تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مؤتمر الدوحة الرابع لحوار الأديان

حسن آل حمادة

مؤتمر الدوحة الرابع لحوار الأديان

قطر: بين 25 - 27 إبريل 2006م

حسن آل حمادة

* الأديان الثلاثة وجهاً لوجه!

نظمت اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات؛ بوزارة الخارجة القطرية، «مؤتمر الدوحة الرابع لحوار الأديان»، الذي استمر لمدة ثلاثة أيام (25 - 27 إبريل 2006م)، بمشاركة نخبة من علماء الدين: الإسلامي، والمسيحي، واليهودي؛ إضافةً لأكاديميين ومفكرين وباحثين من مختلف أنحاء العالم. وقد حضره مئات من المهتمين، كما غاب آخرون رافضين استضافة القائمين على المؤتمر لحاخامات يهودية، وخصوصاً من الكيان الإسرائيلي الغاصب!!

في هذا المؤتمر إذاً، تلاقت الأديان الثلاثة وجهاً لوجه! مما جعل البعض يتفاءل، ويستبشر خيراً كثيراً، في حين لم يخفِ بعض المشاركين عدم تفاؤلهم، نتيجة لما عبروا عنه، من طغيان للمجاملات البعيدة عن الصراحة، والتي هي أقرب لتطييب الخواطر!!

الأستاذ محمد محفوظ (مدير تحرير مجلة الكلمة)، حضر المؤتمر وشارك بمداخلة نقتطع منها بعض السطور، قبل أن نعرض الأوراق المطروحة أثناء الجلسات. ففي كلمته أشار المحفوظ لمعنى رائع بقوله: حينما تتجسد قيم الإسلام في شخصية الإنسان المسلم، وتتجسد قيم المسيحية في شخصية الإنسان المسيحي، وتتجسد قيم اليهودية في شخصية الإنسان اليهودي، يتحرر الإنسان من كل القيود والكوابح التي تحول دون تقدم الإنسان ورقيه المادي والمعنوي.

كما بيَّن المحفوظ أن المنظومة القيمية الكبرى للأديان التوحيدية تدفع الإنسان لكي يكون مباركاً، أي نفّاعاً للناس، بحيث لا تتجمد حياته في ذاته، ولكنها تمتد إلى الناس الآخرين وتتحرك في حياتهم.

والقرآن الحكيم -كما أوضح المحفوظ- يحدثنا عن هذه القضية الهامة (النفع المستديم للناس) من خلال ذكر قصة السيد المسيح (عليه السلام). إذ يقول تبارك وتعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}[مريم: 30-32].

والبركة التي تتحدث عنها هذه الآيات ليست شكلية، وإنما هي ممارسة وفعل متواصل. فهي تتحرك من خلال فكر الإنسان وجهده وطاقته في مستويات الحياة المتعددة. فالنفع والخدمة هي عنوان الدين في علاقته بالإنسان. ولعلنا لا نذهب بعيداً حين القول: إن دور الأديان في بناء الإنسان لا يخرج في مضمونه وجوهره عن هذه الآيات التي توضح كيف جعل الله تعالى السيد المسيح (عليه السلام) مباركاً أينما كان. فحينما يكون الإنسان في سلام مع الله يتحرك في أطوار حياته في رحلة السلام، مع نفسه، ومع الناس. وبهذا تكون حياة الإنسان وفق الرؤية الدينية محبة وسلاماً وخيراً وبركة للآخرين.

* الجلسة الافتتاحية

افتتح الجلسة سعادة السيد أحمد بن عبد الله آل محمود (وزير الدولة للشؤون الخارجية)، بكلمة قال فيها: إن القاعدة الأساسية التي تنطلق منها الرسالات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، تتجسد في الإيمان بالله الواحد، الذي خلق الكون واستخلف الإنسان في الأرض لعمارتها وسلوك العمل الصالح فيها لإقامة العدل وإشاعة مكارم الأخلاق. ومن هذا المنطلق، تقع علينا جميعاً واجبات محددة ومسؤوليات مشتركة لتحقيق علاقة بين الجميع تقوم على أسس من الاحترام المتبادل وحسن التعامل، الذي يعمّق الإيجابيات ويحد من تأثير السلبيات، يحقق أفضل النتائج للإنسانية التي تضمنا جميعاً، أمماً وشعوباً.

لذلك فإن آل محمود ينظر إلى الحوار بين الأديان على أنه يعني قبل كل شيء الإيضاح وليس الجدل، التواصل ومعرفة الآخر، حوار علمي وواقعي يهدف إلى التعايش بين الناس بكرامة وعدل وأمن وسلام. حوار ينظر إلى فرص التلاقي التي يمكننا من خلالها تجاوز حدود التمييز بين بني الإنسان، ورسم معالم الطريق للحياة بمختلف مجالاتها على أسس من القواعد المشتركة بين الأديان.

وفي هذه الجلسة قدّم الدكتور محمود حمدي زقزوق (وزير الأوقاف المصري)، ورقة بعنوان: «دور الأديان في بناء الإنسان»، أكد فيها أن الحوار بين الأديان على أساس الاحترام المتبادل من شأنه أن يزيل الكثير من سوء الفهم، ويقضي على الكثير من الأحكام المسبقة والمفاهيم المغلوطة لدى كل طرف إزاء الطرف الآخر. والحوار الديني يعد جزءاً لا يتجزأ من الحوار بين الحضارات. فالحضارات في كل مكان في العالم قامت أساساً على قاعدة من الدين. وسلام العالم يتوقف على بناء السلام بين الأديان. والسلام بين الأديان لن يتحقق إلا بالحوار.

وحتى يتحقق الهدف من الحوار ويكون له معنى وفائدة فإنه -كما يؤكد زقزوق- ينبغي أن يركز على القواسم المشتركة بين الأديان ويبتعد عن القضايا الخلافية التي لا يجدي الحوار حولها. فكل له معتقده الذي لن يتزحزح عنه. ومن هنا وجدنا القرآن الكريم يركز على ثلاث قضايا أساسية ويبين أن من يلتزم بها ينال رضا الله. وهذه القضايا الثلاث هي الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والعمل الصالح. وفي ذلك يقول القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: 62]. وهذه القضايا الثلاث يمكن أن تشكل أساساً راسخاً لأي حوار مثمر بين الأديان لما فيه مصلحة الإنسان.

وعن دور الدين في بناء الإنسان قال زقزوق: إذا تذكر الناس تعاليم الدين وعملوا بما جاء فيها أدى ذلك بطبيعة الحال إلى خلق أجيال من المؤمنين الواعين بمسؤولياتهم، الفاهمين لدورهم في الحياة، الساعين إلى كل ما فيه الخير للحياة والأحياء. وبذلك يمثل الدين طوق النجاة للبشر ليعودوا إلى رشدهم ويصححوا مسارات حياتهم ويتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

وأوضح زقزوق أن المجتمع الإنساني مجتمع متشابك في علاقته، ويمثل وحدة واحدة تجمع البشر جميعاً في إطار واحد. وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك بأن الناس جميعاً قد خلقوا من نفس واحدة. ونحن في عصرنا الحاضر نردد كثيراً أننا قد أصبحنا نعيش في قرية كونية واحدة. وهذا يعني أن مصير البشرية كلها مصير واحد مشترك، وقد شبهه النبي عليه الصلاة والسلام بمصير قوم اجتمعوا في سفينة واحدة، وقد استقر بعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها، وكان الذين في أسفل السفينة يأخذون حاجتهم من الماء بالصعود إلى أعلى السفينة، وقد أرادوا أن يريحوا أنفسهم من عناء الصعود والهبوط وقرروا إحداث خرق في السفينة يأخذون منه حاجتهم من الماء. ويحذر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مغبَّة ذلك مشيراً إلى أنه إذا ترك الناس هؤلاء القوم يفعلون ما يريدون هلك جميع ركاب السفينة، وإن أخذوا على أيديهم ومنعوهم مما أرادوا نجا الجميع من غرق محقق.

وهذا -في نظر زقزوق- يعني أن إنقاذ البشرية من الهلاك يتحقق عن طريق التضامن بين البشر والتعاون في سبيل دفع الأخطار وجلب المنافع من أجل خير الجميع وأمنهم واستقرارهم. والدين يمثل طوق النجاة لإنقاذ البشرية.

أما الحاخام صاموئيل سيرات (رئيس الكرسى الجامعي في اليونسكو بفرنسا)، فقد دعا في ورقته إلى ضرورة إحلال المحبة مكان الكراهية بين أتباع الديانات والعمل من أجل التقارب بين الأديان. وقال في كلمته باسم الديانة اليهودية إننا يجب أن نحترم كل الديانات لأن الإنسانية تلتقي في النهاية عند أصل واحد وتلتف حول مبادئ أساسية فلا تعبد الأصنام ولا تزني ولا تقتل ولا تسرق.

وأوضح أن الإسلام يعترف بأصول الديانات التي سبقته وأن الله هو الواحد الأحد، مبيناً أوجه التشابه بين الإسلام واليهودية في العبادات.

وأضاف قائلاً: إن حب الله حب لا نهائي ويتوجب علينا أن نحب الإنسان كمحبتنا لله أياً كان هذا الإنسان، وإن مسؤولية الإنسان إزاء الآخر تأتي في مكانة مهمة في اليهودية التي شددت على أن حب الله يمر عن طريق حب الآخرين الذين يشاركوننا الإنسانية.

* الجلسة الأولى

في هذه الجلسة شارك الشيخ محمد علي التسخيري (الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية)، بورقة جاءت بعنوان: «القيم والمصالح أساس العلاقات بين أتباع الديانات الإبراهيمية»، أشار ضمنها إلى أن هناك الكثير الكثير من نقاط الاشتراك بين الإسلام والغرب يمكنهما أن يتفاهما عليها دون التنازل عن القيم. من أمثال: (حقوق الإنسان، والديموقراطية، والسلام، والحرب ضد الإرهاب، ومقاومة العنصرية والنازية والفاشية ودعم العدالة ورفض الاستبداد وشر الحرية وغير ذلك). وهناك المصالح المشتركة التي تزيد العلاقة قوة.

أما المساحات المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية ففيها اتساع ملحوظ. فهناك تراث قيمي مشترك لا يقدر بثمن. فإن الملاحظ للنصوص الإسلامية يجد كماً كبيراً من النقل عن عيسى (عليه السلام) وأمه الطاهرة (عليها السلام) وموسى (عليه السلام) نقلاً يوجه الحياة وينقيها.

كما أشار الشيخ التسخيري إلى أن هناك تلاقياً بين الأديان الإبراهيمية في مجالات كثيرة منها:

- التركيز على عبادة الله ومحاربة الظلم والطغيان.

- الإيمان بالفطرة الإنسانية المبدعة.

- الإيمان بحقوق الإنسان.

- الإيمان بقيمة التشكيل العائلي.

- الإيمان بضرورة التكافل الاجتماعي.

- الإيمان بقيمة الحياء والعفة الاجتماعية.

- الإيمان بمنظومة من الطهارات والنجاسات...

وهناك مساهمات حضارية مشتركة. على أن المصلحة وهي نفسها قيمة دينية تقتضي هذا التعايش.

وخلص التسخيري إلى أن التعاون في الحرب ضد الفقر والمرض والجهل، والعمل لنفي التعصب، والانهيار الأخلاقي، وإشباع الحاجات المعنوية ومقاومة المخططات الشيطانية لتقويض الكيان العائلي والتشكيك في القيم الدينية، ومقاومة الإرهاب بشتى أنواعه ومنه الإرهاب الرسمي، ورفض أدعياء الدين الذين يخلقون الحروب لمصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية ويتسترون بالدين، ورفض الاستكبار والحروب المدمرة والاعتداء على الآخرين وكذلك رفض أساليب القتل الجماعي بالأسلحة المدمرة إلى ما هناك من مجالات وربما كان من أهمها محاربة المادية وملء الفراغ المعنوي والأخلاقي، وغيرها كلها مصالح تدعو الطرفين للتعاون البناء.

وقدمت الدكتورة فوزية العشماوي (أستاذة الدراسات العربية والإسلامية بجامعة جنيف بسويسرا)، ورقة حملت عنوان: «تفعيل دور المرأة المسلمة في الحوار مع الآخر»، ودعت فيها لأن يكون الحوار مع الآخر مبنياً على زرع الثقة في نفوس الغربيين قبل الخوض في المفاهيم الدينية والعقائدية معهم. وأضافت قائلة: هذا ما نفعله نحن المسلمين الأوروبيين، منذ أواخر السبعينات في معظم الدول الأوروبية من خلال عدة مبادرات للحوار مع الآخر، أي مع اليهود والمسيحيين والبوذيين وحتى البهائيين وغيرهم من مختلف الملل الأخرى المنتشرة في أوروبا. وهذه المبادرات نطلق عليها «موائد مستديرة للحوار فيما بين الأديان». وقد أسفرت تلك اللقاءات والمبادرات عن تكوين ما نطلق عليه «منظمات غير حكومية» أو منظمات مدنية تتكون من شخصيات ومفكرين وعلماء دين وأساتذة جامعات ينتمون إلى مختلف الأديان ويلتقون في ندوات ومؤتمرات دورية لمناقشة القضايا الساخنة التي نعيشها في تلك المجتمعات الغربية وكل منّا يدلي بدلوه في المناقشات ونتواصل عبر الحوار الجاد البنَّاء لإيجاد ما نطلق عليه «أرضية التفاهم» فنتعرض للمفاهيم الموحدة في كل من الأديان أو الثقافات ونستخرج من نقاشاتنا ما يوحدنا وندع جانباً كل ما يفرقنا، أي نركز على ما تتفق عليه كل الأديان من تكريم الإنسان وإقرار الحق والعدل والمساواة بين الناس واحترام الحرية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو ما نطلق عليه القاسم المشترك، ونترك جانباً القضايا اللاهوتية الشائكة التي تخص كل دين، والتي لا يمكن تغييرها أو حذفها أو التوصل إلى اتفاق بشأنها، وإلا لما كان هناك اختلاف في الأديان ولصارت الأديان كلها دين واحد.

وفي هذه الورقة التي ميّزتها التجارب الشخصية التي سردتها الدكتورة العشماوي حول دور المرأة المسلمة الأوروبية كان هناك حديث حول «المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة»، المنبثق من «المؤتمر الإسلامي الأوروبي»، فيما يخص أهم ندوة عقدها بعنوان: «حقوق الإنسان وحقوق المرأة المسلمة الأوروبية»، والتي عرض خلالها أهم القضايا التي تواجه المرأة المسلمة الأوروبية.

وفيما يخص دور المرأة المسلمة في الحوار مع الآخر، قالت الدكتورة العشماوي يجب أن تشارك المرأة المسلمة في الندوات والملتقيات التي تناقش القضايا الهامة التي تخص المسلمين في جميع بقاع العالم وأن يكون لديها ما تقوله خلال تلك الملتقيات وذلك من خلال قراءاتها واطلاعها لتكون مشاركتها فعلية وفعالة وتساهم في اتخاذ القرار مثلها مثل الرجل حتى يكف الغرب عن اتهام المسلمين بأنهم يحجبون المرأة المسلمة عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية وأن المجتمعات الإسلامية مجتمعات ذكورية لا تظهر فيها المرأة المسلمة حيث لا رأي ولا دور لها في المجتمع الإسلامي.

ودعت العشماوي المسلمين في ورقتها لمواصلة الهجرة إلى جميع دول العالم لإرساء الحوار مع جميع شعوب العالم حتى نطبق الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13].

* الجلسة الثانية

في هذه الجلسة شاركت الدكتورة رجاء ناجي المكاوي (أستاذة القانون الخاص ورئيسة وحدة قانون الصحة، بكلية الحقوق، جامعة محمد الخامس بالمغرب)، بدراسة جاءت بعنوان: «حرية التعبير والحق في الاختلاف الثقافي»، وركّزت فيها الحديث بتفصيل على:

- بيان الأسس الفلسفية لحرية الفكر والتعبير.

- واقع وتطبيقات حرية الفكر والتعبير.

- السبيل لتواصل الحضارات وتعارف الشعوب، ووجوب الدخول في التصحيح.

ورأت الدكتورة مكاوي أن واجب التصحيح يقتضي جملة أمور نشير هنا لبعضها:

- التفاعل مع الآخر واحترام حقه في الفكر والتعبير امتثالاً لمبدأ الغيرية الملزم لنا شرعاً، مع فرض الرأي وإسماع الصوت ولو في خضم هذا الضجيج العالمي. وبغير هذا لا يمكن حفظ خصوصيتنا الأخلاقية ولن يتأتى للأمة الإسلامية اقتلاع حقّها في الاختلاف الفكري.

- تعريف الآخر بالقيم الكونية والأخلاق المؤطرة لإبداء الرأي والحق في الاختلاف. وفي هذا رفع لأخلاقية وإنسانية شعوب العالم جميعها بما يمتد إلى المستقبل وإلى الأبد.

- الندية في التعامل ورفع الفكر الوصائي الذي تتعامل به الدول المهيمنة مع باقي الحضارات والثقافات.

- إفهام الدول المتحكمة بالسياسة الدولية أن كل سياسة لا تحترم الآخر أو تتجاهل أو تنكر حقه في الوجود والاختلاف لا تفعل أكثر من تهديد السلم العالمي بدفع حاملي الفكر المختلف إلى البحث عن سبل إثبات الذات والدفاع عن الوجود والتمرد على الإقصاء والظلم، ولو بالطرق غير السلمية.

- الحد من ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين التي تمارس ضد حاملي فكر مختلف وضد المعتقلين بهوياتهم وأوطانهم، المدافعين عن وحدتهم الترابية الساعين لاسترجاع أراضيهم المغتصبة.

- تصحيح المناهج الدراسية في العالم أجمع وتنقيتها من الأفكار المغلوطة عن الآخر ومن الكراهية الدينية. ويجب هنا التوقف عن اتهام البرامج التعليمية في الدول الإسلامية بذلك، بل الكراهية في برامج الدول اللائكية أكبر.

- وإن الحاجة ماسة وملحة لإنقاذ السلم العالمي من المنزلق الخطير الذي هوى إليه، بفعل الانسياق الأعمى وراء المصالح والاستعلاء على الآخر الديني والعرقي. وانتشال العالم من مأزقه واجب على من يملك أدوات التصحيح.

ومن الأوراق المقدمة في هذه الجلسة ورقة الأب الدكتور هادي محفوظ (أمين عام مشارك في مجلس كنائس الشرق الأوسط، أستاذ بجامعة الروح القدس - الكسليك بلبنان). وقد عالج فيها موضوع: «الدين والمرأة والأسرة»، من وجهة نظر مسيحية. وقد قسّم ورقته إلى قسمين، هما: أولاً: الدين والمرأة، ثانياً: الدين والأسرة.

فيما يرتبط بالقسم الأول: الدين والمرأة، تطرّق محفوظ؛ لثلاث نقاط، على النحو الآتي:

- مواقف عامة وتقاليد وممارسات متباينة، بين نظرة تشدد على أهمية تكريم المرأة لأنه في حشا امرأة تجسد ابن الله!! وبين نظرة سلبيّة جعلتها دون مستوى الرجل!!

- في نصوص الكتاب المقدس: فليس في ذلك نظرة سلبية تجاه المرأة، بل إنّه لا فرق بينها وبين الرجال أمام الربّ.

- مواقف رسمية: وهي تعكس المواقف الكنسيّة الرسميّة، تعليم الإنجيل والعهد الجديد. وتتوافق الكنائس، بمجملها، على احترام المرأة والدفاع عن حقوقها، حتى لو تفاوتت فيما بينها -لأسباب اجتماعية أو تقليدية أو لأسباب أخرى- طريقة معاملة المرأة، أو طريقة تطبيق المبادئ الإيمانية.

وفيما يرتبط بالقسم الثاني: الدين والأسرة، فقد أكد محفوظ أن الكنيسة دافعت عبر القرون دفاعاً راسخاً عن صلاح الزواج وقدسية الأسرة رداً على بعض الهرطقات التي كانت ترى في الزواج «مملكة الشر»، وعلى تيارات «الهيدونية» أو «طلاب المتعة» الذين يرون في الأسرة انتقاصاً من الحرّيّة الشخصيّة ومصدراً للمتاعب، ومن ثم حدّاً للمتعة.

وأضاف قائلاً: إن الكنيسة تدرك أنّ خير الشخص والمجتمع وخيرهما يمرّ عبر العائلة. فالعائلة مجتمع طبيعي وجد قبل الدولة أو أيّة جماعة منظّمة. وتعتبر الكنيسةُ العائلةَ جماعة حبّ وتضامن، قادرة على أن تنقل القيم الثقافية والخلقيّة، والدينية والاجتماعية.

وشارك الدكتور محمد فؤاد البرازي (رئيس الرابطة الإسلامية في الدنمارك، وعضو مجمع فقهاء الشريعة)، بورقة جاءت بعنوان: «محمد (صلى الله عليه وسلم) وحرية التعبير»، أشار خلالها إلى أن التعبير عن الرأي من أهم حقوق الإنسان في الإسلام، بل رفع الإسلام من شأنه فجعله واجباً على كل مسلم في كل ما يمس الأخلاق، والمصالح العامة، والنظام العام، وفي كل ما تعتبره الشريعة منكراً. ولهذا نجد الرسول محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) يحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيقول: «مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم».

ونظراً لأهميته البالغة فقد توسع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحق توسعاً كبيراً، ومنح أصحابه حق مناقشته في كثير من الأمور.

وقدّم البرازي أمثلة مختلفة نكتفي منها بهذا المثال: ففي غزوة الأحزاب تجمع عشرة آلاف مقاتل من أعداء المسلمين يريدون اقتحام المدينة المنورة، فاستشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه فيما يصنع، أيمكث في المدينة أم يخرج للقاء هذا الجيش الجرار؟ فأشار عليه سلمان الفارسي بعمل الخندق، وهو عمل لم تكن العرب تعرفه من قبل. فاستجاب لذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشارك في حفر الخندق.

وكان من تعاليم الإسلام الراسخة: حرية إبداء الرأي أمام الحاكم، وكل صاحب نفوذ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».

ويضيف البرازي قائلاً: لقد أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكل إنسان الحق في التفكير، كما أعطاه الحق في التعبير عن فكره ومعتقده دون تدخل أو مصادرة من أحد ما دام يلتزم الحدود العامة التي أقرها الإسلام. إذ لا يجوز باسم حرية الرأي إذاعة الباطل، ولا نشر الأكاذيب، ولا ترويج أخبار تؤدي إلى ضعف الأمة، أو يكون في نشرها خطر على أمن المجتمع وسلامته... ولم يقف الأمر عند ذلك، بل إن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلن حرية الاعتقاد، كما أعلن حرية التعبير وفقاً لذلك الاعتقاد حين تلا على الناس قول الله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، وقول الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}.

وعدّد البرازي في ورقته بعض ضوابط حرية الرأي، ومنها: مراعاة أدب القول، ومراعاة الآداب العامة للمجتمع، وعدم الاعتداء على الأديان والمعتقدات، وعدم الاعتداء على كرامات الناس وسمعتهم، وعدم نشر معلومات سرية أو عسكرية أو اقتصادية تلحق الضرر بالمجتمع، وعدم نشر ما يؤدي إلى الفتنة أو الفوضى في المجتمع أو النزاعات العرقية أو الدينية أو الطائفية.

ومن الأوراق المقدمة في هذه الجلسة ورقة قدّمها الدكتور عبد الحميد إسماعيل الأنصاري بعنوان: «وضعية المرأة في التشريعات العربية المعاصرة»، أكد فيها أن نظرة المجتمع العربي إلى المرأة لم تتغير منذ الجاهلية، فهي دون الرجل، في المرتبة الثانية وتابعة، وهو وصي عليها! ولذلك كان من الطبيعي أن تعكس التشريعات العربية تلك النظرة اللاإنسانية وغير السوية. وأشار الأنصاري إلى أن معظم التشريعات العربية تعزّز سلطة الرجل وهيمنته على الأسرة والمجتمع وتكرّس علوية الرجل وتعظم عقلانيته وسداد رأيه على حساب تبعية المرأة وعاطفيتها وضعف رأيها وسوء تصرفها. ويضيف الأنصاري قائلاً: صحيح أن الدساتير العربية تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ولكن التشريعات اللاحقة والمنظمة لشؤون المجتمع المختلفة لا تنصف المرأة ولا تنظر إليها كإنسان كرّمه خالقه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء: 70]. وفرض له حقوقاً كاملة، فهي دائماً (أنثى) وليس الذكر كالأنثى.

وعرض الأنصاري بتفصيل (17) نموذجاً ليؤكد من خلالها التمايز واللامساواة في النصوص التشريعية العربية فيما يتعلق بوضعية المرأة. نذكر منها الآتي:

- عدم اعتراف بعض التشريعات العربية بالحقوق السياسية للمرأة، وذلك خضوعاً لأعراف وتقاليد أو انقياداً لتفسيرات دينية.

- لا زالت معظم التشريعت العربية وعلى الأخص -الخليجية- تحول دون المرأة ومنصب القضاء.

- عدم السماح للمرأة بأن تتولى رئاسة الدولة أو الوزراء.

- عدم السماح للمرأة بحق نقل جنسيتها إلى زوجها وإلى أولادها، عدا دولة تونس.

- العنف ضد المرأة دفاعاً عن الشرف.

- الفهم الخاطئ للعنف التأديبي ضد المرأة.

- الفرق بين دِية المرأة والرجل.

- عدم السماح للمرأة بممارسة حق الخُلع في بعض التشريعات العربية.

- عدم السماح للمرأة بطلب الطلاق إذا كان الرجل عقيماً.

- فقد المرأة لحق الحضانة إذا تزوجت بخلاف الرجل.

- تعطي بعض التشريعات العربية للرجل الحق في أن يمنع المرأة من العمل، لو كانت تعمل ولم يشترط عليها مسبقاً ذلك.

* الجلسة الثالثة

في هذه الجلسة قدّم المطران جورج صليبا (مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس)، ورقة بعنوان: «التعدّدية وقبول الآخر»، ذهب فيها إلى أن الاختلاف سمة إيجابية وليست سلبية غالباً، وهذا هو في جوهر التعدّديات الإثنية والحضارية والفردية. ولكل فرد أو أمّة أو مجموعة بشريّة الحق في اختيار وسائل التعبير بما لا يسيء إلى الآخر حتى يتعمّق التفاعل البشري ونتحوّل من مبدأ الصراع إلى رسالة الحوار. والحوار مهما كانت نتائجه هو خير وسيلة لبلوغ الحقيقة ومعرفة الآخر. وقد تعلمنا ونعلم إنّ الحوار يهدم خمسين بالمئة من الجدران ويختصر المسافات ويقرّب بين المتحاورين. وبهذه اللغة نصل إلى ميزة قبول الآخر. فلا يضطرب أحد عند سماع كلمة الاختلاف، فالاختلاف حريّة، والتعبير عن وجهات النظر سمّو في المعرفة والمفاهيم الإنسانية. وقال المطران صليبا: ليس مبدأ قبول الآخر أن يستبدل أحدٌ دينه أو عقيدته أو رسالته ليكون مقبولاً عند الآخرين. فهذا يتناقض ومبدأ «قبول الآخر». لأن هذا هو الذوبان وفقدان العقيدة والدين والهوية والانتماء.

وبنبرة متفائلة يقول جورج صليبا: وقناعتي أن الثقافة الواسعة والعلوم العميقة التي قادت الإنسان وأرشدته إلى التسليم بهذه المبادئ على الرغم من بعض النتائج السلبيّة في ظروف متنوعة ومختلفة قريبة وبعيدة، ستؤدي بالنتيجة إلى عالم تسوده المبادئ الدينية الصافية في جو من نظرة الإنسان عبر التاريخ، كما ورد في الكتب المقدسة وتعاليم الأنبياء والمرسلين ورموز الحضارة البشرية كجمهورية أفلاطون والمدينة الفاضلة للفارابي وكثيرين من هؤلاء الذين سهّلوا ومهّدوا لبلوغ الإنسان ما بلغ وسوف يبلغ من سموّ وارتقاء.

وشارك في هذه الجلسة الدكتور محمد شوقي ايدين (رئيس الشؤون الدينية التركية المساعد) بورقة حملت عنوان: «ثقافة السلام/ التفاهم والتربية الدينية»، وفيها يقول ايدين: لقد ظهرت حقيقة تلاقي الثقافات من جراء تحول هذه البسيطة إلى قرية صغيرة. حيث اضطرت المجتمعات المنطوية على نفسها إلى التحول إلى مجتمعات منفتحة ذات ثقافات مختلفة تدريجياً. واضطر الفرد بالتالي إلى العيش جنباً إلى جنب ضمن المجموعات التي تتمتع بثقافات مختلفة. ونتيجة لذلك، ازدادت صعوبة تفاهم الفرد مع نفسه أولاً والبيئة المحيطة به ثانياً. وفي ظل هذه الظروف أصبحت مسيرة إدراك الفرد لنفسه وتطويرها والفوز بحياة سعيدة ناجحة بنتيجتها دون إلحاق الضرر بالطاقات الكامنة لديه أو تبديدها مشكلة كبيرة حقاً. وما من شك في أن التمتع بثقافات السلام سوف يكون لها أكبر الأثر في إحراز هذه الحياة. ولهذا السبب ليس هناك حيلة سوى تنشئة الأفراد في ظل ثقافة السلام/ التفاهم. ولدى إحراز هذا الهدف سوف يتمكن الفرد من إحراز إمكانية التطور على نحو أفضل من جراء التفاعل المتبادل مع البيئات المختلفة وتلقي المعلومات والتجارب المختلفة منها. لأن الفرد سوف يتمكن في مثل هذه الحالة من توسيع نطاق القوة وتنويع مصادر التغذي.

ويرى ايدين أن تحقيق هذا الهدف لا يمكن دون تطبيق سياسات تربوية جدية للغاية. ويمكن الجزم في هذا الصدد بأن المهمة الكبرى تقع على عاتق التربية الدينية بالدرجة الأولى ضمن إطار التعليم العام، وللتربية الدينية دور قيادي في تأسيس ثقافة السلام عوضاً عن ثقافة الاصطدام والتوتر.

ويؤكد ايدين أن على التربية الدينية الابتعاد كل البعد عن تحفيظ بعض القوالب أو فرضها على الطلاب! وبدلاً عن ذلك علينا أن نتيح الفرصة لهم لتحليل النصوص الدينية وفهمها واستنباط مدلولاتها واكتشاف المعاني والمبادئ واستيعابها بالشكل الصحيح.

ويخلص ايدين ليشير إلى ضرورة توفير الثقافة الدينية التي تتيح للأطفال والشبان إمكانية التعرف على قيمهم الثقافية وتضمن أيضاً تعرفهم على معتقدات وممارسات الآخرين واحترامهم لها. فالتربية الدينية التي يمكن أن تحقق الهدف المنشود -كما يتصور- هي التربية التي تساعد الفرد على التعرف على نفسه وخالقه والكون بأسره وترشده إلى اكتشاف معنى الحياة والغرض منها، وهي التربية التي يمكن تخطيطها وتطبيقها من أجل الإسهام في زيادة مستوى كينونة الفرد وتطويره وتبني ثقافة السلام والتفاهم واستيعابها.

* الجلسة الرابعة

في ورقته المُقدّمة في هذه الجلسة عبّر الحاخام دانيال برينر (مدير المركز التعليمي لتعدد الأديان في أمريكا) عن المخاوف من انتهاء الحياة على كوكب الأرض بفعل تدمير الإنسان للحياة الطبيعية.

وقال الحاخام دانيال: إن مستقبل الإنسان هو على الأرض، وليس في الفضاء الخارجي. وطالب في ورقته بالتصدي الفوري للمخاطر البيئية التي تحيط بالأرض، وضرورة استخدام التكنولوجيا من أجل خير البشر، خاصةً وأن الله قد دعا المؤمنين إلى الاهتمام بالأرض.

واقترح دانيال لتفعيل قضية حماية البيئة في حوار الأديان: أن يكون هناك صلات مع العامل الطبيعي وتحديد المسؤوليات في حماية الأرض، وإقامة صلات وعلاقات بين قادة الأديان والمجتمع العالمي، وأن يقوم الزعماء الدينيون بالضغط على الحكومات لدرء الحروب التي تدمر البيئة، كما طالب بتحديد المدى الذي يسمح فيه باستخدام الموارد الطبيعية خاصة من قبل الدول.

في هذه الجلسة قدّم الدكتور مروان عازار (أمين سرّ كليّة اللاهوت الحبريّة في جامعة الروح القدس - الكسليك بلبنان)، ورقة بعنوان: «دور الأديان في حماية البيئة»، وتناولت ورقته قسمين، هما:

القسم الأول: يتناول البعد الكتابي-اللاهوتي، لارتباط الإنسان بالخلق وارتباط الإنسان والخلق بالله؛ وذلك من وجهة نظر مسيحيّة.

القسم الثاني: عالج فيه من منطلق تعليم الكنيسة الاجتماعية، كيفية حماية البيئة ودورها في بناء الإنسان.

وفي ورقته يشير عازار إلى أن المعرفة لا تعني الاستغلال. يقول القديس أغوسطينوس «نعرف بقدر ما نحبّ». بهذه المعرفة التي تندهش أمام الخلق وتحبّ، يحترم الإنسان كينونة الخلق والمخلوقات ويشارك في حياتها.

ويضيف عازار قائلاً: لا نريد أن نعرف لنستغلّ وندمّر، بل أن نعرف لنشارك ونحبّ. هذا ما أسمّيه «المعرفة المشاركة». هكذا تُضحي معرفتنا ذاتها علاقة حيّة. تغدو بها الطبيعة والبيئة شريكة لنا في الحياة، هذه الحياة تحملنا وقد ننساها في كثيرٍ من الأحيان رغم أنّها هي الجوهر.

المعرفة التي تحبّ تستبدل المعرفة التي تستغلّ الأرض والبيئة بشكل قاسٍ وغير مسؤول، إلى معرفةٍ يغدو فيها الإنسان والكون أبناء جماعةٍ واحدة هي جماعة الحياة. عندما نؤمن ونفهم بأنّ الله خلق الكون فهذا يعني أنّا نسلّم بأنّ الله عندما سلّط الإنسان على الأشياء والكائنات لم يعطه ضوءاً أخضر ليستغلّ ويدمرّ ما خلقه الله. لا بل بالعكس، ليجمّل ويبدع.

* الجلسة الخامسة

في هذه الجلسة قال المطران سيبوه سريكيسيان (مطران أبرشية طهران للكنيسة الأرمينية التابعة لكاثوليكوسيتنا في إيران) إن ما تسعي إليه الأديان هو العدالة الاجتماعية، وإن العدل والعدالة هما من أهم سمات وأسس تعاليم الأديان، وأضاف قائلاً: إن المسيحية وبسبب جوهر رسالتها السماوية حاولت بكل جهد نشر وتحقيق العدل وتحرير المرء من كل أنواع العبودية.

وأكد المطران سريكيسيان أن المفهوم الديني للعدالة يجب أن يكون مرتكزاً على احترام حقوق الآخرين والعيش معاً، وأن المجتمع مدعو للعيش حسب القوانين الإلهية دون تجاهل القوانين الاجتماعية والقوانين التي توضع من قبل الدول والتي يجب أن تكون في خدمة وسلامة وحرية الإنسان. كما تعرّض إلى الدور الذي قامت به الكنيسة عبر تاريخها في حماية حقوق الفقراء والبائسين كما نادت بالعدل الاجتماعي وبالحق في الحرية والمساواة بين البشر.

ومن الأوراق المقدمة في هذه الجلسة ورقة للدكتور محمد السماك (أمين عام اللجنة الوطنية الإسلامية-المسيحية للحوار بلبنان)، وجاءت بعنوان: «تعميم الحكم على الناس خطأ صريح»، وفيها يقول السماك: شاع وانتشر في المجتمع الدولي في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وفي مطلع الألفية الثالثة استعمال أسلوب التعميم في الحكم على الموضوعات، أو بتعبير آخر أدق استعمال أسلوب التعميم في الحكم على من ينتسبون إلى شعوب معينة، أو من ينتسبون إلى عقيدة دينية واحدة في حالة ما إذا قال أو فعل بعض من ينتسبون إلى هذه الشعوب أو إلى تلك العقيدة الدينية ما يخالف فكر أو منهج أو سلوك أو رأي غيرهم.

فنحن نرى -بعبارة السماك- أنظمة حكم بعض دول العالم التي تعتنق فكراً سياسياً معيناً، أو تطبق نظاماً اقتصادياً خاصاً، أو تتبع منهجاً وسلوكاً اجتماعياً ترتضيه، نراها عندما تتحدث عمن يخالفها في ذلك تعمم الحكم على الدول والشعوب... وإذا جاز استعمال هذا الأسلوب -مع التحفظ على هذا الجواز- في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فإنه لا يجوز مطلقاً أن يقبل استعمال أسلوب التعميم هذا في المجالات الدينية.

ويؤكد السماك في ورقته: إن تعميم الحكم على الناس دون نظر إلى المحسن والمسيء، والصالح والطالح، والبريء والمذنب، خطأ كبير وظلم فادح لا يقره الإسلام، فلكل إنسان ميزان خاص به حسب مواقفه وحسب أقواله وأفعاله، وحسب سلوكه وتصرفات، وهو غير مسؤول عمن سواه، فالواجب علينا عند تحديد حكمنا على الناس أن نحدد الحكم عليهم بحسب مواقفهم وأقوالهم وأفعالهم وسلوكهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم مع غيرهم، لا بحسب انتسابهم لدولة، أو انتمائهم لعقيدة دينية، فلا نعمم الحكم على الجميع.

* البيان الختامي لمؤتمر الدوحة الرابع لحوار الأديان

انتهى المشاركون في المؤتمر إلى التوصيات الآتية:

أولاً: توجيه الشكر والتقدير لدولة قطر أميراً وحكومةً وشعباً، ولجامعة قطر وللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات بوزارة الخارجية على المبادرة الإيجابية المقدرة لتنظيم هذا الملتقى السنوي العالمي للحوار بين علماء الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، من أجل تعميق الفهم المتبادل وتعزيز التفاهم المشترك بين أتباع هذه الأديان.

ثانياً: التأكيد على أهمية دور الدين في بناء الإنسان المتكامل نفسياً وعقلياً وجسمياً، باعتباره خليفة الله في الأرض وصانعاً للحضارة والتقدم، ويتفق الحاضرون على أنه دون هذا الدور لن يتحقق للإنسان إنسانيته.

ثالثاً: يدعو المشاركون إلى احترام المقدسات والرموز الدينية، ويؤكدون على أن احترام المقدسات لا يتعارض مع حق الإنسان في التعبير، ويتطلع المشاركون إلى استصدار تشريع دولي من منظمة الأمم المتحدة يدعو إلى احترام الأديان ويجرم الإساءة إلى رموزها.

رابعاً: يوصي المؤتمر بالعمل الدؤوب على تصحيح المفاهيم المغلوطة وتنقية الكتب الدراسية والأعمال السينمائية والدرامية والعمل على إزالة سوء الفهم المتبادل لدى كل طرف إزاء الطرف الآخر.

خامساً: يؤكد المشاركون على براءة الأديان من الأعمال الإرهابية وترويع الآمنين وقتل المدنيين المسالمين تلك الأعمال البشعة التي يقوم بها بعض المتعصبين من أتباع الديانات.

سادساً: نشر القيم الدينية السامية مثل العدالة والتسامح والمساواة والانفتاح على الآخر والتواصل معه وتعميق مبادئ التعددية وحق الإنسان في اختيار ديانته بحرية تامة.

سابعاً: بذل الجهد في نقل الروح الإيجابية لهذه الديانات والحوارات إلى القواعد العريضة من أتباع الديانات الثلاث لكي تتحقق الأهداف المرجوة من هذه اللقاءات بين العلماء والقادة الدينيين.

ثامناً: يؤكد المشاركون أن الأديان لا تعارض العلم بل تحث على البحث العلمي وامتلاك تقنياته ووسائله، بل هي توجه إلى التطبيق السلمي والإيجابي النافع لنتائج تلك البحوث لسعادة الإنسانية.

تاسعاً: الأديان الثلاثة تؤكد على مكانة المرأة ومساواتها مع الرجل، وعلى أن الأسرة بمفهومها الطبيعي والفطري (الزوج والزوجة) هي الأساس الصحيح لبناء المجتمعات الإنسانية.

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة