شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
مع اتساع دائرة هيجان العنف التي شملت معظم أرجاء المعمورة ووضوح آثارها المدمرة مادياً ومعنوياً، يتم البحث في أسباب هذه الظاهرة من مختلف جوانبها من أجل العمل على الحد منها ومن آثارها. وتهدف هذه الورقة إلى معالجة ظاهرة العنف من منظور حقوقي ودراسة العلاقة بين العنف وحقوق الإنسان، انطلاقاً من المواثيق والعهود الدولية في هذا المجال، والتطور الذي طرأ عليها في العصر الحاضر. كما تدرس الورقة أيضاً الآثار المترتبة على غياب مفاهيم حقوق الإنسان في المجتمعات، وسبل معالجة ظاهرة العنف من خلال تعزيز الاهتمام بمبادئ منظومة حقوق الإنسان في هذه المجتمعات.
على الرغم من استناد مجمل مفاهيم حقوق الإنسان الأساسية إلى مصادر قانونية مختلفة أبرزها الرسالات السماوية والإعلانات المحلية والدساتير الوطنية والمواثيق الدولية، إلا أن انطلاقتها المعاصرة نشأت من التصور الغربي للنظرية السياسية بما تشمله من حقوق ومشاركة الأفراد في الشأن العام، حيث استهدف القانون الدولي في هذا المجال حماية حق الفرد مقابل هيمنة السلطة مما يحملها مسؤولية الحفاظ على هذا الحق وعدم انتهاكه. وتجمع الإعلانات والمواثيق الدولية على تأكيدها مجموعة حقوق أساسية للأفراد تتركز في حق الحياة وحق الحرية والمساواة وحق الملكية الخاصة وحق التعليم.
ويمكن رصد تطور هذه المفاهيم من خلال دراسة الاتفاقيات والعهود الدولية التي صدرت في فترات متعاقبة عبر أجيال ثلاثة هي: مرحلة الحقوق المدنية والسياسية، مرحلة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومرحلة حقوق الجماعات.
وجاءت هذه العهود الدولية استجابة إلى الحد من آثار الصراعات الدموية واتجاهات العنف المتصاعدة التي مرت بها المجتمعات الإنسانية، وبهدف البحث عن ضوابط وروادع قانونية يمكن عليها تأسيس علاقة إيجابية وسليمة وبناءة بين فئات المجتمع المختلفة، وبينهم وبين المجتمعات الأخرى.
وتأتي أعمال العنف الموجهة ضد الإنسان فرداً وجماعة - إضافة إلى انتهاكات الأجهزة السلطوية - كأبرز التحديات التي تواجه تطبيقات حقوق الإنسان، فهي تؤثر عكسياً وبصورة كبيرة في حقوق الجماعات وفي الحريات العامة والديموقراطية ونمو المجتمع المدني ومؤسساته الأهلية، كما تؤثر في نجاح مشروعات التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
شكلت اتفاقية 1864م الموقعة في جنيف من قبل ممثلي 16 دولة أوروبية أول سعي جاد لإعداد اتفاقية دولية تهدف إلى الحد من انتهاكات حقوق الإنسان وخاصة في مجال مراعاة حال الجرحى العسكريين. واعتمدت مؤتمرات السلم التي عقدت في لاهاي عامي 1899م و 1907م اتفاقيات تحدد قوانين وأعراف الأعمال الحربية، كما طرأت تعديلات عديدة على هذه الاتفاقيات ساهمت في اعتماد اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949م (الأولى لمرضى وجرحى الحرب من القوات المسلحة في البر، الثانية لمرضى وجرحى القوات المسلحة في البحر، الثالثة لمعاملة أسرى الحرب، والرابعة لحماية الضحايا المدنيين). وتحددت على إثرها مجالات استخدام القوة في حالات الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي، وحرب التحرير الوطنية، والعمليات الحربية التي يقرها مجلس الأمن. كما تعززت هذه الاتفاقيات بعد إقرار البروتوكولين الملحقين بها في عامي 1974م و 1977م الأول لحماية ضحايا المنازعات الدولية والثاني لحماية ضحايا المنازعات المسلحة الداخلية.
وعلى صعيد حقوق الإنسان الفردية، فقد تم تأسيس عدة لجان وهيئات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة وبالتعاون مع منظمات حكومية وشبه حكومية وغير حكومية، ساهمت في بلورة العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية لوضع معايير واضحة ومحددة. وشكلت هذه الوثائق الدولية الأساس الأولي لما تم الاصطلاح عليه بالقانون الإنساني الدولي الذي استمر في التطور والتواؤم مع الحاجات المتغيرة للفئات المتضررة في العالم بخلفياتها الثقافية والإثنية والاجتماعية المتعددة. فإضافة إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد في بعض بنوده على >أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ومراعاة تلك الحقوق والحريات<، تعتبر منظومة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تتألف من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948م)، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبروتوكوله الاختياري الأول (16 ديسمبر 1966م) هي الركائز الأساسية في منظومة حقوق الإنسان الدولية.
ويرسي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية معايير دنيا دولية للدول التي صادقت على هذا النص من أجل العمل على تنفيذ الحقوق الواردة فيه، ومنها حق الفرد في كسب رزقه بالعمل، وظروف عمل تكفل السلامة والصحة، والتمتع بحقوق النقابات، والحصول على الضمان الاجتماعي، وحماية الأسرة، والسكن والكساء الملائمين، والتحرر من الجوع، وتلقي الرعاية الصحية، والحصول على التعليم العام المجاني، والمشاركة في الحياة الثقافية والنشاط الإبداعي والبحث العلمي. كما يحظر بشدة التمييز فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويكفل مساواة الرجال والنساء في حق التمتع بهذه الحقوق.
أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فهو يكفل الحقوق الخاصة بتقرير المصير، والانتصاف القانوني، والمساواة، والحياة، والحرية، وحرية التنقل، والنظر المنصف والعلني والسريع في التهم الجزائية، والخصوصية، وحرية التعبير والفكر والوجدان والدين، والتجمع السلمي، وحرية تكوين الجمعيات، (بما في ذلك حقوق نقابات العمال والأحزاب السياسية)، والمشاركة في الشؤون العامة، ويحظر التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، والرق، والتوقيف التعسفي، والمحاكمة على جرم واحد مرتين، والسجن بسبب العجز عن الوفاء بالدين.
وبالإضافة إلى ميثاق الأمم المتحدة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، فإن أهم معاهدات الأمم المتحدة التي حظيت بعدد من التصديقات ما يلي: اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، واتفاقية حقوق الطفل.
وعادة ما تكون الإعلانات الحقوقية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م) تتجه لمعالجة الحقوق الخاصة بالأفراد، أما الوثائق والعهود الدولية فإنها تركز على فئات وجماعات معينة أوسع.
قد يكون مصطلح الإرهاب في عصرنا الحاضر من أكثر المصطلحات التي اختلف فيها الباحثون من قانونيين وفقهاء وسياسيين وعلماء نفس وجريمة وغيرهم، بسبب الخلط والتشويش الذي علق بهذا المصطلح نظراً لعملية التداخل القائمة بين >الوسيلة< و >الهدف< وبين >الأداة< و >الوظيفة<. وبسبب اعتبارات تاريخية وثقافية واختلاف في التوجهات والأهداف وسياسات الدول، نتج كم هائل من التعريفات القانونية والفقهية لهذا المصطلح - تفوق المئة تعريف - التي حاولت تعريف مفهوم الإرهاب وتحديده، حيث تشكل فيما بينها تناقضاً أحياناً وتعارضاً في النتيجة، وذلك بسبب التركيز على ناحية من نواحيه المتعددة وتجاهل الأبعاد الأخرى الدافعة والمسببة. ولازال الباحثون يتلمسون طريقهم في البحث عن تعريف قانوني واصطلاحي موحد للإرهاب من أجل وضع الضوابط والأنظمة القانونية والإلزامية للحد من هذه الظاهرة ومعالجتها.
وبغض النظر عن التعريفات المختلفة لمصطلح الإرهاب، فإننا نرصد هنا التعريف المعتمد لدى الأمم المتحدة لكونه أقرب التعريفات لمجال بحثنا، حيث يقصد بالإرهاب: >أعمال العنف الخطيرة التي تصدر من فرد أو جماعة بقصد تهديد الأشخاص أو التسبب في إصابتهم أو موتهم، سواء كان يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو المواقع السكنية أو الحكومية أو الدبلوماسية أو وسائل النقل والمواصلات، وضد أفراد الجمهور العام دون تمييز، أو الممتلكات، أو تدمير وسائل النقل والمواصلات بهدف إفساد علاقات الود والصداقة بين الدول، أو بين مواطني الدول المختلفة، أو ابتزاز أو تنازلات معينة من الدول في أي صورة كانت. لذلك فإن التآمر على ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في الارتكاب أو التحريض على ارتكاب الجرائم يشكل جريمة الإرهاب الدولي<.
أما مصطلح العنف فتعريفاته أكثر تحديداً ووضوحاً، وأبرزها ما ورد في الموسوعة العلمية يونيفرسال بأنه: >كل فعل يمارس من طرف فرد أو جماعة ضد فرد أو أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً، وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية<، وأنه >سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصادياً وسياسياً مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى - قاموس وبستر<.
وتؤكد معظم تعريفات مصطلح العنف خاصيتين في السلوك العنفي، هما: اقتران العنف بالقوة أو الإكراه أو القسر أو الشدة، ومناهضة العنف للقانون وإخضاع الطرف الآخر رغماً عن إرادته. كما يشكل العنف تهديداً حقيقياً إذا ارتبط بنشاط إرهابي مقترناً بالتنظيم والاستمرار، حيث إن هنالك جرائم جنائية فردية لا تعتبر بنفس المستوى من الخطورة على الرغم من شدة فظاعتها. ويختلف العنف المقصود هنا عن الجريمة الجنائية بأنه يكون مستنداً على خلاف أيديولوجي أو سياسي شامل وليس بسبب موقف فردي محدد.
من خلال التعريفات السابقة لمصطلحي >الإرهاب< و >العنف<، يمكن ملاحظة التداخل الكبير بين المفهومين من الناحية الفعلية والقانونية، على الرغم من كون العنف هو الوسيلة الرئيسة المستخدمة في أعمال الإرهاب، ودون وجوده لا يمكن إطلاق الإرهاب على عمل معين. ونظراً إلى أن مصطلح الإرهاب تبلور في بيئة سياسية في الأساس - أي أنه يهدف إلى تحقيق أغراض سياسية في الغالب - فقد انعكس ذلك على مستوى الطرح وسبل المعالجة القانونية.
ومع أن الحاضن البيئي والدوافع النفسية والاجتماعية للعنف والإرهاب قد تكون ذاتها، إلا أن ممارسة العنف تبدو أكثر قرباً من محيط الأفراد القائمين به، حيث إن العنف قد يمارس على صعيد العائلة والمجتمع، في حين أنه عادة ما يستهدف الإرهاب الطرف الخصم في الصراع السياسي. والعنف مصطلح سلوكي يمكن أن تقوم به أي فئة في المجتمع - بما في ذلك الأحداث - ويتمظهر بأشكال مختلفة من بينها الإرهاب، بينما يتحدد الإرهاب كأحد أشكال العنف بغرض الوصول إلى أهداف معينة، وتقتصر ممارسته على فئات اجتماعية محددة. ومن هنا نرى أن تركيز القانون الحقوقي الدولي في مجال العنف يتمحور في قضايا العنف الأسري والاجتماعي وبالخصوص ذلك الموجه ضد الفئات الضعيفة في المجتمعات كالمرأة والطفل. وقد برزت في السنوات الأخيرة وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر محاولات عديدة لوضع آليات وقوانين دولية جديدة للمساهمة في الحد من الإرهاب، وقد يتمخض عنها بعض الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة.
يُعدُّ العنف شكلاً من أشكال السلوك العدواني الذي يهدف إلى إيذاء الآخر على نحو مقصود وهو أشد درجات العدوان الصريح. وتعددت تفسيرات العنف المختلفة لدى المنظرين السيكولوجيين ومن أبرزها نظرية الحتمية البيولوجية، أو نظرية الحتمية الغريزية، أو بجعل العنف نتيجة للإحباط أو للتعلم بالملاحظة، أو نتيجة لما يترتب على العنف من نتائج مرغوبة. إن محاولة فهم العنف يجب أن تكون من منطلقات متعددة وليس من بعد واحد فقط، حيث إن العنف بمثابة سلوك يهدف إلى إشباع دوافع مختلفة، وإن شدة الاستجابة العدوانية تتناسب طردياً مع مقدار الإحباط المرتبط بنوع الدافع المحبط حيث إنه يربط بذلك بين الإحباط والعدوان أو العنف. ويذكر الباحث أسعد النمر أن القاعدة السيكولوجية التي أتت بها نظرية الإحباط - العدوان تفيد في فهم علاقة تكرار الإحباط بتراكمه وبشدة العدوان، فالعنف هو الشكل الأشد للعدوان بوصفه استجابة صريحة مدمرة ومنتهكة للقانون. فمستوى الإحباط المتكرر في المجتمعات غير الديموقراطية أو التي تفتقد إلى قنوات تصريف طاقة العنف تحجز تصريف هذه الطاقة، ولكن في حالة ضعف وسائل الكبح الخارجية أو تعاظم مستويات الطاقة العدوانية داخل الأفراد فإن الأفراد يستجيبون على نحو عنيف ومتطرف بهدف إشباع دوافعهم المحبطة.
وتلعب التربية والتعليم دوراً مهماً في تكوين الأنماط السلوكية الخاطئة التي تُهيئ الفرد للانحراف الفكري المؤدي إلى تبني مواقف متشددة وآراء متطرفة تجاه الآخرين. ومن الناحية الاجتماعية فإن انتشار المشكلات الاجتماعية بمختلف أشكالها وخاصة تلك الناتجة من عدم المساواة والشعور بالدونية والإحباط قد تؤدي إلى قيام البعض برفض هذه الممارسات والتعبير عن ذلك بطريقة عنيفة. كما تُعدُّ العوامل الاقتصادية من أبرز المعيقات البيئية ذات العلاقة بالعنف كارتفاع نسبة البطالة وسوء توزيع الثروة. وأخيراً فإن العوامل السياسية كانعدام الحريات والديموقراطية في المجتمع تدفع أفراد المجتمعات إلى النزوع إلى تبني العنف وسيلةً للتعبير عن الذات والسعي إلى الحصول على مكاسب سياسية معينة.
هنالك علاقة مباشرة وسببية ومتداخلة بين تزايد العنف -بكل صوره وأشكاله ومستوياته- وانتهاكات حقوق الإنسان بصرف النظر عن الجهة التي تمارس عملية الانتهاك. وعلى هدى هذه الحقيقة، حاول بعض الباحثين أن يبلوروا رأيهم ومنظورهم لظاهرة العنف بوصفها نتيجة طبيعية لغياب المساواة وسيادة القانون وغيرها من أسس ومبادئ منظومة حقوق الإنسان والالتزام بها في المجتمعات البشرية. وفي مقابل هذا الرأي عمل البعض على تأسيس رؤية سياسية واجتماعية مفادها أن تنامي العنف وامتداد آثاره السلبية في الفضاء الاجتماعي سبب رئيس في الحد من إقرار الحريات الفردية والعامة وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان. وبهذا تتكامل الدائرة النابذة لحقوق الإنسان تحت دعاوى ومسميات متعددة.
إن الأمن الإنساني من أبرز عوامل الاستقرار الاجتماعي والسياسي في أي مجتمع بشري، ويشمل العديد من الأمور منها الجانب الاقتصادي كالأمن الوظيفي والغذائي على سبيل المثال، كما يشمل الجانب السياسي والثقافي والاجتماعي. وإن أي خلل يهدد أمن الإنسان في مجتمعه سواء كان مباشراً أو غير مباشر فإنه سيكون الركيزة الأساسية لتراكم حالات الخوف والإحباط النفسي التي قد تكون كامنة وتنتظر لحظة الانفجار والاندلاع على شكل أعمال عنف فردية أو جماعية.
وتساهم منظومة ومبادئ حقوق الإنسان في تعزيز حالة الاستقرار الاجتماعي والسياسي بما ينعكس على الشعور بالأمن في المجتمع، والقدرة على التعبير عن الحاجات والمصالح الفردية والجماعية دون الحاجة إلى استخدام وسائل عنيفة للتعبير عن الذات أو عن الجماعة أو لغرض تحقيق مطالب معينة.
وبالإضافة إلى الانتهاكات والتجاوزات المباشرة والمعلنة التي قد تقوم بها أجهزة السلطة أو الجماعات المتنفذة في أي مجتمع، فإنها قد تمارس ما يصطلح عليه بـ>الانتهاكات الكامنة< - وهي التجاوزات الحقوقية غير المعلنة وغير المرسمة - حيث تؤدي إلى تراكمات مزمنة تساهم في تعميق حدة العنف الاجتماعي وقت حدوثه. ويطلق جالتنغ (Galtung) مصطلح >العنف الهيكلي< على حالات الظلم والاستغلال الاجتماعي التي تدرج ضمن المنظومة الأساسية للعلاقة بين فئات المجتمع والجماعات المهمشة بسبب التفاوت في الحصول على نفس القدر من الفرص مما يعيقها عن الانخراط في النسيج الاجتماعي العام.
فبدلاً من تغليب مساهمة أفراد المجتمع في الحياة العامة وتوجيه عمل المنظومة السياسية بما فيها القبول بالتعددية والتداول السلمي للسلطة عن طريق الاختيار الحر لممثليهم، فإنه قد تنتشر في ظل غياب المنظومة الحقوقية ثقافة التبعية لدى أفراد المجتمع للسلطة السياسية، وينتج عن ذلك عدم مساهمتهم في الحياة العامة التي تؤدي إلى خروج السلطة عن إرادة الأفراد حيث يتسم دورهم بالسلبية خشية من اضطهاد السلطة لهم وتعديها على حقوقهم الفردية والجماعية. من هنا فإنه في ظل تواطؤ المصالح الفئوية وانعدام القدر الكافي من العدالة الاجتماعية والمساواة، يصبح التفاوت بين طبقات المجتمع كبيراً ويؤدي ذلك إلى خلق حالةٍ من عدم التوازن بين فئات المجتمع المختلفة.
كما أنه في ظل غياب أجواء المنافسة الحرة، قد تسعى الفئات الاجتماعية المهمشة أو المعارضة لوضع معين أو تلك الطامحة لتحقيق مكاسب أكبر إلى التعبير عن حاجاتها عبر تأجيج أجوائها وتحريض أفرادها ومناصريها على الاحتجاج عبر استخدام وسائل عنف ضد مختلف المؤسسات السياسية والاجتماعية وحتى الأهلية أحياناً.
إن الأيديولوجيات التي تؤهل لظهور التطرف الديني تترعرع في جو من اليأس من عدم القدرة على الوصول إلى الهدف المنشود وعلى أرضية البطالة المستشرية وفقدان الأمل بالإصلاح السياسي الذي يفترض أن يفسح المجال أمام مشاركة اجتماعية أوسع، يضاف إلى ذلك حالة الجمود الفكري والتعاطي السلبي مع منجزات الحضارة الإنسانية في مختلف المجالات.
ومن أجل أن تتعمق مبادئ حقوق الإنسان في الفضاء السياسي والاجتماعي والثقافي، يمكن التأكيد على مجموعة إجراءات مقترحة في هذا المجال نلخصها في التالي:
1ـ الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتطبيقها بحزم ودقة.
2ـ ضرورة إدخال مادة حقوق الإنسان في المناهج التعليمية والتربوية، وذلك لأنه لا يمكن إرساء دعائم ومعالم حقوق الإنسان دون مشاركة المؤسسة التربوية والتعليمية فيه.
3ـ فسح المجال القانوني والسياسي لتأسيس مبادرات وجمعيات أهلية تعنى بحقوق الإنسان وتأخذ على عاتقها نشر الثقافة الحقوقية في الوسط الاجتماعي والدفاع عن الحريات والحقوق الفردية والجماعية.
4ـ ضرورة اهتمام المنابر الإعلامية ووسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية بقضايا حقوق الإنسان.
5ـ وضع ضوابط أخلاقية وقانونية للحد من ظاهرة العنف والتحريض على ممارسته، إذ لا يمكن إنهاء ظاهرة العنف إلا بالوقوف بحزم ضد كل أشكال التحريض والتعبئة السلبية لمكونات المجتمع وخصوصيات الأفراد.
6ـ الاعتراف القانوني والسياسي بحقيقة التعدد الفكري والسياسي القائم في المجتمعات، بحيث تكون المواطنة مفهوماً وحقوقاً وواجبات هي مرتكز العلاقة ومصدر المسؤولية المتبادلة.
?* ورقة بحث مقدمة إلى ندوة >ظاهرة العنف من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب<، 17-18 مايو 2004م، مركز الخليج للدراسات - جامعة قطر.
** كاتب - السعودية.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.