذا الكتاب «إعادة بناء نظرية المعرفة على أساس معين» (3) . أي على أساس اجتهادي خاص به. ومن الواضح أن الكتابات الإسلامية في هذا الحقل لا أقل في القرن الأخير لم تسجل تفوقاً يذكر أو ابتكارات ذات قيمة معرفية، والذي كان سائداً إما يتناول تاريخ المنطق بطريقة مدرسية، أو لايتجاوز المنطق الكلاسيكي القديم الذي ينتسب إلى «أرسطو» مؤسسه الأول، وهو المنطق الذي استطاع أن يفرض سيطرته لقرون طويلة،وعلى حضارات مختلفة، بما في ذلك الحضارة الإسلامية، مع إنه تعرض لنقد علمي محكم ومتماسك من العلماء المسلمين يرجع بعضه إلى القرن السادس الهجري، الحادي عشر الميلادي، مع ذلك هيمن المنطق الأرسطي حتى على الحوزات والجامعات الدينية التي يعرف عنها الحذر في اختيار منهاجها الدراسية، أما عنصر التميز في محاولة السيد «الصدر» فهي في قدرته النقدية والتحليلية وسعيه الجاد في التوصل لابتكارات وأفكار جديدة. فالكتاب يحاول أن يعالج عجز المنطق الأرسطي عن إعطاء تفسير مقبول للدليل الاستقرائي، كما يدرس المذهب التجريبي الحديث الذي لايمكنه حسب السيد «الصدر» أن يقدم التفسير الأساسي للدليل الاستقرائي، ثم ينتقل الكتاب من النقد والتحليل إلى التأسيس والابتكار. وفي نظر الدكتور «عبد الكريم سروش» الذي كانت له محاولة نقدية لعلها الأولى على هذا الكتاب، فهو يحوي حسب رأيه على «أبدع الأفكار والابتكارات الفلسفية للشهيد السيد محمد باقر الصدر، وهو إلى ذلك من أحلى ثمرات ذهنه الوقاد وعقله الباحث المبدع. وما نستطيع أن نقوله بجرأة هو إن هذا الأثر يمثل أول كتاب يصدر من يراع عالم وفقيه مسلم طوال التاريخ الإسلامي، يتناول واحدة من أهم المسائل المصيرية في فلسفة العلم والمنهج المعرفي العلمي، تعاطاها المؤلف ببصيرة وإحاطة كاملة ترافقت مع عقل وآراء حكماء الشرق والغرب والتعامل معها نقدياً . وفي الوقت نفسه مايزال الأسس المنطقية هو أكثر كتب هذا العظيم خفاء وعدم شهرة، فهو ما يزال مجهولاً خفياً لايعرف اسمه ولا قدره» (4) .
ماأريد التوصل إليه هو إن كتابات السيد «الصدر» لم تكن تستند على تراكمات معرفية سابقة عليه، تعكس تنامي وتطور تلك العلوم، في نطاق الكتابات العربية والإسلامية، وإنما هي تأسيسات واجتهادات وابتكارات لاتحسب أو تصنف إلا على صاحبها ومؤلفها، وهذا من أكثر ما يميز زيلفت النظر لهذا العطاء الفكري، الذي يمكن النظر له على إنه يمثل أبرز وأهم انعطافات الفكر الإسلامي خلال العقود الأولى من النصف الثاني للقرن الأخير. الانعطافة المقطوعة الصلة بما قبلها كما أوضحت ذلك، وبما بعدها أيضاً كما سوف أشرح ذلك لاحقاً .
ما نجزم به هو إن كتابات السيد «الصدر» تؤرخ لتحول فكري في غاية الأهمية والتطور عند النظر لسياقات تحولات الفكر الإسلامي المعاصر، فالتراجع أو الركود الذي كانت عليه حركية هذا الفكر خلال تلك الفترة، إذا بها تشهد قفزة نوعية تصعد بها نحو مستويات متقدمة بظهور تلك الكتابات.
هذا التحول على قيمته المعرفية والمنهجية، إلا إنه لم يؤرخ له بإدراك أو بغير إدراك في الكتابات العربية والإسلامية التي حاولت أن تؤرخ لحركة الأفكار الإسلامية الحديثة والمعاصرة في تطوراتها وتحولاتها على أساس منهجية التقسيمات والتحقيبات الزمنية والتاريخية. مع معرفتنا بأن هذا النوع من الاهتمام قد تراجع في الكتابات العربية، ولم تتحفز له الكتابات الإسلامية. فالكتابات العربية في هذا المجال توقفت عند أزمنة معينة،ولم تستكمل الأزمنة التي جاءت بعدها مع إنها كانت متأثرة بأرضياتها ومكوناتها وشروطها. والمحاولات الأبرز هي تلك التي لم تتجاوز العقود الأولى من القرن العشرين، مثل محاولة «ألبرت حوراني» في كتابه الذي اشتهر كثيراً في المجال «الفكر العربي في عصر النهضة» الذي يتناول الفترة ما بين (1798ـ1939)، أو كتاب «علي المحافظة» «الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة» حيث يؤرخ ما بين (1798ـ1914م)،وهكذا كتاب «هشام شرابي» «المثقفون العرب والغرب» الذي يبحث في الفترة التي يطلق عليها بعصر النهضة ما بين (1875ـ1914م) والمحاولة التي تجاوزت تلك الفترة إمتدت ما بين (1930ـ1970م) للدكتور «محمد جابر الأنصاري» في كتابه «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي». أما الكتابات الإسلامية فإن الأبرز منها هو كتاب «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي» للدكتور «محمد البهي» الذي تتبع حركة الأفكار الإسلامية إلى حقبة??. والمحاولات التي جاءت بعدها على قلتها ومحدوديتها، فإن أشهرها كتاب «أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث» للدكتور «فهمي جدعان» وهو العمل الذي يتوجه إليه النقد أكثر من غيره،وذلك من جهة موضوعه ومنهجه. فقد بذل المؤلف جهداً واضحاً في تتبع أفكار وآراء علماء ومفكري العالم العربي المسلمين، بمشرقه ومغربه على مدار قرن كامل. مع تأكيده وحرصه كما يقول على «إحياء أعمال عدد من المفكرين العرب المسلمين الذين أهملتهم الدراسات الحديثة بالإجمال إهمالاً لايغتفر» (5) . هذه الالتفاتة من الدكتور «جدعان» ترتد عليه بصورة أشد وبشكل لايغتفر كما في عبارته حين أهمل وألغى أعمال وكتابات وأفكار العلماء والمفكرين الشيعة في العالم العربي، وفي مقدمتهم السيد «الصدر»، التي اعتبر الدكتور «الملاط» مؤلفاته بأنها «ضامنة لصاحبها في تاريخ العالم الإسلامي في القرن العشرين، منزلة توازي في رفعتها تلك التي يحظى بها المصلحون العظماء من وزن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده» (6) . ويضيف في مكان آخر «فقد حوله نشر كتابيه فلسفتنا واقتصادنا، إلى المنظر الأول للنهضة الإسلامية» (7) . هذا الكلام من الدكتور «الملاط» يقوله بتجرد وبنزعته الأكاديمية ولم يخاطب به العالم العربي فقد كتبه في الأصل باللغة الانكليزية، وحصل عليه بجائزة «جمعية الدراسات الشرق الأوسطية» في الولايات المتحدة الأمريكية لأفضل مؤلف أكاديمي لعامي 1993 و1994م.
والحقيقة أن كل من اطلع على مؤلفات السيد «الصدر» لايمتلكه إلا أن يبالغ في وصف هذا الإنسان، وهذا هو حال العديد من الباحثين والمفكرين الذين يختلفون في اتجاهاتهم الفكرية حين تعرفوا على تلك الكتابات لذلك سوف ننظر دائماً لكتاب الدكتور «جدعان» بأنه يتصف بالنقص والإجحاف والإقصاء الذي لايغتفر لمؤلفه، مع اعتبارنا لقيمة الكتاب وموضوعه والجهد الواسع المبذول عليه. وإذا حاولنا أن نتحرى تفسيراً لموقف الدكتور «جدعان» فقد نتوصل إلى شيء من ذلك القبيل لعله يصلح أن يكون تفسيراً لموقفه، وذلك في كتاب آخر له بعنوان «نظرية التراث» حيث يصنف العالم العربي على إنه عالم سنّي في سياق حديثه عن «نظريات الدولة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر» وتبريره لعدم التطرق لنظريات الشيعة حين يصل لحدث التحول الإسلامي في إيران، وبنص عبارته «لامكان للخوض في هذا البحث في نظريات الشيعة في الدولة، لأن المفكرين العرب المسلمين الذين يدور عليهم هذا البحث ينتمون جميعاً إلى العالم العربي الذي هو عالم سنّي. لكن يمكن التعرف على مبادئ الفكر الشيعي الإيراني المعاصر في هذه المسألة» (8) . ويذكر بعض المؤلفات الشيعية الإيرانية مثل كتاب «الحكومة الإسلامية» للإمام «الخميني» [ /1903ـ1989م] وكتاب «معالم الحكومة الإسلامية» للشيخ «جعفر سبحاني» ويضيف إليها كتاب السيد «الصدر» «الإسلام يقود الحياة» في طبعته الخاصة بوزارة الإرشاد الإسلامي. فإذا كانت قناعة الدكتور «جدعان» بأن الشيعة الموجودين في العالم العربي ليسوا عرباً فإنه يقع في خطأ فادح لايليق به على الإطلاق. من غير أن نتوسع في نقض هذا الخطأ. في مقابل ذلك، العمل الذي أنجزه «منير شفيق» في كتابه «الفكر الإسلامي المعاصر والتحديات» الذي هو أشبه ما يكون ببليوغرافيا لقضايا ومسائل ومفاهيم الفكر الإسلامي المعاصر حيث تتبع بجهد واضح نصوص وكتابات علمائه ومفكريه، ومع إنه حصر عمله في أهل السنة العرب لأسباب منهجية كما يقول، إلا أنه ألمح إلى أهمية ما قدمه الشيعة العرب، وبعبارته لم تتعرض هذه الورقة كما يصف عمله «لدراسة الفكر الذي أنتجه علماء ومفكرون من أهل الشيعة العرب، بالرغم من أهميته الموازية، لسبب نقص في بعض المراجع التي أرخت لها، ولأسباب منهجية. علماً أن لهذا الفكر إسهامات جادة وهامة، يظل كل بحث عن الفكر الإسلامي المعاصر في البلدان العربية ناقصاً إن لم يدرسها. الأمر الذي يتطلب إجراء دراسات تناسق في تاريخها بين مختلف إسهامات الفكر الإسلامي المعاصر سنياً وشيعياً وعالمياً » (9) . ومع ذلك فإن المؤلف لم يستطع أن يتجاوز إسهامات السيد «الصدر» الذي تكرر ذكره في ثمان مواقع من الكتاب، يصف مؤلفاته بأنها من الدراسات العميقة والجادة (10) ، ويخص بالذكر كتابيه «اقتصادنا» و«فلسفتنا»، فعن الأول يقول: «أما كتاب اقتصادنا للإمام محمد باقر الصدر فيمثل واقعاً علمياً مرموقاً ، لا من جهة الفقه فحسب، وإنما أيضاً من جهة علم الاقتصاد. وقد أثبت قدرة عالية في مناقشة النظريات الاقتصادية في الماركسية والرأسمالية» (11) . وعن كتاب «البنك اللاربوي في الإسلام» فيصفه «بجهد علمي فائق الأهمية» (12) .
لذلك فأي محاولة تؤرخ لتطور الأفكار الإسلامية المعاصرة على أساس منهجية التقسيم والتحقيب التاريخي والزمني، وتستنثني كتابات السيد «الصدر» أو تغيبه لأي سبب كان، فهي محاولات ناقصة، ولاتفسر إلا على خلفيات غير موضوعية وعلمية. والمحاولات التي وقعت في مثل هذا الإشكال تعامل معها المثقفون الشيعة بنقد شديد يصاحبه في العادة إحساس نفسي غير مريح. وهذا ما يفسر الطابع العاطفي والنفسي المهيمن على بعض الكتابات التي نشرها بعض تلامذة السيد «الصدر» أو من المقربين منه، حيث تنطلق في الغالب بدافع المظلومية أو التجاهل، فتندفع نحو المبالغة أحياناً في تصوير شخصية السيد «الصدر» ومنزلته الفكرية، مع ماله من عظمة وعبقرية. هذه الصورة قد تغيرت بشكل كبير مع حدث الثورة الإسلامية في إيران، حيث اكتسب السيد «الصدر» معرفة واسعة، لكن ليس بصفته الفكرية ونبوغه في هذا الجانب، وإنما بصفته السيساية كزعيم معارض في العراق، خصوصاً بعد استشهاده المفجع سنة 1980م. فقط نمطت شهرته السياسية خلال فترة وجيزة على شهرته الفكرية، وتوجهت إليه الأنظار باهتمام كبير من تلك الناحية. ولعل في دراسة الدكتور «الملاط» شهادة على هذه الحقيقة، فقد تعرف على السيد «الصدر» من وجهته السياسية بواسطة صورة التي علقت على جدران المناطق الشيعية في بيروت بعد استشهاده، حيث كان يمر في طرقها وشوارعها تجنباً لزحمة السير وهو في طريقه إلى الجامعة اليسوعية التي تقع في الشق الشرقي من بيروت، وذلك في شتاء سنة 1981ـ1982م، قبيل الغزو الإسرائيلي للبنان، التعرف الذي قاده بعد سلسلة مواقف إلى أن يكتشف الوجهة الفكرية للسيد «الصدر»، فقاده هذا الاكتشاف إلى قرار الكتابة عنه. نقبل الثمانينات كما يرى «الملاط» كان السيد «الصدر» عالماً مجهولاً في العالم العربي، ولايعني لأحد الشرق الأوسط، باستثناء قلة من المتجرين في العلم والدراسة، أكثر من مجرد كتاب، عنوانه «اقتصادنا» وعشية فاجعة في العراق، انتهت بالإعدام في ظروف غامضة. لكن هذه الصورة كما يضيف «الملاط» قدتغيرت في الثمانينات، وكان «حنّا بطاطو» قد لفت الانتباه إلى أهمية «الصدر» بالنسبة إلى حركات المقاومة الشيعية السرية في العراق، في مقال نشرته له عام 1981م، فصلية «يدل إيست جورنال» التي تصدر في واشنطن،.. وفي خلال فترة قصيرة، أصبح من المستحيل تجاهل أهمية «الصدر» في انبعاث الحركات السياسية الاسلامية في العراق، وفي العالم الشيعي، وحتى في العالم الإسلامي ككل. فقد اعتبره كتاب قارنوا بين ظواهر الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، محورياً فيما يتعلق بالعراق. ثم جاء الإقرار بهذه الأهمية من إسرائيل، وبعدها فرنسا، حيث خصته بملف مطول عام 1987م، مجلة جديدة، حسنة الاطلاع على شؤون المنطقة (13) ، كما يصفها «الملاط».
ولاشك أن كتابات بعض الإسلاميين العراقيين في تلك الفترة ساهمت في تعزيز الوجهة السياسة للسيد «الصدر» الوجهة التي تزايدت وكانت على حساب وجهته الفكرية التي هي بالتأكيد الأبرز والأعمق والأكثر جوهرية في شخصية السيد «الصدر».
لقد كشفت مؤلفات السيد «الصدر» عن مدى الجهد الذي بذله في تكوين هذه المعارف، وفي أكثر من حقل معرفي، فقد اصبح متمكناً وبارعاً فيها، وناقداً لها، ومجدداً في الرؤية الإسلامية المتصلة بها، كمحاولته مثلاً لاكتشاف المذهب الاقتصادي في الإسلام.. وهي العلوم التي لم تكن من الحقول الدراسية في البيئة العلمية التي كانت ينتسب إليها في مدينة النجف الأشرف بالعراق، والتي تعرف بالحوزة العلمية الدينية. والذي كان سائداً من تلك العلوم كالفلسفة والمنطق لايتجاوز الجانب القديم منها، ولا يتعدى إلى الجانب الحديث، الذي نشأ وتطور في منظومة الفكر الأوروبي الحديث، وامتد إلى نطاق عالمي واسع، حيث أصبح هذا المهيمن على دراسات التعليم العالي في المعاهد والجامعات، بما في ذلك جامعات العالمالعربي والإسلامي. فالسيد «الصدر» وإن كان قد درس هذه العلوم في جوانبها التقليدية القديمة، إلا أنه بالتأكيد لم يدرسها في جوانبها الحديثة، وهي الجوانب التي برع فيها واشتهر بها. الأمر الذي يلفت النظر إلى مستوى التثقيف والمعرفة والإطلاع الذي بذله السيد «الصدر» في هذه الحقول. وهو الاستفهام الذي حمله معه الدكتور «محمد شوقي الفنجري» أستاذ مادة الاقتصاد بجامعة القاهرة، في لقائه بالسيد «الصدر» في بيته، عن أي جامعة من جامعات العالم تلقى دراسته (14) . كما إن هذه المؤلفات أظهرت درجة الوعي والإدراك الرفيع الذي اتصف به السيد «الصدر» تجاه علاقة الدين بالثقافة، والشريعة بالحياة، والإسلام بالعصر، وتجاه حركة الأفكار وتطور الثقافات، وإنعكاساتها على المجتمعات العربية والإسلامية. وهو الذي طور بنفسه هذا الوعي بالمستوى الذي وصل إليه، حتى لو كان متأثراً بالنشاطات الإصلاحية التي نهض بها بعض المصلحين السابقين عليه في داخل العراق بوجه خاص، أمثال الشيخ «محمد حسين آل كاشف الغطاء» [1295ـ1373هـ/1876ـ1954م]، والسيد «هبة الدين الشهرستاني» [1301ـ1386هـ/ 1884ـ1967م] والشيخ «محمد رضا المظفر» [ ] وآخرين. الوعي الذي قاده لأن يقتحم علوم العصر والمعارف الإنسانية، لكي يبرهن على جدارة الإسلام وقدرته في أن يقدم معالجة لمشكلة النظام الاجتماعي، وينفرد بمنهج ورؤية يختلفان كلياً وجذرياً وفي المنظور الفلسفي والكوني العام والشامل عن النظامين الرأسمالي والشيوعي، ويقدم الإسلام في صورته الحضارية المشرقة ليكسب به ثقة العالم. فكان طموحه في نهاية المطاف كما يقول، تكوين «صورة ذهنية كاملة عن الإسلام، بوصفه عقيدة حية في الأعماق، ونظاماً كاملاً للحياة، ومنهجاً خاصاً في التفكير والتربية» (15) .
فقد استطاع السيد «الصدر» أن يعيش العصر، ويصنع له حضوراً في قيمة العلم والثقافة،وهو في بيئة كثيراً ما يتوجه إليها النقد من العلماء المصلحين داخلها بانغلاقها وجهودها وتقليديتها وانقطاعها عن قضايا العالم والعصر والحياة. والذي يعرف طبيعة هذه البيئة ومكوناتها وشروطها يدرك كم يحتاج المرء إلى شجاعة نفسية وجهود فكرية لكي يتغلب على عقبات كثيرة وتقاليد ضاغطة ونظام شديد التمسك بموروثاته الموغلة في القدم.
وحينما استحوذت هذه العلوم الحديثة على اهتمامات السيد «الصدر» لم تتأثر اهتماماته التخصصية والأصلية وهي العلوم التي تعتبر الأساسية حسب النظام الإقليمي الديني السائد في الحوزات العلمية، وهما بصورة خاصة الفقه وعلم أصول الفقه، ولم يشكك أحد بقدرته الاجتهادية والاستنباطية في هذه العلوم، فقد شملها بتجديداته وتطويراته خصوصاً في جوانب المنهجية التي هي من أكثر الجوانب حاجة للتجديد في تلك العلوم وطبيعة مناهجها. ففي مجال الفقه كانت له محاولة لتطوير ما يعرف في الدراسات الدينية الشيعية بالرسالة العلمية في كتابه «الفتاوى الواضحة» فقد كان يسعى لأن تكون هذه الرسالة على غير النمط التقليدي المتوارث وباللغة التي لاتفهم إلا بصعوبة حتى عند المتعلمين والمثقفين، واقترح منهجية جديدة لتقسيم الأحكام الشرعية،حيث قسمها إلى أربعة أقسام،
هي:
1ـ العبادات. وتشمل الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والحج والعمرة والكفارات.
2ـ الأموال. وهي على نوعين: الأموال العامة وتشمل كل مال مخصص لمصلحة عامة،ويدخل ضمنها الزكاة والخمس. والأموال الخاصة وهي ما كان مالاً خاصاً .
3ـ السلوك الخاص. كل سلوك شخصي للفرد لايتعلق مباشرة بالمال ولايدخل في عبادة الإنسان لربه.
4ـ السلوك العام. سلوك ولي الأمر في مجالات الحكم والقضاء والحرب ومختلف قضايا العلاقات الدولية، ومن ذلك القضاء والشهادات والحدود وغير ذلك.
ولعل السيد «الصدر» هو أول من لفت الحديث لعلاقة الفقه والاجتهاد بالمستقبل في موضوع نشره منذ وقت مبكر بعنوان «الاتجاهات المستقبلية لحركة الاجتهاد» عبر فيه عن رؤية تنويرية شديدة الوعي والإدراك بالإنكماش والتراجع الذي حصل كحركة الاجتهاد، وتحول الفقه من فقه الأمّة والمجتمع إلى فقه الفرد والأحوال الشخصية، وهيمنة النزعة الفردية على ذهنية الفقيه، وعلى التفكير الفقهي عموماً ، وانكماش الفهم والمضمون الاجتماعي العام والواسع في النظر للنص الفقهي والديني عموماً . أما في حقل أصول الفقه فقد ادرك الحاجة لكتابة مدخل يشرح فيه تاريخ حركة الاجتهاد وطبيعة الظروف التي أثرت على تطوراتها وتحولاتها على صورة مراحل متعاقبة في كتابه «المعالم الجديدة في الأصول» صدر سنة 1385هـ/1964م، ولازال هذا الكتاب يعتبر من أفضل ما كتب في موضوعه، ويعد مرجعاً مهماً في حقله. أما كتابه «دروس في علم الأصول» صدر سنة 1397هـ/1977م، فقد أراد منه أن يدرس أصول الفقه كعلم من خلال منهج متعاقب المراحل وبطريقة تصاعدية تسهل عملية الفهم وتطور الذهنية الأصولية بصورة تدريجية، على النمط الأكاديمي الحديث في التعليم العالي، لا أن يدرس هذا الحقل بواسطة آراء وأفكار تنسب إلى اشخاص مهما كانت درجة تفوقهم العلمي وتنتمي إلى أزمنة غابرة. ولهذا فقد اعتبر السيد «الصدر» أن هذا الكتاب لايعبر عن آرائه ووجهات نظره الأصولية التي يستقل بها، أو يشرح قناعاته التي توصل إليها. كما إنه أراد من هذا الكتاب دراسة علم الأصول بالمستوى الذي وصل إليه هذا العلم في حلقات تطوره وتقدمه، وبالنظريات والابتكارات المتجددة التي دخلت على هذا الحقل، لا أن يدرس بالمستوى الذي كان عليه قبل عدة قرون. وقد شرح رؤيته المنهجية في مقدمة هذا الكتاب حيث تضمنت ملاحظات نقدية مهمة، جديدة بالتأمل.
من جهة أخرى فقد كشف السيد «الصدر» للأوساط العلمية والأكاديمية قيمة الفقه الإسلامي وثروته العلمية، وعلاقته بالعلوم الاجتماعية بالاقتصاد بوجه خاص وهو من أكثر العلوم اهتماماً في الأنظمة الاجتماعية السائدة عالمياً ، حينما أصدر كتابه «اقتصادنا» الذي رجع فيه إلى الفقه بتراكماته العلمية واجتهاداته التشريعية، التي هي من أبر وأوسع التراكمات الحضارية الإسلامية في تاريخ الإسلام، كما تشهد على ذلك المؤلفات والموسوعات الضخمة في هذا الحقل. وعزز من القناعة بهذا العلم المهجور في الدراسات الاقتصادية الحديثة وفي التعليم الأكاديمي. وقد اعتبر الدكتور «محمد المبارك» إن كتاب «اقتصادنا» «أول محاولة علمية فريدة من نوعها لإستخراج نظرية الإسلام الاقتصادية من أحكام الشريعة» الإسلامية بطريقة جمع فيها بين الأصالة الفقهية ومفاهيم علم الاقتصاد ومصطلحاته (16) .
كما إن مؤلفات السيد «الصدر» وجهت الأنظار إلى الحوزات العلمية وحوزة النجف بالذات، كنظام للتعليم والبناء العلمي الذي ينسب إلى المدرسة الإسلامية الشيعية، وهي الحوزات التي لم يكن يعرف عنها إلا القدر القليل والغامض أحياناً عند النخب والأوساط العلمية والثقافية في العالم العربي والإسلامي. وقد ظلت هذه الحوزات تدافع نفسها وسمعتها ووجودها وكسب الاعتبار العلمي، مقابل ما كانت تتمتع به جامعة الأزهر في مصر من شهرة واسعة. فالموقع الفكري للسيد «الصدر» كان يمثل وجهاً ناصعاً ومشرقاً للحوزة العلمية التي ينتسب إليها، وحينما كان جوابه على سؤال الدكتور «محمد شوقي الفنجري» إنه لم يدرس في أي جامعة من جامعات العالم لا في العراق ولا في خارجه وإنما في مساجد النجف، وهي أمكنة الحوزة للدراسة والتعليم، رد عليه «الفنجري» إن مساجد النجف أفضل من جامعات أوروبا. وفي إحدى زيارات المفكر الفرنسي «روجيه غارودي» إلى العراق طلب من الجهة التي دعته أن يلتقي بالسيد «الصدر» بعد أن عرف به الدكتور «الفنجري» وأطلعه على كتابي «فلسفتنا واقتصادنا» (17) وكانت هذه رغبة الكثير من الباحثين والمفكرين العرب عند زيارتهم للعراق. وعندما انعقد مؤتمر المحامين العرب في أحد دوراته في بغداد قام وفد كبير من المشاركين يتقدمهم الدكتور «عصمت سيف الدولة» لزيارة السيد «الصدر» في النجف. وفي هذه اللقاءات كانت تجري مناقشات فكرية موسعة حول القضايا الفكرية البارزة في وقتها.
أما المثقفون الدينيون فقد وجدوا في تلك المؤلفات ثقة كبيرة بأنفسهم وبالذات في مطارحاتهم مع أصحاب الأيديولوجيات المغايرة والماركسيون منهم بوجه خاص الذين كانت تنشط معهم المطارحات في أروقة الجامعات في العالم العربي بصورة عامة، وفي جامعات العراق بصورة خاصة. فكتاب «اقتصادنا» كان المنطق الأقوى في مواجهة المقولة الشهيرة التي كانت تتردد في ذلك الوقت من الماركسيين بأنه لا يوجد في الإسلام اقتصاد أو نظام اقتصادي، أما كتاب «فلسفتنا» فكان برهاناً دامغاً في نقد الأسس العلمية للنظرية الماركسية، بشكل أحرجت أصحاب هذه التوجهات الذين طالما تبجحوا بشعاراتهم التي لم تحقق لهم شيئاً مثل شعارات العدالة الاجتماعية، ومجتمع بلا طبقات، ودولة رعاية الكادحين والمحرومين إلى جانب مقولات الاشتراكية العليمة والجولية التاريخية وغيرها. كما أن تلك الكتابات ساهمت في إقناع بعض أولئك بالتوجه نحو الدين، والإقتلاع الفكري حتى تلك الايديولوجيات. والمثقفون الدينيون من جهتهم أيضاً ، كانوا ينظرون لتلك الكتابات بأنها تمثل برنامجاً طموحاً وعالياً في بناء وتكوين الثقافة الدينية المتماسكة، والمثقف الديني الواعي بقضايا العصر وتحدياته الفكرية.
في سنة 1997م، وبمناسبة الذكرى السابعة عشرة لاستشهاد السيد «الصدر» نشر الأستاذ «محمد عبد الجبار» موضوعاً ملفتاً للانتباه، ولعل حرجاً في نظر الكثيرين، كشف فيه عن نقاشات تدور، كما يقول في بعض الأوساط الإسلامية حول فكر السيد «الصدر»، تتمحور على حد وصفه بالتساؤل المبكر عن إمكان تجاوز هذا الفكر، وما إذا كان الوقت قد حان للقيام بهذه الخطوة، واختار عنواناً لموضوعه من صلب ذلك النقاش، وهو «هل حان الوقت لتجاوز فكر الإمام الصدر وما هي شروط ذلك?» (18) . ومع إن الكتاب برهن على مشروعية هذا النوع من النظر والنقاش، لدواعي فكرية وموضوعية تحدث عنها، وحاول الرجوع لبعض آراء السيد «الصدر» ليقنع على ما يبدو بهذه المشروعية، مع ذلك فإنه كان مقتنعاً ، وهذا ما خلص إليه في نهاية مقاله بأن فكر السيد «الصدر» مازال يملك الكثير مما يمكن أن يقدمه للبشرية. وبعد خمسة أشهر على نشر الموضوع كنت في زيارة إلى لندن وتداولنا الحديث معاً حول تلك القضية، وكانت وجهة نظري آنذاك، أن صياغة الإشكالية بذلك الشكل ليست دقيقة، فالمسألة ليست في التجاوز أو عدم التجاوز، وإنما في القدرة على بناء التراكمات المعرفية والإنطلاقة منها نحو تأسيسات جديدة، فنحن لم نرتقي إلى مستوى ذلك الفكر في قمته وشموخه، ولم نتمثله في المستوى الذي كان عليه فكرياً ومنهجياً ، فكيف نتجاوزه!
فالتحدي الذي أمامنا، منذ غياب السيد «الصدر» إلى هذا الوقت، وإلى سنوات قادمة على ما يبدو،هو كيف نبني على ذلك الفكر?
السيد «الصدر» بمؤلفاته فتح على الحوزات أوسع باب للحداثة والمعاصرة، وهو من أشدّ ما تفتقده هذه الحوزات، ومن أكثر ما يعرقل تواصلها مع العصر، ويشلّ قدرتها في مشاركاتها الحضارية على النطاقات العالمية. مع ذلك فإن هذه الحوزات قد تنكرت لتلك المؤلفات، ولم تنفتح عليها أو تتاثر بها، وبذلك تكون قد ضيعت عليها فرصة حيوية في الاقتراب من العلوم والمناهج الحديثة. في الوقت الذي وجدت الجامعات العربية في تلك المؤلفات، وبالذات كتاب «اقتصادنا» ما تتصف به من قيمة معرفية ومنهجية تصلح أن تكون مناهج من نوع قيم ومتقدم لبرامجها الدراسية وهذا ما أقدمت عليه بالفعل بعض جامعات العالم العربي في مشرقه ومغربه (19) . الأمر الذي يبرز ويؤكد على جدلية الحداثة والمعاصرة بين الحوزات والجامعات، وبقدر ما تنفتح فيه هذه الحوزات على قضايا العصر، وتسري فيها روح التجديد والتطوير، بقدر ما تدرك قيمة تلك المؤلفات.
من جهة أخرى، فتلك المؤلفات كشفت على أن الحوزات العلمية لم تكن غائبة عن الحداثة والمعاصرة بالمطلق وبصورة نهائية، فمن قلب تلك الحوزات وعمقها برز السيد «الصدر» وهو الذي لم يسافر في حياته من العراق إلا مرتين، واحدة إلى الحج، والثانية لزيارة أقربائه في لبنان. وقد برهن في نفس الوقت على إمكانية أن تكتشف الحوزة طريقها إلى الحداثة والمعاصرة، وتتواصل مع العالم والعصر، وتنفتح على العلوم والثقافات والمناهج.
يضاف إلى ذلك إن تلك المؤلفات لم تستكشف أو تهضم أو تستوعب بالمستوى العلمي والمنهجي الذي عرفت به، ولم يظهر من يتخصص في تلك العلوم، أو من يتحفز نحوها باهتمام كبير، أو من يدرك آفاقها وابعادها ويسعى سعيه إلى ذلك. فلم تظهر كتابات أو دراسات وأبحاث في هذا الاتجاه، ولم يبرز من يواصل النهج العلمي الذي شقّ طريقه السيد «الصدر» أو من يرتقي إلى درجات عالية من الفهم والنقد والتجديد نحو تلك العلوم.
أما الكتابات التي نشرت حول السيد «الصدر» فمعظمها وإن كانت مؤثرة وجدانياً ونفسياً ، باعتبارها تبرز مظلوميته واستشهاده، إلا أنها قليلة الأهمية في الدراسات والأبحاث العلمية والأكاديمية، التي يفترض منها الإلتزام بقواعد وشروط البحث العلمي حيث تدرس الظواهر والقضايا والمفاهيم بقدر كبير من التجرد والعقلانية وعدم التمييز.
وهي الملاحظة التي التفت إليها منذ سنوات بعض المقفين العراقيين من الوسط الإسلامي بقصد النهوض بدراسات جديدة تكون على قدر من الكفاءة العلمية أنضج فكرياً من التي قبلها. وهي أيضاً الملاحظة التي التفت إليها الدكتور «الملاط» أثناء إعداده وتحضيره لكتابه وأشار إليها حينما إطلع على ما كتب حول السيد «الصدر».
وقد ظهرت بعض الكتابات المحدودة والضعيفة والعاجزة التي حاولت أن تبرز المنحى المذهبي في كتابات السيد «الصدر» وبالذات كتابه «اقتصادنا» وتلمس الاختلاف والتباين على أساس ذهنية مذهبية تكريس الفروقات، وكأن القصد منها وضع حد أمام توسع وانتشار تلك الكتابات. وفي هذا الصدد جاء كتاب «الاقتصاد الإسلامي بين فقه الشيعة وفقه السنة: قراءة نقدية في كتاب اقتصادنا» (20) إشترك في تأليفه كلاً من «يوسف كمال» و«أبو المجد حرك» وقد وصف الناشر كتاب «اقتصادنا» على إنه من أشهر الكتب الشيعية في الاقتصاد الإسلامي، لكي يؤكد على أهمية وضرورة النقد الذي يحتويه هذا الكتاب. لانريد التوغل في ملاحظات هؤلاء الكتاب لعدم موضوعيتها وكفاءتها العلمية والمنهجية، خصوصاً مع ما يناقضها من شهادات الكثيرين، ومن الشهرة الواسعة التي اكتسبها الكتاب بين مجتمعات وجامعات ونخب متعددة المذاهب والاتجاهات والبلدان. الأمر الذي يعزوه «الملاط» إلى حرص السيد «الصدر» على تجنب مطبات التعصب الطائفي.. ونجاحه في هذا المضمار في العالم السني، حيث تدرس كتاباته في الجامعات، هو شهادة على أهمية الشمولية في إسهاماته على الصعيد الإسلامي. ويصح هذا القول، على نحو خاص عن كتابه «اقتصادنا» الذي يرى فيه إنه فريد بغياب أي نعرة طائفية شيعية ظاهرة عن تحليله ومصادره (21) وفي تونس نشر الأستاذ «صلاح الدين الجورشي» نصوصاً من كتابات السيد «الصدر» الاجتماعية والاقتصادية في أواخر الثمانينات، وقد بذل الناشر كما يقول «الملاط» كل جهد لشرح مدى خلو كتابات «الصدر» من التعصب الطائفي (22) إلى غير ذلك من الشهادات.
القسم الآخر من هذه التقويمات هو المآلات التي وصلت إليها، أو أنها ستصل إليها أفكار السيد «الصدر» نتيجة التحولات والتغيرات المتسارعة والمتعاظمة التي حصلت في العقدين الماضيين على نطاقات مختلفة، عربية وإسلامية وعالمية، وفي مجالات عديدة، اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وجغرافية وإعلامية وتكنولوجية، حيث تغيرت معها صورة العالم في مراكزه وأقطابه ومنظوماته وسوف تتغير أكثر مع ظاهرة العولمة وثورة المعلومات حيث جعلت المجمع الإنساني مفتوحاً لكافة احتمالات التغيير واتجاهاته. فكتابات السيد «الصدر» التي ارتبطت بأوضاع فكرية واجتماعية واقتصادية كانت ملمة وضاغطة في وقتها ومتأثرة بها لحد كبير، وبالذات مؤلفاته «فلسفتنا» و«اقتصادنا» و«البنك اللاربوي في الإسلام».. فكيف يمكن أن تُقيم هذه الكتابات على التحولات الراهنة?
لعل كتاب «فلسفتنا» هو أكثرها تأثيراً وأشدها وضوحاً ، ويشكل لنا مبرراً على مشروعية فتح مثل هذا النوع من النظر والتقويم. فقد ارتبط هذا الكتاب بتصاعد الأفكار الشيوعية في العراق والعالم العربي خلال حقبة الخمسينيات التي شهدت ازدهاراً لحركة الشيوعيين العرب وتوسع نشاطهم الفكري، واحتكاكه بالأوساط الدينية وتغلغله في شرائح تنتسب لهذه الأوساط، فقد خرج منها من أصبح فيما بعد مفراً بارزاً مثل «حسين مروة» في لبنان، وغيره في مناطق عربية أخرى. هذا الصعود فتح معه سجالات ساخنة وعنيفة مع الإسلاميين. وقد صدر كتاب «فلسفتنا» استجابتاً لتلك الوضعيات، وتحدياً للأفكار الشيوعية والماركسية، ويمكن اعتباره من أقوى وأعمق ما صدر عن الإسلاميين في نقد وتحليل الأسس الفلسفية والعلمية التي ترتكز عليها الماركسية. فهذه هي قضية الكتاب ومهمته الرئيسية كذلك.
والسؤال المشروع والمقنع الذي يفرض كامل النظر حوله ماذا بقي من موضوع الكتاب وقضيته بعد سقوط الماركسية وانهيار معقلها التاريخي في الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشرقية في أوروبا. فقد عادت الماركسية إلى الماضي كما جاءت منه، وانقلب عليها التاريخ بعد أن جعلت منه علمها الرئيسي ووصفت حركتها بالجدلية التاريخية. وأما بقاياها اليوم بالقدر الضئيل والمحدد التي هي عليه، فيطفح عليه الانكسار والهزيمة، ولايمثل حضوراً ونشاطاً فاعلاً ومتضامناً . وهي النتيجة التي توصل إليها «الملاط» ومن السهولة إدراكها واكتشافها وحسب رأي «الملاط» إن «من الصعب الجزم بأن هذا الكتاب أثرى النقاش الفلسفي في العالم الإسلامي إلى حد كبير،..فهو يحمل طابع الأوضاع الملحة والمستوجبة عناية عاجلة، التي أنتجته،.. ـ فقد ـ صدر كرد فعل على تعاظم التيار الشيوعي في العراق، وبخاصة في أوساط الشيعة الأكثر حرماناً . وكان الهدف الأول للصدر صد ذلك التيار بتوفير فهم أفضل وتفحص أدق لمنهج الماركسية والمصطلحات الخاصة بها.. أما الجهدالمبذول لهذا الكتاب، بالنسبة إلى مجتهد شيعي، فهو أمر لافت للأنظار بمنحاه الفذّ. لكن إمكانات النجاح البعيد الأمد لكتاب بني على أساس المادية الجدلية لستالين والشيوعي الفرنسي جورج بوليتزر، كان محكوماً عليها بالإخفاق. ولذا يشعر القارئ الآن بأن كتاب فلسفتنا تلك النكهة المميزة للغة تخطاها الزمن.. فالأوساط الفلسفية اليوم تعتبر دعاوي ستالين وبوليتزر، وحتى انغلز، عتيقة الطراز. وكان لاضمحلال تلك الحجج تأثير سلبي على البحث الفلسفي للصدر لأنه أولاها أهمية لاتستحقها.. أما الأعمال الأصلية الأكثر جدية، مثل رأس المال لماركس، فلم تكن قد صدرت بعد ترجمته موثوقة وجديدة بالاعتماد من الأصل الألماني إلى العربية، ولذا أعاقت نوعية المواد المتوفرة في قراءة الصدر للكلاسيكيات الماركسية» (23) . هذا النقد من «الملاط» يشفعه في أكثر من مكان في كتابه بالاشادة به، إذ يعتبره قد «نجح إلى حد كبير، وخرج بنقد فذّ في تعمقه وشموله، وفي الحرص على تجنب الإفراط في التبسيط،.. ويبقى كتاب فلسفتنا نموذجاً جيداً للجهود الشاملة التي بذلها الصدر لوضع منهاج فكري إسلامي مكتمل» (24) .
أما الكتابات الاقتصادية للسيد «الصدر» فقد استجابت لتطورات متعاقبة أعطت فاعلية وحركة لتلك الكتابات، فكتاب «اقتصادنا» في الجانب النقدي والمقارن منه الذي تضمنه القسم الأول من الكتاب، قد أولى أهمية أكبر لنقد الفكر الاقتصادي الماركسي في تطوره التاريخي الجدلي والحتمي، أكثر من اهتمامه بنقدالفكر الاقتصادي الرأسمالي، لن طبيعة الظروف التي أحاطت بالكتاب كانت محرضة على ما يبدو وشكلت بواعث أساسية لقضايا وموضوعات ومفاهيم البحث، كما إن المساحات المخصصة في الكتاب تبرز هذه الأهمية. وفي وقت آخر جاء كتاب «البنك اللاربوي في الإسلام» الذي ارتبط بقضايا ذات علاقة بالاقتصاد الرأسمالي حيث شهد نشاطاً ملحوظاً في حقبة السبعينات مع السيولة المالية الكبيرة في الدول المنتجة للنفط، بعد ما عرف اقتصادياً بالطفرة النفطية التي نشطت معها نظام البنوك والمصارف المالية، واستدعت معها نقاشات حول قضايا الربا والفائدة، وإمكانية أن تكون هناك بنوك لاربوية. وفي عام 1979م صدر كتاب «الإسلام يقود الحياة» إستجابة لظروف مختلفة تماماً عن التي قبلها، حيث أخذتمنحى أسلمة الدولة والمجتمع بعد التحول الإسلامي في إيران. وقد تضمن هذا الكتاب ستة ملفات، ثلاثة منها كانت ذات علاقة بموضوع اقتصاد المجتمع الإسلامي، وهي «صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي» و«خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الاسلامي» و«الأسس العامة للبنك في المجتمع الإسلامي».
وقد بقيت هذه الكتابات إلى هذا الوقت تحتفظ بحضورها، وبمكانة مرموقة، وتعتبر مراجع أساسية في مجالاتها وموضوعاتها، ونادراً ما تجد كتاباً في الاقتصاد الإسلامي لايكون كتاب «اقتصادنا» منمراجعه المهمة، وهكذا فيما يكتب حول البنوك اللاربوية والمصارف الإسلامية. ومن شهادات الدكتور «الملاط» قوله «إلى هذا اليوم مازال اقتصادنا الأثر الأهم شأناً والأكثر شمولاً بين كل ما كتب عن الاقتصاد الإسلامي» (25) . وهكذا هي رؤيته لكتاب «البنك اللاربوي في الإسلام» ولقد استجدت تطورات غير تلك التي استجابت لها الكتابات المذكورة، وكانت على احتكاك بها، وامتحان لأطروحاتها، فمنها تطورات ذات علاقة بحركية الأفكار والمفاهيم والنظريات، ومنها ذات علاقة بالوقائع والتطبيقات والتجريبات. ففي نطاق الأفكار فإن كتاب «اقتصادنا» وقت صدوره، كانت هناك ندرة واضحة في الكتابات الاسلامية حول قضايا ومفاهيم الاقتصاد الإسلامي، فكان هذا الكتاب هو الأبرز من بينها بلا منازع. فالكتب التي يقارنها الدكتور «الملاط» بكتاب «اقتصادنا» هما كتاب «السيد قطب» «العدالة الاجتماعية في الإسلام» صدر في 1949م، وكتاب «علال الفاسي» «في المذاهب الاقتصادية» صدر في 1971م، حيث يرى فيهما هيمنة «سيد قطب» و«علال الفاسي» على الساحتين المصرية والمغربية، ويطلق على ذلك بقوله «لكن أفضل انجازاتهما في هذا المجال قاصرة عن بلوغ مستوى أعمال الصدر من حيث النوعية والمنزلة» (26) وحسب نظر الدكتور «محمد مبارك» فإن أفضل ما كتب في الدراسات المقارنة اثنان هما: الأستاذ أبو الأعلى المودودي [1321ـ1398هـ/ 1903ـ1979م] في كتابه «الإسلام والنظم الاقتصادية المعاصرة»، والسيد «محمد باقر الصدر» في الجزء الأول من كتابه «اقتصادنا». وقد التفت «الملاط» للأستاذ «المودودي» في هامش الكتاب، وكانت لديه وجهة نظر حوله، عبر عنها بقوله «من الممكن إضافة المودودي، الذي كان من المجاهدين الباكستانيين الهامين في الحركة الإسلامية، لكنه أقل تشويقاً على المستوى الفكري» (27) . أما في العقدين الأخيرين فقد صدرت كتابات إسلامية جديدة ومهمة، ونخص بالذكر منها مؤلفان للدكتور «محمد عمر شابرا» هما «نحو نظام نقدي عادل» (28) و«الإسلام والتحدي الاقتصادي» (29) وعنصر التميز في هذين الكتابين أنهما يعكسان الخبرة العملية والتجريبية التي عايشها المؤلف إلى جانب المعرفة العلمية المعاصرة بهذا الحقل، فقد عمل منذ سنة 1965م لأكثر من عقدين مستشاراً اقتصادياً لمؤسسة النقد العربي السعودي، كما عمل مدرساً لمادة الاقتصاد في أكثر من جامعة أمريكية. مع ذلك فإن هذه الكتابات بما في ذلك كتابي الدكتور «شابرا» فإنها لاتتجاوز أو تتخطى كتاب «اقتصادنا» الذي يتفوق عليهم في الجانب النظري والتأصيل المعرفي والفقهي، إلا أنه ليس الكتاب الوحيد البارز والمتفوق في مجاله كما كان سابقاً .
وفي نطاق الوقائع والتجريبات، فقد ظهرت محاولات إسلامية جادة في حقل البنوك والمصارف المالية، واستطاعت أن تقطع شوطاً كبيراً ومهماً ، كسبت على إثره إعترافاً وحضوراً على الصعيد العربي والإسلامي وحتى العالمي، وكونت لها خبرة وتجربة وراكمت معارفها وعلومها في هذا الحقل، وقد وصل عدد البنوك الإسلامية حتى عام 1999م، (205) بنك موزعة على أكثر من 25 بلداً ، في مختلف قارات العالم، وجذبت من الودائع ما قيمته 112 مليار دولار، وحققت نمواً بمعدل 5.3 بالمائة في عام 1997م. فإذا كان كتاب «البنك اللاربوي في الإسلام» قد صدر مع بدايات التفكير والاهتمام بإنشاء نظام البنوك اللاربوية وإمكانية توافقها مع قوانين الشريعة الإسلامية. أما اليوم فإن المصارف الإسلامية قد تجاوزت الإشكاليات النظرية ونوعية المشكلات التي كانت حائرة في ذلك الوقت. ويبقى لكتاب «البنك اللاربوي في الإسلام» قيمتها المعرفية كجهد نظري وتأصيل فقهي هو من بواكير الاهتمام بذلك الموضوع.
وهناك تطور آخر حاول دراسته وتكوين نتيجة حوله الدكتور «الملاط» مع انبثاق تجربة إسلامية سعت إلى أسلمة الدولة والمجتمع والحياة العامة على نطاق شامل ومحكم بعد التحول الإسلامي في إيران، حيث يتوافق السيد «الصدر» مع هذه التجربة من جهة الانتساب إلى قاعدة الاجتهاد الإسلامي الشيعي. فقد طرح «الملاط» سؤالاً حاول البحث عن إجابة له وهو «هل نجح الصدر في جعل اكتشافه الاقتصادي الإسلامي قابلاً للتطبيق?» والنتيجة التي توصل إليها «الملاط» إن كتاب «اقتصادنا» لم يأخذ حيزه وفاعليته من التطبيق في التجربة الاقتصادية والإسلامية في إيران،على عكس المبادئ الدستورية، كما يرى «الملاط» حيث من الممكن اقتفاء أثر تسلسل شبه مباشر في نصوص محكمة مثل «اللمحة الفقهية» للصدر والدستور الإيراني لعام 1979م. وعن وجهة نظره في كتاب «اقتصادنا» يقول: «على الرغم من التحليل المطول لملكية الأراضي والنظام الاقتصادي، لن يعرض اقتصادنا التقنيات الممكن تطبيقها في اقتصاد يبحث عن إرشادات محددة بدقة» ويرى أن ثروة الكتاب وضلاعته العلمية توحيان بأن بعض النماذج أسست في هذا المجال وفقاً لأفكار بحثت أول مرة بالتفصيل في اقتصادنا.. وما يخلص إليه أن فضائل الكتاب تكمن في هذه النماذج والمثل، أكثر مما هي في تطبيق الآراء على اقتصاد دولة إسلامية» (30) .
من المؤكد فإن هذه الآراء الناقدة لاتقلل من شأن وقيمة كتاب «اقتصادنا» الذي برهن بكفاءة عالية،وفي وقت مبكر، على إمكانية اكتشاف المذهب الإسلامي والنظام الإسلامي في الاقتصاد، وأعطى ثقة كبيرة لأي محاولة إسلامية لأن تتخذ من الإسلام قاعدة مرجعية وإطاراً معرفياً في بلورة وصياغة النظم الاقتصادية والتفكير الاقتصادي العام. وهذه من أكثر القضايا جوهرية حيث تتأسس عليها جميع الخطوات الأخرى التخطيطية والتطبيقية وجملة السياسات العامة. وحينما ظهرت التجربة الإسلامية في إيران لم يقدم لها السيد «الصدر» كتاب «اقتصادنا» ليكون تصوراً لاقتصادها الوطني، وإنما ساهم برؤية أخرى تلك التي عبر عنها في كتابه «الإسلام يقود الحياة» ولم يتطرق فيه لكتاب «اقتصادنا» مع أن أغلب موضوعاته تدور حول الاقتصاد. ولعله كان قاصداً في استعماله لتسمية «اقتصاد المجتمع الإسلامي» والفارق في أن كتاب «اقتصادنا» كان الحديث يدور حول المذهب الإسلامي في الاقتصاد ولم يكن للمجتمع الإسلامي موضوعاً يبرر الحديث حوله في إطار خصوصياته ومكوناته وشروطه الزمانية والمكانية..
كلمة أخيرة: بالتأكيد فإن الفكر الإسلامي المعاصر قد تأثر كثيراً في حركة نموه وتطوره وتجدداته بغياب السيد «الصدر» الذي مثل قمة عالية في منظومة هذا الفكر، ونهض بوعي لم تنقطع تأثيراته إلى هذا اليوم،وأعطى زخماً للمشروع الإسلامي المعاصر على امتداد العالم الإسلامي، وتأثر به أوسع قطاع من المثقفين الدينيين المتنورين. فهو المفكر الذي كان التجديد والتطوير والابتكار منطلقاته الأساسية في كل أبحاثه ودراساته ومؤلفاته، ولم يكن مجرد داعية لهذه العناصر، بل كان ممارساً ومتمثلاً لها،كما برهنت على ذلك مؤلفاته.
وباستشهادهاصبح مصداقاً للأفكاره وشاهداً عليها وعلى الفكر الإسلامي. لقد كان إعدامه من أعظم فواجع الفكر الإسلامي، فأي أمّة هذه التي يعدم فيها مثل «الصدر» وأي أمّة هذه التي يقتل فيها عظماؤها. مع ذلك فقد توج الصدر عظمته بتلك الشهادة، وبعث في الأمة روحاً وصحوة ويقظة، حيث كان رسولياً في فكره وحسينياً في شهادته. لقد أدى الصدر مهمته ورسالته، ونحن الذين لم نؤد مهمتنا ورسالتنا لان لم ننجب صدراً بعد الصدر!
الهوامش
1) فلسفتنا. السيد محمد باقر الصدر، بيروت: دار التعارف، 1982م، ص57.
2) انظر كتاب: تجديد الفقه الإسلامي.. محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم. د. شبلي الملاط، ترجمة: غسان غصن، بيروت: دار النهار، ط1، 1998م، ص147 سوف نعتمد هذا الكتاب مرجعاً أساسياً في هذا البحث لخصوصيته الأكايديمية.
3) الأسس المنطقية للاستقراء. السيد محمد باقر الصدر، بيروت: دارا التعارف ط4، 1982م، ص7.
4) قضايا إسلامية. (إيران)، العدد الثالث، 1417هـ/ 1996م، ملف: فكر الإمام الشهيد محمد باقر الصدر..قراءات في الأبعاد التأسيسية، أسئلة الذكرى في الواقع الفكري الراهن، خالد توفيق، ص372. نقلاً عن كتاب باللغة الفارسية: تفرج صنع، عبد الكريم سروش، طهران: مؤسسة فرهنكي صراط، ط3، 1373هـ. ش، ص426.
5) أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث. د. فهمي جدعان، عمان: دار الشروق: ط3، 1988م، ص12.
6) تجديد الفقه الإسلامي، محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم. مصدر سابق ص49.
7) المصدر نفسه. ص23.
8) نظرية التراث.. ودراسات عربية وإسلامية أخرى. د. فهمي جدعان، عمان: دار الشروق، ط1، 1985م، ص100، في الهامش. وقد صدر هذا الكتاب في طبعة جديدة بعنوان مختلف هو «الماضي في الحاضر» بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
9) الفكر الإسلامي المعاصر والتحديات. منير شفيق، بيروت: الناشر للطباعة والنشر،تونس: دار البراق، ط3، 1991م، ص9.
10) المصدر نفسه. ص36.
11) المصدر نفسه. ص48
12) المصدر نفسه. ص32.
13) تجديد الفقه الإسلامي.. محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم. ص11، وقد تضمن الكتاب توثيقاً عما نشر باللغات الأجنبية في هذا الصدر حول السيد «الصدر».
14) عن كتاب: الشهيد الصدر.. سنوات المحنة وأيام الحصار.. الشيخ محمد رضا النعماني، نشر المؤلف، إيران، 1996م، ص66. والمؤلف لم يؤرخ حتى حصل هذا اللقاء ولعل الأقرب خلال فترة السبعينات.
15) اقتصادنا. السيد محمد باقر الصدر، بيروت: دار التعارف، ط16، 1982م، ص27.
16) نظام الإسلام: الاقتصاد مبادئ قواعد عامة. محمد المبارك، بيروت: دار الفكر، ط2، 1980م، ص17.
17) أنظر كتاب: الشهيد الصدر.. سنوات المحنة وأيام الحصار.. مصدر سابق، ص67ـ68. وحسب رواية الكتاب فإن اللقاء لم يحدث حيث أظهرت الجهة الحكومية العراقية موقفاً في غاية الغرابة بنفيها أن يكون هناك شخصاً عراقياً موجوداً في داخل العراق بذلك الاسم واختلقت مسرحية مفضوحة لغرض اقناع ضيفها بصحة كلامها.
18) أنظر جريدة: الحياة «لندن» العدد 12447، الجمعة 28 آذارـ مارس 1997م.
19) في أكثر من مكان في كتابه يؤكد الدكتور «الملاط» على هذه الحقيقة، أنظر ص 116ـ189.
20) صدر الكتاب في القاهرة،نشرته دار الصحوة،1987م/1408هـ.
21) تجديد الفقه الإسلاميز ص166ـ193.
22) المصدر نفسه. هوامش الكتاب، ص284.
23) المصدر نفسه. ص16ـ18ـ195.
24) المصدر نفسه. ص195ـ18.
25) المصدر نفسه. ص189.
26) المصدر نفسه. ص193.
27) المصدر نفسه. ص283، هامش رقم 44.
28) نشرته بالانجليزية المؤسسة الإسلامية في بريطانيا،عام 1985م، وصدرت ترجمته العربية عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا. أخذ عليه المؤلف جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1990م.
29) صدر الكتاب في طبعته الأولى عام 1996م، بالتعاون بين المعهد العالمي للفكر الإسلامي والمعهد العربي للدراسات المالية والمعرفية بالأردن.
30) تجديد الفقه الإسلامي. ص194.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.