تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مؤتمر: “هم الدين وإشكالية المنهج”

محمد تهامي دكير

مؤتمر: “هم الدين وإشكالية المنهج”

نحو منهج موحد لفهم الدين

محمد تهامي دكير

“ينبغي الحذر من حمل الخلق على قراءة واحدة للدين، فإن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، عباراتنا شتى وحسنك واحد..”.

الشيخ حسين كوراني

 

هل يمتلك الدين منهجاً خاصاً به؟ وهل اكتشف المسلمون هذا المنهج، أم لايزال البحث مستمراً؟ الاختلاف المنهجي والاختلاف حول الحقائق الدينية يؤكد عدم وجود منهج متفق عليه، هل قدَّم الدين منهجاً خاصاً به لفهم واستنطاق نصوصه؟ أين هو؟ وهل تم تجاهله أو التغاضي عنه؟ وإلى أي حد استطاعت المناهج التي ابتكرها المسلمون في الماضي أن تقدم فهماً متكاملاً للدين؟

هل يواجه الدين اليوم مأزقاً منهجياً؟ وما هي نتائج الاجتهادات المنهجية المعاصرة؟ هل استطاعت أن تقدم شيئاً جديداً ومفيداً، أم أنها عمَّقت التخبط المنهجي الذي تعاني منه الدراسات الدينية؟ وإلى أي حد يمكن الاستفادة من المناهج الوضعية لقراءة النصوص الدينية وفهمها واستنباط الأحكام والقيم منها؟

وهل هناك إمكانية للتأسيس لمنهج موحد لفهم الدين؟ وهل سيمكّن هذا المنهج المنشود من تقليص هوة الاختلاف في فهم الدين؟ أم انه سيُصلِّب الفكر ويجمد الإبداع، ويقود إلى تعصب منهجي واستبداد فكري واحتكار للفهم والوعي من طرف المتبنين لهذا المنهج الموحد؟ ولماذا نحن مسكونون بالوحدة والتوحد حتى على المستوى المعرفي والعلمي، ونسعى لإيجاد منهج موحد لإنتاج المعرفة وتوحيد الفهم الديني؟

هذه الأسئلة وغيرها أجابت عنها وعالجتها وناقشتها الدراسات والبحوث المقدمة في المؤتمر التخصصي الأول الذي نظمه معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية في بيروت بالتعاون مع معهد الدراسات العليا للثقافة والفكر الإسلامي في إيران، تحت عنوان: “إشكالية المنهج وفهم الدين” وذلك بين 1-2 تشرين أول 2004م الموافق 15-16 شعبان 1425، وقد شارك فيه عدد من المفكرين والباحثين من لبنان والعالم العربي وإيران.

* أعمال اليوم الأول

افتتحت أعمال المؤتمر بكلمة مدير معهد المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادة الذي رحب بالضيوف وتحدث عن أهمية البحث في الموضوع الإشكالي الذي سيبحثه المؤتمر والمتعلق بمناهج البحث في الدراسات الدينية وإمكانية إنجاز منهج موحد لفهم الدين، متمنياً على المشاركين إغناء الموضوع بمشاركاتهم ومداخلاتهم..

انطلقت أعمال الجلسة الأولى بورقة الشيخ علي أكبر رشاد (مدير معهد الفكر والثقافة الإسلامية في إيران) تحت عنوان: “مقدمة منطق فهم الدين” في بداية الورقة تساءل الشيخ رشاد: هل فهم الدين ممكن؟ وإذا كان كذلك، فما هو منطق فهم الدين؟ وما هي قواعد فهم الدين؟ وما سبب تنوع المعرفة الدينية وتطورها؟

هذه الأسئلة أجاب عنها القدماء وما هذا التراث المعرفي الديني إلَّا نتاج وأثر لهذه الأجوبة، فقد دعمت الحركة الإصولية والاجتهادية التفكير العقلي وشجعت النقد العلمي فكان من ثمارها:

1- الكشف عن منهج استنباط الأحكام الدينية.

2- رفض الجمود والتقليد ومسايرة الأحكام لمتطلبات كل عصر.

3- التصحيح الدائم للأحكام.

4- العقلانية.

5- نشر المعرفة الدينية وتعميقها.

6- تكامل المعرفة الإسلامية عن طريق كشف المفاهيم المتجددة في المدارك الدينية (أي المصادر).

لكن بالرغم من هذا الثراء الذي كشفت عنه المنهجية الأصولية في دراستها للنصوص والتفقُّه فيها إلا أن البحث الديني -في نظر الشيخ رشاد- لم يبلغ إلى اليوم حدّ الكمال والكفاية في تلبية الضرورات وقضاء الحاجات، من هنا يقول: نحتاج في ميدان منطق الفهم الديني ومعرفة الأسلوب الكاشف عن المنافذ والتعاليم الدينية إلى علم أو فرع علمي يتصف بما يلي:

أ- شامل لأقسام الدين والمعرفة الدينية أي: العقائد، الأخلاق، الأحكام، التربية ومعارف الدين العلمية.

ب- شامل لأطراف ظاهرة الفهم كلها مثل: الشارع، المدرك والمحتوى والمفسر ومنطق الإدراك وأسلوبه.

وبعد أن تعرض لبعض الإشكالات النقدية على علم الأصول، شرع الشيخ رشاد في استعراض هيكل منطق فهم الدين منطلقاً من المبادئ والكليات العامة المتعلقة بتعريف منطق فهم الدين، وموضوعه وغايته وفائدته ومنهجه، حيث عرف منطق الدين بأنه: “علم الكشف والاهتداء الجامع”. ثم شرع في الحديث بشكل مفصل عن هذا المنطق وآلياته والإشكالات المعرفية التي ترد عليه. ليخلص إلى أن فهم الدين يجب أن يكون ممنهجاً، وهذا المنهج يجب أن يكون جامعاً شاملاً ومراعياً لمجموعة من العناصر الضرورية هي: فهم الدين ومصدره الله سبحانه وتعالى وهو العلي الحكيم، خصوصية الدين الذي يجمع بين الدنيا والآخرة، خصائص المخاطب بالدين أي المكلف، الاهتمام بالمصادر والمدارك التي نرجع إليها لفهم الدين، وأخيراً القواعد العامة للإدراك وتجنب السقوط في المغالطات..

كما تعرضت الورقة وتلخيصها الذي قدمه إلى عدد من الإشكاليات كانت محل جدل ونقد بعد انتهاء كلمته وتعقيب الشيخ حسن بدران عليه وانطلاق المداخلات، فقد تساءل د. حسن حنفي عن منهج تفسير القرآن بالقرآن وهل يلغي دور العقل؟ كما انتقد عدم الإشارة إلى الحس والمعرفة التاريخية باعتبارهما من مصادر المعرفة، وقد رد الشيخ رشاد بأن الدين يأتي من عالم آخر خارج الحس، لذلك فالحس ليس مصدراً للمعرفة الدينية لكن يمكن الاستفادة منه لمعرفة صحة بعض القضايا المشار إليها في الدين، مثل تشخيص مواضيع الأحكام. أما التاريخ فإن القرآن أكد عليه لكن ليس كمصدر ولكن أشار لبعض وقائعه للعبرة. كما أن تفسير القرآن بالقرآن لا يلغي دور العقل لأننا نفهم القرآن بالعقل، كذلك كانت مداخلات أخرى للشيخ حسين كوراني عن الحس وكونه مصدراً للمعرفة، وتحدث الأب مشير عون عن مفهوم الدين وقضية التكليف، وهل يحول التكليف الدين إلى إيديولوجيا أم أن هناك قضايا خارج قدرة الإنسان؟؟

الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها الباحث المغربي الأستاذ إدريس هاني تحت عنوان: “الظاهرة الدينية وإشكالية تعدد المناهج: من الإسلاميات الكلاسيكية إلى الإسلاميات التطبيقية”، في البداية أشار الباحث إلى أهمية مسألة المنهج في دراسة الظاهرة الدينية، مؤكداً أن إشكالية تعدد المناهج التي سيناقشها من خلال نموذج الإسلاميات التطبيقية -كما هي عند الدكتور محمد أركون- تطرح مشكلتين، الأولى أن القول بتعدد منهجي لفهم الدين يثير إشكالية نسبية الوسيلة إلى معرفة الدين، ما قد يؤدي -حسب قوله- إلى التعدي بالنسبي إلى صميم البنية الاعتقادية القائمة على أساس اليقين، ثانياً أن القول بتعدد القراءات يرج قاعدة الإلزام، وهذا من شأنه الإيقاع في إشكالية تساوي الأدلة، وبالتالي الدخول في ضرب من العمائية الدينية..

ثم انتقل بعد ذلك لمعالجة مقاربة المفكر الجزائري محمد أركون (الإسلاميات التطبيقية) لكونها قد اختارت استراتيجية تعدد المناهج، في محاول منه لفتح آفاق السؤال حول طبيعتها والإشارة إلى المأزق المنهجي الذي وقعت فيه.

بعد الإشارة إلى جذور هذه المقاربة الأركونية التي اعتبرها الباحث مقايسة على الأنثروبولوجيا التطبيقية لروجر باستيد الرافض للنمط الديكارتي -هذا النمط الذي حكم الإسلاميات الكلاسيكية- أكد الباحث أن: الإسلاميات التطبيقية جاءت للإجابة على جملة من الشروط التي يفرضها الوضع العلمي إزاء مجال لم يدرس بالصورة المطلوبة، تلك الشروط التي لم تتوفر ولم تتحقق في الإسلاميات الكلاسيكية، حيث سيطر على الاستشراق الكلاسيكي مذهبان لا يكفيان لإنجاز الدراسة الشمولية في نظر أركون، وهما التاريخانية والفيلولوجيا... لذلك انخرط أركون -كما يرى الباحث- في حقل الإسلاميات التطبيقية من أجل الوصول بها إلى قلب الفكر المعاصر وإلحاقها بمجمل الإنجازات التي حققتها اللأنثروبولوجيا الدينية.. في محاولة استدراكية قصوى منه، لإخضاع الإسلام إلى نوع من التأويلية المعاصرة، والمقاربة متعددة المناهج، كتلك التي خضعت لها الديانتان اليهودية والمسيحية في الغرب... بالإضافة إلى بلوغ اللامفكر فيه في الفكر الإسلامي..

وبعد أن استعرض الأهمالات التي طبعت الأسلاميات الكلاسيكية والتي انطلق منها أركون لتبرير مشروعية الأسلاميات التطبيقية، وجملة التناقضات الحادة التي تعكس -يقول الباحث- تعددية المنظورات المنهاجية التي جعل منها أركون مداخل أساسية لفهم التراثات العربية الإسلامية وتحريرها من هيمنة التراث الواحد، أكد الباحث هاني أن أركون في مشروعه يبدو وكأنه بصدد وصل الفكر الإسلامي بلحظة القلق المعرفي الذي شهدته المرحلة الموسومة بالإبداع.

وأخيراً خلص الباحث إلى أن المغامرة الأركونية استطاعت أن تقدم أفكاراً لافتة ومقايسات مثيرة، لكن الأسئلة التي تظل في نظره مطروحة وتحتاج إلى إجابات: هل كانت أفكار أركون لافتة لأنها غير مألوفة ومتجرئة على اللامفكر فيه، أم لأنها قدمت قراءة للتراث من خلال تطبيق المناهج الاجتماعية عليه؟ وإلى أي حد استطاع أركون تحقيق حلمه الكبير في مشروع الإسلاميات التطبيقية؟ وأي آفاق يسمح بها هذا المشروع لتحقيق حد أدنى من الإبداع في مجال المناهج والمفاهيم؟ وما مدى جدية المطلب الأركوني في دعوته إلى تعددية المناهج في مقاربة التراث العربي الإسلامي؟ وهل وفِّق في تطبيق تلك المناهج في حقل الإسلاميات؟ وغيرها من الأسئلة التي ختم بها الباحث ورقته..

لقد أثارت هذه الورقة كسابقتها مجموعة من الردود انطلقت مع تعقيب د. حسين رحال الذي إشار إلى مجموعة من القضايا ذات العلاقة بالمشروع الأركوني مما أغنى وأثرى البحث حول الموضوع، ثم تعاقبت المداخلات من طرف المشاركين، فالأستاذ علي أبو الخير تساءل: لماذا لم يشر الباحث في العنوان إلى الدكتور محمد أركون ما دام البحث يتناول تجربته المنهجية، كما تمنى د. حسن حنفي لو كان د. أركون موجوداً ليستمع لما ورد في هذه الورقة ويبدي رأيه فيها، كذلك تحدث كل من د. علي فياض ود. أحد قراملكي، وقد كانت لدينا مداخلة صغناها على شكل تساؤل نعيد طرحه هنا مرة أخرى، لقد أكد الباحث أن أركون قام بعملية فصل ووصل في محاولة منه لوصل الفكر الإسلامي بما أسماه لحظة القلق المعرفي المعاصر، لكن لم يكشف أو يشير إلى أي حد استطاع أن يحقق هذا الهدف، بالإضافة إلى عدم الإشارة إلى هذا الوصل نفسه وأين تجسد وما هي مظاهره أو بعض تطبيقاته؟؟

الورق الثالثة في هذه الجلسة كانت للدكتور خنجر حمية تحت عنوان: “التأويل المعرفي الوجودي للعبادة: منهج ونموذج تطبيقي” أشار فيها في البداية إلى الفرق بين نظر كل من الفقيه والعارف للعبادات الإسلامية، ففي الوقت الذي يهتم فيه الفقيه بالدلالات الظاهرية واللغوية للأحكام الإلهية، والاعتناء بوقوعها من طرف المكلف على وجه الصحة بالتزام شروطها الشرعية المنصوص عليها، فإن العارف لا تغريه كثيراً العبارة ودلالتها الظاهرة -وإن كان يلتزم بها باعتبارها رموزاً لها دلالتها الباطنية- وإنما يهمه النفاذ إلى باطن هذه الأحكام والعبادات للكشف عما يحتجب وراءها من أسرار ومعانٍ وآفاق روحية، لأن الذي يعني العارف من العبادة كما يقول الباحث: هو هذا الجانب بالدرجة الأولى، وهو كما يتعامل مع النص كجملة رموز وإشارات تكشف عن معانٍ تختفي وراء حجاب اللفظ، فإنه يتعامل كذلك مع العبادة في شكلها وصورتها كجملة رموز وإشارات تختفي وراءها..

والعبادة بهذا المعنى لا تقود إلى مجرد الامتثال والطاعة كغاية وحيدة وأخيرة ونهائية، وإنما إلى ما هو أتم وأكمل وأرفع وأعلى، أعني إلى بلوغ تطهر داخلي نفسي، وتجرد أخلاقي وترقٍ في مدارج الكمال.. وبالتالي فالعارف لا يهمل الجانب الشكلي للعبادة ولا يتساهل في الممارسة الطقسية للعبادة..

غاية الأمر أن ما يقصده منها شيء يقع وراء الجانب الشكلي الطقسي، وأن ما يبغيه ويهدف إليه ليس من سنخ الحركة المادية الحسية وجنسها، إنه شيء وراء ذلك كله، لكنه لا يبلغ ذلك ولا ينتهي إليه ولا ينجزه إلا بطقس شعائري، وبحركة وأوضاع تكون آلة وطريقاً ووسيلة تقوده إلى مقصوده.. والخلاصة: فالتعليل العرفاني لتشريع العبادة -يقول الباحث- يستند في جوهره إلى فهم للنبوة يفترضها آلية خلاص للنفوس، ووسيلة إصلاح للأرواح والقلوب، ومدخلاً إلى تنوير الباطن بحقائق عالم الألوهية وأسرار عالمي الملكوت والجبروت..

ثم قدم الباحث تأويل الزكاة كنموذج للتأويل المعرفي الوجودي للعبادة، فبناء على المنهج العرفاني، فإن فريضة الزكاة تتجاوز الالتزام بشروطها وهيئتها كما هي مطلوبة من المكلف وكما ذكرها الفقهاء، إذ الزكاة لدى العرفاء -بعد القيام بما يقتضيه الشرع ويوجبه من الأوضاع والشروط- تطهير الباطن من رذيلة البخل وتنزيه النفس عن قذارة الشح الذي أشار إليه القرآن وإلى ضرورة التنزه عنه بقوله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(1). ليتحقق بذلك للعارف ما لا يحصى من الأوصاف الحميدة والخصال، وليزول عنه ما يقابلها من الأوصاف الرديئة.. وهكذا زكاة الأعضاء، فلكل عضو من أعضاء الإنسان زكاته الخاصة به التي تنزهه عن الفعل القبيح وتزكيه، وبالتالي تدفع الإنسان باتجاه الكمال الروحي والمعنوي..

أثارت هذه الورقة الكثير من الردود، فبالإضافة إلى تعقيب الشيخ محمد شقير، كانت هناك عدة مداخلات لكل من الشيخ أكبر رشاد والأستاذ إدريس هاني ود. حسين رحال، والسيد خضر الموسوي ود. مشير عون.. وقد تركزت جميعها على إشكالية المنهج في العرفان، وهل يرفض الدلالة اللغوية الظاهرية، وكذلك الحكمة من وجود الإشارات والرموز..

انطلقت أعمال الجلسة المسائية بورقة د. حسن حنفي (أستاذ الفلسفة في الجامعة المصرية) تحت عنوان: “هل هناك منهج موحد لفهم الدين؟” مجيباً بالنفي ففي نظره لا يوجد منهج موحد لفهم الدين ولا ينبغي أن يوجد، أولاً لأن الدين -في نظره- ظاهرة اجتماعية متعددة الجوانب، (النفسية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والقانونية واللغوية والتاريخية) وهذا التعدد يفرض تعدداً منهجياً لدراستها وهذا التعدد المناهجي هو الطريق لتكامل المعرفة والدراسات الدينية..

أما بخصوص عيوب المنهج الموحد في فهم الدين، فقد ذكر د. حنفي سبعة عيوب هي:

1- المنهج الموحد لفهم الدين هو تبرير لوجود السلطة الدينية التي تحتكر التفسير والفهم.

2- نظراً لتداخل السلطتين الدينية والسياسية فإن من مصالح السلطة السياسية أيضاً فرض فهم موحد للدين لمنع المعارضة السياسية.

3- سلطة التراث الذي تكلس وخرج من المجتمع والتاريخ والزمان والمكان إلى مطلق خارج التاريخ، وقد أصبح صالحاً لكل مجتمع في كل زمان ومكان.

4- تحول التراث القديم كمصدر سلطة إلى تقاليد وممارسات شعبية وأمثال عامية تحدد للناس تصوراتهم للعالم وتعطيهم قيمهم للسلوك واختلطت قيم الدين مع قيم التراث والعادات..

5- فهم العقائد بطريقة واحدة..

6- فهم النص الديني بمنهج نصي حرفي بدعوى المحافظة على معنى النص..

7- المنهج الموحد في فهم الدين يبعث -في نظر د.حنفي- على الخوف، ويعطي الإحساس بالدونية وبأن الإنسان العادي غير قادر على فهم الدين إلا باستشارة أهل الفتوى وأهل العلم.

هذا من حيث العيوب، أما لماذا لا يوجد منهج موحد لفهم الدين؟ فقد ذكر د.حنفي مجموعة من الأسباب تنطلق من قناعته بأن الدين ظاهرة متطورة، واختلاف العصور والأزمان واللغات والعقول ودرجات الفهم بين بني البشر، وكذلك اختلاف الميول والأهواء والمصالح الطبقية. لكن نفي وجود منهج موحد لفهم الدين لا يعني أنه لا توجد ثوابت يتم الفهم طبقاً لها، وإلا تم الوقوع في النسبية والشك واللاإرادية، بل والعدمية المطلقة...

من هذه الثوابت: روح العقيدة وروح الشريعة ومقاصدها وقيم حقوق الإنسان، وتحديات كل عصر ومتطلباته.

عقب على هذه الورقة د.حبيب فياض، ثم انطلقت المداخلات التي شارك فيها كل من الشيخ علي أكبر رشاد والشيخ شفيق جرادة، والأب مشير عون وتركزت المناقشة على مفهوم كون الدين ظاهرة اجتماعية متطورة، كما نوقشت بعض الآراء والأفكار الواردة في الورقة بخصوص التخوف من منهج موحد لفهم الدين..

الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها د. أديب صعب (لبنان) تحت عنوان: “نحو منهج موحد لفهم الدين” يرى الباحث أن لكل من المسيحية والإسلام نموذجهما التقليدي لفهم الدين، يمكن اعتبار كل منهما نموذجاً لمنهج موحد من أجل فهم الدين، يطلق على النموذج الأول (المنهج الإلغائي) وعلى النموذج الثاني (المنهج التكاملي) أو (المنهج الإلغائي التكاملي). ومبرر التسميتين -في نظره- واضح جداً، وهو أن المسيحية لا تعترف بما عداها إطلاقاً، فيما يقتصر عدم الاعتراف الإسلامي على الأديان غير السماوية، وإن عد الإسلام نفسه أكمل الأديان السماوية..

أما المنهج الموحد المنشود لفهم الدين فيجب في نظر الباحث أن يطبق على كل الأديان من غير أن يقضي على المفهوم الديني المحوري، وهو مفهوم الألوهية، باسم نظرة أخلاقية أو اجتماعية أو سواها، ومن غير أن يُخضع ديناً لدين آخر، كما يجيب على أسئلة أساسية تتعلق بالدين مثل: ما هو الدين؟ لماذا الدين؟ ما الفرق بين لغة الدين ولغة العلم؟

هذا المنهج الذي يقترحه الباحث هو منهج وصفي موضوعي، ينتمي إلى الدراسات الدينية الموضوعية، ومنها فلسفة الدين... لأن هدفه دراسة الدين وإلقاء الضوء على جوانبه المختلفة..

أثارت هذه الورقة بدورها الكثير من الردود بعد التعقيب الذي قدمه الأستاذ حسن عجمي، فقد تساءل د. حبيب فياض عن المنهج المتبع في الدراسة، كما داخل د. حسن حنفي، واتجهت المداخلات لمناقشة فكرة وحدة الأديان وعلاقة التثليث في المسيحية بالتوحيد، وعناصر التلاقي بين الأديان.....

الورقة الأخيرة في هذه الجلسة قدمها الباحث أبو القاسم علي دوست (إيران) بعنوان: “أمهات المناهج التقليدية في مجال الدراسات الدينية” تحدث فيها عن أهمية المنهج في إنتاج المعرفة، ثم استعرض المناهج القديمة المطروحة خارج دائرة الدين، ومناهج المعرفة المعتمدة من قبل علماء الإسلام، وأسباب الاختلاف بينها أهمها اختلاف الترتيب بين مصادر المعرفة وكيفية التعامل معها..

أما بخصوص الوصول إلى منهج فقهي واحد علمي ومتقن فقد طالب الباحث بضرورة مراعاة مجموعة من الأمور منها: الاهتمام بالعقل وتحديد دائرة الاستفادة منه، تحليل الأعراف والعادات لمعرفة ما كان منها ناشئاً من العقل للأخذ به، الاهتمام الخاص بمقاصد الشريعة الكلية..

وقد عقّب على هذه الورقة كل من الشيخ أكرم بركات والأب سميح عون ود. حسن حنفي، الذي تساءل عن عدم إشارة الورقة للمناهج التجديدية واكتفى بعرض المناهج القديمة فقط...

* أعمال اليوم الثاني

في الجلسة الأولى من أعمال اليوم الثاني، تحدث في البداية د. علي فياض (لبنان) عن: “مدخل منهجي إلى دراسة الأطر النظرية للسوسيولوجيا الإسلامية” فإشار في البداية إلى الفقر النظري الذي يميز الإنتاج السوسيولوجي العربي، أما الإشكالية المهمة التي تؤرق كل متعاطٍ لعلم الاجتماع فهي الكم الهائل من المناهج، وكيف ينتج المفكر الإسلامي منهجاً عقلانياً - دينياً في العلاقة مع الواقع، أصيل من الناحية النظرية وقادر في الآن نفسه على أن يشكل إطاراً للنهوض الاجتماعي من الناحية العلمية؟

للإجابة عن هذا السؤال تحدث الباحث مطولاً وبشكل نقدي عن الإطار السوسيولوجي لعلاقة الفكر بالواقع داخل الاتجاهات المنهجية الغربية، لينتقل بعدها للكشف عن العقلانية الدينية على قاعدة التفكير السنني من خلال آراء كل من مطهري والشهيد الصدر، ليخلص إلى التأكيد على مجموعة من المفاهيم التي تشكل أدوات نظرية، تساعد على تحليل أكثر عمقاً للأفكار والظواهر، وهي في حال دمجها وتوليفها تشكل إطاراً منهجياً أطلق عليه الباحث اسم: التعددية المنهجية أو المنهج التكاملي.. وهذا المنهج سيساعد في نظره على تجنب المأزق المعرفي المزدوج، بين التعالي بالأفكار على قاعدة عزلها عن الواقع وتحويلها إلى دوغما سكونية.. وبين إنزال هذا الفكر وإحالته إلى مجرد نتاج مطلق للبنيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. كما أن الاستناد إلى التعددية المنهجية، يجعلنا -يقول الباحث- أكثر انسجاماً مع النزعة السائدة في مناهج السوسيولوجيا المعاصرة، كما يضفي على هذا المنهج طابعاً حداثوياً...

الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت للشيخ حسين كوراني (لبنان) تحت عنوان: “الدين، العلم، المنهج، إشكالية المصطلح” الذي تساءل: هل يواجه الدين مأزقاً منهجياً؟ ومدى التقابل بين الدين والعلم؟ وإشكالية التعدد والوحدة في المنهج؟ حيث أكد في معرض إجابته عن هذه الأسئلة على أن الجذور النظرية لمشكلة المنهج تنحصر في دائرة نظرية المعرفة ومصادر تكوينها والتي ترجع جميع الآراء فيها إلى رأيين مركزيين:

الأول يقول بمرجعية العقل والثاني يقول بمرجعية الحس والتجربة، وبعد مناقشة الرأيين معاً خلص إلى تأكيد حقيقة أن الدين لا يواجه مأزقاً منهجياً، أو انسداد باب العلم به.. كما أن الإسلام ليس نقيضاً للعلم، وبما أن المنهجية العلمية السليمة تقتضي مقاربة كل وحدة موضوعية داخل كل حقل معرفي بالمنهج المناسب لها، فمن البدهي -يقول الباحث- أن تكون مقاربة كل موضوع في الدين الواحد وفق الأدوات والوسائل المنهجية المناسبة.. وفي الأخير حذّر من حمل الخَلْق على قراءة واحدة للدين الواحد، لأن الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، عباراتنا شتى وحسنك واحد..

وقد عقب على هذه الورقة الشيخ علي خازم، ثم توالت المداخلات من طرف كل من الأستاذ إدريس هاني ود. حسن حنفي، ود. محمد الحبش ود. أحد قراملكي والأب سميح رعد والسيد خضر الموسوي ود. علي فياض والأستاذ محمد دكير..

الورقة الثالثة في هذه الجلسة قدمها د. محمد الحبش (سورية) بعنوان: “نحو فهم موحد للدين” رأى فيها أن الحديث عن فهم مشترك للدين لا يمكن إلا بعد تقرير الوجه المناسب لفهم الإسلام فهماً تنويرياً تجديدياً. أما تحقيق مشروع فهم موحد للدين فهو في نظره يتطلب جهوزية في عدد من القضايا أجملها في أربعة قضايا هي:

1- اعتماد المقاصد الكبرى.

2- إقرار قاعدة الثوابت على أساس أنه ما لم يخالف فيه إمام محترم.

3- ترسيخ منطق إعذار المخالف.

4- تقرير الأسباب العملية لاختلاف الفقهاء وحكمة هذا الاختلاف.

وقد تحدث بالتفصيل عن هذه القضايا. ثم بعد ذلك انطلقت المداخلات على الورقة.

وأخيراً قدم السيد حسين مير معزي (إيران) ورقة بعنوان: “منهج استكشاف هوية الاقتصاد الإسلامي” تحدث فيها عن ماهية الاقتصاد الإسلامي، وكيفية الكشف عن المذهب الاقتصادي الإسلامي من خلال النصوص الدينية...

الجلسة المسائية انطلقت بورقة للدكتور خليل أحمد خليل (أستاذ بالجامعة اللبنانية) بعنوان: “طرائقية علم الاجتماع المعاصر” قرأها نيابة عنه الشيخ شفيق جرادة، في ورقته يرى د. خليل أن في المجال الطرائقي، علم المنهجيات والتقنيات، فإن مرجعيات الباحث الاجتماعي هي التي تحدد توجهه النظري والمنهجي، وتجعله يتحرى دوره العلمي استناداً إلى موقعه المرجعي، لكنه يواجه عقبة معرفية كأداء في مجاله المدروس، عنوانها: الاعتقاد في بعض المجتمعات الدينية.. وبعد تأكيده على أن طرائقية العلوم الاجتماعية تضع الباحث أمام تحري الدقة البيانية والوثوقية أو الصدقية البحثية، انتقد بشدة الوضع المتخلف للبحث العلمي في العالم العربي.. كما تساءل: إذا كان الفرنسي لا تكفيه فرنسيته فيلجأ إلى الإنجليزية حتى في حقل بحثه الخاص، فكيف لنا في العالم الإسلامي أن لغاتنا وخصوصاً لغتنا العربية تكفينا وتعفينا من التثاقف العلمي مع الأمم والمجتمعات التي تفوقنا بتقدمها العلمي.. إنها المساءلة السوسيولوجية التي تؤسس لطرائقية لا تقف عند عتبة (مقدسة) لعلم اجتماع ديني.. وقد عقب على هذه الورقة الشيخ محمد زراقط..

الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت للأستاذ علي أبو الخير (مدير مركز الفارابي للإعلام - القاهرة) تحت عنوان: “نحو منهج موحد لفهم الدين: من فقه الاختلاف إلى فكر الائتلاف”، تحدث فيها عن أهمية وضرورة الفهم الموحد للدين من خلال ثلاثة محاور، المحور الأول عرض فيه مقاربة لأمهات المناهج التقليدية والمعاصرة لفهم الدين، المحور الثاني، تحدث فيه عن مقارنة ونقد الفكر الديني بين المناهج الوضعية والمناهج الدينية.

ثم قدم في المحور الثالث محاولة تأسيس منهج موحد لفهم الدين، تحدث فيها عن بعض الحقائق مثل العودة إلى سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعدم الاختلاف على التوحيد الخالص كما عرضته الآيات القرآنية، وإعادة النظر في مسألة الخلافة أو الإمامة التي شكلت أهم عنصر خلافي بين المسلمين امتدت آثاره وتداعياته إلى مجالات علمية أخرى... كما أشار إلى بعض الأحداث التي ساهمت بشكل كبير في التقريب بين المسلمين في العصر الحاضر..

وقد عقب على هذه الورقة الدكتور طلال عتريسي، كما قدم الأستاذ إدريس هاني مداخلة أشار فيها إلى بعض ما تناولته الورقة من آراء ومقترحات.

المشاركة الأخيرة كانت للدكتور الإيراني أحد قراملكي الذي لم يلتزم بقراءة ورقته التي كانت بعنوان: “المنهج المعرفي في دراسة الكلام الجديد عند الأستاذ مطهري” واكتفى بتلخيص حديثه عن المنهج الذي يقترحه والذي بإمكانه حل أزمة المنهج، وقد أسماه بالمنهج البيتخصصي أو عبر مناهجي، مستفيداً من محاولة الفيلسوف الإيراني ملا صدرا الذي حاول الجمع بين مناهح المتكلمين والعرفاء والفلاسفة في كتابه (الحكمة المتعالية). وقد أثارت كلمته الكثير من الردود بعد تعقيب الدكتور علي فياض، حيث تساءل د. حنفي لماذا اختار الباحث ما بعد الحداثة ليطرح في زمنها منهجه البيتخصصي، كما تساءل د. حسين رحال عن تطبيق هذا المنهج وهل جرى تطبيقه في أي محاولة، أما الأستاذ محمود حيدر والأستاذ إدريس هاني فقد كانت مداخلاتهما عن مفهوم ما بعد الحداثة ومساربها ومآزقها...

* مقترحات وتوصيات

بعد انتهاء فعاليات المؤتمر اتفق المشاركون على ضرورة متابعة البحث والنقاش حول موضوعة العلاقة بين المنهج والدين في مناسبات أخرى، وخاصة ضمن المحاور التالية:

1- العمل على إيجاد إطار واسع يشمل كل الرؤى المختلفة والتي دار حولها النقاش بحيث تشتمل على الثوابت في الفهم المنهجي للدين، والتي هي محط التقاء كافة المسلمين.

2- العمل من قبل القائلين بالمنهج الموحد لفهم الدين على إبراز ماهية هذا المنهج وخصوصياته ومقوماته مع تناول نماذج تطبيقية لميادين عمله ونتائجه.

3- دراسة مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية على ضوء إشكالية العلاقة بين المنهج وفهم الدين.

4- العمل على توسيع دائرة الاهتمام بإشكالية (المنهج وفهم الدين) في أوساط أكبر قدر ممكن من المحافل العلمية والتخصصية بهدف مراكمة النتاجات المعرفية في هذا المجال على نحو يساهم في إنضاج وبلورة هذه الاشكالية.

5- العمل على دراسة وتقييم مقولة منطق فهم الدين وتفعيل معطياته ومكوناتها في خدمة طرائق الفهم والتفكير المنتجة للمعرفة الدينية.

6- العمل على دراسة العلاقة بين المنهج والمعرفة الدينية، والنظر فيما إذا كانت العلاقة بينهما علاقة تكامل أم هي علاقة تفاعل جدلي...

7- النظر في مدى مقدرة المنهج على بلورة استراتيجية إسلامية موحدة ناتجة عن حوار إسلامي داخلي وتشكل أرضية مشتركة للدخول في حوار مع الآخر خارج الدائرة الإسلامية...

 

الهوامش:

(1) سورة الحشر، الآية 9.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة