تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

التجديد الفكري: قراءة في المفهوم

الحسن حمدوشي

لقد شغلت قضية التجديد الفكري أهمية كبرى في الآونة الأخيرة أوساط المفكرين والدارسين بمختلف انتماءاتهم وتصوراتهم وتوجهاتهم، وكان للمفكرين المسلمين نصيب من هذا الانشغال الذي ظهر مع ما سمي بحركة الإصلاح في القرون الأخيرة، وتصاعد الحركات الإصلاحية وتناميها واندماجها في الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والفكري والمعرفي.

ومن ثم فقد اعتبر (التجديد) قضية أساساً من قضايا الأمة، بحيث لا يكاد يخلو تيار فكري من أن يكون مسهماً فيه بقدر من الدراسة والتحليل، لما يحمله هذا المصطلح من حمولات ورؤى من شأنها أن تسمح بانخراط كافة الاتجاهات والتيارات الفكرية فيه، بغض النظر عن المرجعية التي يمكن اعتمادها خلال المعالجة والدراسة.

كما يستدعي مفهوم (التجديد) إلى ذاكرة العقل الإنساني مجموعة من المفاهيم والمصطلحات التي سادت أوساط مثقفي الأمة منذ منتصف القرن الماضي، ولا تزال سائدة حتى اليوم، من هذه المصطلحات والمفاهيم نجد مثلاً: القديم، المحافظة، التقليدية، البدعة، الأصالة، العصرية، التحديث، التطور، الاجتهاد، التقدم العلمي والتقني، الإحياء، المد، الإصلاح، المستقبلية، الديموقراطية، القومية، الغزو الفكري، التغيير والتحول، حركة التاريخ، إلى غير ذلك من المفاهيم والمصطلحات، لذلك فإن هذه المفاهيم والمصطلحات منها ما كان خادماً لمفهوم التجديد ومبيناً له، ومنها ما كان معارضاً ومخالفاً له، خاصة المفاهيم المستوردة من المذهبية الغربية العلمانية.

من هنا تبدو أهمية دراسة مفهوم (التجديد) باعتباره أحد المفاهيم الكلية في منظومة المفاهيم الإسلامية، وهو أيضاً من المطالب الملحة، لتجاوز القطيعة المعرفية مع العصر، وليكون فاعلاً في الحياة المعاصرة.

نحب أن نؤكد ابتداء أنه من غير التجديد والاجتهاد والإبداع، لا يمكن للفكر الإسلامي أن يبني معاصرته ويمارسها كفعل وتأثير وحضور. فالتجديد هو تأهيل وتطوير وانتقال من الجمود إلى الحركة ومن الانغلاق إلى الانفتاح، ومن الانقطاع إلى التواصل ومن الانشغال بالقضايا الجزئية إلى الانشغال بالقضايا الكلية، وبحث هموم الأمة وقضاياها حاضراً ومستقبلاً.

الأمر الجدير بالإشارة إليه والتنبيه عليه هو أن هناك تصورات ورؤى مختلفة حول مفهوم التجديد وحقيقته، بحيث يمكن أن نميز بين نمطين من دعوات التجديد:

- نمط كان يهدف في مشروعه إلى نقض أطروحة الدين باسم الدين، والطعن في الفكر الإسلامي من خلال دفاع أصحابه المستميت عن فكرة فصل الدين عن السياسة، وإقصاء الدين عن الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والتربوية.. الخ.

- وهناك نمط آخر حمل لواءه علماء الإسلام كان يعمل على إحياء دور الدين في السياسة واستيعابه لمستجداتها المتنوعة، وصياغة فهم معاصر وسليم لقضايا العقيدة والشريعة، حتى يتاح للدين أن يمتد لسائر مناشط الحياة، ويعم الإسلام في مرافق المجتمع. كما عمل هذا الصنف على تحقيق أسلمة المعارف والعلوم والمؤسسات الاجتماعية وغيرها.

على أن هذا النمط هو التجديد المشروع لأنه ينبثق من تراث الأمة وعقيدتها، ونسقها الحضاري وتاريخها.. ويعمل على تكثيف عناصر وأدوات محلية ذاتية لحركته التجديدية بحيث تستمد روحها من الماضي. ولا تعدم تلك الأدوات الإفادة من منجزات العصر وأدواته بغية تطوير الواقع الإسلامي المعاصر اعتماداً على الوحي باعتباره إطاراً مرجعياً وضابطاً منهجياً.

التجديد: قراءة في المواقف والاتجاهات

الاتجاه الأول: اتجاه التغريب

هذا الاتجاه جعل التجديد مرادفاً للتغيير، بهدف القضاء على الماضي ورواسبه، فاعتبر أن الإسلام مجرد حلقة من حلقات اتصال السماء بالأرض ومرحلة في تطور الإنسان ذاته وهذا معناه قيام هذا الاتجاه على أساس مضمون مخالف تماماً لعملية التجديد ومصادرها، ومنطلقاتها، وأغراضها... بحيث يتبنى الرؤية الغربية كاملة باستبعاد الوحي كلية وإدخاله ضمن مقولات وتصورات غربية في محاولة متعسفة قاصرة تفتقد إلى الموضوعية في البحث والدراسة.

ومرد هذا التوجه في الفكر إلى الانبهار الكبير بحضارة الغرب، تلك الحضارة التي جعلت شعارها "لا سلطان على العقل إلا العقل" وبذلك أحلت العقل والعلم والفلسفة محل الله والدين واللاهوت. فيصبح مفهوم التجديد في نظر هؤلاء يدور حول "حل طلاسم القديم والعقد الموروثة، والقضاء على معوقات التطور والتنمية لكل تغيير جذري للواقع، وهو عمل لا بد للثوري أن يقوم به، وإلا ظل القديم شبحاً ماثلاً أمام الأعين يمثل أرواح الإسلام تبعث من جديد"(1).

إن أصحاب هذا الاتجاه يحاولون إسقاط نظريات وفلسفات غربية حديثة على قضايا الإسلام فيطبقون هذه النظريات والتصورات المختلفة مثل التفكيكية والألسنية والتاريخية وغير ذلك من النظريات على الدراسات الإسلامية، والتاريخ الإسلامي، وهو الأمر الذي يؤدي إلى سحب المفهوم الإسلامي إلى الأنساق الغربية التي انطلقت منها هذه النظريات فتكون النتيجة كما يقرر أصحاب هذا الاتجاه أن أحكام الإسلام مرحلية، وأن القرآن لا يفرض حلولاً نهائية للمشاكل العملية التي تعترض الوجود الإنساني، لما تعرفه المجتمعات الإنسانية من تطور مستمر وتغير دائم في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية... الخ.

وقد لاحظ المستشار طارق البشري أن إقصاء الفكر الإسلامي من قبل النزعة الغربية العلمانية، بدأ بلفظ التجديد(2)، أي تحت شعار "التجديد يقود إلى إقصاء الإسلام"، وهو استدراج مسموم ظاهره الخير، وباطنه من قبله العذاب، لأجل ذلك وسم د. فتحي عثمان مسلكهم بطريقة أصحاب العقلية المجددة التي تظل تسحب الدين شيئاً فشيئاً من فسحة الحياة، وتستنكر للنظام القانوني في الإسلام، ثم تغمز الأخلاق الدينية، وتعالج العقائد والعبادات بالتحليل والتأويل والتعطيل حتى ينتهي البحث وقد غدا الدين "غلالة رقيقة تحتمل فوقها جميع الأزياء"(3). وبمثل مدارج هؤلاء المستدرجين، ومغالطاتهم يقع الخلط بين قيم الإسلام ذات الأصول والثوابت، وبين ما هو مخالف لها.

لابد من أن نشير إلى أن أغلب أنصار هذا الاتجاه لا يرفض الإسلام، ولا يستبعده ظاهرياً -وهو منهج جديد في الدس والطعن- وإنما يتعامل مع النص الشرعي انطلاقاً مما يفرضه الواقع المعاصر من مستجدات ووقائع، فيصبح الواقع بإفرازاته هو المقياس، وليس الشرع، فيُعملون هذا المنهج في توليد إسلام جديد، يهدفون منه إلى تحقيق الانسجام والتوافق مع الفكر الآخر، فيُفَصِّلون الشريعة على مقياس العصر -كما يفعل بعض العلمانيين- بدعوى التجديد والاجتهاد في فقه النصوص لكي تلاحق تطورات الزمن ومستجداته، ولا تكون متخلفة عنه. فهؤلاء ينطلقون من خلفية خسيسة، وهي عدم إمكانية وفاء الشريعة بالمقتضيات المتغيرة للمجتمعات البشرية.

إن التجديد إذن؛ في تصور هذا الاتجاه هو إخضاع الدين لمتغيرات الواقع. فحياة الناس ووسائل الإنتاج والتوزيع وعلاقات المجتمع وغير ذلك من مكونات الواقع لا تستقر على حال، وهذا يقتضي تغيير الدين وتطويره ليوافق مستجدات الواقع، والنتيجة أن الدين يصبح -وفقاً لهذا الفهم- مطابقاً لأي واقع نريد، فهو دين الاشتراكية تارة ودين الرأسمالية تارة أخرى، وهكذا يتم إخضاع ثوابت الدين لمتغيرات الواقع(4) كل هذا يتم تحت غطاء (التجديد) لإضفاء صفة الشرعية على ما يقوم به هؤلاء، والحقيقة أن هذا لا يدخل تحت مسمى التجديد الذي ورد في السنة "إنما هو تغيير، والتغيير مرتبط بعملية التغير التي تحتمل الانتقال إلى الأسوأ، فيقال: تغير اللحم إذا أتن، وتغير الماء إذا تبدل لونه أو ريحه... فهذا إذن تغيير لا تجديد"(5).

كما يعمل هذا الاتجاه على تكييف النص بسبب وروده ونزوله، متأثراً بأفكار المستشرقين الذين لا يرون فرقاً بين النص الشرعي وأي نص بشري، ويحاولون من خلال ذلك إخضاع النصوص الشرعية لما يخضع له غيرها من النسبية والظرفية وعدم الاستمرارية المطلقة الأبدية وهذا التوجه في تكييف النصوص توجه مشبوه، فهو كما يقول أحد المفكرين المعاصرين: "... نزعة نلحظ فيها اليوم رواجاً لدى من يرومون المروق من مبدأ الاستمرارية في الهدي الديني، حيث جنحوا إلى تخصيص الكثير من أحكام الوحي بأسبابها الظرفية، وجعلوا ذلك مبرر الاستعاضة عنها بأحكام وضعية. ومن البيّن أن هذه النزعة كفيلة بأن تهدم الدين أصلاً، حيث تنتهي به إلى وضع من التاريخية ينقطع به عن الحياة ويؤول به إلى العطالة الكاملة..."(6).

وممن يصلح مثالاً لهذا التصور(7) (محمد أركون) الذي يؤكد "أن الديانات الشرق أوسطية والفكر الإغريقي والتوحيدية السامية، لها أهمية بالغة في تكوين وتطور اليهودية والمسيحية والإسلام" وأنه "لا المسيحية ولا الإسلام يمكن أن يحددا دون الرجوع إلى الديانات الشرق أوسطية وإلى الفكر الإغريقي وإلى التوحيدية السامية"(8).

ونقول بكل اليقين: إن هذا الرأي -طبعاً- ينتهي إلى اعتبار الأحكام والتكاليف مرحلية كذلك وأن القرآن لا يفرض حلولاً نهائية للمشاكل العملية التي تعترض الوجود الإنساني(9).

وينحو هذا المنحى المستشار محمد سعيد العشماوي الذي يدعو إلى ربط أحكام القرآن وتشريعاته بأسباب النزول، ليصل إلى الادعاء بوقتيتها "لأن الأحكام التشريعية بطبيعتها إقليمية غير عالمية مؤقتة غير مستمرة..."(10) فيرفض القاعدة الأصولية "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" التي تجمع بين عموم اللفظ وبين سبب النزول فتفسر اللفظ العام في ضوء سبب النزول -عندما يوجد- مدعياً أن تلك القاعدة من إبداع الفقهاء "في فترات الظلام الحضاري والانحطاط العقلي"(11)، فيخلص بذلك إلى التأكيد على أن "أحكام التشريع في القرآن ليست مطلقة، ولم تكن مجردة، فكل آية تتعلق بحادثة بذاتها، فهي مخصصة بسبب التنزيل، وليست مطلقة، وكل آيات القرآن نزلت على الأسباب -أي لأسباب تقتضيها- سواء تضمنت حكماً شرعياً أم قاعدة أصولية أم نظماً خلقية، إنها أحكام مؤقتة ومحلية، تنطبق في وقت محدد، وفي مكان بعينه، وبوفاة الرسول انتهى التنزيل مع انعدام الوحي، ووقف الحديث الصحيح، وسكتت بذلك السلطة التشريعية الإلهية"(12).

من المقرر أن المراد بالوحي هو القرآن الموحى به من عند الله والمراد بالتنزيل هو القرآن كذلك، لكن العشماوي كي يصل إلى إلغاء القرآن الكريم باعتباره مصدراً للتشريع الإلهي، نراه بدلاً من أن يستخدم تعبير "ختام الوحي" يقول: "انعدام الوحي"، وبدلاً من أن يقول: "اكتمال التنزيل" يقول: "انتهاء التنزيل"، وذلك ليصل إلى قوله: "فسكتت بذلك السلطة التشريعية"(13).

ولعل من الحقائق التي لا مجال لتغييبها أو تجاوزها أن العلماء الذين اهتموا بأسباب النزول قرروا أنها مناسبات لنزول الأحكام، وليست عللاً في نزول الآيات، وتشريع ما فيها من أحكام، ومن ثم فهي جزء من الوحي القرآني الذي نزل منجماً، وناسب نزول بعض آياته وقارن هذه الأسباب ولذلك اعتبر ابن تيمية "معرفة أسباب النزول تعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"(14).وعلى هذا تعارفت الأمة منذ عصر البعثة المحمدية، وكما يقول أحد أعلام أسباب النزول -ومنهم الزركشي وجلال الدين السيوطي- "فلقد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا، فإنه بذلك يريد أنها تضمنت هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها، فالذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه، فلقد نزلت آيات في أسباب واتفق الصحابة والتابعون على تعديتها إلى غير أسبابها"(15).

هكذا يخلص العشماوي إلى التأكيد على أن الأحكام التشريعية كانت مرتبطة بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي... لشبه الجزيرة العربية، وباختفاء ذلك الواقع، تستحدث أحكام لتنظيم المجتمع المعاصر لتلائم تصوراته الفكرية، ونضوجه العلمي والمعرفي، وواقعه الاقتصادي والاجتماعي، وفي هذا إلغاء لخاصيتي الدوام والاستمرار للشريعة الإلهية، ولعالميتها التي وسعت الزمان والمكان والحال.

وفي هذا أيضاً تجاهل من العشماوي لأن الآيات القرآنية التي رويت لها أسباب نزول جميع هذه الروايات أحاديث آحاد لا تتعدى عند السيوطي 888 آية أي 14% من آيات القرآن، وعند الواحدي النيسابوري 472 آية أي 7.5% من آيات القرآن، الأمر الذي ينفي إمكان تجاوز أحكام القرآن ومعانيه وتشريعاته، وتبقى أسباب النزول أشبه بالتجربة المخبرية في العلوم التجريبية التي تعتبر الأساس للانطلاق منها، والتصنيع في ضوئها واعتمادها في التطبيقات المختلفة والمتعددة داخل المجتمعات التي تعتمد جميعاً تلك التجربة المخبرية ولا تخرج عنها(16).

ومع العشماوي وأركون في الدعوة إلى هذه التاريخانية، والتوقيفية للأحكام، التي لا تتجاوز معاني الأحكام وشرائع القرآن الكريم، يقف د. نصر حامد أبو زيد(17) عند هذه الدعوة بل يتجاوز -باسم التجديد والقراءة الجديدة للنص والتراث- فيعمم التاريخية على العَقََدِية التي جاء بها القرآن مستفيداً من المنهج الوضعي - المادي في التفسير ليقول بتاريخية النصوص الدينية، فينفي عن معانيها ودلالتها الأصلية، أي ثبات أو خلود فيقول بجرأة: >إن القرآن خطاب تاريخي لا يتضمن معنى مفارقاً جوهرياً ثابتاً... وليست ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص، بل لكل قراءة بالمعنى التاريخي الاجتماعي - جوهرها التي تكشفه في النص"(18).

وأعتقد أن الذي يتنازل عن هويته ومقومات حضارته باسم التجديد، يمكن تصنيفه في دائرة تيار التحلل والانسلاخ، ولا يمكن نعت ما يقوم به بوصف (التجديد)، لأن التجديد يحمل معنى الأصالة التي نريدها في وسائلنا الإعلامية ومناهجنا التعليمية والتربوية ونظمنا الاقتصادية؛ بأن تحقق تجديداً يحفظ الأصل والجوهر، ويحقق في الوقت نفسه النمو والتطور والمعاصرة والإبداع.

أما الانسلاخ فيعني الخلاص من الأصل القديم إلى شيء آخر، والتجرد من الشخصية القديمة واستعمال لبوس شخصية أخرى، وقد أحسن عبد الحليم أبو شقة(19) حين مثل لهذا المسلك بانسلاخ الذئب من جلده ولبوسه جلد الأسد ليجعل منه أسداً هصوراً.

وعليه فمهما ادَّعى هذا التيار أن ما يقوم به تجديداً لن يغير من التصور أي شيء، لأن عمل هذا الصنف من المثقفين لا يعدو أن يكون منافياً للحقيقة، فهؤلاء كما قال د. القرضاوي هم المجددون المزيفون(20)، لأن التجديد لا بد أن يكون من داخل إطاره، وبأدواته وآلياته المشروعة، وعن طريق المستجمعين لشروط التجديد والاجتهاد، سواء تعلق الأمر بالشروط النظرية أم الشروط التطبيقية؛ أي الشروط المساعدة على تنزيل النص على الواقع.

هكذا بدأت عملية إسقاط الأطروحات والأفكار الغربية على المفاهيم التراثية للحصول على المشروعية التي يحملها المصطلح فقدمت مثل هذه الأفكار والآراء على أنها اجتهاداً واعتبر الخروج والرفض للثوابت والقطعيات تجديداً.

وحسبنا أن نثبت هنا لنقول: إن ما ذهب إليه العشماوي وغيره -ممن ينتمي إلى هذا النوع من التجديد المنبتّ والمنقطع عن أصوله وجذوره- أنه هو مما لا يقول به مسلم ولا عاقل على الإطلاق فلا يمكن أن نصف هذا النوع بالتجديد في الفكر الإسلامي، لأنه في الحقيقة إبعاد لهذا الفكر نهائياً، وليس مجرد تجديد فيه، ومع ذلك بالإمكان القول: "إن حسن قراءتنا لهذه التحديات، وتبصير الأمة بها، ونقل الأمة من موقع التلقي والعطالة وحالة الانبهار والاستسلام، إلى موقع استشعار التحدي، سوف يجعل من هذه التحديات محرضات حضارية ومفاعل خير ومنجم عطاء"(21).

الحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها هي أن العقلية الأوروبية نجحت في فرض شكل معين من التحقيق والتقويم والنقد، وأوجدت القدوة والأنموذج. ويمكن القول: إن معظم الكتابات العربية المعالجة للتراث، قد سارت على هذا النهج ولم تتجاوزه إلا في القليل النادر وانتهت إلى إيجاد ركائز ثقافية عربية معبرة عنها ومثبتة لوجهة نظرها، ومدافعة عن المواقع الثقافية التي احتلتها. حتى في الجامعات والمؤسسات العلمية لا يزال الخضوع والاحتكام للقوالب الفكرية التي اكتسبها المثقفون المسلمون من الجامعات الأوروبية(22)، وبذلك انطلق مفكرو هذا التيار -بعد حال التشييع والتغذية الاصطناعية الحداثية- مباشرة نحو دوائر المقدس (القرآن والسنة) ونحو دوائر التراث الحداثي في الذات التاريخية والراهنة يعبثون فيها -بدعاوى الحداثة والتجديد- خلطاً وتذريراً وتحليلاً بأدوات مناهج الحداثة (التحليل، التحرر، التفكيك، التشكيك)، التي لا يعدو كونها توليداً وتوليفاً ومزحاً جديداً لسائر الطروحات المادية الماضوية للفكر الوثني الخرافي والوضعي معاً، ولذلك فقد وقع هؤلاء المفكرون في الكثير من المتيهات الفكرية والمنهجية والمعرفية والاصطلاحية واللغوية والوجدانية التي نأت بهم بعيداً عن فهم واستكناه أبعاد النص المقدس.

وقد أفضت بهم هذه المتيهات إلى الترديد الببغائي لخرافة النهايات (نهاية التاريخ) و(الاصطدامات الحضارية)(23) و(عالم متعدد الأقطاب) التي ألقى بها مفكرو الحداثة معلنين في قرن العولمة والحداثة نهاية الأديان، إلا المسيحية واليهودية ونهاية التاريخ إلا التاريخ الغربي، ونهاية اللغات إلا اللغات التسلطية العالمية، ونهاية الحضارات إلا الحضارة والمدنية الغربية ونهاية عصر المال والوظيفة والمهنة...(24) وصدق فيها توسم رسول الله (عليه السلام) المستقبلي حين قال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال فمن؟"(25).

نعود مرة أخرى لنؤكد أن الاتجاه التغريبي الذي عالج قضية التجديد، هو اتجاه يتراوح في فهمه لهذه القضية بين ما يسمى بتيار الاستبدال والتغيير الكامل، وبين ما يسمى بتيار التلفيق والتوفيق بين الرؤية الإسلامية والرؤية المادية الوضعية الغربية، ويقوم هذا الاتجاه بتياراته المختلفة على مضمون مخالف لعملية التجديد والإحياء ومرتكزاتها وضوابطها حيث يتبنى الرؤية الغربية العلمانية كاملة بإقصاء الإسلام كلية -كما رأينا من خلال النماذج التي أوردناها سلفاً- أو إدخاله ضمن مقولات غربية، في محاولة لإسقاط متعسف أو بحث عن تلفيق وتوفيق يخلقان نوعاً من المشابهات السطحية بين مفاهيم إسلامية وأخرى غربية.

أعتقد أن خطورة عملية التلفيق خاصة -بناء على المرجعية الغربية- وفق الإطار المرجعي الغربي تبدو في ممارسة عملية التغريب وفق لغة تدعي قراءتها للتراث، وتدعي فهمه والوعي بسياقه التاريخي، وتطبيق مناهج حديثة على الإسلام ومصادره، إنها تهدف إلى إقحام مناهج(26) في الدراسات الإسلامية ذات البعد الغيبي والتي لا تصلح ابتداء لدراستها، كما أنها تهمل في الوقت نفسه أصولاً منهجية استقرت في التراث الفكري الإسلامي مثل علم أصول الفقه، وأصول آداب البحث والمناظرة.

وشبيه بهذه الخطورة ما يقدمه منهج التلفيق المؤسس على منطلق تراثي محض، لا يراعي أهمية فقه الواقع، ولا يكلف نفسه الغوص لفهم معطياته المتجددة؛ فهو يقدس التراث على الجملة، مفترضاً فيه العصمة أو الأفضلية المطلقة، وبذلك فإن سطحية هذه العملية تأتي من فشلها في عدم الإجابة عن مشكلات الواقع، والوقوف عند حد الاجترار التراثي دون أدنى درجات الوعي بالتاريخ والتراث...(27).

لقد أشار د. سيف الدين عبد الفتاح في دراسته القيمة لمفهوم التجديد، إلى أن الاتجاه التغريبي بتياراته المختلفة في تناوله للمفهوم والمنهجية، تفرع إلى أكثر من فريق:

- فريق أهمل تحديد المفهوم ويقع معظم من يمثله ضمن تيار التوفيق، ذلك أن عملية التوفيق بطبيعتها تهمل مجموعة من القضايا الأساسية أهمها على الإطلاق (المفهوم والمنهاجية) حتى يتسنى القيام بهذه العملية دون أي معوقات نظرية ومنهاجية يمكنها أن تسد الطريق أمام القيام بها ابتداء.

- الثاني تبنى المفاهيم الغربية المتعلقة بعملية التجديد دون أدنى مراجعه تذكر كل وفق توجهه الإيديولوجي المسبق، سواء كانت المقولات ماركسية أم ليبرالية.

- فريق آخر "ضمن تيار التوفيق" حاول أن يجري عملية التوفيق بين المفاهيم دون أسس منهاجية ومعايير واضحة، مما أسهم في تشويه المفهوم ذاته. وتعتبر محاولة الجمع بين مفاهيم الرؤية الإسلامية والغربية عملية مرحلية لإقصاء المفهوم الأصيل بكل جوانبه في اتجاه التغريب الكامل.

هذا على مستوى المفهوم أما على مستوى الاهتمام بقضية المنهاجية فقد تعرض لها الاتجاه التغريبي قاطبة بشكل مفصل على عكس ما سمي باتجاه "التأصيل والتجديد الذاتي الشرعي".

ومما ينبغي ملاحظته أن هذا التعرض للمنهاجية والاهتمام بها يجب ألَّا ينسب إلى تيار التغريب -مباشرة- لأنه يقوم في جوهره على نقل المناهج الغربية الجاهزة(28).

فهؤلاء التغريبيون يشتكون من عقم الإنتاج وهمهم الوحيد أن ينقلوا من أسيادهم المناهج والتصورات في دراستهم للقضايا فهم مقلدون ليس إلا >دون فهم أو تعقل على أساس أن ذلك هو سبيل التقدم أو التحديث أو التنمية"(29) وهذا مخالف لأصول الشريعة التي حذرت من التقليد والتبعية..

وأخيراً ننبه إلى أن هدفنا لم يكن دراسة آراء وأفكار أولئك المفكرين، وإنما القصد إلى التمثيل لهذا الاتجاه الذي يدعي أن ما يقوم به يدخل ضمن شرعية التجديد والاجتهاد في الفكر الإسلامي، لكن الدارس المتأني يشهد على أن تلك الأطروحات والأفكار ما هي إلا إبعاد لهذا الفكر وإلغاء له، وليس مجرد تجديد فيه أو إصلاح له!

       2- الفريق الثاني: التجديد في نظر التأصيل الشرعي

لقد أسس بعض أنصار هذا الاتجاه مفهوم التجديد على التعريف اللغوي(30)، فقد ذهب جمال سلطان -مثلاً- إلى "أن التجديد -في مجال الفكر أو في مجال الأشياء على السواء- هو أن تعيد الفكرة أو الشيء الذي بَلِيَ أو قدم أو تراكمت عليه من السمات والمظاهر ما طمس جوهره، أو تعيده إلى حالته الأولى، يوم كان أول مرة، فتجديد الشيء أن تعيده جديداً وكذلك الفكر، وكذلك أيضاً الدين"(31).

هناك من أكد أن المفهوم الشرعي للتجديد في الإسلام هو إنهاض الهمة وبعث الروح فيمن أصابه الخمول، وتنشيط من لحقه الوهن في العزيمة والتراخي والكسل، وذلك بإحياء السنة وطمس البدعة... إنه الفهم الصحيح لمبادئ الإسلام وقيمه(32).

الملاحظ أن مفهوم التجديد هنا اقتصر على إحياء ما اندرس من السنن والقضاء على ما استحدثه الناس من بدع وخروقات وتشوهات في الإسلام.

أما أبو الأعلى المودودي فيرى أن حقيقة التجديد هي "عبارة عن تطهير الإسلام من أدناس الجاهلية، وجلاء ديباجته حتى يشرق كالشمس ليس دونها غمام"(33).

فالتجديد الحقيقي هو الذي يعمل على إبراز البدائل، وتقديم الحلول والعلاجات لأمراض الأمة المزمنة، على أساس استيعاب القديم وتقويمه ودراسته وتحليله وإعادة قراءته وإدراك تحديات الحاضر من أجل استشراف متطلبات المستقبل المنشود.

كما عرفه أيضاً د. فاروق النبهان بأنه عبارة عن أداة التواصل، لأنه يعطي للفكرة بعدها الزمني عن طريق ربط تلك الفكرة بالرؤية المتجددة التي تمنحها القدرة على الاستمرار والبقاء والصمود في وجه التطورات المستمرة، التي يعرفها الواقع وتألفها الأجيال اللاحقة(34).

لذلك يمكن القول بكل اطمئنان: إن التجديد في بعده الفكري هو نشاط عقلي لا يتوقف، فهو دائم القيام بعملية النقد والمدارسة والنظر باستمرار في التراث الفكري، والمعارف الإنسانية والتجارب التاريخية، قصد تصحيحها والإفادة منها، لتلائم تطورات الواقع الإنساني الجديد. لأن الفكر يمكن أن يموت أو يبلى(35) متى توقف عن التجديد والإبداع.

هناك إذن علاقة قائمة بين الواقع وما يفرزه من قضايا ومستجدات، وبين العقل الإنساني وقدرته على صنع الأفكار القادرة على مواجهة تحديات الواقع المعاصر.

هكذا نخلص إلى أن التجديد هو تجديد في الفكر والثقافة والمنهج، وليس المقصود بالتجديد هنا هو التجديد في ثوابت الدين كما هو ديدن بعض التيارات والاجتهادات الفكرية التي سخرت أقلامها وأموالها وإعلامها... لهذا الغرض، كما رأينا سابقاً.

إن الدين باعتباره وحياً إلهياً لا يجوز فيه الزيادة ولا التغيير أو التبديل أو النسخ أوالتعطيل بحجة فساد العصر، وما أشبه ذلك مما من شأنه أن يحرف الكلم عن مواضعه.

يرى محمد أسد أن ما يسمى (بالإصلاح الديني) في أدبيات المفكرين، هو إصلاح نظرة العقل المسلم إلى الإسلام، وليس إصلاح الإسلام أو تجديده، بمعنى إيجاد نسخة أخرى له تتناسب وقضايا العصر يقول: "فنحن لا نحتاج إلى فرض إصلاح على الإسلام كما يظن بعض المسلمين، لأن الإسلام كامل بنفسه من قبل، أما الذي نحتاج إليه فعلاً، فإنما هو إصلاح موقفنا من الدين بمعالجة كسلنا وغرورنا وقصر نظرنا، وبكلمة واحدة معالجة مساوئنا نحن، لا المساوئ المزعومة في الإسلام، ولكي نصل إلى إحياء إسلامي، فإننا لا نحتاج إلى أن نبحث عن مبادئ جديدة في السلوك نأتي بها من الخارج، إننا نحتاج فقط إلى أن نرجع إلى تلك المبادئ المهجورة فنطبقها من جديد"(36).

وإذا كنا نتفق مع (محمد أسد) على أن مرجعية الإحياء والبحث الحضاري من جديد تكمن في مبادئ الإسلام وقيمه، فإن الذي ندعو إليه هو تفعيل تلك القيم وتحويلها إلى برامج ومبادئ ضمن رؤية شاملة، وعدم الاكتفاء برفع الشعارات، وهذا من شأنه أن يحقق خاصية الخلود والاستمرار لقيم الكتاب والسنة. يوضح حسن الترابي هذه القضية بقوله "... أليس الدين هدياً أزلياً خالداً لا مكان فيه لتجديد؟ بلى.. الذي يتجدد ويتقادم ويبلى إنما هو الفكر الإسلامي. والفكر الإسلامي إنما هو التفاعل بين عقل المسلمين، وأحكام الدين الأزلية الخالدة... أما عقل الجيل من المسلمين الذي يضطلع بالتفكير في الإسلام فهو يتكيف بنوع وكمية المعارف العقلية.. والتجارب التي يحصلها في كل زمان.. إذا ضاقت هذه المعارف ضاق، وإذا اتسعت اتسع، لأنه يتكيف وينفعل بالظروف الراهنة التي تحيط به، وبالحاجات التي يحسها الناس وبالوسائل التي تتيحها له ظروف الحياة، فالفكر الإسلامي هو التفاعل بين عقلنا المتكيف بهذه العلوم المنفعل بهذه الظروف مع الهدي الأزلي الخالد الذي يتضمنه الوحي والذي يبينه الرسول (عليه السلام)"(37). ومن ثم يصبح إصلاح الفكر الديني -وبعبارة أخرى- مراجعة وتقويم فهم الناس للدين (التدين) الذي يجري عليه الخطأ والصواب- شعاراً فكرياً وعقدياً لسائر الكتّاب والمفكرين، خصوصاً في عصرنا الحاضر.

وإلى مثل هذا الاعتقاد ذهب علي شريعتي حين رأى ألَّا "إصلاح ديني في الإسلام، بمعنى إعادة النظر في الدين، بل إعادة النظر في رؤيتنا وفهمنا الديني، والعودة إلى الإسلام الحقيقي، والوقوف على الروح الحقيقي للإسلام الأول... ونحن إن لم نكيف رؤيتنا الدينية مع منطق العصر، ولم نعرف الإسلام الفاعل الإيجابي المسؤول، فمن المحتمل(38) أن نضيِّع الكثير من أصولنا العقدية خلال جيلين آتيين، وستفقد الأجيال القادمة أبسط الميل والتفاعل مع هذه الأصول، ويضحى لها الإسلام الواقعي والإسلام الخرافي على حد سواء..."(39).

إن نقد فهم الإنسان للدين (التدين) وتحديد الخلل والوقوف على علل التدين، ومحاولات التجديد والتصحيح والتقويم، لا يعني النقد أو الإلغاء أو المحاصرة لنصوص الدين في الكتاب والسنة، "ذلك أن التدين في نهاية المطاف هو مواضعات واجتهادات بشرية يجري عليها الخطأ والصواب، فنقدها لا يعني نقد الدين، وأن الالتباس في هذا الموضوع أدى إلى مضاعفات خطيرة، وأشاع جوًّا من التخوف، ومحاصرة حركة العقل والاجتهاد والتفكير... وأصاب الأمة من الركود والتقليد العام، والتخاذل الفكري، وتكريس الأخطاء، واختفاء ملكة النقد"(40) والتصويب والتقويم والمراجعة، مما ساهم في سيادة تصور يعتبر أن نقد ومراجعة بعض أفهام الناس للدين، وممارسات الأشخاص له، هو نقد موجه لما يحمله هؤلاء من قيم ومبادئ معصومة، وأن هذا النقد قد يدخل صاحبه في الكفر.

وأعتقد أن هذا اللون من الفكر والفهم الساذج، وَلَدَ جوًّا من الإرهاب الفكري، وأصبحت الفهوم البشرية تحاصر قيم الكتاب والسنة وانتقلت القدسية من تلك القيم والمبادئ المعصومة إلى آراء الناس وأفهامهم فكانت الأزمة وكان الانحراف!

وفي تقويمه لرؤية محمد إقبال في تجديد الفكر الديني يقول محمد البهي: "كان إقبال دقيقاً عندما عبر عن حركته الفكرية بـ"إعادة بناء الفكر الديني" في الإسلام، دون التعبير بـ"الإصلاح الديني"، لأن أية محاولة إنسانية تدور في محيط الإسلام، لا تتعلق بتعديل مبادئه طالما أن مصدره هو القرآن الذي له صفة الجزم والتأكيد والأبدية، وأية حركة إصلاحية في الإسلام بعد ذلك هي إذن في دائرة الفكر الإسلامي وحوله، وفي دائرة أفهام المسلمين وتفسيرهم لتعاليمه، وليس هناك تطور للإسلام نفسه، لأن الوحي به قد انتهى على عهد الرسول (عليه السلام) كما ختمت برسالته الرسالة الإلهية، ولا يترقب إذن أن يكون هناك إصلاح ديني في الإسلام على نحو الذي قام بصنعه مارتن لوثر في المسيحية"(41).

الأمر اللافت للنظر أن (إقبالاً) أخطأ حين صور حركة أتاتورك في تركيا بالحركة الإصلاحية التجديدية، وأثنى عليها حيث قال في حقها: "إن تركيا في الحق، هي الأمة الإسلامية الوحيدة التي نفضت عن نفسها سبات العقائد الجامدة، واستيقظت من الرقاد الفكري وهي وحدها التي نادت بحقها في الحرية العقلية، وهي وحدها التي انتقلت من العالم المثالي إلى العالم الواقعي، تلك النقلة التي تستتبع كفاحاً مريراً في ميادين العقل والأخلاق"(42). ولا أدري كيف صنف محمد إقبال حركة أتاتورك ضمن الحركة الإصلاحية التجديدية ونحن نعلم أن ما قام به مصطفى كمال أتاتورك من تغيير وإصلاح كان وفق النموذج الغربي الذي أنهى دور الإسلام والثقافة الإسلامية في بناء المجتمع وتبني مفهوم العلمانية الأوروبي المسيحي، وفصل الدين عن الدولة والنظم والعلاقات الاجتماعية كافة وبشكل عنيف غاشم، وكانت النتيجة إلغاء جميع التشريعات الإسلامية وإقامة قانون دولة سويسرا مكانها التي كانت تعتبر من أرقى دول أوروبا آنذاك.

الحق أن هذا الموقف من محمد إقبال يدعو للاستغراب والتساؤل وفي تفسير البهي "أن السبب في تمجيد إقبال للحركة التجديدية في تركيا اتباعه للمستشرقين في ذلك وتقليده لهم في الرأي وليس نتيجة مباشرة لدراسة هذه الحركة... ولأن إقبالاً يمجد نهضة تركيا الحديثة ويشجع الرياضة الصوفية(43) من جانب آخر يمتدحه المستشرقون في حديثهم عند تعرضهم للحركات الإسلامية المعاصرة، ويذكرون له من حسناته فقط هذين الأمرين بينما يعيبون عليه في الوقت نفسه رأيه في أن الإسلام دين ودولة معاً، وفي أن الحقيقة الإسلامية أمر واحد لها اعتباران فقط، ويعيبون عليه أكثر تشجيعه قيام دولة إسلامية على أساس إسلامي"(44).

وفي اعتقادي، لا نستطيع الجزم بأن سبب تمجيد إقبال للحركة التجديدية في تركيا هو اتباعه للمستشرقين في ذلك، وأن تقويمه للحركات الاستعمارية لم يكن عن إطلاع وفقه بتلك الحركات، وإنما هو تقليد واتباع لمنهج المستشرقين وفكرهم، لمجرد أن هؤلاء يمتدحون محمد إقبال في دراساتهم التي تتعرض للحركات الإسلامية المعاصرة. لذلك نرى أن هذا السبب غير مقنع، ولا يقوى أمام الوقائع والأحداث، ومن ثم فالقضية بحاجة إلى تعميق البحث والدراسة من قبل المفكرين والمهتمين بقضايا الإصلاح والتجديد.

من هنا ندرك أهمية "دراسة حركات التجديد والمجددين الذين حاولوا الانعتاق من أسر الفهوم المسبقة التي كرست الواقع، في محاولة للانطلاق المنهجي في بناء معرفة إسلامية، تستمد من قيم الوحي، وتستصحب فهم السلف، بعيداً عن القفز فوقها أوإسقاطها أو نقل القدسية لها، والاكتفاء بها"(45).

هكذا يكون التجديد ليس إلغاء أو تعديلاً للقيم، وإنما هو عودة إلى الينابيع، عودة إلى المعايرة بالقيم وإعادة تنزيلها على الواقع، واستئصال نوابت السوء، ومحاصرة البدع والخرافات والأوهام، وعودة إلى تحريك وتشغيل آليات التغيير الاجتماعي، والتعامل مع السنن الجارية، وهز البرك الراكدة، ومعالجة حالات الاسترخاء والرخاوة التي ألفها الناس، وإعادة فحصها واختبارها وتصويبها.

إن التجديد في الحقيقة هو نوع من التغيير المنهجي المنضبط بقيم الكتاب والسنة(46).

فالإحياء والتجديد إذن واجب، ومن ثم فلابد من "القدرة على إبداع البرامج التغييرية وتحويل الفكر إلى فعل، وتنزيل القيم على الواقع، وإيجاد المناهج والفقه المطلوب للتعامل مع القيم، واكتشاف السنن وتسخيرها"(47) والإفادة منها وتحويلها من قوانين إلى برامج عمل.

فالتجديد الحقيقي يجب ألَّا يكون منفصلاً عن حقائق الدين نفسها، أو مخالفاً لمقاصده العامة، بل ينبغي أن يكون وعياً دينياً يرتبط بالأصول الشرعية الثابتة، باعتباره إطاراً لحقيقة دينية وليس إفرازاً لواقع معين، وإن كان للزمان والمكان دورهما في عملية التجديد الفكري.

إن حقيقة تجديد الفكر تقتضي وصله بالواقع بعد انقطاعه عنه، حيث أصبح فكراً تجريدياً بعيداً عن واقع الناس، وقضاياهم الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية...

وممن تنبّه إلى خطورة الفصل بين الفكر والواقع، نجد حسن الترابي الذي أشار إلى أن الواقع يؤكد أن الفكر الإسلامي قد انقطع عن حياة الناس وأصبح فكراً مجرداً، وكان هذا الانقطاع عن الواقع أحد علله وأمراضه(48).

وفي هذا الصدد يقول محمد عمارة أيضاً: "إن أحداً لا ينكر أن الفكر الإسلامي قد خُلع عن عرشه، وانحسر ظله عن أغلب مملكته -إنْ ضعفاً أو قسراً- وخاصة في المساحة الأغلب من دوائر الحكم والدولة والتنظيم وقيادة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والمعرفي للمجتمع الإسلامي... وأيضاً في مساحة كبيرة من تصورات الجمهور وممارستهم..."(49).

من هنا يتأكد لنا جليًّا أن صياغة الواقع ومؤسساته، وهيئاته وعلاقاته وفقاً لأسس الفلسفات الوضعية الغربية العلمانية، لن يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى ذلك الانقطاع والانفصام والتصادم بين نصوص جامدة وبين واقع متحرك منفلت منها -أي النصوص- بعيد عن قيمها وأسسها العامة(50).

وعليه فإن تجديد الفكر وإحياء منظوماته، وتصحيح المنهج وبعث الاجتهاد من جديد، يأتي ضمن أولويات عملية الإحياء والتجديد، لأن المقرر عند العلماء أن "العلم يسبق العمل"، "والفكر يسبق الحركة".

وحسبنا في هدا الصدد أن الله تعالى بدأ وحيه بكلمة (اقرأ)، والقراءة الواعية هي مفتاح الفكر والعلم والتأمل.

إن الأمة بحاجة إلى تجديد يتيح لها التفوق في فرض (الكفايات) من العلوم الكونية والرياضية وتطبيقاتها (التكنولوجية) في المجالات المدنية والعسكرية، ويجعل أمة (سورة الحديد) قادرة على تصنيع الحديد، وعلى استغلال ثرواتها المطمورة والمنشورة، بحيث لا تكون عالة على غيرها، في القوت الذي يحييها وفي السلام الذي يحميها.

هنا أمر قد يكون من المفيد التنبيه عليه هو أن التجديد الذي يعبر عن فهم جديد للأصول ليس تجديداً للحاضر، والمستقبل، ولا إلغاء لفهم السلف الصالح، بل هو تجديد للحاضر فقط في حين يكون للمستقبل تجديده الذي يصنعه أبناؤه، أما فهم السلف، فهو تجديد وإبداع في الماضي، وهو نقطة الانطلاق، لتجديد الحاضر، فالتجديد للحاضر يبدأ في حين توقف الأسلاف، وتجديد المستقبل يبدأ من حيث أنهينا العمل، فوعي المسلمين متصل ومتواصل ومتراكم وهذا جزء من الوراثة الصالحة(51).

مما سبق بيانه يفهم أن (التجديد) كلمة إسلامية أصيلة وليست دخيلة ولا غربية، ودلالتها إسلامية، ولذلك قال القرضاوي معترضاً على من أنكر أصالة هذا المصطلح "وبهذا نرى أنه لا معنى لإنكار بعض العلماء عبارة التجديد في الدين وتوجسهم خيفة أن يستخدمها بعض المنحرفين فيما لا يقبله الإسلام... وقد نطق بهذه الكلمة (التجديد) وصح بها الحديث"(52) فلم يعد يَسَعُ مسلماً أن يتخوّف من استعمالها، وإنما المهم هو تحديد مدلولها حتى لا يستخدمها كل فرد أو فريق بما يحلو له، ومع ذلك هناك من الكتاب من يلاحظ >أن مصطلح التجديد" يشوبه -غالباً- غموض، وعدم ضبط مما أتاح للمنحرفين استخدامه، بيد أنه ليس مصطلحاً وليد اليوم، وعلى الرغم من وروده في الحديث النبوي مع ذلك لم يشتهر مصطلح التجديد في تراثنا، مما يدعونا إلى بيان معنى التجديد في التصور الإسلامي، من خلال قواعد الدين، وهدي النبي الخاتم (عليه السلام)"(53).

والأمر الذي نريد إيضاحه هنا أن "مصطلح التجديد في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر قد واكب مرحلة فكرية ومعرفية، تجعلنا مدعوين إلى إعادة النظر فيه، أو تنويع الرؤية على ضوء تلك المرحلة وخلفياتها.

فقد شاع المصطلح في مرحلة بدأت فيها المنهجية العلمانية، تتسرب في قطاعات واسعة من حياتنا الفكرية والمعرفية، والقيمية والفنية، وكان الفصام واضحاً بين الخط الإسلامي والخط العلماني، وكانت الوضعية الفكرية تميل نحو بلورة كلا الموقفين، بدرجة شديدة الحدة والتميز، وكان هناك الكثير من المصطلحات الجديدة والطريفة تتوالد بسرعة في مناخ الفكر والمعرفة، موازية لمصطلحات إسلامية عربية تراثية من أول الأمر ثم انتهت -بمرور الوقت- إلى استبعاد المصطلح التراثي، واعتماد المصطلح الجديد بصورة حاسمة، وفي هذه الأثناء ظهر مصطلح الثقافة، وغاب مصطلح الفقه، أو حوصر في مجالات دينية ضيقة، وظهر مصطلح المثقف والمفكر وغاب مصطلح العلم والمتعلم، وغاب مصطلح الاجتهاد، وبرز مصطلح التجديد"(54).

ويكفي للرد على بعض ما أشار إليه جمال سلطان أن مصطلح التجديد هي كلمة نطقت بها السنة النبوية الشريفة، وهذا أقوى دلالة على إسلامية هذه الكلمة (المصطلح) وأصالتها، أما أنه لم يشتهر في التراث الإسلامي، فهذا ليس سبباً مقنعاً، لرفض وتجاوز المصطلح "وكثير من العلماء المخلصين ينكرون أشياء ثابتة لسوء استخدام بعض الناس لها، وهم بهذا يعالجون الخطأ بالخطأ، والمنهج السليم هو إثبات الثابت، وإعطاؤه التفسير الصحيح، ورد كل فهم خاطئ، أو تطبيق غير سليم"(55).

وأظن أن غياب المصطلح في أدبيات المفكرين والكتاب الإسلاميين، يدل على حالة الجمود والخمول والتراخي، التي كان يحياها الفكر الإسلامي، حيث لم يبق له إلا هامش ضيق جداً في حياة الإنسان، وبذلك توقف عطاؤه عن الإبداع والإنتاج والإسهام في تنمية المجتمع، لذلك كان لا بد أن يعيش الفكر في زاوية منعزلة لأن "الفكر الذي لا يجدد نفسه من الداخل لا يجدد الواقع خارجاً فالفكر له ديناميكية ولا تنكشف إلا بالتنزيل على الواقع"(56).

وأعتقد أن هذا الانعزال والتقوقع على الذات والغياب عن مجريات الواقع سببته انقطاعات ثلاثة هي:

* الانقطاع عن الأصول والعكوف على الشروح والفروع والجزئيات.

* الانقطاع عن العلوم والمعارف العقلية.

* الانقطاع عن الواقع(57).

لذلك بإمكاننا القول: إن نتيجة هذه الانقطاعات الثلاثة كان لا بد أن تفضي إلى حقيقة حتمية هي القطيعة الكبرى مع التجدد الفكري والحضاري الإنسانيين على المستويين النظري والتطبيقي، لذلك لا يمكن تجاوز هذه القطيعة إلا بإعادة ربط العقل المسلم من جديد بأصوله الشرعية (كتاباً وسنةً) وتواصله مع العلوم والمعارف العقلية التي أنتجها العقل الإنساني، واستفادته منها باعتبارها مما هو مشترك عام بين الأمم والحضارات، وأخيراً ضرورة انخراطه في الواقع، لأن هناك صلة عميقة بين الفكر والواقع "فحين انقطع فكرنا عن الواقع حرم من مدد يصله بأصول الحياة، وغدا محفوظات نقلية. والفكر الإسلامي الذي نشأ في سياق حركة الانحطاط التي لازمتنا دهراً طويلاً، كان فكراً منحطاً دهراً طويلاً، لأنه إذا انحط الواقع انحط الفكر، وإذا تحرك الفكر تحرك الواقع فهما متلازمان تماماً"(58).

إذا عدنا مرة أخرى إلى ما أشار إليه جمال سلطان، فإنه لا مجال للمقارنة بين الاجتهاد والتجديد، لأن هذه المقارنة تفقد الدقة من الناحية الاصطلاحية فالاجتهاد مجاله هو التشريع والفقه وأصول الفقه، بعبارة أخرى هو منهج يعتمده الفقيه في استنباط الأحكام، ولذلك فالاجتهاد ليس تجديداً، والتجديد مجاله الفكر والثقافة.. وهو ليس اجتهاداً بالمعنى المتعارف عند علماء الأصول، غير أن هذا التفريق المنهجي بين المصطلحين لا يلغي تلك الصلة بينهما؛ بحيث القضية الواحدة يمكن أن تكون تجديداً واجتهاداً في الوقت نفسه(59).

ولبيان حقيقة هذه العلاقة بين المصطلحين أشار د. القرضاوي إلى أن >بين الاجتهاد والتجديد -كمفهوم معاصر- صلة، فإذا كان الإسلام يعتبر الاجتهاد أداة لفهم أحكام القرآن والسنة، فهل يقبل الإسلام التجديد كما يقبل الاجتهاد؟ أم أنه ينافي طبيعة الدين الذي جاء ليضبط الحياة بعقائده ومفاهيمه، وأحكامه، أم أن لكل منهما مجاله الذي يعمل فيه؟...

فتجديد الدين ثابت بالنص، ولكنه ليس هو الاجتهاد بعينه، وإن كان الاجتهاد فرعاً منه، ولوناً من ألوانه، فالاجتهاد هو تجديد في الجانب الفكري والعلمي، أما التجديد فيشمل الجانب الفكري والجانب الروحي، والجانب العملي، وهي الجوانب التي يشملها الإسلام، وهي: العلم والإيمان والعمل"(60).

إذن؛ فإن الاجتهاد أصل من أصول الدين، والتجديد لازم للاجتهاد، وسنة الله في خلقه أناسي ومجتمعات(61). هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يمكن للمرء ألا يتفق مع جمال سلطان أيضاً، فعلى فرض شيوع هذا المصطلح (التجديد) في مرحلة تنامي وتصاعد ظاهرة العلمانية فكرياً وثقافياً ومعرفياً..، والذي يحمل من معانيه فصل الدين عن الدولة، فإن ذلك ليس سبباً منطقياً ومنهجياً لرفض مصطلح التجديد أو إنكاره حتى لو كان استخدامه عند الاتجاهات العلمانية أكثر من المفكرين المسلمين، فالاتجاهات العلمانية إذا كانت قد احتلت المصطلح -كما يرى الكاتب- وأعطته توجهات مضادة لقيم الشرع، كمفهوم فصل الدين عن الدولة مثلاً، أو مفهوم إباحية سفور المرأة أو الإقرار بالربا في معاملات المصاريف...، فهذا هو المفهوم العلماني الذي يجيز ما حملته حضارة التغريب من نظم وأفكار وقيم وأخلاق ومناهج وتصورات حول الكون والحياة والإنسان، في حين يبقى فهم هذا المصطلح عند علماء الإسلام فهما آخر، يأخذ أبعاده وأهدافه من أصول الشرع ومقاصده، باعتباره مفهوماً مرادفاً للتأصيل والعودة إلى الأصول الشرعية الإسلامية.

إن أصالة هذا المصطلح في رأينا الخط الفاصل والحد الممتنع الذي يفارق بين التجديد الإسلامي وتجديد التوجهات العلمانية، وأن القول الفصل هو أنه لا تجديد من دون أصول؛ ذلك هو المنهج الأساس والسليم في كل نقد وتقويم ومراجعة وتصويب... وليس الرفض والإقصاء، بناء على اعتبارات ومسوغات ما.

فالتجديد الحقيقي -المنشود- يتم بناءً على أساس العودة إلى الينابيع الأولى، وإعادة التقويم بها، ليصبح الوحي الإطار المرجعي والضابط المنهجي، والمعيار للمراجعة المستمرة وإعادة تقويم الواقع بقيم الكتاب والسنة.

ويتفق مع ما ذهب إليه جمال سلطان محمد البهي حيث يقول: إن "التجديد في رقعة الشرق الأدنى منذ بداية القرن العشرين هو محاولة أخذ الطابع الغربي والأسلوب الغربي في تفكير الغربيين، سواء في تعبيرهم عن الدين أو تحديدهم لمفاهيمه ومفاهيم الحياة التي يعيشونها، أو في تقديرهم للثقافات الشرقية الدينية والإنسانية"(62).

ويضيف و"التجديد في الفكر الإسلامي الحديث في رقعة الشرق الأدنى محاولة -لا احتياط فيها- لمتابعة التفكير الأوروبي في اتجاهه، وفي أحكامه، وفيما فصل فيه من مشاكل الحياة وفي مدارسه"(63)، و"أن التجديد في الفكر الإسلامي في الوقت الحاضر(64)، يعيش في التفكير الغربي الذي خلقه القرن التاسع عشر، وينقل عنه ما لا يفيد التوجيه في الشرق الإسلامي، ينقل آراء المستشرقين الصليبيين فيما يصور الإسلام على أنه رسالة بشرية لمصلح إنساني أو قائد ناجح يرتبط اعتبارها بوقت حياة هذا المصلح، أو ينقل منه آراء بعض المدارس اليسارية والإلحادية ضد الدين عامة ونرى أن (المجددين) في الفكر الإسلامي الحديث في الشرق، أتباع مرددون وليسوا أصحاب حكم ونقد... تدفعهم رغبة الترديد وسطحية الفهم أو يدفعهم الاحترام إلى ترديد ما يرددون، وهم -لأي واحد من هذه الأسباب- ليسوا أصحاب فلسفة، ولا أتباع مدرسة فلسفية خاصة، لأنه تنقصهم الذاتية في بناء الفكر ونقده"(65).

هكذا نلحظ -إذن - أن انتقاد محمد البهي لمصطلح التجديد في الفكر الإسلامي بني على الاعتبارات التي أوردها سلفاً، ولأجل ذلك يقترح مصطلح (الإصلاح الإسلامي) بديلاً عن الآخر ويقصد به؛ محاولة رد الاعتبار للقيم الدينية، ورفع ما أثير حولها من شبه وشكوك قصد التخفيف من وزنها في نفوس المسلمين...

ويعني به كذلك محاولة السير بالمبادئ الإسلامية من نقطة الركود التي وقفت عندها حياة المسلمين إلى حياة المسلم المعاصر حتى لا يقف مسلم اليوم موقف المتردد بين أمسه وحاضره، عندما يصبح في غده، ويخرج عن نطاق هذا الفصل
-الإصلاح الديني- تلك المحاولات الفكرية التي يدَّعي القائمون بها إصلاحاً وتجديداً في الإسلام، وهي في واقع أمرها إخضاع الإسلام للون معين من التفكير، أجنبي عنه سواء في هدفه أو فيما يصدر عنه، فالكشف عن القيم الذاتية للإسلام، هو الأمارة التي تتخذ طابعاً لما سمي بـ(الإصلاح الديني).

ويضيف منبهاً وموضحاً ما يقصده، فيقول: >ولا نقصد بهذا الكشف الدفاع عن الإسلام، لأن هذا الدفاع قد يتشابك مع حماس العاطفة، فيؤثر على القيمة الذاتية للإسلام.. وإنما نبغي فحسب مدلول هذا الكشف من فصل ما يتصل بالإسلام من تحريف في التأويل أو غموض في التفسير أو ركود في الفهم.

والإصلاح الديني في مجال الإسلام -بهذا المعنى- ذو صلة وثيقة بالعصر الذي يتم فيه، وبالفكر الذي يقوم بمحاولته وبظروف الحياة التي عاش فيها هذا الفكر والإصلاح الديني بالمعنى السابق -كمحاولة فكرية. وفي صلته هذه- يغاير الحركات الدينية التي تعتمد على تبسيط تعاليم الإسلام وتقريبها من العقلية العامة، كما يغاير تلك المحاولات التي تسير في دائرة تفسير خاص لتعاليم الدين، أو تلتزم منهاج مدرسة خاصة من مدارس الفقه أو مذاهب الكلام في العقيدة.

والإصلاح الديني -بعد هذا- تفكير ومنهج يقوم على نقد وبناء ويخلص إلى اعتبار قيمة واحدة، وهي قيمة الإسلام في التوجيه الإنساني"(66).

وإذا كان من نقد وتصويب لما أوردناه من آراء محمد البهي وأفكاره فإنه يمكن النظر من زوايا عدة منها:

1- إن الربط لم يكن سليماً ودقيقاً بين المصطلح والتصديق... فمحاولات الدكتور طه حسين -مثلاً- ليست تجديداً للفكر الإسلامي، بل إن الرجل لا يصنف في الاتجاه الإسلامي، لتجاوزه المذهبية الإسلامية، وتمسكه بالمذهبية الغربية. إنه أقرب إلى الاتجاه العلماني الليبرالي من الإسلام، وإنتاجه الفكري هو تجديد في قضايا الأدب وليس في قضايا الفكر الإسلامي.. وما ذكره من قضايا إسلامية في دراساته وبالذات في كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي صدر سنة 1925م وأحدث ضجة فكرية ساخنة أسفرت عن عدول في العنوان إلى (في الأدب الجاهلي) ليس تجديداً في الفكر الإسلامي ولم يعتبره أحد كذلك بل لم يزعمه الكاتب نفسه(67). كذلك ما صدر عن الشيخ علي عبد الرازق من مزاعم جمعها تحت عنوان (الإسلام وأصول الحكم) نشرت سنة 1926 فهي محاولة قاصرة لم توفق إلى أن تكون تجديداً في الفكر الإسلامي، ولو كانت كذلك لما غدت عَلَماً تهلل له مؤلفات الحداثة الكليلة ومقالات العلمانية الخاسرة، التي أرادت للشرق عزل الدين عن الدولة والمجتمع على قرين عزل الغرب المسيحية عن السياسة والتسيير والتفكير.

فلأول مرة في تاريخ الإسلام يخرج على القوم عالم أزهري فيدعي في كتابه أن الإسلام دين ورسالة روحية لا دولة فيه ولا سياسة، وأن الخلافة الإسلامية كانت -كالكهانة الغربية- استبداداً وطغياناً باسم الدين، وأن نبي الإسلام لم ينشئ دولة، ولم يُقم حكومة يقول: "إن محمداً ، ما كان إلا رسولاً لدعوة دينية خالصة للدين، لا تشوبها نزعة ملك ولا حكومة...

هيهات، هيهات لم يكن ثمة حكومة ولا دولة ولا شيء من نزعات السياسة ولا أغراض الملوك والأمراء.. لم يكن هناك ترتيب حكومي، ولم يكن ثمة ولاة ولا قضاة ولا ديوان الخ.. كانت زعامة دينية.. ويا بُعد ما بين السياسة والدين..."(68).

وبذلك نتبين أن ما قام به الشيخ علي عبد الرازق لا علاقة له بتجديد الفكر الإسلامي، بالمعنى والمفهوم الذي أصلناه سابقاً، ولأجل ذلك تعرض كتابه للنقد والتقويم وبيان خطله في معركة فكرية حامية جمعت عدداً من الباحثين والعلماء والدارسين(69).

ولعل من الأمور التي تدعو إلى التفاؤل أن عدداً كبيراً من المفكرين الذين تشبثوا بالنموذج الحضاري الغربي بعد أن سلكوا هذا السبيل اتضح لهم خطأ اجتهادهم، فأدركوا بالتجربة أن بذور التغريب غير صالحة للإنبات في تربتنا الحضارية، مما جعلهم يتراجعون عن آرائهم وتصوراتهم لكثير من القضايا فقد أكد علي عبدالرازق(70) بأن الإسلام دين ودولة.. فقال معترفا بخطئه >ما أرى إلا أن هناك خطأ في التعبير جرى به لساني في المجلس الذي كنا نتجادل فيه ونستعرض حال المسلمين. وما أدري كيف تسربت روحانية الإسلام إلى لساني، يومئذ ولم أرد معناها، ولم يكن يخطر لي ببال!، بل لعله الشيطان ألقى في حديثي بتلك الكلمة ليعيدها جذعة (أي جديدة مرة أخرى) تلك الملحمة التي كانت حول كتاب (الإسلام وأصول الحكم) وللشيطان أحياناً كلمات يلقيها على ألسنة بعض الناس...؟!!(71).

2- غياب الدقة والضبط في توليد المصطلح، والمساهمة في تراكم المصطلحات ذات المفهوم الواحد.

إن العدول عن مصطلح التجديد إلى مصطلح الإصلاح الديني غير ذي جدوى ولا مسوغ له. كما أن مصطلح التجديد في الفكر الإسلامي أكثر دقة منه، لأنه ثابت بالنص، وبسبب من هذا نحس بتردد محمد البهي وعدم اقتناعه التام بمصطلحه المولَّد حين نجده يعترف بعدم دقة مصطلحه الذي اقترحه بديلاً عن مصطلح التجديد حيث أكد أن "إقبالاً" كان دقيقاً عندما عبر عن حركته الفكرية بـ"إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام" دون التعبير "بالإصلاح الديني". إن أية محاولة إنسانية تدور في محيط الإسلام لا تتعلق بتعديل مبادئه طالما أن مصدره هو القرآن الذي له صفة الجزم والتأكيد والأبدية، وأية حركة إصلاحية في الإسلام بعد ذلك هي إذن في دائرة الفكر الإسلامي وحوله.. ولا يرتقب أن يكون هناك إصلاح ديني في الإسلام على نحو الذي قام بصنعه >مارتن لوثر"(72).

وحسبنا في هذا الصدد الإشارة إلى "أن وضوح المفهومات والمصطلحات الإسلامية، ومحاولة إشاعتها وإحيائها وإدراكها يعتبر من الأمور المهمة في بناء المرجعية والتحصين الثقافي والانطلاق إلى ميادين التدافع والحوار. لأن المفهومات والمصطلحات الإسلامية تشكل أوعية التفكير، وجذوع النسغ الحضاري الممتد من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، وتمثل خلاصات لمعطيات الوحي والعقل معاً، إضافة لما لها من رصيد نفسي وثقافي، واختبار تطبيقي تاريخي، يجعلها محل ثقة واستمساك... إنها باختصار تشكل ملامح حضارة الأمة، وقسمات شخصيتها، ومحصلات الفكر، وأبجديات قراءة الهوية، ومعالم الطريق"(73).

ومن هنا نتبين مدى خطورة تجاوز الفهم السليم للمصطلح، لذلك نقول: إن كلمة (التجديد) مصطلح أصيل، وأي تنازل عن هذه الكلمة باسم الحداثة أو العصرية، أو حتى مقارنتها بمصطلحات الآخر، هو تخل عن الذات الذي يقود إلى العدول عن الانتماء للمقومات الحضارية للأمة المسلمة، والارتماء في المستنقع الحضاري الذي أفرزته الحضارة الغربية العلمانية. ومن ثم فلا بد "من البصارة والفقه، والدقة الكاملة في فحص واختيار المفاهيم ودلالتها، وخلفياتها الثقافية"(74).

إذا كان اتجاه التغريب -كما سبق أن أشرنا- قد تراوح بين تيارات فكرية متعددة، فإن اتجاه التأصيل، بالرغم من وعيه بعملية التجديد ومضمونها قد اتخذ عدة أشكال.

أحدها أهمل تحديد المفهوم اعتقاداً منه أن المفهوم المراد هو من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى مزيد من بيان وتأصيل.

هذا الإهمال قد أسهم بصورة غير مباشرة في نسج عدد من المفاهيم والمصطلحات، مما أدى إلى غموض أكثر في مفهوم التجديد، وعلاقته بالمفاهيم الأخرى.

ثانيها عُني بالرصد التاريخي لحركات التجديد والاتجاهات الفكرية فيه فحمل بمدرسة بعينها، أو بمنطقة جغرافية محددة، بل قد يكتفي برصد جهود المفكر الواحد.

ثالثها حرص على فردية التجديد بل وضرورتها وبما يتيحه تفسير حديث التجديد!

وأعتقد -كما بينه سيف الدين إسماعيل- أن منهاجية الرصد التاريخي ضمن هذا الاتجاه أعطت الفرصة لتذكية التعصب المذهبي في ترتيب قائمة المجددين التي تختلف وفقاً لاختلاف المذهب. إلا أن هذه المنهاجية رغم ذلك قدمت فائدة عظيمة، بالتأكيد على مجموعة من الأسماء المجددة جديرة بالمتابعة والفحص، ودلت كذلك على استمرارية عملية التجديد على ما نفهمه من حديث التجديد(75).

ومهما يكن من أمر فإن التجديد الحقيقي هو الذي يمارس انطلاقاً من قيم الوحي (كتاباً وسنة) لإعادة الفعل الحضاري للأمة الإسلامية، حتى تصبح مقيمة للشهادة والشهود كما قال تعالى: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(76). وهو بهذا يختلف عن التجديد الذي دعا إليه بعض المفكرين المحدثين؛ أمثال نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وغير هؤلاء ممن رأوا أن التجديد يكون بالدعوة إلى التغيير والإقصاء لتراث الأمة ومقوماتها الحضارية والثقافية والعلمية.

هكذا نستطيع أن نقرر أن التجديد(77) الحقيقي لا يحققه إلا مصدر كوني وأن القرآن الكريم وحده يستجيب لهذا الشرط.

وأعتقد أن هذه الاستعادة تحتاج إلى أن يتسلح العقل المسلم بالمنهجية الإسلامية الأصيلة، منهجية معتمدة على المنهج الاستقرائي، وذهنية تتطلب بناء رؤية تصورية سليمة للقضايا.

إننا ونحن نؤسس لمشروع تجديد حضاري، نلحظ اضطراباً في الرؤية والممارسة، إذ كيف نسلم بأن المنهج الاستقرائي، وليد حضارة أمة، في حين نرى العقل المسلم المعاصر، يفتخر بتراثه ومقومات حضارته ويبالغ في التغني بماضيه التليد، في المقابل يقلل ويستهجن أهمية وضرورة فقه الواقع، وقراءته، هذا الواقع الذي استحضره السلف والخلف، بتفاوت من حيث مقدار ودرجات صوابه وملاءمته للحقيقة، وركبوا عليه أحكامهم، وفتاواهم وآراءهم وأبرزوا بجلاء تحقيق قاعدة "تغيير الأحكام بتغير الزمان والمكان وتبدلها بتبدل الواقع الحياتي ومشكلاته وظواهره وحوادثه"(78) واعتماداً أيضاً على التجارب والمفارقات الاجتماعية وغيرها من أجل اختيار تصوراته ونظراته!

إن الحديث عن التجديد الفكري لبناء المشروع الحضاري الإسلامي البديل في غياب قراءة واعية للواقع، لا يزيد العقل المسلم إلا إصابات وأزمات حيث نجده يعيش الماضي الذي يمثل النموذج المعتمد في فترات حضارته وتاريخه، ويعيش واقعه المتخلف الذي تتجاذبه تيارات وتصورات ورؤى دون امتلاك القدرة والإرادة على إحداث تواصل بينهما، فيبقى الانفصام بين ماضيه وحاضره، فالعقل المسلم إما متغرب في الماضي، وإما متغرب في الغرب (الآخر) وهذا الاغتراب بنوعيه يقود إلى إلغاء التفكير في الواقع، ومن ثم تبقى الدعوة إلى التجديد والإحياء الحضاري عبارة عن أمل، وهذا الأمل يفتقر إلى منهجية سليمة وواقعية قادرة على تحقيق ذلك.

وللتنبيه فإن الخطوة الأولى في منهجية التجديد هي اعتبار القرآن الكريم كتاباً كونياً معادلاً للوجود وحركته، مستوعباً لحركة الكون ومتجاوزاً لها، ثم اتخاذ القرآن المرجع الأول والأخير في عملية التجديد والاجتهاد والبعث الحضاري.

هكذا -إذن- تصبح الحاجة ماسة إلى تجديد الفكر الإسلامي وإصلاح مناهجه وتقويم أساليب خطابه المعرفي في الوعي بضرورة الحوار بين الثقافات والحضارات الإسلامية وفي علاقتها مع الأمم والحضارات الإنسانية الأخرى في عصر يوصف فيه العالم (بالقرية الكونية).

ويبقى السؤال المطروح أمام الحركات التجديدية والاجتهادية هي البحث عن كيفية التعامل مع هذه الرؤية الشمولية؟ وأين موقع الحاضر منها؟ وكيف نجيب في ضوئها عن أسئلته وقضاياه، من خلال ظروفه، وملابساته، وإمكاناتنا الذاتية والموضوعية؟

 

الهوامش:

* أستاذ الفكر الإسلامي والاستشراف وعلم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس - المملكة المغربية.

(1) حسن حنفي، التراث والتجديد (موقف من التراث القديم) ص: 16. ط/3 أغسطس 1987م، الناشر مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.

(2) طارق البشري، الخلف بين النخبة والجماهير إزاء العلاقة بين القومية العربية والإسلامية ضمن مجلد "ندوة القومية العربية والإسلام"، ص: 288 نقلاً عن: الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر لمجموعة من المؤلفين، ص: 61، ط الأولى 1991م منشورات دراسات العلم الإسلامي، سلسلة الفكر الإسلامي.

(3) فتحي عثمان، الفكر الإسلامي والتطور ص: 10. ط/ دار القلم 1961، القاهرة.

(4) ينظر؛ طه جابر العلواني، تجديد المعرفة الإسلامية: المفهوم والآفاق مجلة دار الحديث الحسنية ع 16 ص: 212 أصل هذا الموضوع محاضرة ألقاها الكاتب بدار الحديث الحسنية في 15/ شعبان 1420 نوفمبر 1999.

(5) المرجع نفسه.

(6) د. عبد المجيد النجار، في فقه الدين فهماً وتنزيلاً 1/98. ط/1 جمادى الأولى 1410، كتاب الأمة.

(7) فقد دعت ثلة من الأدباء والمفكرين والأساتذة المصريين -وبعضهم من تلاميذ الشيخ محمد عبده- إلى "تغريب العقل المصري" وتبني العلمانية عقب ثورة 1919 وأطلقت على نفسها شعار (التجديد) وكان من هؤلاء قاسم أمين، وأحمد لطفي السيد، وسعد زغلول، وطه حسين، وقد بدأ هذا الاتجاه بالدعوة إلى الاحتفاظ فقط بالعقيدة الإسلامية ولكنه ما لبث أن انتهى إلى القطيعة مع الدين كله! ينظر؛ عبد الرحمن صباح، مفهوم التجديد في الفكر الإسلامي، مجلة المنار الجديد ع21/ 92، الناشر دار المنار الجديد للنشر والتوزيع، القاهرة بالتعاون مع التجمع الإسلامي في أمريكا الشمالية.

(8) محمد أركون ولويس غاردي، الإسلام الأمس والغد ص: 102. وهذا النوع من القراءة للنص الشرعي هو ما يمكن الاصطلاح عليه بـ(أنسنة النص)؛ نذكر من معانيه ما يلي:

 أ - النص الحقيقي الفاعل إنسانياً وتاريخياً إنما هو النص التأويلي لا النص التنزيلي.

ب- بمعنى الإنجاز الإنساني للنص كدلالة ومضمون، وإن احتفظ أصحاب هذا الاتجاه بتأكيد إلهيته على مستوى المنطوق.

ج- بمعنى إنجاز الواقع للنص، فالنص حسب هذا الفهم هو نتاج الواقع بكل شخوصه وفاعليته ومناحاته...، الخ وفي هذا الصدد يقول نصر حامد أبو زيد: "الواقع إذن هو الأصل ولا سبيل لإهداره، من الواقع تكوّن النص، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، ومن خلال حركته بفعالية البشر تتجدد دلالته، فالواقع أولاً والواقع ثانياً والواقع ثالثاً"، نقد الخطاب الديني ص؛ 130 ط/3، مطبعة مدبولي. فأصحاب هذا الاتجاه يؤكدون على أن النص منذ لحظة نزوله الأولى أي مع قراءة النبي (عليه السلام) له لحظة الوحي، تحوّل من كونه نصاً إلهياً مطلقاً ومقدساً، إلى فهم بشري أي (إلى نص إنساني) ومن ثم فقد تحوّل من التنزيل إلى التأويل؛ للاطلاع أكثر ينظر: حرب المصطلحات لمؤلفه حسين درويش العادلي؛ ط/1؛ 1424هـ - 2003م، دار الهادي، بيروت، لبنان؛ والكتاب عبارة عن دراسة تتناول ثلاثة مصطلحات تفترش الساحة المعرفية العربية وهي (الدين تراث وأنسنة النص ونسبية القيم).

(9) المرجع نفسه ص: 118.

(10) المستشار سعيد العشماوي الإسلام السياسي ص: 51-54-55. ط2/ 1991 الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة

(11) المرجع نفسه ص: 248.

(12) المرجع نفسه.

(13) هناك وقفات مع سعيد العشماوي في بعض آرائه للدكتور محمد عمارة، تنظر؛ مجلة (المنهل) الأعداد (532 - 533 - 534) والنص الإسلامي بين الاجتهاد والجمود والتاريخية ص: 17-20. ط1/ 1419/ 1998م، دار الفكر دمشق، سوريا، دار الفكر بيروت، لبنان.

(14) مقدمة في أصول التفسير ص: 47.

(15) أسباب النزول ص: 5. تأليف السيوطي (ت 911هـ) دار ابن زيدون للطباعة والنشر والتوزيع، ط/1 بيروت، لبنان، مراجعة وضبط وتعليق الشيخ محيي الدين محمد بعيون.

(16) ينظر؛ عمر عبيد حسنة، رؤية في منهجية التغيير ص: 77-87، ط1/ 1414هـ - 1994م، المكتب الإسلامي.

(17) هناك وقفات لمحمد عمارة مع نصر حامد أبو زيد من خلال بعض آرائه وأفكاره تنظر المراجع التالية: مجلة المنهل؛ ع 535/ أكتوبر 1996، وع 536 شعبان 1417هـ - 1996م، وع 537/رمضان 1417هـ - 1997م وع 542/ 1418 - 1997م، وع543 جمادى الأولى 1418هـ - 1997م. والتفسير الماركسي للإسلام؛ والنص الإسلامي بين الاجتهاد والجمود والتاريخية ص 21 - 22. ط/ 11419هـ - 1998م، دار الفكر، دمشق، سوريا، دار الفكر، بيروت، لبنان.

(18) ينظر؛ محمد عمارة، نصر حامد أبو زيد وتاريخية معاني وأحكام القرآن الكريم، المنهل العدد 537/ 15.

(19) ينظر؛ أبو شقة، نقد العقل المسلم، الأزمة والمخرج ص؛ 149-150، تقديم محمد عمارة، ط/1-2001م، 1421، دار الفكر للنشر والتوزيع، الكويت.

(20) ينظر؛ يوسف القرضاوي، ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ص: 54، ط1/ 1412-2000، دار الشروق، القاهرة.

(21) د. عمر عبيد حسنة، مقالات في التفكير المقصدي (رؤية في إطار معرفة الوحي) ص: 98-99. 1420هـ-1999م، المكتب الإسلامي.

(22) ينظر؛ محمد حمدي زقزوق، الاستشراف والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، من تقديم عمر عبيد حسنة، كتاب الأمة ع 5. ط 1404هـ.

(23) نهاية التاريخ: مقولة جعلت الغرب يعيش حالة من التفاؤل والاعتزاز بالذات إلى درجة المبالغة. أما مقولة صدام الحضارات وحوار الحضارات فتعني أن الغرب أصبح يعيش حالة من القلق والاضطراب والخوف من المستقبل، وهي أيضاً دليل على تنامي النقد والمراجعة للغرب الذي سحر العالم بحضارته المادية وتفوقه العلمي والصناعي لفترة من الزمن، خاصة وأن بعض الأمم بدأت تعيد الثقة بقدرتها على صنع التقدم والتحضر بعيداً عن تجربة الغرب.

(24) د. أحمد عيساوي، متيهات القراءة الحداثية للنص القرآني، الوعي الإسلامي ع 454/60-62. جمادى الآخرة 1424هـ-2003م.

(25) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل رقم 1397، وأخرجه مسلم في الصحيح، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى رقم الحديث 4822.

(26) مثل المنهج الإسقاطي، ومنهج النفي والافتراض والمنهج الشكي الديكارتي، وغيرها من المناهج التي وظفها المستشرقون في دراساتهم لقضايا الإسلام.

(27) يراجع: طه جابر العلواني، إصلاح الفكر الإسلامي مدخل إلى نظام الخطاب في الفكر الإسلامي المعاصر ص: 149-150، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، القاهرة، 1417-1996م.

(28) ينظر؛ سيف الدين عبد الفتاح، "مفهوم التجديد"، ضمن كتاب: بناء المفاهيم دراسة معرفية ونماذج تطبيقية 1/313-314. تقديم طه جابر العلواني، ط1 1418-1998م، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، القاهرة.

(29) المرجع نفسه 1/326.

(30) قال ابن منظور في مادة (جدد) قوله: الجدة نقيض البلى، والجديد لا عهد لك به، وجد الشيء، يجد، جدة، حدث بعد أن لم يكن، وجدد الشيء صيره جديداً. لسان العرب مادة (جدد) ط1/1410-1990، دار صادر بيروت.

(31) تجديد الفكر الإسلامي ص: 13. ط دار الوطن، 1412هـ، الرياض.

(32) ينظر؛ الشيخ الخواصي العقاد، الاجتهاد والتجديد في الشريعة الإسلامية بين تأكيد الحقائق وتفنيد المزاعم، 71-72، دار الجيل، ط1، 1418-1998م، بيروت.

(33) أبو الأعلى المودودي، موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه ص: 12. ط 1395هـ-1975م، مؤسسة الرسالة.

(34) ينظر؛ فاروق النبهان، منهج التجديد في الفكر الإسلامي، بحث ضمن: ندوة تجديد الفكر الإسلامي ص: 49. تنظيم مؤسسة آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، شعبان 1407 - 1987، الناشر، المركز الثقافي العربي.

(35) يراجع في هذا الصدد مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي. فصل >الأفكار الميتة والأفكار المميتة< ص، 146-152، دار الفكر، ط1/ 1413هـ-1992م، بيروت،لبنان.

(36) محمد أسد، الإسلام على مفترق الطرق ص: 113. ت (عمر فروخ)، ط4، دار العلم للملايين، بيروت 1983.

(37) تجديد الفكر الإسلامي ص: 4، حسن الترابي، ط1/ دار القرافي للنشر والتوزيع، المغرب.

(38) بحكم أمواج التغير الاجتماعي والأخلاقي والفكري وبفعل حملات مدارس الفكر والفلسفة المعاصرة...

(39) الأمة والإمامة ص: 11-12. ط دار الأمير للثقافة والعلوم - بيروت - لبنان، 1992م 1413هـ.

(40) عمر عبيد حسنة، في النهوض الحضاري: بصائر وبشائر ص: 99. ط1/ 1417هـ-1996م، المكتب الاسلامي.

(41) الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ص: 340. ط7/ 1991، دار الفكر.

(42) محمد إقبال، تجديد الفكر الديني في الإسلام ص: 186.

(43) لا أدري كيف يستقيم هذا الرأي إذا علمنا بأن محسن عبد الحميد يذكر بأن (إقبالاً) حارب التصوف الفلسفي محاربة شديدة، وأثبت أن الرهبانية ظهرت في كل أمة من أجل إبطال الشريعة والقانون، ونقد أيضاً صوفية عصره نقداً لاذعاً، منكراً عليهم بدع الموالد والاتجار بالأضرحة ومقابر الأولياء. محمد حسن الأعظمي والحاوي شعلان، فلسفة إقبال ص: 23. ط2/ 1395هـ، دمشق.

(44) الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي: 393.

(45) عمر عبيد حسنة، الشاكلة الثقافية (مساهمة في إعادة البناء) ص: 116-117. ط1/ 1414هـ-1993م، المكتب الإسلامي.

(46) ينظر؛ عمر عبيد حسنة، رؤية في منهجية التغيير ص: 36-37، ط1/ 1414هـ-1994م، المكتب الإسلامي. ومن فقه التغيير ملامح من المنهج النبوي 38. ط1/ 1415هـ-1995م، المكتب الإسلامي.

(47) المرجع نفسه ص: 42.

(48) ينظر؛ تجديد الفكر الإسلامي ص: 4، مرجع سابق.

(49) د. محمد عمارة، معالم المنهج الإسلامي ص: 13، ط1/ 1991 دار الشروق، المعهد العالمي للفكر الاسلامي.

(50) ينظر؛ طارق البشري، ملاحظات منهجية حول موضوع التجديد في الفقه الإسلامي، مجلة الاجتهاد ع9، السنة الثالثة، خريف 1411هـ-1991م. 152.

(51) ينظر؛ علي المؤمن، الإسلام والتجديد رؤى الفكر الاسلامي المعاصر، ص 27، ط1/ دار الروضة 1412هـ-2000م، بيرون، لبنان.

(52) ينظر؛ من أجل صحوة راشدة.. ص: 27. والحديث هو قوله (عليه السلام): >إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس مائة سنة من يجدد لها دينها<. والحديث رواه أبو داود في سننه أول كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، رقم الحديث3440 والحاكم في مستدركه في الفتن والبيهقي في السنن والآثار.

(53) ينظر؛ جمال سلطان، تجديد الفكر الإسلامي ص: 59.

(54) المرجع نفسه ص: 61.

(55) يوسف القرضاوي، من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا ص: 52، دار المعرفة، الدار البيضاء، المغرب.

(56) زكي أحمد، مجلة البصائر ع 10/ 13.

(57) ينظر؛ حسن الترابي، تجديد الفكر الإسلامي ص: 4.

(58) حسن الترابي، قضايا التجديد: نحو فهم أصولي ص: 16 من تقديم عبد الجبار الرفاعي، ط1/ 1421هـ-2000م، دار الهادي للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

(59) ويمكن اعتبار (إسلامية المعرفة) الذي تبناها المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مشروعاً جمع بين التجديد والاجتهاد في الوقت نفسه، تنظر إصدارات المعهد.

(60) من أجل صحوة راشدة: 52.

(61) ينظر؛ منير شفيق، أولويات أمام الاجتهاد والتجديد، بحث ضمن كتاب: الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر ص: 57 ط1/ 1991م، منشورات دراسات العالم الاسلامي.

(62) الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ص: 157.

(63) المرجع نفسه ص: 163.

(64) المقصود بالوقت عند الكاتب هو سنة 1957، فهي مرحلة لا تناسب الوقت الراهن، لما يتميز به حاضرنا من خصوصيات ومكونات سواء على المستوى الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي... تختلف بشكل كبير عن تلك الفترة، ولكن تبقى دراستنا واستصحابنا للماضي شرطاً ضرورياً لأي تجديد أو إصلاح، سواء تعلق بالفرد أم بالمجتمع أم بالمؤسسات والمشاريع. فقراءة التاريخ بأحداثه ووقائعه نصراً أم هزيمة له أهميته في الفعل الحضاري للأمة الإسلامية.

(65) المرجع نفسه ص: 351.

(66) الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ص: 329.

(67) ينظر؛ زكي أحمد، منهج في تجديد الفكر الإسلامي مجلة البصائر ع 10/ 26، يصدرها مركز الدراسات والأبحاث الإسلامية في حوزة الإمام القائم، لبنان، بيروت.

(68) علي عبد الرازق، الإسلام وأصول الحكم ص: 48-80، ط/ القاهرة 1925م.

(69) ينظر؛ محمد عمارة، معركة الإسلام وأصول الحكم.

(70) ومما يُراجع أيضاً: من التغريب إلى التجديد: طه حسين ومحمد حسين هيكل ت 1956م.. الخ.

(71) ينظر؛ محمد عمارة، مقاله >بمجلة رسالة الإسلام< ع مايو 1951م نقلاً عن: أزمة الفكر الإسلامي المعاصر: 95، دار الشرق الأوسط للنشر.

(72) الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ص:340.

(73) د. عمر عبيد حسنة، من فقه التغيير ملامح من المنهج النبوي ص: 98.

(74) المرجع نفسه.

(75) ينظر؛ بناء المفاهيم. 1/312 مرجع سابق.

(76) البقرة 142.

(77) طه جابر العلواني، تجديد المعرفة الإسلامية: المفهوم والآفاق مجلة دار الحديث الحسنية ع 16/ 216 مقال سابق.

(78) نور الدين بن المختار الخادمي، الاجتهاد المقاصدي 2/ 65-66 كتاب الأمة رقم 66 ج2، ط1/ رجب 1419هـ-1998م.

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة