شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
هذا السؤال بحاجة إلى اكتشاف، لأنه يرتبط برؤيتنا للتطور الذي نريد، وللنمو الذي نخطط لانجازه، وللتقدم، الذي نسعى لتحقيقه. فكل تطور بحاجة إلى الثقافة، وهكذا كل نمو وتقدم. الحاجة التي لا يمكن أن تعوض بأي حاجة أخرى، أو بأي عامل آخر. فالتطور قبل أن يتحقق على الأرض، ويتجسد مادياً في صورة منجزات متقدمة، لابد وأن يتحقق أولاً في العقل والانسان، والانسان هو الذي ينشئ هذا التقدم بما يحمل من فكر محرك على التقدم..
وإذا كان الانسان هو الذي ينشئ التقدم في الواقع الخارجي، فإن الثقافة هي التي تنشئ التقدم في داخل الانسان، وتعطيه الرؤية والدافع والارادة والنهوض لتحويل هذا التقدم من داخل الثقافة أو من داخله هو كإنسان إلى فضاء المجتمع في صورة منجزات مادية ومعنوية، مدنية واجتماعية، عمرانية وإنسانية.
والتقدم لا يتحقق إلا كمنجز اجتماعي، بعد توفر ارادة المجتمع ومشاركته على صنع هذا التقدم، ودور الثقافة ان تشيع هذا التقدم بين المجتمع بكل فئاته وطبقاته، وبكل مساحته وجغرافيته.. فليس هناك تقدم من غير ثقافة، ومن غير ثقافة قادرة على صنع التقدم.. سؤال الثقافة بحاجة إلى اكتشاف، لأننا نريد اكتشاف سؤالنا نحن كمجتمع وكتاريخ وجغرافيا ووطن، لا نريد ان نحكّم علينا سؤال الآخرين، ولا ان يفرض الآخرون سؤالهم علينا، لا لموقف، ولا لأي سبب كان، وإنما هو التمسك بالشروط الموضوعية، وكل مجتمع له هذه الشروط التي هي محصلة المكونات التاريخية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والجيوسياسية والجيوثقافية.
هذه المكونات تفرض على المجتمع ـ وكل مجتمع ـ خصوصيات معينة وشروط موضوعية، فسؤال الثقافة إنما يأتي ليكون مستوعباً لهذه الخصوصيات والشروط الموضوعية والمكونات التاريخية بكل عواملها وعناصرها، وواعياً لها بمنظور نقدي، ومكتشفاً من أين يبدأ النهوض بهذا المجتمع، لا لأي مجتمع آخر. لأن لكل مجتمع انساني زاويته الحيوية التي يبدأ منها النهوض وتتحدد فيها اللحظة التاريخية التي تكسب التقدم نشاطاً وتحفزاً.
سؤال الثقافة بحاجة إلى اكتشاف لأنه سؤال متجدد، فكل ظرف له سؤاله، وكل زمان له سؤاله، وكل مرحلة لها سؤالها. وسؤال الثقافة الذي نريده ليس سؤالاً من غير زمان، وإنما هو سؤال الزمان الذي نحن عليه. فالثقافة لها حياة، وحياتها ان تعيش زمانها. والثقافة لها قوة وقدرة وفاعلية تفتقدها إذا خرجت عن زمانها، أو كانت لغير زمانها.
ومن أصعب الأسئلة التي تواجه الثقافات هو سؤال الزمان في الثقافة الذي هو سؤال المعاصرة والحداثة والحضور والنفوذ إلى العصر...
سؤال الثقافة بحاجة إلى اكتشاف، لأنه السؤال الذي ينبغي أن يتحول إلى سؤال المجتمع، كل المجتمع، بكل تنوعاته وتعددياته واختلافاته وفئاته، لا سؤال أفراد، أو نخبة من الناس، أو طبقة معينة محدودة العدد. قد يبدأ السؤال من أفراد أو من نخبة لكن من المفترض أن لا ينتهي عندهم أيضاً. بل لابد أن ينتهي إلى المجتمع، ويتحول إلى سؤال مجتمع يبعث على البناء والانماء والتطور والتقدم.
فالثقافة هي للمجتمع، وهي حق إليه، ومنها يدرك واجباته، وليست الثقافة لأفراد أو نخبة فحسب.
والتطور المهم الذي أحدثته العلوم الاجتماعية هو أنها أعطت الثقافة المضامين والمكونات الاجتماعية، ووثقت العلاقة بينها وبين المجتمع، حتى اعتبرت هذه العلوم وهي علوم المجتمع، بأنها علوم الثقافة، وعوضت عن ذلك في ان تنفرد الثقافة بعلم خاص بها.
سؤال الثقافة بحاجة إلى اكتشاف لأنه ينبغي أن يعبر عن منظور المستقبل، لأن كل تفكير بالثقافة هو تفكير بالمستقبل، وعطاء الثقافة لا يكون إلاّ مستقبلياً. لهذا فإن النظر إلى الثقافة بحاجة إلى أفق بعيد، وهذا الذي يجعل الكثيرين لا يفكرون بالثقافة لأنهم يفتقدون بعد النظر. وقوة الثقافة وفاعليتها وخطورتها هو أنها لا تعطي نتائجها في الحال وبشكل سريع، وإنما قوتها في أن تأثيرها لا يظهر عاجلاً، وحينما يظهر يكون عميقاً وفعالاً ويتغلب على بعض المعوقات ويحدث حركة لها اهتزازات شديدة.
فسؤال الثقافة هو سؤال المستقبل، مستقبل الجميع الذي ينبغي أن يصنعه الجميع، مستقبل الوطن كل الوطن، مستقبل البناء والانماء والعمران، مستقبل التضامن والتلاحم والتكامل والوحدة الوطنية.
وهذا يعني ان سؤال الثقافة في وظيفتها الحضارية وفي تطلعها للنهوض والتقدم، هو سؤال عن الذات والمجتمع، وعن المكان والزمان، وعن التقدم والمستقبل، من هنا ندرك أن سؤال الثقافة هو في غاية الأهمية وان على كل مجتمع أن يكتشف هذا السؤال وهو يتطلع للتطور والنمو والتقدم.
ولازال سؤال الثقافة ـ كما أعتقد ـ في مجتمع المملكة العربية السعودية، بحاجة إلى أن يفكر فيه، وان يقترب من التفكير فيه أيضاً.
والملف الذي نخصصه لهذا العدد حول المشهد الثقافي الراهن في المملكة العربية السعودية يأتي في سياق التفكير في سؤال الثقافة في هذا البلد. السؤال الذي أخذ وتيرة متصاعدة من النشاط الفكري والثقافي في العقد الأخير، ومرشح له أن يتصاعد مع مرور الوقت، وان يكتسب نضجاً أكبر، وإدراكاً أعمق، نتيجة عوامل ترتبط بتراكمات ثقافية ومعرفية على مستوى الداخل، وعوامل أخرى ترتبط بالتثاقف والتواصل على مستوى الخارج.
والمثقف السعودي من جهته يعي ذاته ودوره اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويدرك أهمية أن يسجل حضوره بعطائه الثقافي والأدبي في العالم العربي، ويستشعر غيابه عن المشهد الثقافي العربي العام، الغياب الذي انعدمت كل مبرراته، وتحول إلى نقد للذات، تتسع وتنشط معه حوافز السعي باتجاه تدارك هذا الغياب.. وبعض ما يقدمه المثقف السعودي اليوم من نتاج ثقافي وفكري وأدبي يتابع باهتمام في الساحة العربية.
ولازالت أمام المثقف السعودي حوافز كثيرة في أن ينهض بدور أكبر ويسجل حضوراً فاعلاً في الساحة الثقافية للعالم العربي، فالآفاق أمامه واسعة ومفتوحة. وفي اعتقادي ان المملكة العربية السعودية إذا نهضت ثقافياً، ونهضت معها منطقة الخليج، فإن هذا النهوض سوف يستفيد منه كل العالم العربي، وسوف يترك أثره النوعي على الحياة الثقافية العربية برمتها..
ومرة أخرى، وفي زمان آخر، نقول ان الخليج ليس نفطاً وهكذا الجزيرة العربية، وهي المقولة التي أطلقها الدكتور محمد الرميحي، وكانت عنواناً لكتابه الذي صدر في سنة 1983م، وأراد من هذه المقولة أن يقول: الخليج هو انسان وأرض قبل النفط، وسيظل كذلك بعد النفط.
ونحن نقول نريد من منطقة الخليج والجزيرة العربية أن تكون ثقافة وفكراً وعلماً وأدباً، وهكذا يكون انسان هذه المنطقة، انسان بالثقافة والفكر والعلم والأدب..
وفي الأخير لابد ان ننوه بالجهد الكبير الذي بذله الكاتب الصاعد والشاعر المتحفز الاستاذ عقيل بن ناجي المسكين في انجاز هذا العمل وفي اعداده ومتابعته. ونتقدم له بالشكر الجزيل وندعو له بالمزيد من العطاء والابداع المتجدد.
ونلف النظر إلى ان المجلة ورئاسة التحرير التي اتفقت مع الاستاذ عقيل على هذا العمل لم تتدخل في اختيار أسماء المشاركين وتركت هذا الأمر لصاحب العمل واختياراته..
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.