تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

عالمية الثقافة الاسلامية امام تحديات العولمة

منير شفيق

يمكن أن ينظر إلى ثورة المعلومات من زاويتين، من زاوية الثقافة الواردة على الأمة، من خلال ثورة المعلومات، وهذه مسألة تعني الأمة كلها. كيف يمكن أن تواجه هذه الجوانب الثقافية الواردة من خلال هذه الثورة في المعلوماتýإلى أبنائنا وأجيالنا وإلى مختلف قطاعات الأمة. وهذا أمر يتعلق بكيفية مواجهة الثقافة الإسلامية لهذه الثقافة، وكيفية التنافس معها في الوصول إلى القطاعات الواسعة من أبناء الأمة.
وهنا تأتي مسألة استخدام الثقافة الإسلامية للمعلومات، لأن استخدام المعلومات هو الشق الثاني، أي كيفية استخدام الثقافة الإسلامية لثورة المعلومات والإفادة منها في وسائلها ووسائطها المختلفة. إن الثقافة الإسلامية منذ الآن أصبحت متمكنة ومعنية في استخدام آخر التطورات التكنولوجية الحديثة، ولاسيما الإنترنت، وأصبحت تجد معظم النشريات الإسلامية وكثير من الكتابات الإسلامية بما في ذلك المطبوعات، وحتى البرامج التلفزيونية حضوراً له أهميته وقيمته.

لاشك أن ثورة المعلومات سيف ذو حدين، ستكون هناك ثقافات وافدة، وبعضها أيضاً من الثقافات المحلية المتغربة داخل البلدان العربية والإسلامية، سوف تستخدم هذه الوسائط، ولكن في المقابل يمكن للثقافة الإسلامية، أن تفيد منها وهي تفعل ذلك.
لذلك لاýأرى أن ثورة المعلومات ستغير فعلاً من الإتجاه العام الرئيسي لتطور الثقافة الإسلامية ومستقبلها على مستوى الأمة. لأن هناك نقاط انطلاق للثقافة الإسلامية ومستقبلها غير مرتبط بالوسائل الحديثة للمعلومات، فهناك المسجد والجمعيات الإسلامية والمراكز الإسلامية للوصول إلى الجمهور، هذه مسألة اساسية وليس بالضرورة أن نتصور أن كل مواطن مسلم سيكون وراء الكمبيوتر. هذه الثوابت ستبقى فاعلة، والواجب أن نحافظ عليها لأنها أكثر حياة، وأكثر قوة وصحة في نشر الثقافة الإسلامية. هناك كذلك الكتاب الإسلامي الموجود وسيتوسع إذا ما أتيحت له الفرصة، كما تقدمها له ثورة المعلومات. وأعتقد أن ثورة المعلومات ستشكل خطراً على الثقافة الإسلامية وإن كانت هناك بعض الجوانب لها أخطارها وسوف تعالج عندما تدخل ضمن الغزو الثقافي. وهذا موجود ليس من الآن فقط، هناك ثورة معلومات موجودة منذ مدة طويلة، منذ مائة سنة تواجه الثقافة الإسلامية هذا الغزو او هذا الإقتحام سواء من خلال السينما أو من خلال التلفزيون أو من خلال الكتابات والمطبوعات والجرائد ووكالات الأنباء. هذا كان موجوداً دائماً إلا إنه دخل في مرحلة جديدة، ولا يعني أن هذه المرحلة سوف تغير في الجوهر من تأثيرات هذه الثقافة أو من طرق مواجهتها.

أما مشكلة العولمة في المجال الثقافي يجب ألا ينظر إليها أنها فقط ذات طابع عولمة غربية في مقابل ثقافة إسلامية، هناك صراع في المجال الغربي نفسه حول موضوع العولمة، لأن الثقافة الغربية في كثير من البلدان الأوروبية تجد نفسها الآن مهددة بالعولمة الأمريكية، بوسائط الإعلام الأمريكية، التي تحاول أن تكتسحها. لذلك نسمع من أيام ميتران ومن شيراك وعدد من القادة والمفكرين الفرنسيين والغربيين، وأجهزة الإعلام الأوروبية انزعاجاً من محاولة فرض العولمة الأمريكية عليهم، ليس فقط بسبب قوتها، وإنما قد تستخدم قوتها المالية للسيطرة على أجهزة الإعلام الغربية ومن ثم تؤثر على الثقافات الغربية المختلفة، وبالتالي هناك معركة عالمية ضد محاولات السيطرة الثقافية للثقافة الأمريكية، والتي يجب أن نراها باعتبارها ثقافة صهيونية، وهذه مسألة اساسية ومتحدية ليس فقط للثقافة الإسلامية، وإنما متحدية أيضاً لجملة من الثقافات الغربية المعاصرة والتقليدية، هذا من جانب، من جانب آخر نجد في مجالنا الإسلامي هذه الثقافة، الصراع معها ليس ذو طابع ثقافي، إنما هو بالدرجة الأولى ذو طابع سياسي أيضاً، المشكلة بيننا وبين السيطرة الخارجية للعولمة تبدأ بالجانب السياسي وتمر بالجانب العسكري وتمر بالجانب الإقتصادي ثم تأتي إلى الجانب الثقافي، لذلك فالمعركة شاملة، والعولمة تهجم علينا بصورة شاملة، ومن ثم فمن التبسيط أن نحصرها بالجانب الثقافي، لأن العولمة تريد أن تقتحم علينا بلادنا لتفقدها استقلالها، لتفقدها ثقافتها وهويتها، كما ظهر ذلك في المشروع الشرق أوسطي الذي يعني بالنسبة إلينا الهيمنة الإسرائيلية فضلاً عن الهيمنة الصهيونية الوافدة من خلال هيمنة الثقافة الامريكية المتطرفة.
من هنا أعتقد أن هذه العولمة سوف تجابه بمقاومة واسعة، سياسية واقتصادية وثقافية من قبل شعوبنا، باعتبارها عولمة متصهينة في مختلف المجالات.

والثقافة الإسلامية كي تصبح عالمية أو تدخل مجال العالمية، بهذا المعنى فالمسألة العالمية ليست مسألة ثقافية، كأنها صراع ثقافي، لاتوجد هنا ثقافة عالمية بدون سيادة عالمية في المجال السياسي والعسكري والإقتصادي، ثم تأتي الثقافة لتصبح ذات سيادة عالمية، لذلك أعتقد أن الأمة الإسلامية مادامت ممزقة ومادامت معرضة للهيمنة، وما دامت السيادة العالمية للقوى الأخرى، لايمكن أن تكون للثقافة الإسلامية سيادة عالمية أو وجود عالمي، وبالتالي فوضع الثقافة الإسلامية مرتبط بحال الأمة، بمكانتها العالمية، وميزان القوى، حتى لو استطاعت أن تقدم ثقافة متفوقة، لكنها مقهورة من الناحية السياسية والإقتصادية والثقافية، فلن تتحول هذه الثقافة المتفوقة على الثقافات الأخرى إلى موقع العالمية.


* مفكر فلسطيني

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة