تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

كيف يرتقي الخطاب الاسلامي الى مستوى العالمية

رفيق عبد السلام
[1] ضبط مفهوم العولمة

بداية من الناحية المنهجية، يلاحظ أن مصطلح العولمة ليس منضبطاً أو محدداً بطريقة توافقية أو محل توافق عام. هناك تحديدات مختلفة لهذا المصطلح، وهذا الإختلاف يعود فقط للغموض الحاصل أو الإلتباس في مفهوم العولمة، ولكن يعود بوجه من الوجوه إلى أن هذا المفهوم قد خضع وهو خاضع إلى رهانات، وربما إلى استراتيجيات ومصالح معينة تقف خلف تحديد الأسماء، فإطلاق النعوت والأسماء في نهاية المطاف ليس أمراً بريئاً ومحايداً ومثال على ذلك أن نطلق على مصطلح الأصولية على الظاهرة الإسلامية،‏فهذا تعبير ضمني عن موقف معين وربما عن رهانات وحتى مصالح معينة، كذلك الأمر بالنسبة لمصطلح العولمة، لذلك من الناحية المنهجية نحن نحتاج إلى تدقيق أو إعادة بناء هذا المصطلح من منظارنا نحن كعرب ومسلمين بالدرجة الأولى.
على مستوى التحديد العام يلاحظ أن مفهوم العولمة أو مصطلح العولمة قد استخدم في السياقات الغربية بالدرجة الأولى، وبمعانٍ مختلفة، ولكن تلتقي في مستواها العام عند جملة من النقاط، عندما نلاحظ اليوم على مستوى الخطاب الغربي وخاصة الأمريكي سواء في وجهه الاعلامي أو السياسي وحتى الأكاديمي، يقصد بالعولمة أساساً رفع أو ازالة الحواجز الجغرافية والقطرية والوطنية، وفسح المجال أمام انسياب البضائع وربما الافكار والقيم بصورة حرة وخالية من كل ضبط أو حد. الجانب الثاني هو ما يعبر عنه في هذا الاتجاه بمقولة اقتصاد السوق. لقد أصبح العالم الآن كقرية صغيرة منفتحة يتم تداول البضائع فيها بطريقة حرة وخالية من كل الحواجر والموانع الجغرافية و الجمركية.
وكذا القول بأن العالم قد أصبحت تسيطر عليه قيم المردودية والنجاعة على حساب الأيديولوجية وهو ما يعبر عنه بصيغة واضحة من خلال مقولة موت الايديلوجيا أو نهاية الايديلوجيا، طبعا هذا التحديد للعولمة يحتاج إلى مراجعة في نهاية المطاف. نحن نقر بأن العالم قد أصبح على درجة كبيرة من التداخل، وهناك تراجع على مستوى الحدود أو الحواجز الجغرافية السابقة، خاصة خلال العقود الاخيرة، مع ثورة المعلوماتية ومع انتشار التكنلوجيا والبث الفضائي.
ولكن يجب أن ننتبه في نفس الوقت إلى أن العالم لم يصبح فعلاً بهذه الدرجة من الاندماج والتداخل الكامل، لأن خلف السطح الخارجي، خلف التواصل والتداخل وغياب الحواجز هناك في نفس الوقت نوعاً من الرقابة ونوعاً من المركزة، سواء كان ذلك على مستوى مصادر المعلومات أو على مستوى الثقافة السائدة. كما أن هناك سيطرة على مستوى النظام الاقتصادي والسياسي وفي كل المستويات، وهناك نظام دولي تهيمن عليه القوى العظمى هي التي تسيطر على القرار السياسي والإقتصادي، وكذلك الأمر على مستوى نظام القيم والثقافة العامة.
طبعاً ما ذكرته في هذه النقاط يبين إلى حد كبير أن ما يبدو خلف السطح الخارجي. من تداخل وحالة التجانس الشديدة كما يقال بأن العالم اصبح كقرية صغيرة وموحدة هو جزء من حقيقة، ولكن خلف هذا السطح الخارجي هناك صراعات وهناك حالة استقطاب عرقي ولغوي وديني ومثال البوسنة خير شاهد على ذلك، حيث لا حظنا حروب التطهير العرقي والديني في قلب منطقة البلقان أي في قلب أوربا، وتجربة البوسنة مرشحة ربما أن تتكرر في أي موقع من العالم بما في ذلك العالم المتقدم. هذا يعني أن مقولة العولمة أو الكوكبة هي وهم، ولكن فقط أردت أن أوضح أن مفهوم العولمة مركب ومعقد ولا يجب أن ننساق إلى التحديدات البسيطة الرائجة اليوم في وسائل الإعلام والادبيات الغربية التي تسعى إلى ترويج أن العالم أصبح قرية صغيرة وبدون حواجز، لأن في حقيقة الأمر العالم ما زالت فيه مراكز واطراف. يجب أن ننتبه لذلك، ونحن كمسلميين وعرب وعالم ثالثي اذا جاز التعبير مازلنا نمثل الموقع الطرفي في هذا العالم ومازلنا في موقع المتلقي. ويبدو لي أن الشرط الأساسي من شروط العولمة أن يكون هنالك تكافؤ ومساواة بين مختلف المنظومات الثقافية والاخلاقية والانظمة الرمزية للمشاركة في فضاء العالمية بطريقة متعادلة ومتساوية.

[2] موقع الثقافة الإسلامية

أما موقع الثقافة الإسلامية كمنظومة فكرية لها قيم معينة وتصورات كونية في ظل هذه العولمة؟ إن هذه العولمة بقدر ما تمثل من التحديات بالنسبة لثقافة الاسلام وعالم الاسلام بصفة عامة، إلا أن ذلك لا يخفي أن هنالك مكاسب وإيجابيات يمكن أن تكون لصالح الثقافة الاسلامية ولصالح القيم الاسلامية، ولكن هذا يبقى مشروط بمدى قدرة المسلمين وبمدى قدرة الخطاب الاسلامي على الارتقاء إلى مستوى العالمية، والاسلام بطبيعته دين عالمي ولا يخشى العالمية بل على العكس من ذلك كلما انزاحت الحواجز الجغرافية والعرقية والدينية نحسب أن الاسلام مرشح وقادر أن يأخذ مكانه الطلائعي والمتقدم على مستوى المنظومة الثقافية العالمية لأن الخطاب الاسلامي والخطاب القرآني تحديداً هو خطاب يحمل صغة العموم وليس الخصوص.
وهو خطاب يمتد افقياً إلى مستوى الإنسانية أو النوع الانساني دون تحديد ودون تمييز، ولكن يبقى التحدي المطروح على الفكر الاسلامي وعلى النخب الاسلامية في مدى قدرتها على الارتقاء بالاسلام فعلاً إلى مستوى العالمية وأن تكون مستجيبة فعلا لهوية الخطاب الاسلامي والمنظومة الاسلامية التي تنحو بطبعها منحى العالمية.
وللأسف الشديد أن الفكر الاسلامي إلى حد الأن مازال متمحوراً حول قضايا محلية ومازال متقوقعاً خلف قضايا ومطالب الهوية،‏لا أنكر أن هناك حاجة أساسية لنا كعرب ومسلمين في الحفاظ على الهوية الثقافية، ولكن يجب أن نحدد المضمون الايجابي والفعال لهذه الهوية، فشرط أساسي لحضورنا في العالم ليس أن نحافظ على هوية جامدة وميتة ورتيبة، وأن نحمل أعباء التاريخ فوق ظهورنا خشية الاندماج أو التفاعل في المنظومة العالمية،‏ولكن الشرط الأساسي هو وجود هوية ثقافية وأخلاقية فاعلة ومتجددة ومستجيبة لمتطلبات الواقع ومتجهة للمستقبل أكثر مما هي منتكسة أو مرتكسة للماضي.
إن الإسلام بصفة عامة لايخشى مغامرة العالمية، ولكن تبقى المشكلة في مستوى النخب والمؤسسات الإسلامية، في مدى قدرتها على إدارة هذه المغامرة الكبرى، أو مغامرة العالمية وهي مغامرة الحداثة، فنحن مدعوون اليوم إلى الدخول في مغامرة الحداثة،‏ولكن بلغتنا ورموزنا ومنظومتنا القيمية والأخلاقية الخاصة، طبعاً لا أقول بوجود بوابة موحدة ووحيدة للحداثة هنالك أنماط ووجوه وتجارب متعددة ومسالك مختلفة لتجربة الحداثة أو التحديث.
والتحدي المطروح علينا نحن كمسلمين هو في مدى قدرتنا على فتح منافذنا الخاصة لدخول تجربة الحداثة كما ذكرت بهويتنا الثقافية والأخلاقية، ولكن بشرط أن نفهم الهوية كتحديد حيوي ومتجدد وفعال وليس تحديداً قبلياً ونمطياً وجامداً وميتاً.

[3]النفوذ إلى حرية العصر

أما مساهمتنا في حركة العصر بما يساعد على حضور الثقافة الاسلامية ضمن حركة العولمة، طبعاً هذا يبقى مشروطاً بدرجة أولى كما ذكرت بمدى قدرة الفكر الاسلامي على التعاطي مع القضايا الكبرى التي تخص مصير العالم ومصير الإنسانية، هذا يحتاج إلى أن تكون القضايا الكبرى والاسئلة الكبرى والاجابات الكبرى التي يقدمها المسلمون وخاصة نخبهم الفكرية والعلمية تتعلق بالمشاكل والقضايا التي تشغل الإنسانية بصفة عامة. لا أن نستغرق في قضايا محلية وقطرية أو حتى دينية داخلية. تخص المسلمين. نحن نحتاج إلى معالجة قضايا كبرى مثل قضايا البيئة وقضايا المصير الإنساني والحريات وقضايا النظام الدولي وموازين القوى. طبعاً هذا يحتاج إلى أن يمتد الخطاب الإسلامي إلى جميع العالم بلغة مفهومة وموجهة لكل الإنسانية،‏لا أن يكون خطاباً محلياً وداخلياً يعالج قضايا خاصة بطائفة معينة أو مذهب معين وفئة معينة. لكن للأسف الشديد مايلاحظ حتى الآن أن الخطاب الإسلامي ينحو منحى الخصوصية أكثر من منحى العالمية، وهذا طبعاً يحتاج إلى مراجعة حتى يكون الخطاب الاسلامي بمستوى التحديات المطروحة، وفي مستوى المشاغل الكبرى التي تهم المصير الإنساني بصيغة عامة. نحن نحتاج لوقفة تأمل داخلي لمراجعة الخطاب الاسلامي لأن الاستمرار على هذه الوتيرة في نهاية الأمر يمثل مضيعة للوقت بالنسبة للعالم الاسلامي بصغة عامة. مثلاً لا أرى مفكراً في الوضع الراهن بحجم الفيلسوف المسلم محمد اقبال، حينما نقرأ كتابات إقبال نشعر بأننا نعيش قضايا ومشكلات كبرى، وتساؤلات كبرى تخص المصير الإنساني، وتشغل العقل الإنساني وليس الإسلامي فقط، بينما لا اكاد أعثر في المكتبة الاسلامية في الوضع الراهن على مفكر أو فيلسوف يضاهي محمد اقبال. لأن المساحات التي يتحرك فيها الخطاب الاسلامي في الوضع الراهن هي قضايا داخلية،‏فالخطاب الاسلامي مازال إلى حد الآن يتكلم لغة ليست مفهومة من جموع العالم، قد يفهمها العربي المسلم يعني من يعيش في البيئة الداخلية للثقافة الاسلامية، ولكن أزعم أن من هو خارج المنظومة الثقافية العربية وربما خارج المساحة الجغرافية للعالم الاسلامي قادر على التعاطي وفهم ماهو مروّج وما هو سائد داخل الساحة الاسلامية.عندما نقرأ نصوص اقبال نعيش في أجواء نفسية ذات بعد عالمي،‏لانعيش قضايا محلية،‏لا نعيش داخل الإطار القطري الضيق، كذلك كتابات مالك بن نبي كانت متنوعة كتبت عن قضايا تخص النهضة الثقافية وقضايا العالم الثالث، طبعاً قراءة مالك بن نبي مثلاً في ميلاد المجتمع الاسلامي تبرز أبعاد اخرى للفكر الاسلامي ولتجربة التاريخ الاسلامي من زاوية يغلب عليها الطابع العالمي والكوني أكثر مما يغلب عليها الطابع المحلي والداخلي الذي يخص العالم العربي أو الاسلامي. على كل حال لست متشائماً، إن ما قلته يعني أن الثقافة الاسلامية في حالة جمود قاتل، ألاحظ من خلال تأملي البسيط لمسار الفكر الاسلامي أن هناك مناحي تجدد وتطور ويبدو لي أن الفكر الاسلامي في الوضع الراهن أقدر على الإجابة على التحديات والقضايا الكبرى مما كان عليه مثلاً قبل ثلاثة أو أربعة عقود ماضية، ولكن ما اقوله هو أن الفكر الاسلامي بحاجة للمزيد من المراجعة، لمزيد من التجدد بما يستجيب للتطلعات الكبرى للاسلام ورسالته العالمية. بناء على ذلك فالفكر الاسلامي مدعو إلى أن يطرق باب العالمية وأن يكون مساهماً بتكافؤ في حقل الثقافة العالمية جنباً إلى جنب مع المنظومات الثقافية والحضارية الآخرى، وأحسب أن الاسلام برسالته العالمية وبقيمه الإنسانية الكبرى قادر على دخول مغامرة العالمية، فعناصر التجديد أو عناصر العطاء التي يبشر بها الاسلام لا تخص الأدوات ولا تخص وسائل الحضارة المادية، إن الحضارة المعاصرة قد أتخمت العالم بطريقة مفرطة بابداع أكثر مما يمكن من الوسائل سواء أكان ذلك في التنظيم الاجتماعي أو وسائل الاستهلاك أو ما شابه ذلك. لكن يبدو أن الحضارة الإنسانية المعاصرة تعاني من فقر على مستوى منظومة القيم والمعايير والرموز الملهمة. والاسلام قادر على العطاء في الحضارة المعاصرة من خلال ما يبشر به وما يقدمه من قيم أخلاقية وانسانية نبيلة،‏والحضارة المعاصرة في أمسّ الحاجة إلى هذه القيم.


* مدير منتدى الاسلام والحداثة ـ لندن

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة