تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

موطئ قدم في فضاءي المعلوماتية والعولمة قراءة إشكالية ثقافية

حسين المناصرة


1ـ مدخل الإشكالية:
نفهم إشكالية موطئ قدم لنا في فضاءي المعلوماتية والعولمة باعتبارها بنية جدلية بين ثلاثة عناصر رئيسية هي:
أولاً: الآخر وما أنتجه من ثورة انفجارية معلوماتية تصنيعية تواصلية, وما أنتج معها أيضاً‏من أفكار سياسية ـ ثقافية تقدمية حضارية أو استعمارية مهيمنة في سياق العولمة وغيرها..
ثانياً: الذات وما تحمله من أفكار ثقافية نظرية متنورة في عقول المثقفين وكتب الشرائع.. في مقابل عيشها سياسياً‏واجتماعياً‏في الحضيض والتبعية فعلياً أو نفسياً, بحيث تتكرس قيم الجهل, والدكتاتورية, والشوفينية العنصرية, وأمراض الإستهلاك والخمول.. إلخ.
ثالثاً: الحوارية التاريخية المتصارعة أو المتساهلة بين الذات والآخر لفرض المتغيرات الإجتماعية والسياسية والثقافية, والتمسك بالثوابت الإيديولوجية والعقائدية في سبيل الوصول إلى توطين الذات على أرضية الحضارة الإنتاجية لا الإسمية, وفي دوائر منافسة الآخر والتحاور معه, والإختلاف, والتناقض..
والسؤال الكبير الذي تطرحه هذه الإشكالية هو: كيف تستطيع الذات العربية الإسلامية أن تتحاور داخلياً لتوقف حركية الإنهيار والتصدع في مختلف بناها الحياتية, في سبيل تكوين القوة الذاتية المُشْعِرة للآخر بالتحول والتغير مما يفرض إعادة بناء الجسور معه على اساس قوة مقابل قوة, مما يلغي الجسور القديمة المبنية على هيمنة الآخر الإستعماري واستغلاله للذات المريضة بطرق شتى?
ونحن نعتقد أن الذات العربية الإسلامية تعاني من أمراض كثيرة تحول بينها وبين أن تكون قوة عالمية مؤثرة اقتصادياً ‏وسياسياً ‏وثقافياً.. كما سيتضح في التفصيلات التالية.

2ـ الذات:
الذات هي نحن العرب شعلة الإسلام, وامتداداتنا الثقافية والعَقَديَّة والروحية عن طريق الإسلام في كثير من الأعراق والشعوب الأخرى, فكيف تبدو حالتنا هذه?
لايختلف اثنان على كون البنية العربية السياسية والثقافية والإجتماعية (باستثناء الروحية إلى حد ما) هي بنية مفككة, مترهلة, متصارعة, استهلاكية, متخلفة, شعارية, تبعية, متعلقة بالقشور, منخورة المؤسسات, متآكلة بسوس البيروقراطية والرشاوي والفسادين الإداري والسياسي, تسودها القبلية وعصبوياتها, وتنتشر فيها قيم الهامشية والركاكة, فلا استطعنا أن نستفيد من تجربتنا الحضارية العقائدية الماضية, كما جاءت في القرآن الكريم والسنة الشريفة, وفي التطبيقات العملية للدولة الإسلامية في العهد الراشدي, وفي بناها الحضاري المتقدم في العهد العباسي الأول. ولم نستفد أيضاً من التجربة الحضارية الصناعية الحديثة, وأن نكون مثل اليابان, أو غيرها.
وقد نتفاءل ونخط الصفحات تلو الصفحات لنثبت أنناýأصحاب حضارة معاصرة, كما تحاول أن تصور ذلك أجهزة دولنا الإعلامية, ولكن هذا لن يغير من واقع حالنا الرديئة شيئاً, بل ربما يزيد في تكريسها السلبي نحو الأسوأ مما هو كائن.
ولانزعم أننا من المغلوبين على أمرهم, وبالتالي فإن العالم المقسم إلى كيانات مستعمِرة بكسر الميم الثانية, وأخرى مستعمَرة بفتحها, وأننا من الأخرى والمؤامرة أكبر منا, وأكبر من كل أفكارنا وأفكار التحرر والديمقراطية.. فهذا زعم خلقناه لنريح أمعاءنا من القيء, ونشعر أن الأثقال تنزاح عن رقابنا عندما نفكر بالوحدة والتحرر والتحضر..
إننا كما نكون يولى علينا, إذ لأننا سلبيون جهلاء نصبح ببساطة شديدة لعبة بأيدي الآخرين باختلاف مآربهم, إلى حد نمسي حريصين على مصالح الإستعمار أكثر مما هو حريص عليها في بلادنا, فهذا هو الولاء الذي لا ولاء بعده!!
وحتى تتمكن الذات من النهوض من مستنقع الأوبئة الذي اندست فيه مطمئنة لمصيرها الآسن, مدعية أنها تعيش في حديقة غناء, فلا بد أن تتكسر البنى المهيمنة, وخاصة البنى السياسية المريضة, لتحل محلها بنى جديدة مفرداتها الوحدة, والتساهل, والديمقراطية, والحوار, والإنتاج, والتمسك بالعقيدة, والحرية وتعويم المؤسسات التربوية الهادفة لضمان نجاح التجارب الديمقراطية والثقافية والإنتاجية والسياسية.
كما يجب أن نضع أيدينا على خيراتنا وتسويقها بطرقنا, والحد من تعويم بطر استهلاك الكمالي مما ينتجه الآخر, وبناء إنتاجية اجتماعية عسكرية قادرة على حماية حقول حياتنا المختلفة, لنستطيع من خلال هذه البنى المحلومة أن ندخل إلى أرضيتي المعلوماتية, والعولمة بقرارات مؤثرة, لا بأجساد مستجيبة لإستغلال الآخر ومخططاته!!
إن الطفل العربي, بل الطفل المسلم, بات يعرف أنه لانهضة لمجتمعاتنا المفتتة المهترئة بعيداً‏ عن روح الإسلام كعقيدة, وعن امتلاكنا لخيراتنا وفي مقدمتها النفط العربي كإنتاج وقوة اقتصادية, وعن احترام قدرات الفرد سياسياً‏واجتماعياً لتأكيد الحرية والحوارية والديمقراطية كمؤسسات إدارية وتربوية.
ولعل دخولنا إلى فضاءي الثورة المعلوماتية, والعولمة مجردين من أسلحتنا المحلومة هذه, ما هو إلا دخول صوري هش, يؤكد على أننا جزء من السوق العالمي النامي المتخلف الذي تُسَوَّق في حقوله المريضة سلع الآخر, وتُجرَّب في سمائه أفكار الإستعمار الإقتصادي ـ الثقافي الجديد ونظرياته ذات القشور الإنسانية المشوهة الإزدواجية.
إن الذات العربية الإسلامية كيانات مريضة بأورام خبيثة, وإن إمكانيات العلاج ممكنة عندما تُراعى مصالح الأمة على حساب مصالح الأفراد.. فمتى نخرج من راهن مريض إلى مستقبل مبني على القوى الذاتية, نستطيع أن نثق بدخولنا العولمة التي نريدها لا التي تفرض علينا..

3ـ الآخر:
نظلم أنفسنا كثيراً إذا اعتبرنا صراعنا مع الآخر صراعاً‏شاملاً, أو إذا اعتبرنا الآخر كله عدواً, إذ لايمكن في أية حال من الأحوال أن نعد الآخر الياباني المتقدم على سبيل المثال, عدواً, كما لايمكن اعتبار الآخر مهما كانت عقيدته الدينية أو الإقتصادية أو الإجتماعية عدواً ‏لنا إذا لم تتضارب مصالحه مع مصالحنا الجوهرية, كما إننا لسنا معنيين ونحن نعاني من أمراض داخلية كثيرة بالتطبيل لأفكار إنسانية في أي بلد آخر مهما كانت صلته بنا, ما لم تكن عربية أو إسلامية. وليس من مصلحتنا القومية أو الدينية أن نتوسع على جبهة الصراع مهما كان هدفها مع اي آخر يُفترض أن يكون معادياً, إذا لم يكن هذا الآخر قد تقصد محاربتنا بإحدى طرقه الإستيطانية أو الإستعمارية, بل إن المهم أن نوسع في قاعدة الصداقة مع الآخر المُسَالِم, ونوثق الروابط الإقتصادية والثقافية والسياسية المتكافئة المتحاورة معه..!
لذلك, من هو الآخر العدو?
إن عدونا المعاصر بكل تأكيد يتمحور في الصهيونية العالمية, ونواتها إسرائيل, وما يدور في فلك هذه الصهيونية من دول تشكل ركيزة محورية في إقامة دولة إسرائيل وفي ديمومتها في المنطقة العربية/ الإسلامية بغير وجه حق, وفي سياق فلسفة أسطورية عنترية, وهيمنة استعمارية خبيثة.
ولا معنى إيجابي, مهما حاولنا أن ننظف الحركة الصهيونية, وإسرائيل في منطقتنا, لذلك يجب أن تُسْقَط فكرة التطبيع مع إسرائيل في سياق العولمة, كما تُسقط فكرة السلام مقابل الأرض, إذ يتوجب أن نعطي نحن السلام, لا أن نأخذه من عدو يتسلح بأقذر الأسلحة المستحدثة, في حين نجبر على أن نجرد يومياً‏من أسلحتنا التقليدية..
وحتى لو لم تكن هناك إسرائيل في منطقتنا, فهل سننجو من الهيمنة الأمريكية, أو الهيمنة الإنجليزية? ولماذا تستعمرنا أمريكا/ انجلترا/ فرنسا.. وتستعمر دولاً أفريقية ليس فيها وجود ظاهري لإسرائيل? لاشك أن الإستعمار واحد سواء أكان مباشراً أم غير مباشر, لكن الخضوع للإستعمار وتمرير مخططاته هو الكارثة الكبرى, خاصة أنه يهيمن بطريقة فرق تسد, وببث أفكار الجهل والتخلف.. لذلك لن نخلص من الهيمنة المفروضة علينا من الآخر مالم نستطع أن نلم أشلاء بيتنا العربي الإسلامي بطريقة تطبيقية لانظرية شعارية, إذ بالوحدة وبناء القدارت الذاتية نستطيع فرض وجودنا, ونحارب عباءة الذل التي تفرض علينا حتى على مستوى انتاج رغيف الخبز الذي يأتينا من الآخر بعد أن كانت دولنا هي مصدر العالم القديم في انتاج القمح!! إذ ويل لأمة تأكل مما لاتزرع, وتلبس مما لاتخيط!! وهنا علينا أن نبتعد عن الآخر بقدر مصالحنا, ونقترب منه بالقدر نفسه,‏والحوارية معه بنية عولمة ومعلوماتية لابد منها, دون أن تدخل إسرائيل في سياق هذا الحوار, لأنها مصنفة كعدو أبدي, مادامت تقبع على ارضنا..

4ـ المستقبل والحوارية:
هل الزمن كفيل بحل التناقضات بيننا وبين الآخر?
لا أعتقد بهذه المقولة, كما يجب ألا نضع الآمال في رقاب الأجيال القادمة, ونحن نعرف أن بنانا المنهكة الآن لاتنتج إلا أجيالاً أسوأ من أجيالنا, لذلك لايمكن أن نحلم بأكثر مما هو في الواقع, والمنطق هو أن نبدأ من الصفر ونطرح قضايانا المصيرية على بساط البحث ونرصد العلاقة بالآخر وسبل الحوار معه, وهنا علينا أن نكون قوميين أو عقديين قبل أن نتعولم, إذ لن تنجز لنا العولمة أو المعلوماتية اشياء مهمة ونحن نعيش إنهيارات تلو إنهيارات, وهزائم تلو هزائم, وندعي أننا متعولمون أكثر منýأميركا أو إسرائيل الدولتين اللتين تحتذيان العولمة للسيادة والهيمنة, وحكم العالم بمنطق المحور الواحد, محور القوة الإقتصادية وتعبيراتها السياسية الفكرية!!
وإذا أردنا أن نكون علميين منتجين, فنحن على الأقل في هذا الزمن, زمن التشرذم العربي والإسلامي, في حرب مع العولمة, ليس لأن العولمة فكرة مرفوضة, أو فكرة سيئة, ولكن بسبب كون العولمة سياق الأقوياء, والمنتجين, والدول الكبرى, وإذا دخل الفقراء, والنامون, والمبتذلون إلى مائدة لئام الدول, فإن الشخصية الثقافية لهؤلاء ستزداد مسخاً فوق مسخ, لهذا يفترض منطق العولمة أن تؤكد الثقافة العربية الإسلامية هويتها الخاصة الحضارية المستقلة المؤثرة المتوازنة, وحينها لاخوف عليها منýأن تدخل في أي سياق من سياقات العولمة, لتغدو مثلها مثل أوروبا وأميركا واليابان والصين..
وليس سياقك أيها الحابي الآن المنتشي بالشعوذة والوهم سياق الآخر القوي, إنه الآن سياق الخروج من الذات الآسنة. فكن أيها العربي المسلم آخر قوياً‏غير ذاتك الحالية, حينها فأنت السيد لا العبد, وستكون وعياً‏وقوة, لاجسداً‏منهكاً كما أنت الآن!!
نعود للحديث عن مستقبل الثقافة الإسلامية في ظل ثورة المعلومات وتحديات العولمة, ونقرر الحقيقتين التاليتين:
الأولى: أن واقع الثقافة العربية والإسلامية في القرن العشرين لم يكن إيجابياً, إذ تشير الحركية بمجملها إلى ارتكاسات حضارية في السياسة والإنتاج, مما جعل دولنا دول خدمات واستهلاك, بحيث يصعب الحديث عن دور صناعي إنتاجي عربي إسلامي.. يضاف إلى ذلك تشتت البنية العربية الإسلامية, وإجهاضها بعدة هزائم على أيدي الصهيونية تحديداً.
الثانية: أن واقع الثقافة العربية الإسلامية في نهايات هذا القرن كانت أسوأ بكثير من بدايات القرن ووسطه, مما يعني أن مؤشر السلبية يسير من السيء إلى الأسوأ, وهذا بحد ذاته علامة غير مبشرة لبدايات قرن قادم تصبح فيه السيادة للأقوياء معلوماتياً‏وعولمة.
لذلك نعتقد أنه سيصبح للثقافة العربية والإسلامية معنى مهماً إذا تخلصت هذه الثقافة من كل أمراضها, وأكدت وجودها ببنية اقتصادية قوية تسيطر على إنتاجها واستهلاكها, وبنظام سياسي عقائدي مستمد من القرآن الكريم وتفاعلاته الحضارية, وبتكريس الوحدة والديمقراطية والتربية الأصيلة.. ومتى استطاعت الثقافة الإسلامية أن تكون قوية شاملة فإن العولمة التي سندخل بها ساحة الحوار والتعالق هي عولمة تنبع من خصوصياتنا في الدرجة الأولى, لا أن نقوم بتطبيق العولمة الأمريكية التي تسيد النموذج السياسي الأمريكي الكابويوي, ولا أن نشعر بالضياع أمام النموذج الياباني الصناعي.
ولايعني هذا الموقف أن نرفض العولمة من ألفها إلى يائها في أزمنة ضعفنا, أو أن نرفض المنجزات الحضارية الصناعية, لنبدأ من الصفر, بمعنى أن نرفض الإنترنت لنعتمد على الحمام الزاجل, أو نرفض القمر الفضائي لنعتمد على الكهانة, أو نرفض الطائرة لنعتمد على الجمل.. لا خلاف حول ضرورة إمتلاكنا لهذه المنجزات الحضارية أينما كان إنتاجها, بشرط أن نكفل السعي إلى الدخول في معترك إنتاجها مستقبلاً..
ما نرفضه من العولمة هو أن تُلغى شخصيتنا لنلبس شخصية الغرب أو أميركا.. ما نرفضه هو أن تحارب الثوابت في ثقافتنا لصالح بناء الذات في سياق الرأسمالية الإنتحارية, والشيوعية البائدة.. ما نرفضه هو عدم محاربة أية أفكار ورؤى تحاول الهيمنة علينا.. وما نقبله هو كل ما ينتجه الآخر بطرقنا الخاصة, وبمؤثراتنا المالية والإقتصادية مما ينتج حضارتنا الفعلية الحوارية لا المنكمشة..
إذن العولمة, والمعلوماتية, جانبان: جانب علمي حيادي تقني معرفي حضاري, وهذا نقبله جملة وتفصيلاً, وجانب استعماري, شرطي, هيمني, استغلالي يدس السم في الدسم, وهذا ما نرفضه جملةً وتفصيلاً.

(*) ناقد من الأردن, أستاذ اللغة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة