شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
في كل مرة يبرز مفهوم جديد يُستدعى الإسلام للارتباط به: الحداثة والإسلام، والتحديث والإسلام، والإسلام والتنمية، والإسلام والغرب(1)، والإسلام وحوار الحضارات وصدامها، وأخيراً يأتي مفهوم العولمة. وكما هي الحال مع مفاهيم العلاقات السابقة استُدعي الإسلام، وبرزت تأليفات أو ندوات حول الإسلام والعولمة، إلا أنه في كل مرة تُستدعى هذه العلاقات، ربما ينشأ جدل يتسم في معظمه بعدم تحديد أصول العلاقة أو مستوياتها وأهم إشكالاتها، ومن غير تحديد مهم لطرفي العلاقة تحديداً يحرر المسألة ويحقق أصول التعامل المعرفي الشامل من جهة والتعامل المنهجي من جهة أخرى.
ومن هنا كان الاختيار للعلاقة بين الإسلام والعولمة ولكن في جانبها المعرفي والمنهجي ضمن قراءة تحدد مستوى هذه العلاقة قبل الخوض فيها وفي إشكالاتها.
نحن هنا أمام الإسلام بما يفرزه من رؤية للعالم(2) وبما يسهم به في تقديم >نموذج معرفي إرشادي<(3)، وأمام العولمة التي تفرز رؤية للعالم ونموذجاً معرفياً تنمو فيه وتستند إليه.
?من هنا كان علينا أن نحدد هذه العلاقة في إطار قراءة مركبة تتضمن قراءات ثلاث أساسية، تشتق منها قراءات أخرى متنوعة، القراءات الثلاث:
الأولى: القراءة في الدواعي ودواعي القراءة.
الثانية: قراءة التشريح والترشيح.
الثالثة: القراءة المقارنة والناقدة كمقدمة لإعادة البناء أو التأسيس.
تكامل هذه القراءات وإبراز بعض النماذج لها من الأهمية بمكان، لأنها لا تقدم على التركيز على الراهن فقط أو عملية تكونه، ولا تتعرض لدراسة الجزئي وإهمال الرؤية الكلية والشاملة، والوقوف على الفروع دون نظمها أو تنسيبها لأصل، والتركيز على الظاهر دون النفاذ للعمق... والتعامل مع الأعراض والمظاهر وعدم البحث عن العوامل الفاعلة والفاصلة، والتركيز ضمن اختلال عناصر الإدراك والقصور على الهامشي لا الأساسي والمفصلي. إنها قراءة تحاول البحث في شمول هذه العلاقة ومستويات دراساتها وما يفرضه ذلك من التعرف على مجموعة الأنساق في تفاعلها (المعرفية، والعقدية، القيمية، الثقافية، والحضارية على وجه العموم) (والتعرف على عناصر المفهوم تشريحاً؛ البحث في خريطة عناصره والعمليات المرتبطة به والعلاقات والوسط وغير ذلك من أمور..)، (والتعرف على طبيعة العلاقة وإشكالاتها وأشكالها) (والقدرة على استدعاء قراءة مقارنة بحكم العلاقة بين العولمة والإسلام وما يتعلق به من ظواهر ومستويات وتجليات)، قراءة تتواصل مع معاني القراءة المقارنة في إطار قراءة ناقدة فارقة كاشفة بما تؤكده عناصر الأنساق الحضارية المختلفة، وما يقتضيه ذلك من استناداتها لرؤى >عالم< متنوعة وما يتركه ذلك من معالم رؤية بنائية لا تتوقف عند حدود النقد أو التقويم.
من المهم أن نؤكد أن دراسة العلاقة بين العولمة والإسلام لا تستوعبها دراسة مثل هذه، ولكن غاية أمر هذه الدراسة أن تحدد الشكل الذي يجب أن تقوم عليه الدارسة: معرفياً بما تثيره العلاقة من إشكالات جوهرية، ومنهاجياً بحيث تحدد العلاقة بين مناهج النظر للعلاقة ومناهج التعامل والتناول.
ومن هنا فإن التعرض المعرفي والمنهجي من الجوانب المهمة والتي لم تكن أساسية في الخطاب العربي والإسلامي حول العولمة، بل اتجهت توجهات الخطاب نحو المواقف مباشرة من غير الوقوف على هذا الجانب المعرفي والمنهجي، وتأثير هذا الجانب على ما عداه من جوانب من المهم أن نؤكد أنها تتلوه لا تسبقه.
وفي هذا المقام وبما تمثله العولمة من كونها (رؤية ومفهوم ونموذج ومنظومة) فإنها قبل كل ذلك (عملية)، بينما النظر إلى الإسلام يمكن أن يكون على مستوى الأوصاف الأولى من دون الحديث عنه كعملية، إلا في منظوره التاريخي. إلا أن الغرب وبما يحمله من مشروع العولمة على تفاوت بين أركانه وعمده، وعلى تفاوت بين حجم الإدراكات لا أصل التصورات. يرغب وبشكل لا منهجي في تصور الإسلام كعملية من دون أدنى تمييز بين الإسلام وعالم المسلمين.
ومن هنا فإن الأساس في منهج النظر يكون بتحديد الإشكالات الجوهرية وتحديد الدواعي المؤكدة على العلاقة بينهما (مفهومين، ونموذجين، ومنظومتين، ورؤيتين كليتين) إنها تكمل عناصر رؤية العالم، في إطار مقارن نقدي وبنائي في آن واحد. ومن ثم فإن الابتداء بأصول منهج النظر يوجب الانتقال إلى الكيفية التي تقوم بدراسة هذه العلاقة معرفياً ومنهجياً (مناهج التعامل والتناول).
?? المستوى الأول: القراءة في الدواعي ودواعي القراءة:
معرفياً ومنهجياً: خطاب السجال والانفعال والافتعال
علم كلام العولمة: علم عمل العولمة: خطاب السجال
في إطار الاهتمام بموضوع >العولمة< كواحد من الموضوعات التي فرضت نفسها على الساحتين الإعلامية والعلمية، فضلاً عن الساحة الثقافية التي امتلأت بندوات ومؤتمرات ومساجلات حول العولمة، وفي سياق الخطاب الذي شاع وذاع خصوصاً في الفترة الأخيرة، وما يمثله المفهوم والموضوع من حالة نموذجية لأعراض برج بابل التي تشير إلى فوضى الفهم وحدية المواقف، أسطورة برج بابل التي تشير إلى بلبلة الألسن حتى لو تحدث الناس لغة واحدة - يذكرني كل هذا بقصة >جدل بيزنطة< الذي ظل أهلها يتجادلون في مسألة لا طائل من البحث فيها، والعدو على أبوابهم، دخل في غفلة تنازعهم على لا شيء أو لا طائل من ورائه. كما يذكرني هنا بمناقشات كلامية اتسم بها علم الكلام في مرحلته المتأخرة، حينما تحول عن وظيفته الأصلية في مواجهة >الزنادقة< إلى مساجلات تنازعية لا تورث إلا الفشل بين المسلمين أنفسهم، ويذكرني ذلك أخيراً بنمط مواقفنا في خطاباتنا حول قضايا تمس الكيان والبنيان، بنمط التأليف التقليدي والنظم الشعري والذي يحاكي عناصر مضى أوانها ضمن أغراض شعرية أساسية، وبدت العولمة موضوعاً لكل هؤلاء يتقدم إليه كل شاعر فيما يحسنه من غرض، فهذا يتناول العولمة ضمن أغراض >المدح< التي تبالغ في مدح العولمة إلى الحد الذي يضفي عليها صفات ليست فيها بل ربما تحمل هي داخلها نقيض ذلك، وفي مقابل ذلك يتصدر كل من يحسن أغراض الهجاء الشعرية التي تحوِّل أدنى الخلاف إلى حالة من الخصومة التي لا تندمل أو تستدرك، إنه غرض يتأسس على الإسقاط، فهو لا يشعر بقوة الذات إلا عبر هجاء الخصم، ويتأجج الخلاف الصغير حتى يتحول إلى عناصر قتالية مستطيرة، تتكامل الصورة بغرض شعري آخر وهو الفخر والزهو في وجه العولمة بمبالغات في تضخيم الذات، ولا بأس بغرض الغزل الصريح والعفيف في العولمة، فحبك للشيء يعمي ويصم، وها هو الغرض الذي تكتمل به خريطة الأغراض الشعرية في معلقات العولمة وهو الحماسة في إطار حركة عنترية قد تفرض علينا خطوات أو سياسات أقرب ما تكون للتهور منها إلى الشجاعة والإقدام.
ويأتي الغرض الذي تفتتح به القصائد في نظم الشعر في العصر الجاهلي وهو البكاء على الأطلال، وربما يحسن أن نختتم به قصائدنا على الأرض، فبينما العولمة تتحرك صوب عمل، وتعبِّر عن عملية صار لها من الآليات والوسائل والأدوات التي تمكن لها على الأرض، فإننا ندير خطاباً حول العولمة ضمن أغراض شعرية >معلقات العولمة< تُحاكي فيه أغراضاً شعرية مضى أوانها وانقضى زمانها، هذه الأغراض لا تعكس إلا عقلية منقسمة وخطاباً سجالياً وحواراً أقرب ما يكون إلى حوار الطرشان. في هذا المقام تأتي العولمة لتقدم حالة نموذجية ضمن سياقات لدراسة الخطاب حولها.
فهل يمكننا أن نتخلى -عرباً ومسلمين- وقد أتت علينا العولمة ونحن في أضعف حال وأوهن مقام، أن نتخلص من >جدل بيزنطة<، أو أعراض >برج بابل< و>علم كلام العولمة< أو أغراض شعرية تعبر عن حالة نفاق وكذب، فإن أعذب الشعر أكذبه؟ وهل لنا أن نتخلى عن أنماط التفكير التي تتعامل مع عالم المفاهيم الحديث، بوصفها مفاهيم موضة لا نملك إلا ارتداءها؟ هل لنا أن نتحرك صوب فهم ووعي العولمة فنؤسس فقهاً لها، وقبل الفقه نبحث عن تأسيس >علم معلومات العولمة< نتعرف فيه كيف تم التمكين للعولمة على الأرض في غفلة منا وربما بإذعان، أو وفق قواعد هندسة الموافقة.
إن العولمة تتطلب مواجهة بما تمثله من تحديات من جنس حركتها نفسه وتصوراتها، والقضية ليست في تسجيل المواقف أو تبني توجهاً بعينه أو الدخول ضمن توجهات النقاش المحتدم حول العولمة في كل المجالات الاقتصادية والاتصالية والاجتماعية والسياسية والثقافية، هل يمكننا مرة أن نحاكي علم عمل العولمة؟ أن نتعلم أن العمل القليل الدائم هو خير عناصر المواجهة؟
إن الخروج من سياق التبشير بمفهوم >العولمة< أو التهوين من آثاره والمترتبات عليه لا يتم إلا من خلال مثل هذه الدراسات العلمية والعملية.
العولمة ليست القدر المحتوم، وليست التاريخ الذي أغلق أبوابه وانتهى، بل هي تصور أعقب عمليات، للعالم، للإنسان والكون والحياة، تهدف من خلال ذلك التصور وتلك العمليات إلى علميات تضييق الاختلافات والتنوعات والتمايزات والخصوصيات، تهدف إلى تضييق ذلك عن طريق التنميط، ونحن نؤمن بسنة الله تعالى أنه خلق الناس والكون في سعة الاختلاف والتمايز والتنوع ليشهد الكون تفاعلاً إيجابياً وتعارفاً مثمراً >فإذا ضاق الأمر اتسع< وأن النافع للناس، عموم الناس، هو الذي يمكث في الأرض.
ونرى في تاريخ الدنيا على مر أيامها أن ليس هناك مشروع ابتغى الاستئثار والهيمنة والطغيان إلا وحالفه الفشل وإن طالت أزمنته، ونحن مأمورون بالتذكر والاعتبار بأيام الله.
فالعولمة ليست عملية بلا ثقوب، أو بلا مفاصل تمثل عناصر ضعفها، والعالم يشهد على ذلك بؤراً صغيرة في العالم تستعصي وتأبى التنميط وهي خارج حسابات العولمة بكل أدواتها المعلوماتية وآلتها الحسابية، فعليك أن تجيل النظر في المعمورة لتبحث عن شواهد تؤكد أن العولمة من حيث أرادت التنميط ستؤدي إلى عكس ذلك المقصود، لأن مقصودها مخالف لسنة الله الكونية والبشرية في الاختلاف والتنوع والتعدد.
العولمة وبما أفرزته من أدوات، تعبر عن خطورة وإمكانية، والمخاطر لابد أن يحسب لها حسابها، والإمكانات لابد من استثمارها، إنه أمر يحرك علم دفع المضار وجلب المصالح الذي هو مدار شريعة الإسلام. فالعولمة من حيث أرادت أن تفكك وتركب، توحي للجميع أن يتعلموا كيف يعظمون قوتهم، وأن في تنوعهم رحمة وفي تكاملهم لحمة، وفي وحدتهم قوة وقدرة وتمكين وتأثير.
أين نحن من آليات ومؤسسات يجب أن ندافع عن تأسيسها لأنها تمثل الحصون التي تحمينا من مخاطر طوفان العولمة؟!
هل لنا أن نتعلم درس العولمة، وأن نتعامل مع ابتلاء العولمة؟! أم ستكون العولمة علينا وليست لنا؟! ونحن نتجادل في علم كلامها وسجال وانتقال بالكلمات؟!
إن أهم درس في العولمة هو معرفة عناصر مناهج التفكير والتغيير والتسيير والتدبير والتأثير العليلة والكليلة والتي استمرأنا التعايش معها زمناً، فأتى طوفان العولمة، ألن نفقد سفينة نوح إذا أحسنَّا التفكير والتدبير وآليات التفعيل والتأثير؟! وللتمكين سنن يجب أن نتعلمها ونعمل لها(4).
القراءة في الدواعي: خطاب الانفعال والافتعال
أولاً: بروز فكر النهايات على تتابع النهايات الجزئية في المجالات المعرفية والمجالات الواقعية وعالم المفاهيم وما يشير إليه من واقع، تُوِّج بفكرة >نهاية التاريخ< لتعبر عن إعادة تأويل فكرة وردت لدى هيجل، للحديث عن الانتصار المؤزر والأكيد على كافة >الأفكار< و>الخبرات< المختلفة، والأنماط الحضارية وما تشير إليه من تجارب متنوعة.
ثانياً: بروز فكر النهايات مبكراً ونهاية الأيديولوجيا -نهاية الفلسفة- نهاية الدولة القومية، نهاية النظرية السياسية. نهاية..، تزامن مع ظهور إرهاصات >Postisms< أي المابعديات لتعبر عن مراحل مختلفة متغيرة كمًّا ونوعاً. فغالباً ما حلت محل فكرة النهايات >Endisms< إلا أن الفكرة الأكثر شيوعاً كانت >Postmodernism< والتي حوت كثيراً من البعديات على مستويات متعددة في العلم والواقع والأيديولوجيات. إلا أن فكرة المابعديات(5) التي ولّدت عناصر دراسية مهمة ضمن أجندتها، تنوعت إلى حد التناقض، وسمحت أفكار المابعدية في إطار التجاوز أن تقدم في واحد من أهم تياراتها تجاوز الحداثة، فاتخذت مساراً نقدياً مهماً، توسلت فيه معظم الأدوات التفكيكية فيما حملته منظومة الحداثة من >أفكار< و>مؤسسات< و>أشخاص< وأشياء و>أحداث< وافتراضات وعلاقات ورؤى نظرية، وبدت تعيد دراسة المفكرين وأفكارهم في ضوء بعض المؤشرات غير التقليدية في الدراسة. وضمن هذا السياق لابد أن نعود إلى مفهوم برز في المجال السياسي، إلا أنه اختفى على حين غرة وتوارى لمصلحة مفهوم >العولمة<، ألا وهو مفهوم >النظام العالمي الجديد<، الذي شاع وذاع لفترة محدودة ولكن لأسباب تتعلق بنشأته السياسية شبه المحضة كانت تكمن في داخله إمكانات الاستنفار ضده ليس فقط ضمن توجهات في دول العالم الثالث، ولكن ضمن رؤى نشأت في إطار الحقل الأكاديمي والإعلامي الغربي الذي توفق كثيراً في النقد حيال هذا المفهوم، مشيراً إلى علاقات القوة التي تعبث بمفهوم النظام الدولي، وتحرك صفه الجديد إلى ما أرادت، حتى أشار البعض إلى عدم النظام (الفوضى) disorder الدولي(6).
وربما أعيد تسكينه ضمن منظومة العولمة في إطار ما أُسمي بـ(العصر العولمي) Global Age.
ثالثاً: وضمن هذه المرحلة الانتقالية برز مفهوم العولمة Globalization الذي أشار إلى إضافات مختلفة في نهايته ما بين المصدرية Globality، وما بين المذهبية والأيديولوجية Globalism ثم شيوع النهاية المصدرية المشيرة إلى العملية Processes، والتي يشار إليها بـ>-isation< وكل نهاية من هذه النهايات تشير إلى تفضيل بعينه، فبينما تشير النهاية المصدرية العامة إلى مفهوم العالمية، وبوصفها رؤية ضمن رؤى للعالمية Globality، إلا أن الأمر لم يعد يشير إلى عالمية ضمن عالميات حتى ولو كانت غالبة أو سائدة، بل تحولت إلى مذهبية أو أيديولوجية ضمن >isms< المختلفة ضمن هذا السياق. وبدت تتحدث عن العالمية على نمط بعينه بوصفه نمطاً محتوماً في إطار المعمورة ومسيرتها إلا أن هذه الدعوة المذهبية غالباً بما تحمل من عناصر تشير إلى التفرد أو التنميط - فإنها قد تواجه بنوع من التحدي والمواجهة في إطار تحول فكرة العالمية من النطاق العام لنماذج متعددة إلى نطاق حتمي يؤكد على عالمية بعينها دون ما سواها من رؤى وأيديولوجيات، وهي بذلك تدخل إلى سياق السجال الأيديولوجي وتولّد عناصر التحدي المعرفي والثقافي والمنهجي والحضاري بوجه عام.
رابعاً: وضمن هذا السياق انتقل التعبير من مفهوم العالمية بوصفه مفهوماً عاماً، إلى العالمية بوصفها مذهبية وأيديولوجية، إلى الحديث عن العالمية (العولمة) على أرض الواقع، أي الإشارة إلى واقع العالمية (العولمة) الذي بدا يفرض نفسه في كافة المجالات المعرفية والعملية والواقعية، وبما تشير إليه من >عملية< ضمن أطوار مختلفة ومتنوعة، لها من الشواهد التي لا تخطئها عين أو ينكرها عقل حتى يمكن تسمية ذلك من خلال القرائن الواقعية بافتراس العولمة.
التعامل الوجداني ودائرة الخطاب المأزوم
وعلى الذي يدعي غير ذلك أن ينتقل من أرض الواقع والفعل والتجليات والمظاهر المختلفة إلى أنواع متعددة من التفكير من المهم أن نرصدها:
1ـ الانتقال من الدراسة البحثية إلى عناصر التعامل الوجداني المتعلق بالموقف التفضيلي الذي تتحكم فيه عناصر القبول والرفض النابعين من الحب والكراهية، وهو موقف على أهميته إلا أنه صار غير كافٍ في حقل الدراسات العلمية والبحثية والمنهجية.
ذلك أن البدء بالمواقف من غير البحث في الوعي والتأسيس لها، في إطار فهم خرائط الواقع وإمكانات التأثير فيه لا يمكن بأية حال تأسيس المواقف الواعية والدافعة، والمواقف إذا ما سوّغت على مستوى حاجات الجماعات الفطرية على أهميته لا يمكن الاكتفاء بها والانكفاء عليها؛ ذلك أنه لا يحرك عناصر فعل قادر على الفعل والفاعلية. وذلك في ضوء ما قد يترتب عليه من موقف وجداني يؤثر في الأحكام على الواقع والوجود. وذلك وفق القاعدة المنهجية المحققة التي تُعدُّ ضمن سنة المنهج >عدم الوجدان لا يعني عدم الوجود<. ذلك أن الوجدان كمصدر من مصادر بناء المواقف قد يكون له ما يسوغه، إلا أنه يجب ألا ينتقل إلى >نفي الوجود<، ذلك أن مجال الوجدان شيء، ومجال الوجود شيء آخر.
نحن أمام معادلة: الموقف الوجداني، وعناصر الوجود، وعناصر الحكم العام الصحيح.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
?
الموقف الوجداني مراعاة عناصر الوجود الحقيقي عناصر الحكم الصحيح والاستقامة العلمية في الأحكام والتعميم
ومن هنا فإن الموقف البحثي والمنهجي يقتضي التعامل مع موضوع العولمة ضمن هذا السياق.
والعدل ليس مجرد موقف مقيد للغير في رؤية ضمن منظور ومنظومة العدل والصدق والاستقامة ولكنه مفيد للذات في التعرف على الموضوع أو الإشكال بحجمه الحقيقي، واتخاذ موقف العدل (اعدلوا) هو المحقق لأمارات العدل مع الآخرين وتقويم عوالمهم المختلفة (عالم الأفكار والأشخاص والأحداث والأشياء، والعلاقات والمؤسسات.. الخ)، والمحقق للفاعلية الذاتية تفكيراً وتدبيراً وتغييراً وتأثيراً، إنه يحرك معاني التقوى النافية لكل ضر، الجالبة لكل نفع، المحفزة لأصول الدافعية والجامعية والفاعلية.
2ـ التعامل الوجداني بالأماني، وهو تعامل يقفز على الواقع وعالمه المحدد بكل عناصره ووقائعه ومظاهره وتجلياته، إلى عالم الأمنيات والتمنيات من غير عمل واضح وأصول تعامل، كأنه في إطار عالم الأمنيات. يحاول صاحب هذا الموقف البحث عن المستقبل قفزاً على الواقع. والأمر على غير هذا {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ..}.
المعادلة وفق أطرافها تعني:
الموقف الوجداني القفز على الواقع الموقف المستقبلي
? ? ?
(الأمنيات) (إهماله وإغفاله) (بناء التصور في عالم الخيال لا على أرض الواقع)
وفي هذا المقام لا يمكن الوصول إلى الموقف الاستقبالي من دون فهم خريطة الواقع وعناصره ومفاصله، ومصادر وإمكانيات الفاعلية والتأثير. (يمكننا أن نشير إلى الدراسات المستقبلية في عالم المسلمين، ونهاية التاريخ على طريقة بعض الكتابات الإسلامية)(7).
3ـ التعامل الوجداني >باليأس والإحباط<، أحياناً ما؛ يتصور الباحث أو الدارس، أو المطلوب منه عامة أن يتخذ موقفاً، أن الواقع بما يفرضه من عناصر إدراك، وضغط الواقع الفعلي، أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان. فيستسلم لافتراس العولمة ويرى العولمة القدر المقدور والحتم المنظور، وهو ما يجعله يهمل الواقع ولكن في إطار مختلف، حيث إنه لا يمكن التفكير فيه لما يمثله من حقائق واقعة ودافعة على الأرض، يتصور الإنسان أنه ليس لديه من إمكانات لمواجهة هذا الواقع أو ضغوطه أو تجلياته على الأرض. إن الضغوط الحضارية من القضايا المهمة لو فهمت على مقتضاها، فـ{لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} فمن الضغوط ما يمنع كما أن من الضغوط ما يدفع، ومنها ما يفجر ومنها ما يجمع، ومنها ما يخفض ومنها ما يرفع، إذا ما فهمنا القوانين الحاكمة ووعينا عملها والسنن المتعلقة بها وسعينا بمقتضى الوعي.
الموقف الوجداني المعرفة للواقع المانعة الموقف الذي يفكر في ضوء ضغوط الواقع
? ? ?
(اليأس) من التعامل معه
على نحو مرغوب وما يفرضه من عناصر
هذه هي عناصر المعادلة المانعة من العمل والمحركة لأنماط من الخطاب والإدراكات والتفكير.
4ـ عناصر التهوين والتهويل بوصفهما موقفين وجدانيين يحركان عدم إدراك الواقع على صورته الحقيقة وفي مقامه المخصوص والمضبوط. وهذان الموقفان من الخطورة بمكان إذ يعكسان موقفاً مضطرباً يتراوح بين التهوين والتهويل من حقيقة الواقع، فلا يحاول التعامل معه بمقتضى معطياته على أرض الواقع، ولكن التعامل معه من مدخل التهوين يعني التقصير في التعامل مع الظواهر على ما تقتضيه من اهتمام من ناحية، وما يقتضيه ذلك من البحث المتأني لكل عناصر الموقف من ناحية أخرى. والتهويل لا يقل في تأثيره السلبي والنفسي حيال هذه الأفكار، فإن التهويل -سواء من الجانب المتبني لمفهوم العولمة أو المتعامل معه القابل له- يؤثر تأثيراً سلبياً في إطار الافتعال وما يتركه ذلك من آثار على الموقف الوجداني، والذي يتصور أن الأمر لا يدخل إلى نطاق التفكير نظراً لأنه يمثل حالة لا يمكن ارتفاعها أو تغييرها أو حتى تحويلها، أو استثمار بعض نقاط ضعفها، بل هو يرى من البداية أن عملية العولمة من الإحكام الواقعي بحيث لا يظهر ولا يبرز في بنائها أية ثغرات أو أية نقاط ضعف، وهو غالباً ما يورث نفس عناصر الموقف الوجداني النابع من اليأس.
5ـ الموقف الوجداني النابع من حالة حضارية تتسم بعناصر الوهن في مناهج التفكير ومسالك التدبير وعناصر التغيير. إن التفكير من موقف الضعف والوهن المتحكم في الحالة الحضارية يسهم في خلق عنصرين يجعلان الموقف الافتعالي في قمة تأثيره فهو موقف قرين بالعجز الراهن بوصفه حالة أبدية وربما حتمية أو أنها لن ترتفع بحال في المدى المنظور، وما يترتب على ذلك من التقليل من الإمكانات والقدرات في التعامل الفاعل. والوهن دائماً يختار الضعف حالةً مستمرةً، فإنه غالباً ما ينخرط في كنف الأقوى وتصبح حالة التبعية والإعالة من الأمور التي تتبادر إلى عناصر تفكيره وذلك في صياغة الموقف نحو العولمة، وبينما يتم ذلك في هذا السياق فإنه في المقابل تُحكم الحلقة الافتعالية، في ضوء تصور حالة العولمة في إطار >حتمية< و>جبرية< لا دافع لها، فالكونية هنا قدر مقدور، وهي عملاقة.. وعلينا ألَّا نحاول الاستدراك عليها أو التحفظ، ولكن الأفضل السير في ركابها. إن من لم يلحق بها أي نوع من اللحاق سيقع بالضرورة تحت عجلاتها، ومن ثم فإن هذا التصور الضيق لإمكانات الحركة لا يحرك عناصر إبداعات في التعامل مع العولمة، إنها قبول مطلق ومذعن كأحد أهم الاختيارات وربما الاختيار الوحيد.
6ـ الموقف الوجداني النابع من مناهج التفكير العنتري، وهي مواقف خارجة عن حد الرشد، وهي مواقف لا تبحث في عناصر التعامل الواقعي القادر المستند إلى الإمكانات، والعدة والفاعليات، وقبل كل ذلك ضمن هذه المعادلة التي تشير إلى الإرادة، فالإرادة دون عدة تهوّر، لأن العدة تشكل عناصر البنية الأساسية لمعاني الإرادة السياسية، والعدة دون إرادة ورؤية إفلاسٌ وفراغ، وهدر للإمكانية؛ ذلك أن علاقة الإدراك الاستراتيجي والفعل الحضاري لا يمكن إلا بمعنى الإرادة، والإرادة: إدراك، وعزم، ونية، وفعل، وقدرة. معادلات غاية في الأهمية، عليها أن تنطلق من فهم الواقع والوعي بعناصره مقدمةً لحركة السعي الواعية الفاعلة الرافعة الدافعة. إن ذلك ليس إلا ترجمة لمقولة ابن القيم الذهبية: >إن علينا أن نعطي الواجب حقه من الواقع، والواقع حقه من الواجب<.
7ـ الموقف الوجداني النابع من عناصر الإحكام الأيديولوجي: >التفكير ذو البعد الواحد أو يكاد<. الأيديولوجيا بما لها من سطوة تحرك عناصر وصف ورصد الواقع بما يتواءم أو يتلاءم مع مقولاتها الأساسية والمفتاحية. وهذا في إطار أفكار كبرى كالعولمة تمثل عناصر حاجبة، وغالباً ما يقتصر هذا التفكير على عناصر التفكير الجزئي، أو التفكير القاصر، أو التفكير الذي يمد الجزء على الكل، أو التفكير التفسيخي الذي يحرك عناصر إمكانية الفصل التعسفي للجزء عن الكل (فسخه)، وكل ذلك قد يحرك عناصر التفكير الواحدي أو يكاد، أو على الأقل يجعل لذلك العامل الوزن الأكبر (المتغير الأصيل) ولا تُرى المتغيرات التابعة والمتغيرات الأخرى إلا ضمنه ومن خلال منظوره ورؤيته. يمكن أن نشاهد ذلك ضمن سياقات التفسير الاقتصادي لظاهرة العولمة سواء في توجهاتها الليبرالية القائمة على الخصخصة بوصفها فكرةً عالميةً تؤكد عناصر حرية السوق والتجارة بوصفها خطًّا لا منافس له وأنها تهيئ عناصر بنية تحتية لكل عناصر الممارسة السياسية المرغوبة (الديموقراطية - حقوق الإنسان - تحرير الاقتصاد) أو مواجهة هذه المقولة التي تحمل عناصر التحليل المادي الاقتصادية بمقولة أخرى من نفس المعين ولكنها تختلف في التفسير في إطار نقدها وتحفظها على فكرة العولمة، وهي تتخذ من مقولة النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي كمنطلق لتحليلها وفق مقولات تحليل ماركسي تعبر عن عالمية السوق الرأسمالي وما يتبع ذلك من عناصر مهمة، ومتابعة هذا التحليل سواء في المدرسة الماركسية التقليدية أو مدرسة التبعية تتحركان ضمن هذا المسار. وهذان الاتجاهان على اتحادهما في القاعدة المتعلقة بالتفسير المادي الاقتصادي، إلا أنهما يختلفان في المقولات وبنائها، ومحاولة إيجاد عناصر تحليل وتفسير محكم يرتبط بالضرورة بعناصر تعميمات وتقويمات بل وتنبؤات على شاكلتها.
إلا أن الأمر لا يقتصر على هذا التحليل الواحدي في مجال >الاقتصاد<، ولكن في الآونة الأخيرة برز تفكير يؤصل معاني العولمة ضمن مسار أوحد أو وحيد أو على الأقل (العامل الأول) الذي يشكل قاطرة لما عداه من عوامل وهو المتعلق بمنحى >التفسير الاتصالي< للعولمة، والمتحرك صوب المعلوماتية. وهو تفسير يلقى الآن من الحجية ما يجعله ينافس التفسير المادي الاقتصادي، إلا أنه مع تأصل هذا التفسير الذي بدأ يبرز مع الحديث عن العولمة كعملية as a Process فإنه لا ينكر بحال من الأحوال التفسير المادي الاقتصادي في منحاه الليبرالي الرأسمالي، وفي منحاه الماركسي الاقتصادي، بل كل منهما يحاول أن يجد له مكاناً في تفسيره، أو على الأقل فإنه لا ينكره من حيث الواقع في إطار بلوغ الحداثة إلى دائرة المعلوماتية وهي محاولة للبحث في أصول التقنية ومولداتها التي تحرك سوق المعلومات نحو انسياب وانفتاح وحرية حركة عالمية. إلا أن هذا المنحى من التفسير بدأت تلتقطه جماعة من الباحثين الإعلاميين في محاولة للبحث عن عمليات على الأرض لا تحرك عناصر التفكير الأيديولوجي (الليبرالية - الماركسية) إلا أنها على الرغم مما تجد من قبول فإن التفسير الأيديولوجي لم يعد بعيداً عن مجالها أو مقولاتها، مما أضفى عليها عند البعض طابعاً أيديولوجياً تتدخل فيه عالم الأيديولوجيات المستحدثة في إطار التبشير بعالم المعلومات العالمي والمعلوماتية كمذهبية وأيديولوجية تنتمي إلى عالم الأيديولوجيات >Isms<.
8ـ هذا موقف وجداني يهمل عالم الوجدان وما له من تأثير في فاعليات الإدراك والمواقف، وهو موقف يتحرك استناداً إلى دعوى الاحتكام إلى الواقع ورصد عناصره الفعلية، والبحث في عناصر السببية الصلبة، واتخاذ مواقف الموضوعية الصارمة، والمهنية النقية، والعقلية الباردة، والعلم الحاد، والرشادة المطلقة ومن هنا فإنه يدرس العولمة بوصفها ظاهرة عالمية عامة يجب ألا نبحث عن معانيها أو مقاصدها، ولكن يجب البحث عن واقعها، وهي رؤية تنحِّي تماماً عناصر الذاتية في الموضوع، وتتحرك صوب الحياد العلمي الأكيد، والصفحة البيضاء، والوضعية العلمية والبحثية، وهو موقف أساسي يتخذه البعض في إطار تبعيتهم الفكرية والعلمية للبحث في الأجندة العالمية، وأصول التعامل المهني معها، وهو موقف يدَّعي الوقوف عند حد الرصد بحيث لا يترجم إلى >موقف< أو حكم. فكل حكم لديه هو >حكم قيمة< الواجب الرفض والواجب الإهمال، وإن الحكم الوحيد الجدير بالاهتمام هو حكم >الوجود< لا حكم القيمة. ومن هنا يبدو لنا أن ذلك الموقف من العولمة يقف عند حد وصف مظاهرها، والحديث عن آلياتها، ووصف مجالاتها، ولكنه غير معنيّ بالمرة بغير ذلك، وهو في هذا المقام يهمل ربط العلم بأهداف المجتمع ومقاصده، ومصالحه وإمكانياته، إن هذا الآن لا يعنيه، وإن ما هو قوي في الواقع هو الذي يستأهل البحث في رصده والتحدث عن عناصره، والبحث عما هو ضعيف وبما يمثله هو من جزء هو ليس من العلم أو الموضوعية في شيء، بل هو تغليب لعناصر الذاتية المنافية لأصول التجرد البحثي والعلمي، والصراحة المنهجية.
9ـ وفي إطار التعامل الوجداني المقترن بإشباع الذات في مجال >إبراء الذمة< قد يتواصل الأمر مع وهم الفاعلية. وهو أمر اقترن بأصوات بدت تبرز داخل إطار الأدبيات الغربية (نقد العولمة فلسفياً وأيديولوجياً) ومقاومة العولمة على الأرض (مظاهرات دافوس وسياتل).. وبدا بعض الخطاب يعلق على ذلك بأقوال شديدة الوهن تخفي الإذعان والاستسلام لمقولات وعمليات العولمة على الأرض بالقول بأن دول العالم الثالث قد أعلنت عن رأيها في هذا المقام، وأن على الدول الكبرى ذات المصالح في تكريس العولمة أن تأخذ هَبَّة دول العالم النامي في الاعتبار، ضمن سياسات >ركوب الموجة< وسياسات هؤلاء الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا(8).
10ـ وربما يقتضي بعض هذه المواقف الوجدانية، وفي إطار حال التبعية والتقليد ضمن السياق الأكاديمي العام الذي شكل أحد مظاهر العولمة، أن نحاول أكثر من سياق:
أ- الأول عدم دراسة عوالمنا استقلالاً أو ابتداء، بل علينا فقط أن نفكر في سياق موضع قدمنا من ذلك العالم الذي اكتمل بناؤه وتمت بنياته، أين نحن؟ وذلك ضمن سياقات متنوعة، وغالباً ما تأتي الإجابات الواقعية معززة لأصول >الانخراط< أو >اللحاق< أو محاولة إيجاد موضع قدم في إطار التسكين ضمن إطارات نظرية علمية وأكاديمية ضمن الحالة الغربية التي اتخذت مع الرواج والشيوع الحالة العامة العالمية، فبدا كل نظر منسوباً إليها على الأقل، أو مع إراحة الذهن منتسباً لها.
ب- الثاني التعويل على عناصر البناء الجاهز، في إطار العقلية الناقلة بما تفرزه من حالة وجدانية تتراوح بين الكسل، والشعور بالعجز، وتغلغل مشاعر عدم الثقة، ومن ثم النقل لديه هو سيد الأدلة يملك حجية في الشيوع والانتشار، في الذيوع والغلبة، في القوة على أرض الواقع، وفي نطاق >الأكاديميا< علينا أن ننقل الغرب بكل حذافيره، حتى نكون مثله أو في بعض الأحيان نصبح ملكيين أكثر من الملك، مهملاً في ذلك عناصر الفاعلية وسننها، وذلك في إطار عدم تميز أو إغفال حاد للتفرقة بين استهلاك العلم وإنتاجه. واستهلاك الحضارة ومنتوجاتها، وإنتاجها روحاً ونظراً وفعلاً وتفعيلاً وفاعلية.
جـ- الثالث النظرة الاتهامية التي يبادر إليها مع كل حديث عن >الخصوصية< و>التمايز< و>الاختلاف< بأنها محاولة للقفز على الواقع، أو عدم الصلاحية، أو النظرة المثالة والخيالية، اليوتوبيا والمدن الفاضلة والتفكير من مناظيرها، عدم مراعاة الواقع، الشوفونية والعزلة، الدور في اللحاق والالتحاق بالركب، الهروب إلى التاريخ، الاستمساك بالماضي الذهبي، العودة إلى الخلف، السلفية الجامدة، الرجعية الفكرية والثقافية..؛ المريدون لغلق الأبواب والمفضلون للظلامية والعزلة والمحاربون للانفتاح والتواصل..، وفي ضمن هذا المساق يحاول من يقتنع به -مؤثراً الراحة الذهنية والفكرية- الالتحاق بما يفرضه الموقف الآخر أو الاختيار البديل من تكلفة عالية في البحث والوقت والجهد وعناصر الابتكارية في التناول والتحليل، وإيثار الراحة والسلامة من شيم النفوس، إلا أنها ليست مطلقاً أو غالباً ما تؤدي إلى الطريق الصواب الراشد في هذا المقام، والفعل في عالم الواقع.
د- استحكام عناصر حلقة الأجندة البحثية العالمية المغلقة، صاحب القوة والسلطة هو الذي يفرض عناصر أجندته البحثية والعلمية والعالمية. وهذا القول في ضوء صناعة العالم، هو من الأمور التي يجب ألا تُنكر، إلا أن التعامل معها يتراوح بين موقفين، الأول الدخول في هذه الأجندة والانخراط فيها، أما الموقف الثاني فهو محاولة التعرف على صناعة هذه الأجندة وأهدافها واتخاذها حالةً دراسيةً، ورصد الموضوعات والمفردات وعناصر الخطاب وأشكاله وآلياته وغير ذلك بما يضمن حالة دراسية وأساس لرؤية نقدية وتقويمية لهذه الاتجاهات. ونحن نرجح عناصر العلم بالأولى والوعي بها من جانب، ونرجح عناصر الموقف الثاني المهم، الجامع بين تشريح وترشيح صنع الأجندة البحثية، وعدم إهمال مواقعنا من هذه الأجندة لا البحث عن موضع قدم فيها ولكن البحث عن عناصر التأثير والفاعلية فيها، وإعادة بنائها وتسويتها والتعامل البحثي الجاد والفاعل معها. وربما هذا الموقف الثاني يفيد في صناعة الأجندة البحثية المتميزة التي تحرك مواقف علمية ومنهجية وبحثية واعدة، فهي على الأقل تأخذ أحد شكلين:
* الموقف الناقد للأجندة السائدة الغالبة الرائجة سواء على مستوى النقد المتكامل أو الجزئي لأحد عناصرها.
* الموقف البناء الإيجابي المحرك لعناصر وعينا بالآخر، والموقف من خلال الوعي بالذات، إلى أن نملك >صياغة أجندة< تتسم بالخصوصية.
معايير بناء الأجندة من خلال تبين عناصر الخريطة البحثية في الداخل والخارج هي من الأمور التي تستحق منا التأمل في ظل واقع العولمة الكاسح الذي يأخذ واحداً من أهم مظاهره ضمن السياقات الأكاديمية والإعلامية (معلومات مبصرة). ومن هنا فإن من الأهمية بمكان أن تتحرك ليس فقط إلى رصد اتجاهين مهمين إضافة إلى الاتجاه السائد الغالب والتعمق في التعرف على تفاصيلها، وهي:
الاتجاه الذي يحاول الدراسة المنهجية للموضوع في محاولة لوضع الإشكال ضمن حجمه البحثي والعلمي والمنهجي نافياً عناصر الافتعال فيه والهالات المحيطة به والعناصر الانفعالية والوجدانية والمحيطة به، والداعي إلى تناول عناصر الإغفال منه والتي طالته إما تحيزاً أو غفلة.
نموذج من الدراسات على هذا تتمثل في دراسة جيمس روزينا الكاتب المبرز والتقليدي في حقل العلاقات الدولية بما أشار إليه من أسئلة بحثية مهمة، ومناطق بحث يجب التحقق منها، في إطار بحوث تتراكم في هذا السياق هادفة إلى فهم جوهر هذه القضية وعناصرها. ولكن بما يحرك أصول تأسيس موقف واع وقادر على الصمود والبحث والعلمي والمنهجي، يملك حجية من بنائه البحثي المحكم، واسترشاده بقواعد المنهج والمعلوم منه بالضرورة، وأصول العمل في البحث في الظاهرة الاجتماعية والإنسانية.
أما الاتجاه الثاني فهو البحث عن الاتجاهات النقدية لواقع العولمة داخل أدبيات الفكر الغربي. هذه الاتجاهات البحثية على هامشيتها، وموقعها ضمن البنية المعرفية الغربية، تستحق الاهتمام البحثي الجاد وتركيز مجهر الاهتمام على رصدها تفصيلاً، والبحث في مفرداتها وبنية منظوماتها، والقدرة في الاستناد إليها من دون أن يعني ذلك الوقوف عند هذا الحد. ذلك أن هذا المسار في ذلك الاتجاه يتحرك فيه الخطاب ضمن عناصر بيئته وفعالياته، وفي هذه الحالة تحقق أصول التمكين لهذا الخطاب حول العولمة ضمن الجماعة البحثية المروجة لذلك المفهوم وما قد يجبرها أن تأخذ مقولات ذلك الاتجاه في الاعتبار، أي أن الخطاب نحو الداخل قد يملك فعالية أكبر في هذا المقام، كما يُوجد له مكاناً مهماً ومرموقاً ضمن توجهات النقاش حول العولمة والاتجاهات الممثلة لها.
أما العنصر الثاني فإنما يعني الخروج عن حد الاتهام بالعزلة عن الخطاب الأكاديمي في شكله العالمي، وإن اختلف في مناهجه وطرائق النظر والتناول والتعامل معه. وهو ما يعني تقديم خطاب متنوع ومتجدد يتواصل مع هذه الاتجاهات الهامشية النقدية الغربية، بل ويضيف إليها إضافات مهمة ضمن النقاش حول هذه القضايا المتعلقة بظاهرة العولمة.
إلا أن الممارسة البحثية ضمن هذين الاتجاهين وضمن ما يحققانه من عنصرين في التأثير ضمن الجماعة البحثية في الداخل والخارج ربما تفرض آليات مهمة للتأثير والحجية أهمها الممارسة البحثية الجادة، وعدم الخروج عن جادة المنهج إلى دائرة الانفعال أو الافتعال. فضلاً عن ذلك فإن بناء أطر بحثية ونظرية متجددة تتوافق مع الظواهر موضع البحث هي من الأمور الجادة والجديدة على حد سواء. بل علينا هنا ألا نهمل عناصر الأجندة الداخلية، ولكن علينا دائماً ضمن هذه المساقات الإيجابية المتعددة (الناقدة والمتواصلة) أن نصوغ عناصر الأجندة تلك ضمن صياغات مهمة لدراسة العلاقات الدولية والمنظومة الدولية بكل التنوعات والعلاقات المتفاعلة داخلها.
إن رؤية الخارج عبر الداخل، إن صح الفصل والوصف، لا يزال في حاجة إلى تأسيس عناصر تعامل بحثي ومنهجي، وقواعد منهجية راقية ومنضبطة تحقق أصول الاكتمال البحثي وتحرك دراسات نحو عناصر الجدوى المنهجية والبحثية لدراسة الموضوعات واستكشافها، بما يحد عناصر أجندة تتحرك نحو فروض الوقت لا إهمالها بما يعني اعتبار الواقع لا تحكيمه.
وإن هذا الوعي المركب هو الذي يحقق حالة وجدانية وعقلية تتكامل فيها عناصر الاختصاص والهوية، وعناصر التفاعل والتعايش والتعارف ضمن منظومة دولية في إطار وسياق آخر.
إن هذه الأمور لا تزال في حاجة إلى تفصيل، وهذه بحاجة لدراسة مستقلة قادرة على الفعل والفاعلية والتشغيل والتمكين.
هذه الرؤية المركبة والمهمة يجب أن تسير في سياقات متوازية ومتفاعلة ومتساندة ومتداخلة، وهذه التصنيفات يجب ألا تكون تصنيفات حابسة في أشكال التعامل والتناول، بل علينا أن نجمع ما بينها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، أو اعتبارها مقدمات ضمن عملية تراكمية بحثية تتعرف على عناصر السلسلة البحثية، وتتغيا اكتمال السلسلة لاكتمال عناصر الفهم والوعي والسعي جميعاً.
بل إن هذه الرؤية حينما تقدم هذه الأصول وهذه المستويات التي تتعرف على إمكانات التأصيل والتنظير والممارسات البحثية المتاحة إنما تقدمها لـ>كشف المستور< أو التعامل مع >المسكوت عنه< من عناصر وقضايا تتعلق بالأجندة البحثية، والبحث في عناصر >الأجندة الممنوعة<، و>الأجندة المصنوعة<، و>الأجندة المفروضة<، و>الأجندة المحكومة< و>الأجندة المحجوبة< بفعل هالات الافتعال والانفعال وكشفها من الأمور الغاية في الأهمية، وإغفالها هو الذي يولّد الأجندة المخذولة.
ومن أهم المظاهر التي يتخذها طرفا الجماعة البحثية في المجتمع الأكاديمي الداخلي أو الإقليمي أو العربي أو الإسلامي من جانب، وطرف الجماعة البحثية في المجتمع الأكاديمي الخارجي بما يمثله من إنتاج متنوع من جانب ثان، أن الحالة البحثية ربما تشير إلى حالة الإغفال الذي يعد قرينة على الإغفال من الغفلة، والإغفال من الحجب والحبس. وربما ضمن هذا المساق لا تؤخذ التوجهات النقدية داخل الفكر الغربي ومدارسه المختلفة مساحة من البحث والمعرفة والوعي. وبما تتيحه من إمكانات توظيف ضمن الخطاب الأكاديمي الفاعل والمؤثر. وهو أمر لابد أن ينعكس في اهتمام متزايد بهذه التوجهات والبحث فيها وعنها، وإمكانات تفعيلها ضمن عناصر البنية المعرفية التي تتعلق بتوجهات الخطاب ضمن الجماعة العلمية في الداخل، وربما في الخارج على حد سواء.
11ـ وربما هذه النقطة السابقة تشير إلى بعض ما نقصده ضمن الحالة الوجدانية التي تتوافر ضمن عناصر وتقاليد مهمة تحكم -بحق- حلقة العولمة في سياق التعامل مع المعلومات، ربما تتضمنه المقولة الشهيرة: >المعرفة سلطة< بوصفها مقولة مهمة نشأت ضمن تطورات معرفية داخل الأدبيات الغربية، ومقولة أخرى ذاعت ولكن ضمن إطار المعرفة الإسلامية: >المعاصرة حجاب<، وبين هذا وذاك يجب أن نحدد عناصر منهج النظر والتعامل والتناول لفكرة العولمة التي تقع بين هذا وذلك، وفي إطار تفعيل هاتين المقولتين بوصفهما مقولتين منهجيتين جديرتين بالتفعيل والتشغيل.
وهناك معادلات تتعلق بانسياب المعلومات، وحركتها، وحبس المعلومات واحتكارها من ناحية أخرى، والإغفال النابع من غفلة أو تعمد، والتحيز في تحريك المعلومات وتوظيفها وعناصر المبالغة والتهوين والتهويل في صياغة المعلومة أو في توظيفها أو في تأثيراتها، وما بين المقولتين السابقتين تقع عناصر مهمة تشير إلى إشكالات أهم يجب التأمل فيها الدراسة العولمة خاصة في جانبها المعلوماتي، والذي يشكل حالة بحثية وأكاديمية وغالباً معلوماتية جديرة بالتأمل والبحث المتأني.
الأولى: تشير إلى أن تدفق المعلومات يأتي غالباً من مصادر خارجية وغريبة عن الداخل. ولا شك أن حالة >الفيضان المعلوماتي< عناصر سلطة في المعلومة وتأثيرها في البنية البحثية والمعرفية والأجندة، بل والمناطق التي توجه إليها بالدراسة تتحدد وفق هذه العناصر، كما أن حالة >الإغراق المعلوماتي< عناصر حجب من المهم أن نتأملها، كيف أن الإغراق في إطار المتوافر والجاهز يغري الباحث بأن يتأمل فيما هو موجود في سوق المعلومات، لا ما حجب أو أغفل أو المستور أو المكبوت أو المسكوت عنه، أو المنتثر، أو الهامشي، أو.. إلخ وغير ذلك كثير. فغالباً في سوق المعلومات ما يقصد الباحث أن يتعامل مع موضوع بعينه، ولكن قد لا يجد ما يسنده فيه، فيبحث عن غيره، وهذه العملية تحرك عناصر صرف الباحث عن مقصوده الأصلي، إلى مقصود آخر لم يكن مقصوداً له، الجدير بالتأمل من هذه العملية في ظل العولمة >عمليات الإحلال الفعلي والذهني واحتلال العقل بما هو متاح لا بما يجب هو أن ينتفع به<.
الثانية: تشير في المقابل إلى >الاحتكار المعلوماتي<، وتقاليد >حبس المعلومة< في السياق المعرفي والأكاديمي، وهي حالة غالباً ما تكون تابعة لعناصر تصور المجتمع وانسياب المعلومة فيه، والسلطة (صنعة) لابد أن تحتفظ بعناصر (سرها)، (سر الصنعة) من الأمور المهمة المتعلقة بمعاني السلطة وممارستها التي تحركت ضمن مناخ الاستبداد، الاستبداد لا يعرف عناصر شيوع المعلومة أو دورانها، إنه مجتمع يتعرف على أن >المعلومة سلطة< بالمعنى السلبي الذي يحرك عناصر التحكم والسيطرة. ومن ثم احتكار المعلومة جزء من السلطة وإمكانات تركيزها وتحقيق عناصر تغلغلها، بينما يقع في المقابل >المعاصرة حجاب< من ناحية السلطة التي ترى في المعلومات المتعلقة بكياناتها وسياساتها معلومات محظورة، كيف يمكن أن تجعل السلطة من المعلومات التي تشكك في عناصر قوتها وحجيتها، بل وشرعيتها، متاحة لكل من هبَّ ودبَّ كما ترى السلطة ذلك، وفي ظل تقاليد حبس المعلومة التي تعدُّ حبسها مدخلاً من مداخل استقرارها، وذلك في إطار يتعامل مع مقولة مولدة أيضاً وهي >الحبس سلطة<، >والجهل سلطة<. هذه عناصر مهمة جديرة بالتأمل.
وفي إطار هذا وذاك تبدو لنا المفارقة أن الفيضان العالمي الخارجي في حقل المعلومات يجد في المقابل ربما تكريس عناصر الاحتكار والحبس المعلوماتي على المستوى الداخلي، أو على الأقل بما لا يتناسب مع حركة انسياب المعلومات ضمن السوق العالمية. وذلك يمكن أن يحدث حالة معرفية وبحثية وأكاديمية مهمة في سياق فكرة العولمة في هذا المقام، وأهم تجلياتها ما يلي:
الأول: ازدياد عناصر الفجوة المعلوماتية بكل مظاهرها سواء في إطار المقارنة بين محيطات المعلومات الخارجية، وبين قطرات المعلومات الداخلية، معلومات الخارج أكبر بكثير من معلومات الداخل، معلومات الخارج عن الداخل أكبر من معلومات الداخل عن نفسه، الاعتماد بالواسطة على مصادر معلومات خارجية عن الظواهر الداخلية ـ تشكيل أجندة الداخل، تشكيل الرؤية والموقف من خلال حجم المعلومات المباح والمتاح، عناصر اهتمام الخارج بالداخل يفرض أجندة بحثية معينة، بينما في المقابل عناصر اهتمام الداخل بالخارج تفرض أجندة متمايزة وربما مختلفة. عناصر معرفة الداخل من خلال الخارج. تكوين عادات بحثية في سياق المعلومات ومصادر توافرها (عناصر الاعتماد الخارجي على سوق المعلومات الدولي)، صناعة الأجندة في إطار المعلومات سلطة، حجب المعلومات، عناصر كثيرة لها من التأثير لو تفحصناها في ضوء فكرة العولمة.
الثاني: اعتماد مقاييس العولمة في التعرف على الداخل، وهذه ضمن عناصر سوق المعلومات المتاح، فإن بروز تقارير اتخذت صفة العالمية، بما لها من اهتمامات عالمية من منظورها، وبما لها من نظرة للظاهرة موضع التقدير؛ يوضح كيف يمكن توظيف المعلومات وتحريكها وتسكينها وتفعيلها ولكن وفقاً لأسس مسكوت عنها لكنها كامنة يمكن الكشف عنها. مقاييس التنمية في تقارير التنمية التي تصدر عن المؤسسات الدولية والمالية أحد المؤشرات الواضحة والقرائن الدالة في هذا المقام. وهو ما يفرض رؤية في النظر والتصور بشكل غير مباشر للظواهر المختلفة المتعلقة بدول العالم الثالث على الأقل. وفي هذا المقام قد تعاني هذه المقاييس من قلة الكفاءة، أو تدني درجة كفاءتها في تفسير هذه الظواهر إلا أنها رغم ذلك تظل المعتمدة في هذا المقام، ناهيك عن أن هذه المقاييس قد تستبعد، بل إنها قد تستبعد باليقين الرؤى الأقرب المتميزة للظواهر موضع البحث ومناهج النظر المختلفة والمتنوعة حيالها. إننا قد نكون أمام الحزام المعلوماتي الداخلي لصناعة الرؤية للظواهر من خلال حجم المعلومات المتاحة.
الثالث: المعاصرة حجاب، والعولمة أكثر حجباً، يقولون: إن المعاصرة حجاب بمقدار ما تؤثر الظاهرة الثائرة على مناهج التفكير فيها وبها، وبمقدار ما تمثل المعاصرة كشفاً للظاهرة فإنها تلعب الدور الحاجب بالنسبة لها، ومن هنا فإن للتحليل التاريخي ميزة، وكذلك للتحليل المعاصر ميزة، إلا أن ميزة هذا تعدُّ عيباً في الآخر والعكس صحيح.
وحينما تكمل هذه المقولة بأن العولمة إلى جانب المعاصرة تحكم حلقات الحجاب وتجعل دراسة الظواهر أكثر غموضاً، وأكثر انحجاباً، حتى لا تفضي بأسرارها ولا يهتك سترها إلا بصعوبة شديدة بسبب الركام حولها. فإننا لا نبالغ في هذا المقام إذا قلنا: إن الحالة الحاجبة تتكرس في إطار الفيضان المعلوماتي المفرق، والحجب المعلوماتي المفرط. فكلاهما حاجب بهذا الوصف.
الرابع: يبلغ الفيضان المعلوماتي والإغراق حداً يصعب معه فرز المعومات وبيان مدى أهميتها من خلال الاهتمام بها (زواية الاهتمام ـ مجهر الاهتمام). وواقع الأمر أن هذا الاختلاط المعلوماتي، والفيضان، واشتمال المعلومة على الحجة ونقيضها، وتلوين المعلومة وسياقاتها، وتهوين المعلومة والتهويل منها، وتهميش معلومات بعينها، وعدم التوازن المعلوماتي وعناصر حبس المعلومة في الداخل، إنما يكرس حالة من حالات الفتنة المعلوماتية وفقاً لما يخلفه ذلك الأمر من عناصر وجدانية متفاعلة:
الإعجاب والانبهار بالمعلومات المتاحة، وحجم هذه المعلومات واليأس والإحباط من توفير المعلومات على النطاق الداخلي، وصول المعلومة الداخلية عبر مؤسسات الخارج مما يساعد على تكريس انقطاع العلاقة بين مصدر المعلومة الداخلي والباحث وما يتركه ذلك من آثار، اضطراب المعلومات الداخلية كأمر مقصود، اضطراب المعلومات باضطراب مصادرها، التناحر المعلوماتي بين الفرقاء، اختلاف المعلومات.. وعناصر كثيرة في هذا المقام تخلق حالة معلوماتية تذر الحليم في حيرة، وضمن هذا السياق يكون الجاهز هو المقدم ويملك حجمية إضافية.
الخامس: التطفيف المعلوماتي وصناعة الرؤية، وضمن هذا المساق سنرى أن موضوعات بعينها قد تختفي من أجندة الاهتمامات، فتقل معلوماتها أو تندر، وينعدم التوازن المعلوماتي بصدد موضوعات، وكل ذلك يسهم بصورة أو بأخرى بوعي أو من غير وعي في صناعة وبناء الصورة، وهي من الأمور الواجب التنبه إليها.
السادس: حالة التسميم المعلوماتي وأولويات الأجندة البحثية، وعملية التسميم هي محاولة لتبديل الوظائف من الأساسي للثانوي، ومن الضروري إلى الحاجي إلى التحسيني، وهي محاولة لقلب الميزان أو اختلاله. اختلاط الأولويات وربط ذلك بحجم التوفر للمعلومات أو ندرتها عملية جديرة بالتأمل والبحث.
السابع: اختلاط الجماعة العلمية والإعلامية في تناول الظاهرة السياسية يخلق حالة من الاختلاط المعلوماتي، وربما يجبر الأكاديمي ضمن الجماعة العلمية لأن يكون تبعاً له في مصدر المعلومات وهي من الأمور التي تستحق المتابعة، ولابد من متابعة تأثيرها على المعلومات واستقائها وإمكاناتها في بناء الرؤية والتعميمات والتقويمات.
الثامن: المعلومات ومدى توافرها وفجوتها قد تخلق حالة من الاتصال والانفصال في آن واحد بين الباحث ومصادر معلوماته، وبين المعلومات والاهتمامات، وبين المعلومات وطرائق المعالجة، كل ذلك في إطار ظاهرة العولمة جدير بالاهتمام والبحث والتأصيل. كيف يحدث الاتصال بمصادر المعلومة الخارجية؟ وكيف يتحقق الانفصال عن مصدر المعلومة الداخلي؟، كيف تنساب المعومات وتنحبس؟ أمور كلها، تخلق علاقة اعتمادية واتصالية بالعالم، وتكرس علاقة انفصالية. عناصر الشبكة المعلوماتية في ظل العولمة صارت عالمية، أما الشبكة الداخلية للمعلومات فهي إما محتكرة أو محبوسة أو مكبوتة أو محفوظة أو مبددة أو ملونة ومحرفة أو متناثرة.. أو ممزقة أو مترهلة، أو تابعة وهي حالات تكرس الاتصال الخارجي، وعناصر الانقطاع والانفصال الداخلي، ينطبق هذا على حجم المعلومات المتوافر عن العلاقات العربية العربية أو العربية الإسلامية، وإمكانات الوصول إليها سواء صعوبة أو استحالة الحصول عليها من الداخل ويسر الحصول عليها من الخارج من الكتابات الغربية حول تلك الظواهر والموضوعات.
التاسع: قابلية المعلومات للاستطراق بين الداخل والخارج، وهذه من التجليات المهمة، فإن قابلية المعلومات للاستطراق من الداخل إلى الخارج عالية جداً، ومن الخارج إلى الداخل أعلى بل طاغية، بينما تظل إمكانات وقابليات هذه المعلومات للاستطراق منعدمة كما أنها غير قابلة للامتزاج بشكل ملفت للنظر بما يكرس عناصر الاعتمادية، إن المعلومات الخارجية (مجتمع المعلومات العالمي) قليلة الكثافة ومن ثم دائماً هي الطاغية، وهي في متناول الاستخدام والاستعمال، بينما المعلومات الداخلية شديدة الكثافة تهبط إلى أدنى مستوى وتُغطى بغيرها من الخارج.. عمليات تشير إلى عناصر الاتصال والانفصال في المجتمع المعلوماتي في عصر العولمة.
العاشر: عشوائية الظواهر، حجب لتحليل الظاهرة إضافة لحجب المعلومة، جملة الظواهر المختلفة التي تتعلق بالداخلي هي حالة عشوائية، وفوضى، وهي تستدعي كمًّا هائلاً من المعلومات المتداخلة، وحقل المعلومات الداخلية قد تشوبه عناصر الفوضى والعشوائية وتتحرك كل هذه الأمور صوب حجب التعامل مع الظواهر تفسيراً وتحليلاً وتقويماً وتعميماً، يسهم في ذلك استقاء المعلومات الحاضرة، والأبنية المنهجية الجاهزة وغير ذلك مما يسهم في بيان الظاهرة أكثر من حجمها.
غاية الأمر في هذا المقام ضمن عصر العولمة والبنية المعلوماتية التي تشكل أحد أعمدته الرئيسة وأهم عناصر بنيته التحتية، وفي إطار المقارنة بين حقل المعلومات الداخلي والخارجي فإن الأمر في حاجة لتأسيس عناصر >فقه المعلومات< بما يعني التعامل معه تعاملاً واعياً اصطفاءً وانتقاءً وتوظيفاً وتأثيراً، ودون هذا الفقه فإن كل العناصر السابقة ستظهر آثارها السلبية على الحقول المعرفية والبحثية والدراسية المختلفة، فضلاً عن الأجندة البحثية والقدرة على إعادة بنائها أو تشكيلها أو على الأقل إعادة النظر فيها ضمن أشكال تناول متنوعة ومبتكرة، نقدية وبنائية.
هذا الفقه يفرض عناصر مهمة تدخل في المعادلة (المعرفة والمعلومة قوة، المعاصرة حجاب، حبس المعلومة واحتكارها، الفيضان المعلوماتي، عشوائية الظواهر، طبيعة الظاهرة السياسية الداخلية والدولية.. الخ) عناصر معادلات مهمة تفرض علينا دراستها ضمن مواقف واعية من العولمة وآثارها على البنية المعلوماتية والمعرفية والبنية المفاهيمية والمنهجية، وجملة الحالة الأكاديمية والبحثية.
إن في إطار هذه الحالات الوجدانية التي تتولد وتوّلد مواقف معرفية متعددة يمكن رصد عناصر الموقف الوجداني النابع من عدم القابلية للفعل والفاعلية، ذلك أن تمكن تصور كهذا، يجعل الموقف من العولمة موقفاً قابلاً محايداً، لا فاعلاً أو مقوماً، ويستند هذا الموقف إلى التصورات التي تبرز مع كل أزمة، فتتراكم ضمن ما أسميناه >عقلية الوهن<(9)، إلا أن الأمر قد لا يرتبط بذلك فحسب ولكنه ينبع من تصور يقوم على مقترب الشخصية القومية، بوصفه مقترباً تفسيرياً يكرس كل الصفات السلبية على أنها جملة من سمات الشخصية الجماعية الأبدية، ولاشك أن هذا الموقف الوجداني يتحرك صوب القابلية المطلقة للعولمة بحلوها ومرها، بأطرها السلبية أو الإيجابية، فهي في موقف القابلية المطلقة. وهو يتساند مع تواتر إهدار القدرات، وتكرار إهدار الفرص لا استثمارها بحيث لا يتصور أن هذه الأمة قادرة على التمييز فضلاً عن التصرف حيال الضرر ودفعه، أو تعيين المصالح وجلبها. حتى قد يعدُّها البعض أنها >جلب الضرر<.
12ـ وضمن هذه السياقات المتفاوتة لرصد المواقف في إطار ما تولده من حالات وجدانية يأتي ما يسميه نعوم تشومسكي >هندسة القبول< أو >صناعة الموافقة<، وهي من الأمور التي أشار إليها ضمن عمليات الترويج (الإعلامية، والسياسية، والإعلانية، والعلاقات، وصناعة الصورة..الخ) وهي عمليات تحدث حالة من الموافقة الإذعانية في صورة قبول، إنها تشير إلى حالات الإكراه المعنوي التي تُعدُّ أكثر تخفيًّا وأقل بروزاً وظهوراً بحيث يمكن رصدها بيسر وسهولة، هذه الحالة تعبر عن موقف كثير من الأطراف الداخلة ضمن >العقد الدولي للعولمة< بكل تجلياته وتنوعاته، وذلك ضمن إطار أصبح يجعل من التحدي مخاطرة كبرى، ومغامرة غير محسوبة، بل إنها عمليات غير مرغوب فيها بالمرة في ظل تشابك العلاقات والمصالح، وضمن متوالية إذعان شديدة الإحكام تستقي مشروعيتها من عناصر التبعية من جهة، وإمكانات السيطرة والهيمنة من جهة أخرى، وصكوك غفران صاعدة، وشهادات تبييض الوجه وإبراء الساحة. كل ذلك يضمن تكريس الإذعان.
13ـ وضمن هذه السياقات الوجدانية المتعددة يأتي واحد من أهم المواقف التي تستثمر فيها عناصر الموقف المختل بفعل التأثير الوجداني المعتل، إنه موقف يستثمر تلك الحالة الوجدانية العامة والتي تنتج حالة من حالات عدم الوعي، وعدم الفاعلية على حد سواء، فهي جميعاً تتكاتف وتتساند بحيث تمنع من الموقف الصواب المرتكز إلى الوعي، والمترتب عليه الفاعلية والسعي.
هذا الموقف يمكن تلخيصه في استخدام كل عناصر التبشير، في إطار الحديث عن العولمة بوصفها خيراً عميماً ستؤتي آثارها الإيجابية على كل المعمورة، وأن عدم اللحاق بها نوع من الخبل أو الجنون، والتحفظ عليها غير مفيد، وأن واقعها أوضح مما يمكن إنكاره أو مواجهته أو البحث في سلبياته، ومن هنا فإن الموقف التابع لهذه الحالة الوجدانية يتحرك ضمن تجاوز مسألة القبول والفرز، ومحاولة الانتقال إلى مرحلة ما بعد القبول، وذلك ضمن صياغات شديدة العموم والتعميم من مثل ضرورات التعايش الخلاق مع >العولمة< أو >الكونية< فنحن أمام ثورة كونية. وغالباً ما يحاول هذا التوجه أن يضفي على موقفه ذلك غلافاً معرفياً وتغليفاً منهجياً يتحرك صوب فكرة إنهيار البراديمات، ويجعل من العولمة أحد صور هذه النماذج الزاحفة التي سيكتب لها الاستقرار معرفياً وواقعياً ضمن مساقات مختلفة.
ورغم أن هذا الموقف لا يخلو من بعض عناصر الصحة، إلا أن التحفظ حياله يأتي في توظيفه لعناصر الصحة تلك، ورغم أن بعض عناصره تتسم بالصحة والصدق لتعبر عن جزء من (الصدقية) وتمام الكلمة والموقف، إلا أنها مع توظيفها تفتقد عنصر (العدل) في تمامها، من حيث إنه ينتقل من بعض عناصر الصدق إلى عناصر العدل، على تمايزهما، وذلك لاعتبارات التوظيف ومقاصده وغاياته، وهذا الأمر قد وجد تراثاً مهماً ضمن الذاكرة التراثية دلت عليه الكلمة الشهيرة التي أطلقها الإمام عليّ بن أبي طالب: >هذه قولة حق يراد بها باطل< فالقول الحق لا يراد به دائماً الحق. ولكن قد يبدل مقصوده، مستثمراً عناصر الصدق والأحقية فيه لبلوغ المقصود وإن لم يتوافق مع قيمة الكلمة والموقف. ومحاولة رؤية هذا الموقف وتفكيك خطابه من الأهمية بمكان لأنه يستثمر كل آليات التبشير المتعلقة بـ(الانفعال، والافتعال، والإغفال)، بل وخلط صدق المحتوى بانحراف المقصد، وكل ذلك ضمن آليات شديدة التنوع، ومن أهمها ونحن بهذا الصدد استخدام كلمات أقرب إلى الشعارات التي يمكن حفظها من دون أن ترتب عناصر حركة ذات آليات ووسائل وذات عناصر محددة للتفعيل والتشغيل، وقد تكون تلك الكلمات بديلاً عن كلمات أخرى أكثر تعبيراً عن الموقف، والحال الذي نحن بصدده، ذلك أن كلمات مثل >التعايش الخلاق< قد لا تشير مع عدم تفصيلها سوى إلى البحث عن موضع قدم ضمن حركة وعملية العولمة، والقبول المطلق لها، وامتلاك بعض أدواتها، وفي كل الأحوال فإن هذا الموقف مستثمراً تلك الحالة الوجدانية العامة لا يحاول أن يقترب من جملة الأسئلة التي يجب المبادرة إلى التساؤل عنها، وأهمها:
1ـ ما هو ذلك التعايش؟
2ـ ماذا تعني صفة >الخلاق< فيه؟
3ـ ما هي شروط ذلك التعايش؟ والإمكانات التي ترتبط بتوافرها؟
4ـ ما هي الموانع والعقبات التي تحد من عناصر ذلك التعايش؟
5ـ هل التعايش ضمن بنية هيكلية تتضمن كثيراً من المعادلات الشائهة في أصول النظام الدولي، أمر ممكن، وكيف يكون خلاقاً في هذا المقام؟
6ـ هل يمكن تحويل ذلك >التعايش الخلاق< إلى آليات تحفظ أصول المصالح الكبرى، لا التحول إلى أن تكون تلك صورة من صور أدواتٍ للأقوى أو المتحكم في عناصر الفاصل في النظام الدولي؟
7ـ كيف يمكن التأثير في عملية العولمة والتعظيم من إيجابياتها على الكيان والتقليل من سلبياتها؟
8ـ هل تعتبر العولمة نموذجاً معرفياً؟ وكيف صارت كذلك؟ هل صارت إلى ما صارت إليه بفعل التفسير >الكوني< نسبة إلى >كون< في كتابة بنية الثورات العلمية، أم ما يمكن تسميته بصناعة البراديم وفق علاقات القوة الظاهرة والكامنة؟(10)
تساؤلات متنوعة ومتعددة يطول بنا المقام لو أردنا تعديدها بحيث تشكل منظومة مهمة من الأسئلة من الواجب إيضاحها حيث يجب الإيضاح، أو التفصيل في إجاباتها حيث يجب ذلك، والحديث عن تلك الأمور العامة بأكبر قدر من التفصيل والحديث عن الآليات والوسائل، ذلك أننا بصدد الحديث عن >عملية العولمة< والتي تتعامل مع واقع شديد التعقيد والتداخل والتشابك، وربما هذه التساؤلات تتيح لنا عناصر وصل كل هذه العناصر الراصدة للحالة البحثية والوجدانية على حد سواء من ضرورة الحديث عن نقطة تصل ما نحن فيه بمقدمة الحديث عن بروز العولمة وتكييفها، ودراسة مفصلة حول خطابها العربي والمسلم أمر جدير بالدراسة(11).
? المستوى الثاني: قراءة التشريح والترشيح
وصلاً بالنقاط السابقة التي أشرنا إليها في مفتتح تلك العناصر التي نوهنا بها والمتعلقة ببروز فكرة النهايات ثم إرهاصات فكرة المابعديات، وإضافات النظام العالمي الجديد ثم مفهوم العولمة الذي برز ضمن مرحلة انتقالية ليعبر عن العالمية، ثم المذهبية الأيديولوجية، ثم العملية، وما استطاع أن يحركه من حالة بحثية ودراسية وأكاديمية، وحالات وجدانية موازية تراوحت بين القبول المطلق، والرفض المطلق، بوصفهما اتجاهين حديين، وبين عناصر التبني والتجني، وتفكير لا يغادر هذه القسمة الحدية من دون وعي، وانطلاقاً من النظر البسيط والاختزالي والجزئي والتجزيئي، أي ببادي الرأي، لا يتفحص عناصر ما نحن فيه ويدرسة بعمق، وضمن أصول معرفية، وقواعد منهجية، وجدية بحثية، ولياقة وملائمة منهجية، فأنتجت تلك المواقف التي سبقت الإشارة إليها، كل منها استند إلى عناصر حالة وجدانية أثرت في عالم الأفكار في المواقف والأشخاص والأشياء والأحداث والرؤية لها على انفرادها وحال اجتماعها وتفاعلها في سياق منظومة متكاملة. في هذا المقام فإنه من المهم بداءة أن نتساءل: هل هذه أول مرة يبرز فيها المفهوم؟ ولماذا لم يملك الانتشار حينما أطلق إن أطلق في فترة زمنية قبل ذلك؟ هل في العولمة شيء زائد عن المفاهيم التي أطلقت؟ قبل ذلك وهل هي تتعلق بها؟ هل العولمة يمكن أن تحرك عناصر بحثية تمكننا في سياقاتها المختلفة وتجلياتها وبناء خريطتها وعناصرها من اتخاذ موقف واعٍ وناهض وفاعل بكل شروطه والوعي بها، وموانعه والقدرة على التعامل معها، والموقف المركب القادر على التعامل مع كل عناصر منظومة الفعل الحضاري وفق القوانين والسنن المرتبطة به والقادرة على تحليله وتفسيره وتقويمه؟
الأمر يحتاج منا إذن إلى الانطلاق إلى وصف الحالة البحثية ضمن تفعيل ما يمكن تسميته >بخريطة المفاهيم<، والبحث في مفهوم >العولمة< بوصفها حالة تطبيقية، بل وتجريبية في إطار تنسيق أكبر قدر من المعلومات المتاحة وتصنيفها بما يحرك عناصر فهم أدق وأعمق وأوضح وأكثر تنظيماً، وهو أمر يتحقق من خلال النظر إلى عالم المفاهيم ضمن علوم مختلفة تتقاطع وتتفاعل بحيث تعطي عناصر >المفهوم< المراد العمل به، القيمة المنهجية اللائقة بما يتناسب مع وظيفة ودور المفاهيم في العالم وصياغة نظرياته الكبرى.
خريطة بناء المفاهيم ومفتاح قراءاتها(12)
خريطة المفاهيم تتكون من مجموعة مهمة من المستويات لابد أن يتفحصها الباحث، حينما يكون المفهوم من ضمن المفاهيم التي تكون على مستوى العولمة.
وهذه مستويات عشرة توضح الإمكانات والمفاتيح لذاتها ضمن هذه المستويات على تداخلها، وهي قد تتشابه مع نوعيات الخرائط التي يقرأ كل منها مستوى مهماً في عالم المفاهيم. ومن هنا تكون هذه القراءات مع تداخلها وتمايزها عناصر مهمة.
1ـ المستوى المتعلق بوصف المفهوم وتحديد طبيعته، ومكانه من البنية المعرفية والواقعية والدور الذي يقوم به وعليه، بل والدور المحتمل، وهو ما يحدد عناصر تسكين المفهوم ضمن البنية المعرفية، والمفاهيمية، وقدراته في استدعاء مفاهيم أخرى، وقابلياته التجميعية.
2ـ المستوى المتعلق بالدواعي الأساسية التي تجعل من المفهوم حالة دراسية نموذجية الضرورات العلمية والأكاديمية والمنهجية من جانب، والقدرات العملية من أهم العناصر التي يجب التوجه إليها ونحن بصدد التعامل مع هذه المفاهيم.
3ـ المستوى المتعلق بالإمكانات المحيطة بعالم المفهوم على تعددها وتنوعها إنها إمكانات تتحول إلى وسائل، ووسائل تتحول إلى قدرات، وقدرات قابلة للتثمير والتفعيل والتشغيل والتأثير، وهي تشمل عناصر متكاملة، إذ ما رُئِيت في حجمها وفي مكانها وإمكانية تسكينها.
4ـ العمليات المتعلقة بالمفهوم وهي عمليات مهمة ترتبط بأي مفهوم إلا أنها لا تتم على نحو واحد، ولكنها تختلف، كما أنها لا تتعرض جملة لكل المفاهيم، وهي عمليات قد تشير إلى حقل المفاهيم الذاتية، والمفاهيم الوافدة، والمفاهيم الرحالة، والمفاهيم المنقولة..الخ.
5ـ المستويات والعناصر المختلفة في عالم المفاهيم من القضايا المهمة، دراسة المفاهيم الشاملة تشير على الباحث بذاتها إلى سعتها المتميزة، وإلى امتداد العناصر الدالة عليها في الواقع ورؤية العناصر البنيانية من جهة والمستويات الدالة من جهة أخرى مما يحرك بحثاً تشريحياً للمفهوم.
- اتجاهات بناء المفهوم (البناء الإجرائي - التعريف، اللغوي والمعجمي، غلبة عنصر على عناصر،..الخ).
6ـ الوسط والبيئة المحيطة بالمفهوم هي من الأمور التي تنظر لعالم المفاهيم ضمن بيئتها المعرفية والواقعة (علم اجتماع المعرفة) من الأمور الواجب البحث فيها وعنها.
- الأجندة والمفهوم.. المفهوم وفق تعريفه قد يفرض عناصر أجندة ويملك عناصر تصنيف وتوظيف.
7ـ العلاقات المتعلقة بالمفهوم في ذاته سواء أحاطت به من داخله أو من خارجه هي من الأمور المهمة، بما يشير إلى عائلة المفاهيم، والعلاقة بين مفاهيم متنافرة، أو مفاهيم ليست من جنسها، أو مفاهيم ترتبط ولكنها لا تنتمي، علاقات كثيرة تثير عناصر مهمة في التحليل.
8ـ الأزمات غالباً ما تتعلق بالعمليات، والخلل في العمليات يجلب أزمات، إلا أن العناصر الأخرى ذات تأثير أكبر في رصد هذه الأزمات وصورها، وعناصر الكشف عنها.
- شبكة المفاهيم واستدعاء غيرها، ومقاصد الاستدعاء.
9ـ الخطوة السلبية في عملية إعادة بناء المفهوم تتضمن إمكانات النقد ـ التفكيك، نقد عمليات التقويم على مستويات متعددة تحرك أصول بحث مهمة مقدمةً لإعادة البناء.
10ـ تلاقي أوجه القصور هو مدخل لإعادة البناء الذي يعبر عن استقلال عملية البناء بآليات إضافية في هذا المقام وهي خطوة مركبة تستفيد من كل العناصر السابقة في الشرح والتفسير والتحليل والتقويم وموضع المفهوم في البنية النظرية والمعرفية وإمكانات ما بعد البناء من تفعيل وتشغيل.
في هذا الإطار يمكن تجريب الخريطة المفاهيمية وتطبيقها على مفهوم العولمة (العمليات الأساسية ما قبل إعادة البناء).
?* أستاذ النظرية السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.
(1) انظر في إطار هذه العلاقات التي شاعت وضرورة الدراسة المنهجية لها: سيف الدين عبد الفتاح، الاسلام والتنمية: إشكالات ومقاربات مراجعات وتطبيقات مع إشارة لنماذج آسيوية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز الدراسات الآسيوية، 1999.
(2) مفهوم (رؤية العالم) من الكلمات التي ذاعت في اللغة الألمانية Weltanschauung وهو تعبير قديم نسبياً إلا أنه يرتبط دوماً بتجليات جديدة، خاصة ضمن تطلعات الإنسان الحضارية التي تملك ميلاً حضارياً عالمياً، ومن هنا كان الارتباط بين مفهومي رؤى العالم والعولمة. انظر في هذا المقام: د. أحمد أبو زيد (إشراف)، رؤى العالم: تمهيدات نظرية، القاهرة: المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: برنامج بحوث السياسات الاجتماعية، 1993. ولقد نجم عن التوسع في استخدام مفهوم (رؤية العالم) أن ظهرت مصطلحات أخرى تتداخل معانيها مع ذلك المفهوم أو تستخدم نفس المعنى ومن هذه المصطلحات: نظرة أو رؤية vision وصورة Image، وتوجه معرفي cognitive orientation ورؤية معرفية cogmteine ومنظور رؤية العالم Warldview perspectine ومبادئ متضمنة Implicit premises وافتراضات أساسية Basic Assumptions وروح الثقافة Ethas وخرائط معرفية cognitivie Maps ونحو ذلك. ومن هنا فإن رؤية العالم قد تشير إلى الأنساق الإدراكية، والرمزية، فضلاً عن العقيدة وأنساق المعرفة، والقيم، والثقافة، والفكر والتفكير.
ومن هنا فإن تأكيد بولدنج في كتاب The Image لأهم الأبعاد والحقائق النظرية لمفهوم رؤى العالم والتي يمكن إجمالها: في الصورة المكانية spatial Image، الصورة الزمنية temporal Image، والصورة العلامية Relational Image، الصورة الشخصية المتعلقة بالاشخاص والأدوار والنظم الذي تحيط به Personal Image، وصورة القيمة value Image، الصورة الوجدانية Affectional Image ومن ثم هو ينطلق من خلال هذه العناصر إلى تصنيف الصورة ذاتها من حيث هي مقسمة إلى جوانب شعورية أو لا شعورية أو دون شعورية، أو الصورة منظوراً إليها من خلال بعد اليقين وعدم اليقين والوضوح والغموض، والصورة منظوراً إليها من خلال بعد الواقعية أو عدم الواقعية، ومدى اتفاق رؤية العالم أو الصورة الذهنية مع بعض جوانب العالم الخارجي كما هي عليه في الواقع. الصورة منظوراً إليها من خلال بعد الخصوصية أو العمومية، ورؤية العالم كرؤية فردية ذاتية أو شخصية أو جمعية، فالرابطة الأساسية لأي مجتمع أو ثقافة أو ثقافة فرعية أو حضارة أو نظام هي الصورة العامة public Image التي تشير إلى الخصائص الجوهرية لرؤية العالم أو الصورة العامة التي يشترك فيها أفراد ذلك المجتمع.
كما يرتبط ذلك بتصور الذات وأدوارها والآخر وعلاقاته وإدراكات العلاقات معه. فتصور رؤية العالم له أهمية كامنة في معالجة مشكلة المعنى لارتباطه الوثيق بها. فمن خلال تصور (رؤى العالم) يمكن التعرف على الحلول التي تقدمها الثقافة لمشكل المعنى المتعلق بجوانب متعددة من حياة الإنسان، وأهمية تصور (رؤية العالم) هنا تتمثل في أنه يجعل في (الذات) محوراً أساسياً في عملية بناء وتبني التصورات الأخرى المتعلقة بالكون والمكان والزمان ونحو ذلك. وهناك بعد آخر هام وهو أنه من خلال تصور رؤية العالم فإن الذات لا تدرس بمعزل عن الآخرين سواء أكانوا بشراً أم غير بشر.
وطبقاً لآراء ديلتاي تتكون رؤية العالم من العناصر أوالمكونات التالية: (صورة العالم world picture) (نماذج الحياة Ideals of life) (خبرة الحياة Experience of life) وطبقاً لتمييز رابا بورت بين خمسة مستويات من التصورات والمفهومات التي تؤلف رؤى العالم لدى تلك الجماعة، وهذه التصورات تشمل المسلمات المطلقة Ultimate sacred postulutes وهي تشير إلى القضايا والمسلمات الدينية، الافتراضات الكونية Cosmological Assumptions، القواعد الاخلاقية والقيمية Values، الشروط المادية والاجتماعية المتضمنة والسائدة في الحياة اليومية، والمعرفة اليومية التي تتعلق بطريقة الحياة Way of life.
- فلسفة الحضارة ورؤية العالم انظر: ألبرت اشفيتسر، فلسفة الحضارة، ترجمة د. عبد الرحمن بدوي، القاهرة: وزارة الثقافة والإرشاد القومي: المؤسسة المصرية العامة للتأليف، د. ت. وهذه الدراسة المبكرة والتي أنتجها مؤلفها عام 1923 لا زالت دالة في هذا المقام.
- انظر أيضاً في إطار رؤى العالم:
Ahmet Davutaglu, Alternative Paradigms: The Impact of Islamic and Western Weltanschauungs an Political Theory,Maryland Univ. Press of America, 1994.
انظر خاصة النموذج الغربي، والنموذج الإسلامي والنتائج المترتبة عليهما، انظر (Ch. 2&3)
(3) انظر:
Thomas Kuhn, the Structure of Scientific Revolution 2 nd ed., Chicago: Chicago Univ. Press, 1970, Pp10-22.
(4) انظر: سيف الدين عبد الفتاح، علم كلام العولمة، علم عمل العولمة، ضمن ملف عن العولمة تضمن رؤى للمثقفين والمفكرين، مجلة المعرفة، السعودية، العدد (48)، ربيع أول 1420ـ يونيو ـ يوليو 1999، ص ص 92-94.
- وفي سياق يحرك التعامل مع التفكير المؤامراتي الذي يظل نمطاً تفسيرياً لأية تغيرات على المستوى الدولي والتي غالباً لا يكون لدولنا فيها قدرة على المواجهة، فيبرز تفكير المؤامرة كحالة ذهنية وفكرية جماعية لإبراء الذات. انظر: قسم الابحاث في مجلة الرشاد، إشكالية منطق المؤامرة في تفسير الأحداث، مجلة الرشاد، مركز دراسات الثقافة والحضارة في الولايات المتحدة، فصلية، العدد 7، المجلد الثالث، مايو 1999، ص ص 93 - 104.
(5) انظر معنى المابعدية والتي سبقتها النهايات في: ملف مابعد الحداثة/ مجلة الكرمل، العدد (51)، ربيع 1997، ص ص 12-90. وكذلك دراسة محمد جمال باروت، في منطقة مابعد الحداثة، مجلة الكرمل (52)، صيف 1997، ص ص 141- 166. كاظم جهاد، من نقد الحداثة إلى بعد الحداثة، نفس العدد السابق، ص 167ـ182.
- انظر أيضاً:
James N. Rasrnau. Global changes and Thearetical Challenges: Toward a postinternational politics for the 1990 s, in Global Changes and Theoretical Challenges, Ernst otto Czempiel & James N. Rosenau, lexingrton Books, 1989, pp. 1-23.
(6) انظر في دراسة حول مفهوم النظام العالمي الجديد:
سيف الدين عبد الفتاح، حول التحيز في مفهوم النظام العالمي الجديد، مجلة مستقبل العالم الإسلامي، السنة الثانية، العدد 8، خريف 1992، ص ص 7-80
(7) انظر في هذا المقام: سيف الدين عبد الفتاح، التحديات السياسية الحضارية للعالم الإسلامي، ضمن بحوث: رابطة الجامعات الإسلامية، القاهرة: 1999، (الفصل الرابع) (تحت الطبع).
(8) انظر وقارن: وحيد عبد المجيد، الاجتماع على العولمة من مظاهرات سياتل إلى اضطرابات عيد العمال: قليل من النبل وكثير من العشوائية وغياب البديل، الأهرام، 2/6/2000.
(9) سيف الدين عبد الفتاح، عقلية الوهن..، القاهرة: القارئ العربي، 1990. وضمن سياق الحديث عن المعلوماتية وارتباطها بالعولمة وأثارها يمكن..
- في إطار شبكة المعلومات وعناصر السيطرة ونقد العولمة في هذا المقام انظر:
ريتشارد فولك، شبكة الإنترنت بين الرغبة والرهبة: نحو سيطرة سياسية من نوع جديد، لوموند دبلوماتيك، النسخة العربية، نوفمبر 1996، ص32.
يؤكد ناي وصاحبه كيف سيكون من السهل على أمريكا أن تسيطر سياسياً على العالم في المستقبل القريب وذلك بفضل قدرتها التي لا تضاهى في إدماج النظم الإعلامية المعقدة. ويعتقد أن تعريف السياسة الجغرافية الذي أخذ يسود أكثر فأكثر، هو أنها طريقة التحكم في القوة اللامادية أو القوة الناعمة، أي تقنيات الإعلام التي ترسم حدود فضاء التوجيه والتحكم الآليين والفضاء السبراني.
انظر أيضاً أثر المعلوماتية في شن الحروب: جان غيز فيل وفي ذلك يخدمنا أيضاً: مقال شن الحروب، لوموند دبلوماتيك، نوفمبر 1996، ص 21.
(10) Kuhn, ob,cit.
انظر أيضاً: السيد يسين، الوعي التاريخي والثورة الكونية: حوار الحضارات فى عالم متغير، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 1995.
(11) يزمع الباحث القيام بدراسة تفصيلية للخطاب العربي والإسلامي حول العولمة وتصنيف اتجاهاته. قارن في هذا المقام في إطار الخطاب حول العولمة في العالم العربي: سعد الدين إبراهيم، العولمة والهوية العربية: خواطر حول جدل المثقفين العرب عن الحاضر والمستقبل، ورقة غير منشورة، 1999م.
(12) انظر: سيف الدين عبد الفتاح، محاضرات في مادة النظرية السياسية: النظرية السياسية التحليلية وعملية بناء المفاهيم مع التطبيق على مفهوم العولمة، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1998.
قارن محاولة أخرى قيّمة: د. محسن أحمد الخضيري، العولمة: مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر اللادولة، القاهرة: مجموعة النيل العربية، 2000. (انظر فصل ماهية العولمة خاصة ص ص 10 وما بعدها).
- انظر فى تعريف العولمة وصعوبة تناول الظاهرة:
د. علا الخواجة، الآثار الاجتماعية للعولمة فى دول الخليج، مشروع دراسة مقدم الى مؤتمر العولمة والعالم العربي في معالجة الجوانب الاقتصادية انظر: د. الفونس عزيز، الوطن العربي ومواجهة تحديات العولمة. وفي الجوانب السياسية وتأثيراتها على العولمة انظر:
هدى ميتكيس، الآثار السياسية الداخلية للعولمة. د. صلاح سالم زرتوقة، مفهوم العولمة: تعريف العولمة وتحديد أبعادها، دراسة مقدمة الى مؤتمر >العولمة والعالم العربي<، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، مايو 2000.
انظر في تعريف العولمة أ.د. جودة عبد الخالق، العولمة والاقتصاد السياسي للدولة القومية، الموسم الثقافي لقسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إبريل 2000.
إذ يعرف العولمة بأنها عملية لإعادة تعريف الحيز، هي عملية فك وإعادة تركيب كبرى للكيانات بما يترتب على ذلك إعادة تعريف الحيز على أكثر من مستوى وفي أكثر من مجال، إعادة تعريف الحيز فى أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها من الأبعاد.. وهي بهذا عملية شاملة، لها من الرموز التي يسلط الضوء عليها أو يتخذ بشأنها المواقف.
ومن أهم الكتابات التي ميزت بين هذه الأمور جميعاً انظر:
Martin Ablrow, the global age: state and society beyond Modernity, Cambridge & Oxford: polity press, 1996. PP. 75-96.
ومن المهم أن نشير الى أهمية هذا الكتاب فى استعراض بعض القضايا العربية التي يجدر التوقف عندها، انظر على سبيل المثال الفصل التاسع الذى عنونه المؤلف بـ>The global age hypothesis<.
- في إطار أيزو ISO المفاهيم انظر:
علي القاسمي، مقدمة في علم المصطلح، القاهرة: مكتبة النهضة المعدية، ط2، 1987، ص ص 34-55 ويشير إلى تطور محاولات ISO المفاهيم.
- Barbara Snell (ed). Tern Banks for Tomorrow’s World, Translating and The Computer (4), London Press Center (A slib), 1983
Unesco, Infotern Series (8) Networking in Terminology international Work, New York, London, Press, 1956
- انظر في أطروحات العولمة واتجاهاتها ونقدها في:
أ.د نادية مصطفى، التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي ضمن مشروع: دراسة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل، رابطة الجامعات الاسلامية، 1999 ص ص 27 - 71.
- في محاولة تعريف العولة تعريفاً إجرائياً والإشكالات المنهجية التي تتعلق بذلك:
James Reseneau, the Dynamics of globalization Toward an operational formulation, security Dialogue, val 2b (3), 1996, P. P. 244 – 262.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.