تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مشكلتنا أننا نتصادم مع أنفسنا

قسم التحرير

لعل أقرب وصف يصدق على أحوالنا وأوضاعنا، ويشكّل مدخلاً أساسياً لفهم مشكلتنا في التقدم والتحضر، هو أننا كمجتمعات وجماعات وأفراد نتصادم مع أنفسنا. بطريقة كما لو أننا في ساحة قتال، نتحارب فيما بيننا، كل واحد يرى في الآخر خصماً له، وهكذا يرى كل مجتمع منّا المجتمع الآخر، وكل جماعة منّا الجماعة الأخرى.. فكل من يمارس عملاً وفعلاً وعطاء في أي جانب كان،‏بغض النظر عن نوعية هذا العمل وحجمه وتأثيره وقيمته فإنه بسهولة يكتشف هذه الظاهرة..
وهذا يعني أننا في حياتنا العامة وفي نشاطاتنا السلوكية المتعددة نمارس الهدم لبعضنا أكثر من ممارسة البناء، وبشكل لايقارن. في حين أن معادلة التقدم والتحضر هي أن ترتفع مؤشرات البناء بوضعية تتفوق فيها بدرجة واضحة وكبيرة على مؤشرات الهدم..
وحين نتصادم مع أنفسنا، فإن كل فرد أوجماعة أو مجتمع، لايريد أن يرى في الآخر تقدماً ونجاحاً وتفوقاً، لأنه في هذه الحالة سوف يقيس ذلك على ذاته فقط، وكأنه تقدم ونجاح وتفوق عليه بشكل لايقبل به ولايرضى عنه، فتدفعه هذه الحالة لأن يصادم ذلك التقدم والنجاح.

من هنا فإن الجميع قد يشترك في تحطيم التقدم والنجاح والتفوق برغبة أو بغير رغبة، فتتغلب حالة الهدم ويتوقف أو يتراجع البناء، لأننا نتصادم مع أنفسنا. الصدام الذي نحوله إلى عراقيل وعقبات ومعضلات نصنعها ونضعها في طريق بعضنا البعض، فنحاصر أنفسنا بها، حيث تستنزف قوانا وتهدر طاقاتنا وتضيع قدراتنا التي نحن بأمسّ الحاجة إليها، لتوجيهها في طريق البناء وصنع التقدم.
لهذا فإن ساحاتنا ومجتمعاتنا خصبة وحيوية للصدام والنزاع، لأن الجميع يغذي هذه الحالة ويكرسها بالممارسة والفعل، الوضع الذي هو من أشدّ ما يتهدد الأطر والأنشطة والفعاليات، الجماعية والمؤسساتية، بالتفتت والإنشطار، نتيجة الإختلاف في الرأي والتباين في وجهات النظر التي لانحسن طرائق إدارتها، وسرعان ما تتحول وتتطور إلى نوع من التصادم الذي يدار بكيفية ترفع من وتيرته وتوسع في زمنه وتضاعف من حجمه. وهذا ما يفسر الإنقسامات الكثيرة والسريعة التي تحصل في الأنشطة الجماعية، فالجماعة الواحدة قد تتصادم في داخلها مع نفسها إلى درجة الإنهاك والتفتت، فتنقلب معها الأهداف والمقاصد والغايات..
والتخلف إنما يعبر عن أسوء صوره في هذه الظاهرة التي تخلق معها شبكة من التصادمات، إذ كل جماعة تهدم بناء الجماعة الأخرى. وحينما ينغلق المجتمع على نفسه، تضيق به الآفاق، فلا يرى الناس إلا أنفسهم، كما لو أنهم في مكان يضيق بهم، إنسدت عليهم الأبواب من كل جهة، فلا يحتكون إلا ببعضهم، ولايرون العالم من حولهم إلا في هذه الحدود الضيقة وكل جماعة في تماس مستمر مع الجماعات الأخرى. فتحصل التصادمات بصورة سهلة وسريعة ودائمة، وتكبر وتتضخم وتتوسع، نتيجة لأبسط الأسباب الجزئية والهامشية.. فلم يعد باستطاعة كل جماعة وكل نشاط يتصف بالجماعية أن يحمي نفسه من التفتت والإنهيار، في ظل أوضاع تدفع بهذه الجماعات لن تدخل في معارك وهمية، وتنشغل بقضايا جزئية بإرادتها أو بغير إرادتها، فتختل عندها الأولويات وتتبدل الخيارات. وهل هناك ما هو أخطر في أن يرى المجتمع في صدام مع نفسه، بشعور منه بذلك أو بدون شعور! فكيف نتصور أن يكون المجتمع عدو نفسه سواء أدرك هذا الوصف أم لم يدركه..
والذي يكرس هذه الظاهرة ويضاعف من تأثيرها ما تتعرض إليه الساحة الإسلامية من إحباطات وانكسارات، وما وصلت إليه بعض الجماعات من انسدادات في أفق الرؤية والتحرك، مع قصور الرؤية العالمية والتواصل مع العصر والإنفتاح على المعارف الإنسانية وحركة الترجمة، هذا القصور الذي يحد من أفق الرؤية وبعد النظر ويضيق دائرة التفكير ويحجم الإنطلاق والنهوض نحو الأبعاد الحضارية.

هذه الرؤية التي تولد هذه الظاهرة، وهذا النمط من السلوك ينبغي أن يتوجه إليها النقد ويعاد فيها النظر لشدّة خطورتها. والصورة المعاكسة أن يرى المجتمع نفسه في بناء مع نفسه، الجميع يشترك في البناء بالعطاء والإنتاج والإبداع، وبالمحافظة عليه والتعاون والتضامن لأجله. فكل تقدم هو تقدم للجميع، وهكذا كل نجاح وتفوق.. والذي اختلف أو تغير مع هذه الحالة هو نوعية الذهنية وتركيبة الثقافة التي توجه السلوك العام، حيث يفترض فيها أن تتصف بالإنفتاح والنضج والإحساس بالمسؤولية والواجب العام والتفكير بالمجتمع وليس بالذات أو بالجماعة أو الفئة..
والذين يفترض فيهم أن يتكاملوا نراهم يتصادمون، مع أن المفترض فيهم أن يكونوا الأكثر وعياً وإدراكاً لمخاطر النزاع والصدام، الذي وقعوا فيه.. فأي مستقبل نعمل له لهذه الأمّة؟
وهل بهذا الوضع المثخن بالجراح سنستقبل القرن الحادي والعشرين؟ على الأمة أن تعي ذاتها، وأن يفكر الناس بمسؤولية، وأن يرفع العقلاء أصواتهم، نقداً و إصلاحاً لأوضاع ينبغي ان تتغير..

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة