تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

ملامح من الرؤية الاسلامية في حماية البيئة

صالح العلي
تعد الطبيعة من أهم عناصر الانتاج، وتعد قضية تلوث البيئة من أبرز التحديات الحضارية، والصحية، والاجتماعية لأي مجتمع، ويكاد يتفق العلماء علىýأنه لامستقبل لمجتمع ما، بدون بيئة نظيفة وخالية من التلوث.
ويتبادر لذهن الكثيرين أن البيئة عبارة عن تلوث الماء والهواء والحق أن هذا مفهوم ناقص فالبيئة هي «كل مايحيط بالانسان بمافيها الانسان نفسه سواء الماء العذب والمالح، أو الهواء والأرض وما عليها وما تحتها، وكل الكائنات الحية، الحيوانية منها والنباتية والكائنات الدقيقة» (1)
وبمعنى آخر البيئة هي الإطار الذي يعيش فيه الانسان، ويمارس فيه نشاطه الاقتصادي، والاجتماعي، والانتاجي وهي مستودع المواد والخزان الشامل لموارد الثروة وعناصره المتجددة كالزراعة والري والمصايد والغابات، وغير المتجددة كالبترول والمعادن. والموارد البيئية، كلها عرض للتغير مع الزمن، كمياً بالزيادة أو النقصان، ونوعياً إلى أحسن أو أحسن بمقياس مصلحة الانسان وبذلك تتحدد علاقة الانسان بالبيئة في مجالين: الأول: أن البيئة هي أساس الحياة، والثاني: أنها مصدر للثروة والانتاج. (2)
ينظر المسلم إلى البيئة علىýانها نعمة من نعم الله عز وجل، يستمد منها أسباب حياته ونعيمه، ويتعامل معها بكل احترام، وهو مسؤول عن نعيمها قال تعالى: {ثُمَّ لتُسألنَّ يَومَئذٍ عن النَعيم} (3) ومأمور بشكر هذه النعم، قال تعالى: {يَا أيُّها الذينَ أَمَنُوا كُلُوا من طَيَّباتِ مَارَزقْنَاكم واَشْكُرُوا لَّلِه إِنْ كُنْتم إيّاهُ تَعْبُدُنَ} (4) .
لقد حدد الاسلام علاقة الانسان بالبيئة، ودعاه ليتعامل معها وفق سنن وآداب وقوانين منظمة وسنتناول جانباً من تلك القوانين التي تعد ضابطاً وأساساً متيناً لحماية البيئة، وحلاً سليماً للمشكلة البيئية، وذلك من خلال بيان منهج القرآن الكريم والسنّة النبوية في كيفية التعامل مع البيئة.

رؤية من القرآن الكريم في حماية البيئة:
إن الله عز وجل قد استخلف الانسان في هذه الأرض بقوله {وإِذْ قَاَلَ رَبُّكَ للَمَلائِكةِ إِنِّي جَاعِلٌ في اَلأْرضِ خَلِيَفة}. (5)
وسخر له كل المخلوقات لينتفع بها، إلا أنه سبحانه وتعالى حماية لهذه المخلوقات وحفاظاً على التوازن البيئي لم يجعل للإنسان مطلق التصرف، بل جعل تصرفه بهذه المخلوقات مقيداً بعدة ضوابط حيث نهاه عن السعي في الأرض فساداً بقوله عز وجل‏{وإِذا تَولَّى سَعَى في الأرْضِ ليُفْسِدَ فيها ويُهلِكَ الَحْرثَ والنَّسلَ واللَّهُ لايُحبُّ الفَساد} (6) ، ونهاه عن الاسراف في استهلاك موارد الطبيعة بقوله: {كُلُوا واْشَربُو ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لايُحِبَّ المُسْرِفينَ} (7) .
وأمره بترشيد استهلاكها واستغلالها بقوله: {والَّذينَ إِذا أنَّفَقوا لم يُسرفُوا ولم يَقتْرُوا وَكاَن بَيْنَ ذَلكَ قَوامَاً} (8) .
وقد أمر الله عز وجل بالمحافظة على الهدوء، وعدم ازعاج الآخرين بالصوت المرتفع والضجيج المؤذي، الذي يعد السم البيئي البطيء والمرض العصري المزعج، وأحد عوامل تلوث البيئة الذي لايتوقف إزعاجه عند حد إقلاق الراحة وتخريب ساعات الصفو والهدوء بل يتجاوز ذلك إلى القلب والدماغ والأعصاب بقوله: {واقْصَدْ في مَشْيّكَ واغْضُضْ مِن صَوتَك إِنَّ أنكر الأصوات لَصَوْتُ اَلحِمير} (9) ، ولا أدل على أذى الضجيج من وجود أكثر من عشرين مليون فقدوا سمعهم في الولايات المتحدةالأمريكية، مع وجود أكثر من سبعين مليون أمريكي متوتر بشدة نتيجة الضوضاء، أما في بريطانية فقد جاء في احد التقارير أن نحواً من مليون من المراهقين قد عانوا من ضعف السمع بسبب الموسيقى العالية (10) .

رؤية من السنّة النبوية في حماية البيئة
وقد نهجت السنّة النبوية منهجاً آخر في الحفاظ على البيئة وحمايتها فتمثل هذا المنهج في حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على الاهتمام بالغرس والزرع ـ لأن الأشجار وحرقها أدى إلى أخطر مشكلة بيئية تواجهها الشعوب اليوم ألا وهي مشكلة التصحر أو زحف الصحراء على الأراضي الزراعية ـ وربطها بالأجر وجعل غرس الأشجار صدقة جارية ينتفع بها الانسان بعد وفاته بقوله: «سبع يجري للعبد اجرهن وهو في قبره، بعد موته من علم علماً أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس شجرة، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً، يستغفر له بعد موته» (11) .
وكذلك اهتمت السنّة النبوية بنظافة البيئة، وكيفية الحفاظ عليها كي نحيا في بيئة سليمة من الأمراض والأوبئة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبول في المياه بقوله:«ألا يبولن أحدكم في الماء ثم الدائم يغتسل فيه» (12) وتلويث المياه يكون بوسائل متعددة منها: إلقاء مياه المجاري «الصرف الصحي» والزيوت والشحوم والمواد الأخرى وتعد ظاهرة استخراج البترول من المياه من أخطر وسائل تلوث المياه حيث أدت إلى قتل الثروة السمكية، وإجبار عشرات الآلاف من الناس على إخلاء قراهم وهجرها.
وأكدت السنّة النبوية على حماية الحيوانات، وحسن معاملتها لأن هذه الحيوانات مسخرة للإنسان، ولأنها خلقت لتؤدي دورها في الحياة إلى جانب الإنسان فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن امرأة عذبت في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها ولاهي تركتها تأكل من خشاش الأرض» (13) .

احترام البيئة:
تعاليم الاسلام تدعو إلى احترام البيئة ومواردها مهما كانت منفعتها قليلة لاتفرق بين مورد اقتصادي كبير أو قليل، فالكل نعمة من الله عز وجل والكل يستحق التقدير ويحثّ الرسول صلى الله عليه وسلم الأفراد على حماية البيئة والموارد البيئية وعدم العبث فيها وعدم إساءة استغلالها فيما لافائدة فيه، والعمل على خلق السلوك غير العابث تجاه الموارد الطبيعية، بعد إهدارها والعناية بها لأنها لم تخلق إلا لخدمة الانسان ومنفعته بقوله: «من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله تعالى يوم القيامة يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً، ولم يقتلني منفعة» (14) .

حسن استغلال البيئة:
إن سوء استغلال البيئة يؤديýإلى مشكلات بيئية خطيرة فيذكر أن الصين الشعبية قد شنت حملة خلال النصف الثاني من هذا القرن لإبادة العصافير التي كانت تأكل الأرز حرصاً منها على زيادة الإنتاج وحينما فعلت ذلك وحصلت على محصول وفير لبضع سنوات ظهرت الديدان التي كانت تعيش عليها العصافير فأتت على المحاصيل وابادتها، فخسرت بذلك خسارة فادحة، وحينئذٍ اضطرت لإستيراد العصافير، وتربيتها كي تقيها من شر هذه الديدان (15) .
فهؤلاء اساؤوا استغلال هذه الموارد ولم يراعوا نظام التوازن البيئي، والله عز وجل خلق الكائنات لتؤدي رسالة معينة في الحياة فإن قطعنا الصلة بين هذه الكائنات وبين الغاية التي خلقت من أجلها نكون قد أفسدنا من حيث لانشعر وهو أعلم بخلقه قال سبحانه وتعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (16) . ويعلم أن بعض الموارد يصلح استخدامه في منفعة ما ولايصلح أو يقل نفعه في منفعة أخرى.
وترشدنا الأحاديث الشريفة إلى ضرورة الاهتمام باستغلال الموارد الطبيعية بالشكل السليم وعدم استغلالها في مجالات لاتخدم التنمية الاقتصادية ولاتحقق العائد الأكثر فائدة عند استخدام الأصل الرأسمالي في موقع لايتلاءم مع طبيعته التي وجد لها.
وهكذا نرى القرآن الكريم والسنّة النبوية منهلاً عذباً ودوراً فاعلاً في حماية البيئة والمحافظة عليها وحسن استغلالها فقد ذكرت نصوص القرآن والسنّة بعض عناصر البيئة مرغبةً في المحافظة عليها تارة، ومرهبة من تدميرها وإفسادها تارة أخرى وقد جعل الله عز وجل الإنسان هو سبب الفساد بمختلف أنواعه الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي بقوله: {ظَهَرَ الفَسادُ في الِّبر والبحرِ بما كَسبَتْ أَيدِي الناسِ ليُذَيقُهم بَعْض الذي عَمِلوا لِعلّهم يَرجعون} (17) .
والسبيل إلى الخلاص من تلك المشكلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية هو تربية الانسان وصياغة نظرته إلى الحياة والمال صياغة موضوعية سليمة تتناسب ومنهج القرآن الكريم وتتفق مع نظرته إلى الكون والحياة والإنسان قال تعالى: {إنَّ الّله لا يُغِّير ما بِقَوْمٍ حتى يغيِّروا ما بِأنفُسِهم} (18) .

(*) كاتب من سوريا.

الهوامش:
1ـ د. مصطفى طلبه ـ النهي عن الإفساد في الارض هو ضابط حماية البيئة اسلامياً، مجلة الاقتصاد الاسلامي/دبي، العدد /155/، 1994 صفحة /11/.
2ـ خالد محمود عبد اللطيف ـ البيئة والتلوث من منظور الاسلام صفحة 22 .
3ـ التكاثر / الآية /8/
4ـ البقرة / الآية /172/
5ـ البقرة / الآية /30/
6ـ البقرة / الآية /204/
7ـ الأعراف / الآية /30/
8ـ الفرقان / الآية /67/
9ـ لقمان / الآية /19/
10ـ دكتور غالب خلايلي، سمٌّ اسمه الضجيج، مجلة الاقتصاد الاسلامي، دبي العدد /137/ عام 1992 صفحة /70/.
11ـ رواه البزار.
12ـ متفق عليه واللفظ لمسلم.
13ـ متفق عليه.
14ـ أخرجه أحمد في المسند.
15ـ دكتور عبد الهادي العشري ـ التلوث البيئي والاعجاز العلمي للقرآن الكريم، مجلة الرياض العدد 378، 1994 صفحة /34/.
16ـ الملك / الآية /14/
17ـ الروم / الآية /41/
18ـ الرعد / الآية /11/

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة