شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
العلمانية في الفكر السياسي العربي المعاصر
تحليل خطاب التيار التوفيقي
خالد ياموت*
- العلمانية في الفكر السياسي العربي المعاصر: تحليل خطاب التيار التوفيقي
- ماجستير في العلـــوم السياسية
- إعداد الطالب: خالد ياموت
- تحت إشراف: الدكتور محمد الدامر
- جامعة محمد الخامس - كلية الحقوق - أكدال
- الموسم الجامعي: 2003 - 2004
اتخذ الفكر السياسي العربي المعاصر عبر تاريخه أشكالاً تعبيرية، تداخل العاملان الداخلي والخارجي، في نسج أنساقه المعبر عنها في الخطاب السياسي. فهو من جهة يحمل في أحشائه اجتهادات الفقه السياسي المتوارث، كما يخضع للثقافة السياسية المشكلة للوعي الجمعي المنشدة إلى الدين، والتجربة التاريخية للاجتماع السياسي العربي. ومن جهة أخرى يحاول التعايش مع مفاهيم سياسية غربية جديدة تهم الفكر والعمل السياسي، الشيء الذي طرح معه إشكالية الاستنبات والاستيعاب، وتبني مفاهيم الحداثة السياسية، وتطبيقها في الممارسة السياسية العربية الراهنة...
إن طرح مسألة الفكر السياسي العربي المعاصر في سياقي تطور الدولة، وما تطرحه في شكلها القطري في عهد ما بعد الاستعمار، من >فشل< المنظومة الليبرالية والاشتراكية... يحيل في الوقت الراهن على إحدى الإشكالات التاريخية المتصلة بالعمل السياسي والممارسة السياسية، وهو علاقة السلطة السياسية بالدين الإسلامي. إن السياق العملي للسياسة والدين نفسه يستمدان ديناميتهما من الدينامية التاريخية، بوصفهما فاعلين في الاجتماع السياسي العربي المعاصر. وفي ظل تنوع الرؤى بتنوع زاوية النظر في إشكالية الديني والسياسي، يمكن إدراج عودة المدرسة التوفيقية من جديد مع بداية ثمانينات القرن العشرين، وما يجعل منها مدرسة خاصة، ويعلي من منظورها للإشكاليات المعرفية والسياسية العربية المعاصرة، تشكلها من مفكرين بارزين، ومؤرخين وأساتذة العلوم السياسية وأساتذة الأنثربولوجيا، وأساتذة الفلسفة السياسية... من ناحية موازية تشكل هذه المدرسة استمراراً للتوفيقية الحديثة التي تزعمها كل من الأفغاني ومحمد عبده، ولعبت دوراً كبيراً في تجديد الدين والسياسية على السواء، كما استطاعت الخروج من عدة أزمات فكرية، ناتجة عن استيراد بعض إشكالات التاريخ الأوروبي وحشرها في السياق العربي الحديث والمعاصر. ليكون بذلك النظر التوفيقي دائم الالتصاق بالفكر السياسي العربي الإسلامي منذ القرن الهجري الأول.
وتُعدُّ إشكالية العلمانية (بفتح العين)، وطريقة طرحها في الخطاب السياسي العربي المعاصر عبر إيديولوجياته المتعددة، أهم إشكالية تبرز مدى أهمية الطرح التوفيقي، وما لعبه عبر التاريخ الإسلامي عموماً من دور فعال في احتواء الأزمات، وطرح بدائل تنطلق من التجربة التاريخية الخاصة، مع الاستفادة من الإنتاجات الإنسانية المتعلقة أساساً ببناء الدولة في إطار مفاهيم الحداثة السياسية والفكر السياسي المعاصر، من تبني الديموقراطية والمواطنة...
ترتبط السلطة السياسية عبر تاريخ تشكلها بالبنية السوسيو-ثقافية للاجتماع السياسي، وبما أن البناء العمودي والأفقي للدولة، يقوم على تفاعلات الحراك الاجتماعي، فإن مجموع هذه العوامل هي التي تصوغ العمل السياسي، وتنزرع في كل مؤسسات الدولة. من هذه الزاوية المسلم بها في علم الاجتماع السياسي، تتخذ إشكالية العلمانية في الفكر السياسي المعاصر بعداً يستلزم البحث في الذهنية السياسية العربية المعاصرة، وتاريخ تشكلها وعلاقتها ببعض نماذج بناء السلطة خاصة الناتجة عن الحروب الدينية في أوروبا.
نقل الفكر السياسي العربي النخبوي إشكالية العلمانية من واقع الصراع الناشب بين الكنيسة الدينية والرؤية الدنيوية للسلطة السياسية، الذي حاولت معاهدة وستيفاليا سنة 1648م معالجتها اعتماداً على مفهوم العلمانية الذي ظهر لأول مرة في نصها، ليقصد به كل ما هو غير تابع للكنيسة. في القرن التاسع عشر تطورت العلمانية واللائكية، بوصفها حركةً وتصوراً سياسياً، هدفه الأساس يكمن في فصل الدين عن الدولة، غير أن هذا التعريف سرعان ما تطور على شكل متتالية مندمجة في الحقل السياسي في المرحلة الأولى، وتقتحم المجال الاقتصادي والاجتماعي... في المرحلة الثانية، لتنتهي إلى كونها رؤية للعالم لا تترك صغيرة ولا كبيرة في الشأن الشخصي والشأن العام، إلا ولها رؤيتها الخاصة به.
ينطلق التصور العلماني العربي المعاصر المعتدل، من ثنائية قائمة أساساً في الفكر السياسي الغربي، تقول بوجود مجالين منفصلين الواحد دنيوي صرف، والثاني سماوي متعالٍ ومقدس، مقطوع الوصل مع الشأن الوضعي، وعليه يصبح الدين شأناً شخصياً، لا يعتد به أصلاً ولا فرعاً في المجال السياسي.
ورغم إيمانها بكون الدين لا يتجاوز جوانية المؤمنين به، فإن العلمانية المعتدلة عربياً لا تطالب بإلغاء الدين، وإنما فقط حبسه من التوغل في المجال الاجتماعي السياسي، لأن الدين سيحتل المواقع السياسية الحساسة، مما يحول دون انشغال الدين بنفسه، إذ يعوض ذلك بالانشغالات اليومية للسياسة. وبما أن الدين مقدس فإن فصله عن السياسة والدولة هو الحل الوحيد.
أما التصور العلماني العقائدي، فإنه وإن كان ينطلق من الثنائية المشار إليها أعلاه، فإنه ينتهي إلى رفض الدين تصريحاً، أو بطرحه للعلمانية تصوراً شاملاً لجميع مناحي الحياة. إن هذا الطرح لا يتحدث عن فصل الدين عن الدولة والسياسة، بل عن فصل الدين عن الحياة، مسترجعاً بذلك التجربة الغربية التي نظرت للدين الطبيعي والدين الوضعي. كما يقول: إن حركة المجتمع لا نهائيات ولا غائيات لها، بل حركة منفتحة على التحول الدائم، وبالتالي لا وجود للثابت الذي يشكله الدين والميتافيزيقيا، الشيء الثابت الوحيد هو العلمانية مرجعيةً، وبناء على ذلك حلت >الحتمية العلمانية< مكان >الحتمية الدينية<، وأصبحت العلمانية ميتافيزيقية جديدة، ناسخة ورافضة للدين الإسلامي، كما يرفض هذا الأخير العلمانية بجميع أصنافها.
لسنا أمام خيار واحد تقول التوفيقية العربية المعاصرة، إننا حسب المعطى السوسيوسياسي أمام أنظمة سياسية متباينة داخل المنظومة العلمانية نفسها، من جانب أخر، لم يمر العالم الإسلامي من نفس التجربة الصراعية الغربية بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، التي أنتجت نظرية السيفين -سيف قيصر وسيف الكنيسة- في الغرب المسنودة من الدين المسيحي نفسه، الذي قال: >بإعطاء ما لله لله وما لقيصر لقيصر<. والإسلام من الناحية المعيارية والتجربة السياسية من خلال الدولة التاريخية المسماة الخلافة، أو من خلال الدولة القطرية المعاصرة ظل حاضراً في عمق الدولة والسياسة.
والإسلام حينما يرفض الفصل بين الدين والدولة والسياسة، لا يعني تقديمه لنظرية ثابتة لبناء النظام السياسي للدولة، بل يرى هذه الأخيرة -حسب التيار التوفيقي المعاصر-، أمراً دنيوياً، لكنه ينبني على مرجعية وخلفية دينية، تحث على تطبيق أمور من الدين لا تقوم إلا بقيام الدولة. ولأن الإسلام معيارياً على هذه الشاكلة، فإن التجربة التاريخية تراث يستأنس به في بناء الدولة. والاستعمال السيئ للسلطة السياسية والدين، ناتج عن غياب مبدأ الشورى/ الديموقراطية، وطغيان التسلط السياسي الذي استغل الدين بعد أن سيطرت الدولة ورجالها على الدين. وهذا ما جعل الحقل السياسي العربي المعاصر يشهد مع تنامي الحركات الإسلامية نوعاً من صراع دين الأمة مع دين الدولة ورجالها.
الحل الذي تقول به المدرسة التوفيقية، يكمن في بناء نظام سياسي مدني غير منفصل عن الدين، بل يقوم على التمييز والتقسيم بين المجال الديني، والمجال السياسي، ويأخذ من الحداثة السياسية ما يتوافق وخصوصيتنا الثقافية، والتاريخية.
إن بعض ما أنتجته التجربة الغربية في الشان السياسي، يجد له شرعية في نصوص الدين الإسلامي، فالديموقراطية لا تختلف عن الشورى التي تجعل مصدر السلطة ليس هو الدين، بل الإرادة العامة للشعب، كما تجعل تداولها أمراً يعود إلى اختيارات هذه الإرادة الشعبية... فالبيعة أو التعاقد السياسي المتجدد، خاصية تمنح الشرعية للسلطة. فليس هناك تفويض ولا تعيين من الله، وليس هناك من يمثل الله في الأرض، الأمر في السياسة يعود للأمة تشرع للسياسة وفق مقاصد الدين وضماناً للمصلحة الفردية والجماعية. ولأن الدولة الإسلامية مدنية بطبيعتها، فإن الأخذ بمفهوم المواطنة المعاصر لا يمر عبر تبني العلمانية، وإنما بتطبيق النص الديني الذي يعترف بالأديان الأخرى، ويعطيها شرعية الوجود داخل الدولة المدنية ونظامها العام.
لسنا إذن أمام الدولة الدينية ولا الدولة العلمانية، إننا في الواقع أمام خيار الدولة المدنية.
يكتسي موضوع العلمانية أهمية خاصة في الواقع السياسي العربي والغربي على السواء، فلا زال النقاش حول الدستور الأوروبي يشهد تعثراً بسبب الاختلاف حول الإشارة إلى الإرث المسيحي للقارة... أما في الدائرة العربية، فإن علاقة الدين بالسياسة تجعل من حدود كل منهما حدوداً مبهمة، تصل إلى المطابقة وما يفرز ذلك من تآكل مساحة السياسة باسم الدين، أو استخدام السياسة للهيمنة على الدين خاصة في عصر الدولة العربية الحالية... ومن ثم فإن إعادة طرح سؤال: أين ينتهي الديني ويبتدئ السياسي؟ أصبح مدخلاً من مداخل إعادة بناء السلطة والفكر السياسي العربي المعاصر.
كما يجد هذا الموضوع راهنيته في كونه من أهم مواضيع علم السياسة التي نوقشت خارج دائرته، حيث غلبت الدراسات >اللاهوتية<، على وجهة نظر الإنثربولوجيا السياسية وعلم السياسة، وعلم الاجتماع السياسي، الشيء الذي دفعنا إلى مناقشة العلمانية بوصفها إشكالية في السياسة، أكثر مما هي إشكالية من الدين.
4ـ المنهج المتبع في طرح الإشكالية
انطلاقاً من الفرضية العلمية التي ترى إشكالية العلمانية سوسيولوجية بالأساس، لتعلقها بالممارسة السياسية أكثر من انشدادها إلى النص المجرد، اخترنا من الناحية النظرية اعتماد المنهج التاريخي المقارن، والاستناد في التحليل على علم الاجتماع التاريخي والسياسي، مع استعمال تقنية تحليل الخطاب. ولعل ما يبرر هذا الاختيار، كون موضوع العلمانية معقداً ومركباً، مما يتطلب معالجة علمية تدمج مناهج علمية متعددة، تصبو إلى تقديم أقرب صورة ممكنة لحقيقة علاقة الدين بالسياسة، في وسط عربي يتميز بالخصوصية، وباختلافات من دولة إلى أخرى، إثنياً ودينياً.
لعل أول ما يعترض الباحث في قضية العلمانية، هو طريقة ومناهج مناقشة الإشكال نفسه على المستوى العربي والمغربي، حيث نجد انتشار الكتابات التي تناقش الموضوع من باب العقيدة الدينية، أو دون مراعاة السياق التاريخي والحضاري المنبت للإشكال، كما يواجه البحث في هذا الموضوع مشكل قلة الكتابات الصادرة عن المتخصصين في علم السياسة وعلم الاجتماع المتناولة لهذا الإشكال.
ولتنافي الضياع في ثنايا الإشكالية، ناقشنا الموضوع من الزاوية الإبستيمولوجية والفلسفية... قبل أن نناقش علاقة العلمانية بالحداثة السياسية، خاصة الديموقراطية والمواطنة، وإمكانية قبول أطراف النسق السياسي المغربي للعلمانية واللائكية.
?* باحث في العلوم السياسية: جامعة محمد الخامس أكدال الرباط.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.