شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
* مدخل :
تمر الانسانية بمرحلة نمو معرفي هائل ، ومتسارع الخطى الزمنية على صعيد الأنظمة المعرفية الشاملة، كما تتجانس مناهج هذه المعرفة بصورة متكاثفة في الكم، وممتدة في الأثر النوعي على مستوى النظرية والغايات المعرفية المتخصصة حتى غدت افرازاتها كل المصير الانساني الخاص والكوني العام.
وفي ظل هذا التراكم المعرفي الهائل وتحرير كثير من المقولات البسيطة لمحاور أسئلة الكائن العاقل إلى صيغ مركبة بنائية سببتها تلك القفزات العلمية – الفكرية على مساحة العلوم كافة، في ظل كل ذلك أفرزت هذه الثورات المعرفية تجاوزات ضمنية على صعيد خصخصة النظرية في سلم المعرفة التطبيقية ومنوالية التبادل الحر للمعرفة وحق امتلاك وتداول المعلومات للإنسانية كافة.
كما أن مراوحة نسق المعرفة الحديثة في زمنية انتظاماتها الثابتة ومركزيتها الغربية الغالبة، وظواهر التخثر الحضاري بأعباء الاستلاب والامبريالية المفرطة بحق الدول التابعة، ينحي بنا إلى ضرورة التعرف على موزاين وآليات القوى فيما بين الثابت الزماني الممعن في التبعية والسكون والتأسن، وبين فعل الخصوصية الثقافية ذات البعد المعرفي الدينامي "الحركي" الحر والمعقود ضمن هوية أمة محددة ومصير موضعة المعرفة ومثاقفة الآخر الموضوعي.
وفي مناهجية المثاقفة الراهنة حددت كثيراً من المناهج من قبل المركز الغالب معرفياً ضمن سياق مركز عقدة النقص ودونية عززتها اشكاليات أزمة التطور الحضاري، في ظل كل ذلك تداخلت كل صيغ المطلب المعرفي بنيوياً في المشروع الثقافي الخاص للأمة وتشكلت ردود الأفعال ضمن سياج شرنقة الذات / الموضوع ... وتزامنية الثابت / المتغير – الحركة / السكون – الأصالة / المعاصرة ... وبرزت بذلك انعدام القدرة على التجاوز المعرفي في تواصلية المشروع الخاص مع المشروع الحضاري العام الذي تسير في ركابه البشرية جمعاء .
وهذا مرده إلى الإفتقار المنهجي لخصوصية المشروع العربي الاسلامي من جهة واستشراء حالة القوالبية الجاهزة للمناهج المتحايثة في الساحة العربية والاسلامية التي تفتقر بدروها إلى المقدرة على التوظيف المعرفي وتطويعها منهجياً لصالح الذات الثقافية ضمن مشروع الأمة في محددات شروط النهضة ...
كما أننا نرى كثيراً من المشاريع الثقافية ومناهج التحليل والاستقراء والتي استهدفت قراءة معالم المشروع الثقافي العربي الاسلامي حسب زمنية محددة ، أما أن هذه القراءة قد استنفذت طاقتها الزمانية على مدى التواصل المعرفي أي انقطاع لحاظها التاريخي، واما أن هذه القراءة أصبحت خارج مبرر انوجادها الزماني واصولها المعرفية حتى على مستوى التوظيف المكاني الذي افرز تلك القراءة والذي لم تتساوق بالشكل الذي يؤدي إلى تطويعها معرفياً على مساحة التطبيق واعادة التمثل.
من هنا تأتي دراستنا للاصول المعرفية لماهية الزماني في الحضور الثقافي العام وتراتبية العلاقة التاريخية الثقافية لمفهوم الزمان وعلاقته بالزمان المكاني، وخصائص منابع الحركة / السكون في الزمان ومدى تأثر هذه الأصول المعرفية بمتغير مفهوم الزمان العلمي ونسبيته وما تضمنته كل المتغيرات العلمية – الفكرية الحديثة إلى يومنا الحاضر .
وبالتالي حضور الفعل الزماني الثقافي ضمن خصوصية الأبعاد الثلاثة للزمن :
1- الماضي / على مستوى الأصول المعرفية لحركة الزمان التاريخية الفلسفية والتراثية الخاصة ومدلولاتها المعيارية على ضوء مكتسبات الأمة حضارياً في حركة الزمان الاجتماعي من جهة التغير والثبات وفق متطلبات ذلك الزمان وخصوصيته ...
2- الحاضر / المعاصر في بنائية القراءة الناجحة منهجياً وفق قواعد ترسي مفاهيم النهضة والتقدم والنمو والحفاظ على هوية الأمة وثوابتها...
3- المستقبل / معرفة المستقبلية في ضوء الحاضر الموضوعي والاستراتيجي وانعام النظر في استشراق غايات الحضور الفاعل في انتاج الحضارة ...
*الزمان الفلسفي العام
احتل الزمان مساحة بارزة في البحث الانساني العام والفلسفي الخاص القديم والحديث وعلاقته الوجودية الانسانية التي تشكلت جراء بحث هذا الانسان عن كينونته الملتصقة بالوجود في الزمان "فمعنى الوجود في العالم معناه الوجود في الزمان، فالزمان يعرض لنا كأنه انبثاق تخرج من أحشاء الماضي وتمر بالحاضر على طريقها إلى المستقبل"(1)
كما أن الوعي الانساني بالزمان مرتبط بمغامرة هذه الانسانية ومرهون بالتجربة الوجودية التي يعانيها الفرد فهو بسبيل اثراء امكانياته واغناء مضمونه.(2)
إذ لا يمكن ان يكون هناك وجود دون زمان. فمنذ بداية الحضور الانساني على وجه البسيطة تجانس هذا الحضور الزماني وفعليته ولكن بمفارقة حضور هذا الزمان في وعي الانسان النسبي على مستوى حضوره التاريخي الثقافي المتدرج نحو الكمال المعرفي الأكثر وعياً بذاته الانسانية...
فالزمان بالنسبة للانسان البدائي "هو حاضر يسيل ويسيل.. فهو لم يكن يتصوره ديمومة مطردة أو تلاحقاً من الآنات المتشابهة"(3)
إلى ان تراكمت سيرورته الانسانية واتحدت أكثر فأكثر بحركة الزمان بتعدد مظاهر الوجود المتلاحقة في نموه الحضاري الذي دفع بدوره تلك الآنات إلى التمايز والإطراد المتسارع في وجوده الكلي المدرك.
ثم ان ادراك الإنسان المنطقي هداه إلى أن يعطي مفهوم الزمان زخات من المعنى الوجودي الأكثر نضجاً من ذي قبل ويضيف بذلك معنى أكثر فعالية في حسه الزماني وحركته الانسانية الممتدة.
وتنبجس المعارف المنطقية والفلسفية اليونانية في ينابيعها الأولية لتعرف المفاهيم العقلية ضمناً ، فلقد عرف "أرسطو" الزمان على معنيين ... الآن الذي هو يفصل المقدار المتصل أي الزمان المتصل، والآن الواصل أو السيال.(4)
كما عرف "أفلاطون" الزمان... "بامتداد الحركة في الزمان"(5) ... أو حياة النفس في حركتها من أحد مراحل الفعل إلى آخر... (6) "ثم هو ليس مقداراً أو مقياساً للحركة بل أن الحركة الدورية نفسها تقاس بالزمان الزمان هو شيء أولي. (7)
ثم تأتي ينابيع الفكر الفلسفي العربي والاسلامي بقفزتها الفكرية العالية على مستوى التوظيف والتجاوز الحضاري لتضيف بمقولاتها معان أخرى فعرف "ابن سيناء" الزمان "بأنه لا يتصور الزمان الا مع الحركة، ومتى لم يحس بحركة لم يحس بالزمان"(8).. ومعنى ذلك أن صيرورة السكون الكامنة الحركة تلغي صورية الزمان الحسية ولكنها لا تلغيه على مستوى الخاصية الجوهرية وإنما تجرده فقط من مستوى الفاعلية الظاهرية وهو نفس المعنى الذي أكده "أفلاطون" من قبل حينما قال "الزمان هو صورة متحركة للأزل"(9) كما يعزز تعريف للخواجه "نصير الدين الطوسي" استمرارية التعريف للزمان في حيز الحركة فيقول : الحركة هي عبارة عن حصول الجوهر في حيز بعد ان كان في حيز آخر والسكون عبارة عن حصوله في حيز الواحد أكثر من زمان واحد (10)... وفي تعريف له أيضاً يقول هو عبارة عن مقدار الحركة المستلزمة للوضع (11).
كما اتت المدرسة الكلامية باضافات أخرى حينما سمى "إبراهيم النظام" السكون بحركة اعتماد فقد قال على لسان "الأشعري"... لا ادري ما السكون إلا أن يكون يعني كأن الشيء في المكان وقتين. أي تحرك في وقتين وزعم (يعني النظام) أن الاجسام في حال خلق الله سبحانه لها متحركة – حركة اعتماد.(12)
ثم تتحرك الفلسفة في ابتدار ابداعي وبمناقشات فلسفية متقدمة مع محاور الزمان الأخرى فقد قال "الغزالي" معرفاً – المتى – "بأنها نسبة الشيء إلى الزمان المحدود الذي يساوق وجوده نهاياته على نهاية وجوده زمان محدود يكون هذا الزمان جزء منه"(13) كما عرف "ابن سينا" - الآن- .. هو فصل الزمان وطرف أجزاءه المفروضه فيه، ينفصل به كل جزء في حده ويتصل بغيره، والزمان لا ثبات لـ "قبله" مع بعده فهو متعلق بالتغير ولا بكل تغير، بل بالتغير الذي من شأنه أن يتصل.(14)
كما يتوسع موضحاً "صدر الدين الشيرازي" المعروف بـ "الملا صدرا" ليعطي معالم الحركة أخاديد ممتدة في عمق المعنى الزماني ليبدع في قسماته معالم الحركة الجوهرية التي أحدثت انطلاقة جديدة حفزت الزمان الفلسفي الاسلامي ليتحرك في محضر القوة والفعل الجوهريان...(15)
ويؤكد معنى التلازم بين الحركة والزمان استاذ الفلسفة المعاصر "محمد تقي المصباح" بأننا نرى سيلانها – أي الحركة وامتدادها – على بساط الزمان، لأن الامر التدريجي لا يتحقق دون انطباق على الزمان.(16)
الزمان الاسلامي :
( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الانسان مالم يعلم ). (17)
كان هذه الآيات المباركات بدء الدفع المقدس لحقيقة المعرفة الوجودية المتمركزة في العالم الأرضي، والسابحة في كون مترامي الأطراف لا تكاد تعرف حدوده، وبتعدد أزمنته الوجودية كان لا بد أن يقرأ لكي يعرف علائقه وسننه الكونية العامة في ذلك الوجود المتعدد في الزمان التاريخي للكون.
وفي بحبوحة التحرير الاسلامي لمعاني الكمال الانساني في سلم مداركه العقلية، وسمو معناه الخالد في مجال التحقق، في ظل هذا المرسم الحي لخصائص الشخصية الاسلامية تقلبت هذه الشخصية واستوت في فعل التدافع الحضاري بينها وبين الشرع المقدس في نطاق السلوك وبينها وبين تفاعلها مع حضارات الامم السابقة وارثها الذي لازال ماثلاً في مقولاتها المتعددة في زمانها الثقافي العام، واستطاعت في زمن متسارع تحصيل القدر الذي يتجانس وخصوصيتها الاسلامية في ميزان ذلك التدافع...
قال تعالى: (... ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ...)(18) يقول صاحب تفسير الميزان في شأن هذه الآية "فقد عرفت انها ي مقام الاشارة إلى حقيقة يتكىء عليها الاجتماع الانساني الذي به عمارة الأرض، وباختلاله يختل العمران وتفسد الأرض، وهي عريزة الاستخدام الذي جبل عليه الانسان، وتأديتها إلى التصالح في المنافع أعني التمدن والاجتماع التعاوني، وهذا المعنى وان كان بعض أعراقه واصوله التنازع في البقاء والانتخاب الطبيعي لكنه مع ذلك هو السبب الذي يقوم عليه عمارة الأرض ومصونيتها من الفساد". (19)
كان ذلك الترجيح لحركة الانسان المسلم بعد أن أزاح عنه جبر القوى الضاغطة على حركته الانسانية في جمودها عن فعل الحركة المتدافعة في جاهليتها وغيابها الحضاري بعزلتها الجغرافية (أي مكانها الزماني) وبسبب افتقارها المادي الذي يوجب للحضارات والامم المجاورة لها أن تطمع فيها ظلت معزولة عن تواصلها الانساني الفاعل إلى أن جاءت الرسالة المحمدية لتوصل هذا المكان بزمان الحركة والنمو والتقدم الحضاري بعد أن أزال كل تلك الأغلال العالقة.. (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليه آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (20)
وحتى يتحول الانسان المؤمن إلى طاقة فذة في ميدان الفعل والانجاز.. وقدرة مذهلة في مجال العطاء والابداع.. شعلة متوهجة يمتد اشعاعها إلى أعماق الذات فيضيئها ويدفعها إلى آفاق العالم تتبين ملامح الطريق ...(21)
فمنذ بداية البصيرة بالانتماء إلى الاسلام تكون الموافقة المبدئية على الدخول إلى عمل مبرمج مرسوم.. والايمان بالله يعني التحقق بالقناعات الكافية بجدوى العمل.. أما التقوى فهي تلك الطاقة الفذة التي تشعل مصباح الضمير فيظل متألقاً متوهجاً.. (22)
فقد دعا القرآن الناس إلى التبصرة بحقيقة وجودهم وارتباطاتهم الكونية عن طريق (النظر الحسي) إلى ما حولهم ابتداء من مواقع اقدامهم وانتهاء بآفاق النفس الكون وأعطى للحواس مسؤوليتها الكبيرة عن كل خطوة يخطوها الانسان المسلم في مجال البحث والنظر والتأمل والمعرفة والجريب.. قال تعالى ( ولا تقف ماليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )(23)
فلم يكن العقل المسلم يرفض معطيات غيره ولكنه في الوقت نفسه لم يكن يتقبلها بالكلية لقد كان يمتلك تركيبه الخاصة ومن خلال منظوره العقيدي، المقاييس الدقيقة والموازين العادلة التي يمرر من خلالها تلك المعطيات، فيعرف جيداً ما يأخذ ويعرف جيداً ما يدع(24) وهكذا كما يقول لويس يونغ "هكذا أصبح المسلمون في المناطق الجديدة لامبراطوريتهم على صلة تامة بحضارة واسعة، تضم بين ظهرانيها أدباً واسعاً مكتوباً باليونانية والسريانية والبهلوية، إلى جانب استيعاب للعلوم لم يكن لعرب الجاهلية أن يعرفوه .. لقد صبت جداول كثيرة في نهر الحضارة الاسلامية ، ولعل أشدها تأثيراً رافد الحضارة الهيللينية ثم الحضارة الفارسية التي أثرت في الفكر السياسي والعادات الاجتماعية، والحضارة الهندية التي أسهمت في علوم الطب والفلك، وخاصة في الرياضيات حيث أخذ العرب الأرقام الهندية، وقد أخذ العرب بعض التنظيمات الإدارية والسياسية التي كانت قائمة في البلدان المفتوحة مثل (ديوان الحسبة) الذي هو امتداد للمؤسسة البيزنظية، وفكرة "المصلحة العامة" وهو امتداد UTILIAS PUBLIC في التشريع الروماني ، كما أخذوا بعض المناصب السياسية مثل "الوزير" من الفرس .
ولقد فتح العرب ابوابهم على اتساعها لاستيعاب المعارف والثقافات القديمة من يونانية وغيرها مما قاد إلى نهضة كبرى في مجال الترجمة.. ولعل من أهم دوافع الترجمة: هو حث الاسلام على المعرفة، ودعوته لتلقي العلم، وجعل ذلك أمنية عظمى في الحياة .. وقد تعرف المسلمون من خلال الترجمة على جوهر الفلسفة القديمة والطب والعلوم الطبيعية اليونانية.. وهكذا كان مجال الترجمة واسعاً، حتى ان الكثير من الاعمال اليونانية وصلت إلى أوروبا عن طريق الترجمة العربية فقط، لأن النسخ اليونانية الأصلية فقدت.. ان تطوير المسلمين للتراث اليوناني هو واحد من أهم حلقات التاريخ الثقافي في العالم، وليس معنى ذلك أن الحضارة الاسلامية كانت مجرد تقليد أو انعكاس للحضارة اليونانية القديمة) (25)
وكما يقول غروبناوم :
( ... وكانت نتيجة هذه الخصومة والتنازع ان خرجت امكانات الاسلام الفلسفية والعلمية إلى حيز الفعل، وعبروا عنها من جديد في صيغ مقبولة لدى ممثلي التقاليد الأقدم عهداً التي كان على الحضاره الدينية الجديدة أن تتعامل معها.. فالتفكير الإداري والسياسي من فارس، والطرائق الهلنستية في التفلسف والعلم الدنيوي، والطب والرياضيات من الهند كذلك تمثلوه واستوعبوه بغير عناء. وان التعريب اللغوي ما اقتبسوه من هذه الأمور ساعد على تمثلها، وحينما توضع وجهة النظر الأجنبية من داخل اطار اسلامي وبتعابير اسلامية يكون الاحساس بها اسلامياً صادقاً ومن جهة اخرى فإن التوضيح التدريجي بحقائق الدين الأولى أخذ يساعد على توسيع الأساس الذي يقوم عليه التبادل بين الحضارات ...)(26) فكان الشغف بالكتب والسعي الحثيث لتمثل الثقافات السابقة من ايرانية وصينية وهندية ويونانية لم ينطوي على أية انتقائية أو اصطفاء فقد ميز المسلمون ، إذ انفتحوا على هذا الأرث الغني فأحيوه وجددوه انطلاقاً من رؤيتهم ، ما يمكن منه ان يندمج بهذه الرؤية ويتكامل معها بعد ان لقح بها واخصب وحول، فبعقيدتهم قدم المسلمون اغنى مساهمة في الثقافة العالمية. (27)
كما سمى "جورج سارتون" مؤرخ تاريخ العلم المعروف في صدد استعراضه للقفزة العلمية الذي شهدها القرن الرابع عشر ( بالمعجزة العربية ) التي تقابل ( المعجزة اليونانية ) التي يتغنى بها معظم الدارسين.(28)
ولذا فإن البداية أعمق من تلك واشمل ، ويجب ان نبحث عنها في الاسلام نفسه، وهو روح الحضارة العربية وصانع قسماتها، الآيات القرآنية الكثيرة التي ترفع شأن العلم والعلماء (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات)(29).. وكذلك الأحاديث الشريفة : ( العلماء ورثة الانبياء ) وبما رافق ذلك من اجواء التسامح وحرية البحث العلمي، ساعد على نشوء حركة علمية تتميز بالنضج والدقة والاستقصاء واستقلال الرأي.(30)
والقرن الرابع كما لاحظنا تميز بالانتقال من طور الترجمة والنقل إلى طور الهضم والتمثل، ثم الابتكار والابداع. "ولذا ترك العلماء العرب الآراء التي وصلت اليهم عن الاشياء نفسها، لقد تركوا التحدث عن – الاصول – الأقليدس مثلاً في علم الهندسة نفسه"(31)
لقد لاحظ "أبو الريحان البيروني" (362 – 440هـ ) وهو من أعظم العلماء الموسوعيين المسلمين، حينما كان في الهند، أن لدى الهنود علماً جزئياً على درجة لا بأس بها من التقدم.. أبحاث متناثرة في الطب والرياضيات والفلكيات والطبيعيات – ولكن لا يربط بينها رابط علمي أو منهجي ، بينما كان اليونان ، على العكس من ذلك لديهم نظرية في العلم (نظرية البرهان) ولكن لا يوجد لديهم هذه الاعداد الكبيرة من أبحاث الهنود في مختلف العلوم.(32)
وكانت ملاحظة "البيروني" تلك من الدقة بمكان ، لأنها بقدر ما أوضحت افتقار الهنود المنهج وانشغالهم بالعلم الجزئي ، أوضحت افتقار اليونان إلى التجربة وانشغالهم بالعلوم النظرية وآلتها البرهان، وكان أن توصل "البيروني" إلى المنهج الذي يجمع بين علوم الهند وعلوم اليونان، ألا وهو المنهج – التجريبي الاستقرائي – الذي كان أهم مميزات العلم العربي قديماً ، وهو الركيزة الأساسية التي قام ويقوم عليها العلم الحديث.(33)
ويؤكد "سارتون" ملاحظة "البيروني" تلك بقوة .. ان اليونانيين كانوا متخلفين من الناحية التجريبية وإذا كان أطباؤهم قد مالوا إليها بحكم الصناعة، فإن (الروح التجريبية) لم تنشأ الا بتأثير الكيماويين وعلماء البصريات من العرب.(34)
فهذا عالم البصريات الشهير "ابن الهيثم" (ت – 430هـ) يشرح منهجه او طريقته الاستقرائية فيقول : .. البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات، وتمييز خواص الجزئيات ، ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الابصار، وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الاحساس، ثم نرتقي في البحث والمقاييس على التدرج والتدريب مع انتقاد المقدمات، والتحفظ من الغلط في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى.(35)
فالتجربة إذن هي الأساس المتين الذي اعتمد عليه العلماء العرب، وعن طريقه تمكنوا من استخراج العلة من المعلول، والمجهول من المعلوم، وعدم التسليم بما لا يثبت من غير تجربة، كما نجد ذلك في كتاب – الحيوان – "للجاحظ" فهو يخطىء "أرسطو" في مسائل كثيرة، وربما فضل عليه عربياً بدوياً" (36)
وهناك الكثير من الوصف التاريخي لذلك الزمان الثقافي الاسلامي الزاخر بكل معنى النضج الحضاري لمفهوم حيوية الزمان وحركته العامة.. والتي تشربتها العقلية الاسلامية بسبق معرفي مدهش الذي يحق لدارسي حركة التاريخ الحضاري ان يتساءلوا عن دينامية ذلك الزمان، فهذه المستشرقة الالمانية "زيغريد هونكه" تفتح علامات استفهاماتها.. بأن هذه القفزة السريعة المدهشة في الحضارة التي قفزها ابناء الصحراء والتي بدأت من اللاشيء لهي ظاهرة جديرة بالاعتبار في تاريخ الفكر الانساني. وأن انتصاراتهم العلمية المتلاحقة التي جعلت منهم سادة للشعوب المتحضرة في ذلك العصر لفريدة في نوعها لدرجة تجعلها اعظم من ان تقارن بغيرها، وتدعونا هنا أن نقف هنيهة متأملين. كيف حدث ذلك؟ وكيف أمكن لشعب لم يمثل من قبل دوراً حضارياً أو سياسياً يذكر ان يقف مع الاغريق في فترة وجيزة على قدم المساواة؟ ... بل ماهي المقومات التي احتاجها هذا الشعب ليبعث مثل هذا البعث؟ وما هي العوامل التاريخية والاجتماعية والروحية والفكرية التي كان لا بد لها أن تجتمع لتخلق هذه المعجزة التي حققها العرب ؟ (37)
* الزمان الاوربي :
لقد كان الزمان ساكناً وبارداً إلى أن جاء علماء امثال (كوبر نيكوس وفرنسيس بيكون) يفضحون هذا السكون ويثيرون غبار الدثار الذي غلف العقل الاوروبي في قرسطوية مظلمة... فأتى هؤلاء العلماء وأقرانهم ليقتلعون جمود الزمان الواحد وصورية المصير الواحد ولتنتشل الانسان من قدرية فيها لاتزامنية بالغة السكون في حراكها الاجتماعي التاريخي حتى ان احد علماء أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي وصف ذلك الزمان.. (... بالذي تعاني في ارواح الناس جميعاً من التخمر... والفلسفة تأتي مع الربيع)(38)
فكانت البداية مع علم الفلك الجديد بقيادة "كوبر نيكوس" القائل بمركزية الشمس (HELIOCENTRIC).. والذي عاضده فيها كبلر وغاليلو...، جاءت هذه الحقيقة العلمية الجديدة لتزيح الفرضية القديمة لمركزية الأرض ولتنزلها بذلك عن رتبتها لتصبح مجرد كوكب صغير يدور حول نجم واحد في كون وصفه ديكارت ونيوتن بأنه لامتناه في المكان. وان لم تتمخض فكرة الكون اللامتناهي في المكان مباشرة عن فكرة الزمان اللامتناهي... وهكذا أمكن القول أن انحاء اخرى من الكون سبقت الأرض من حيث وجودها بمقادير لاحصر لها في الزمان...(39)
وتدرجت تلك المعرفة الجديدة لتتغلغل إلى فيزياء الحركة التي كانت تعرف بأنها (مقياس أو وظيفة الحركة).. وإن الزمان متعلق بالحركات الجسمية الفعلية أي متعلق بالصيرورة.. إلى ان أصبح الزمان على أنه بعد كلي أو بعد أساسي يمكن أن تقاس عليه الخصائص الفيزيائية الاخرى، (كالحركة مثلاً).. فانفصل الزمان عن مضمونه الفزيائي. كما عبر عن ذلك (آسحاق بارو).. سواء جرت الاشياء أو ثبت في مكانها. وسواء نمنا أو استيقظنا فإن الزمان ينساب بايقاعه المطرد.(40)
ثم تتمغربل مفهومية الزمان باطراد علمي ساحر يذهب مداه في انجازاته المادية حداً اعتبر قمة ابداع العقل البشري وتجلياته. كما عبر بإفراط أحد مؤلهي العلم بخيال عقله الجانح، يقول "فرنسيس بيكون" فيما سماه التقدم العظيم الثابت للبشرية.. لقد اطال العلم عمر الانسان، وخفف ألمه، وقضى على الأمراض.. إنه فلسفة لا تعرف الراحة أبداً ، ولم تصل إلى مبتغاها أبداً، ولن تبلغ الكمال ابداً.. وقانونه هو التقدم.(41)
وبذلك يتحرك التاريخ بوصفه تاريخاً للتقدم. فحراك الزمان الاوروبي بدأ تلك القفزة المادية التي اقتلعت الانسان الاوروبي من اتون سيطرة مقدسة موهومة بفرضيات بالية.
وشهدت ساحة الفكر العلمي وبالتالي الفلسفي العام تداعيات صرح المفاهيم القديمة إلى تصور زماني أكثر حيوية من ذي قبل وتتالت داخل منظومات الفكر الغربي مفاهيم لا تخلو من شطح الرأي احياناً في مجال لم ينته على امتداد التاريخ الحديث لأوروبا... فبعد ان عدا (نيوتن) و (كلارك) تصوراً للزمان موجوداً من ذاته في حين أن (لابيتنز) و (كانت) تصوراه لا يوجد الا في الفكر، فهو عند (لابيتنز) تصور مثالي، وعند (كانت) صورة قبلية، وهي اساس كافة احساسنا.(42)
وأما (برغسون) فقد درس الزمان من وجهة معايشتنا له ورأى... ان الديمومة هي الزمان الحقيقي، وهي تختلف عن الزمان الرياضي، والعلمي بأنها دفقة سيالة أو مجرد متحرك.. ويقول أيضاً أن العقل ينفر من كل شيء سيال، ويحاول بإستمرار تمجيده ولذلك فنحن لا نفتكر الزمان الحقيقي، أي الديمومة افتكاراً بل نحيا فيه يفعل ان الحياة تطغى من كل جانب على العقل.(43)
ثم أتت الوجودية بفارقة الزمان الوجودي والتي أشبعت مفهوم الزمان تحديداً .. وضيقاً .. ويأساً .. وبالتالي انتكس ذلك المفهوم المتقدم للزمن على يد الوجوديين إلى ما خلاصته.. ( أن الآنية في جوهرها وجود للموت. فالموت إذاً هو حد الآنية وليس الموت – إذا تحدثنا من الناحية الصورية – الا "النهاية" التي تبتلع كلية الآنية، إذاً يوجد حد آخر، هو البداية, أو الميلاد، والموجود يمتد أو ينبسط على نحو ما بين المولد والموت، وهذا الامتداد من حيث أنه يؤلف تتابعاً مستمراً للأيام يضفي على الزمانية طابع التاريخية ومجموع الآنية، وما بين هذين الحديث المتطرفين هو ديمومة وتاريخ).(44)
إنها فلسفة الموت والنهايات الوجودية.. بل بداية فلسفة العبث والتمرد.. التي حاولت من خلالها الوجودية اقصاء حس الانسان الزماني وديمومته الخالدة، ودافعيته لانجاز حضاري مبدع.. إنها الفلسفة الوجودية – المهاد الذي ابتدع فلسفة موت الانسان. فبعد أن ألغت بدايات الفلسفة الاوروبية المعاصرة في تحديها للتسلط الكنسي – مفهوم الاله – وبالتالي المقدس.. بزمانية مطلقة، هاهي تعود مرة أخرى بفلسفتها الوجودية لتلغي (الانسان) أيضاً وسيرورة تواصله الحر في التاريخ العام للانسانية.
وبذلك تكون وضعت الاساس لأزمنة ثقافية مجردة من الانسان مدعمة بمحاور الإطلاق (للنسبية) التي مست وبشكوكية مطلقة كل محاور الثبات والحقيقة والتي ما فتأت تنافح من أجل علموية غالبة!!
* نظرية النسبية والزمان النسبي :
النسبية هي احدى نظريات الفيزياء، وهي ترتكز على نقد منطقي لطرق قياس الانسان للزمان والمكان وقد بلغت مالم يسبق لنظرية أخرى أن بلغته من اتساع وشمول فظهرت خصوبتها الفائقة في سنوات قليلة.(45)
كما كشفت النسبية عدداً كبيراً من الظواهر الفيزيائية والفلكية مثل معدل الطاقة التي تشعها النجوم وهى احدى الاسس الهامة في الفيزياء كما تفسر التجاذب الكوني وانفلات السدم الحلزونية، وخصائص الوصف الدقيق للاشعة الطيفية داخل دورات الذرة.(46)
كل هذا الكشف أعطى للنسبية خاصية التفرد والامتداد لإجتياز خصخصة هذه النظرية في مجال العلوم كافة، كما أوغلت نتائجها وتفاعلاتها من داخل حقل الجدل العملي إلى مجالات الجدل الفلسفي العام، حتى أنها لم تسلم منها قاعدة علمية أو فلسفية وكما قال أحدهم.. أنها – أي النظرية النسبية – قلبت مفاهيم العلم إلى حيث لا رجعة ، مفاهيم الفيلسوف ورجل العلم على حد سواء..(47)
وقد ألقت النسبية، كما يدل اسمها، النسبة في مسائل لم يكن الانسان يرى فيها سوى المطلق.. بل غالباً ما نسمع أن النسبية قد طردت المطلق جذرياً من العلم.
وان هذا التأكيد لمضحك فهي لم تطرد إلا ما كان مزيفاً، أو ما كان يلحق الضرر بالفيزياء وقد اكتشفت بدورها – أي النسبية – مطلقات أخرى أعمق منها وأثبتت بحيث يمكن أن نأمن اليها ونركز معرفتنا للكون عليها... هل يعني ذلك أننا متأكدون هذه المرة من كون هذه المطلقات صحيحة لا يتطرق اليها الشك؟... لا يملك الانسان دليلا من هذا النوع فلا شيء يمنع من سقوط هذه المطلقات بدورها بفعل اكتشاف في المستقبل، ومن قيام مطلقات أفضل وأسمى .(48)
وجاء فتح النظرية النسبية فيزيائياً في حقيقة الكشف بأن عمليات قياس الزمان والمكان لم تكن مستقلة في الحقيقة عن بعضها، فالزمن ليس مطلقاً لأن قياسه يتأثر بالحركة النسبية في المكان كما أن قياس المسافات يتأثر بالزمن الخاص لكل مشاهد. وتتوصل النسبية إلى انصهار تام بين الزمان والمكان نسميه (المكان الزماني) مكان + زمان يتألف من زمان نسبي ومكان نسبي، يطفو، فوق كل هذا النسبي، مطلق جديد : "الفاصلة بين حادثتين التي تمثل حقيقة اعمق".(49)
* الزمان العلمي الجديد :
استدركت الحالة العلمية الجديدة أخطاء نتائج نظريات الحالة العلمية والفلسفية، التي أفرزتها بدايات النهضة الاوروبية، جراء حقائقها المستجدة، وبدأت تتقاطر دوائرها المعرفية على نقد ذاتها المعرفية العامة والعلمية الخاصة، وسارعت في كشف مفاصل الخطأ الفادح التي وقعت فيه أحكامها الجائرة بحق كينونة الوجود وبعد الزمان الانساني فيه... فهذا العالم (سبري) يقول : لقد كان صراع متزايد بين العلماء وسائر أفراد المجتمع حول مفهوم الحضارة والنظرة إلى العلم. وكان هذا الصراع يبلغ ذروة الحدة في العلوم الانسانية، وخصوصاً في فروع المعرفة التي تعنى أكثر بالقيم الأخلاقية، وربما كان كلامي في هذا المقام اعترافاً فعلياً بأن العلوم الإنسانية والفطرة السليمة كانت منذ البداية تسير في الاتجاه الصحيح وبأننا نحن المستقلين بالعلوم قد ضللنا الطريق.(50)
إنها بداية العودة لأنسنة العلوم ودحض فرضيات النظرية القديمة التي كانت تؤمن بأن القوة أو المنفعة هي هدف العلم. ومن هنا مساواة (بيكون) المشهورة – بين العلم والقوة. فالنظرة القديمة تتصور العلم اما محاولاً غزو طبيعة معادية والسيطرة عليها، واما ساعياً وراء نعيم مادي مثالي على الارض من خلال مخترعات علمية بارعة، ولكن إذا كان التساؤل، وفقاً للنظرة الجديدة هو الذي يستحث العلم فليست القوة إذاً هدفه، بل التفكير في الحقيقة، ويعلق العالم (انفلد) على ذلك بقوله.. من الخطأ أن يفترض أن تطوير العلم بأكمله هو نفعي الطابع، إنه ليس كذلك ، فالكثير من تأملاتنا في الذرات وفي الكون إنما تولد من حب الانسان للإستطلاع ومن رغبته في التغلغل إلى أعماق المجهول. فالقيمة النفعية للعديد من نظرياتنا قد تكون صفراً... ولكنها تعيننا على فهم العالم الذي نعيش فيه.(51)
كما أكدت النظرية العلمية الجديدة على تسخيف القول بامكانية هدم الماضي بكليته على ضوء الحاضر العلمي. فالابتكار لا يعني تسخيف المتوارث من المعتقدات والأعراف فبناء نظرية جديدة لا يستلزم هدم النظرية السابقة من أساسها. حتى الثورات العلمية تبقى على استمرارية مع الماضي. ومن ذلك مثلا ان (اينشتاين) يقول في معرض شرحه لنظريته في الجاذبية ومقارنتها بنظرية (نيوتن): لا يظنن أحد ان ابتكار نيوتن العظيم يمكن ان تطيح به – بأي معنى من المعاني – هذه النظرية أو أي نظرية غيرها. فأفكاره الواضحة الواسعة المدى ستحتفظ بأهميتها إلى الأبد بوصفها الأساس الذي قامت عليه تصوراتنا الحديثة لعلم الفيزياء.(52)
انها فلسفة البحث عن كينونة الانسان من جديد في منظومات انتظامات المعرفة الغربية، والتي غاب عنها الانسان بإغترابه فيها، وكما يؤكد (اريك فروم) في رحلة بحثه لاصول تلك الكينونة السرمدية في خلود الانسان الزماني ، فيقول: ان الكينونة هي ليست بالضرورة خارج الزمن... ان الرؤية يمكن ان تجيء في لحظة ، وربما في لحظات عديدة، ولكن بلا معاناة للزمن... ان كتابة الأفكار عملية تحدث في الزمن، وهكذا كل تجليات الكينونة الحب، الفرحة وادراك الحقيقة، كلها لا تحدث في الزمن، وإنما هنا والآن وتلك هي السرمدية أي التحرر من الزمن، فالسرمدية لا تعني كما يشاء فهمها احياناً الزمن الممتد بلا نهاية.(53)
* الزمان في التاريخ الاجتماعي :
الانسان مفطور على حاستي الذاكرة والتوقع إذ انه ينظم حياته داخل نسيجها، الماضي والحاضر والمستقبل... فكان ولا زال هذا الحس هو هاجس الانسان في تمثله المستمر لديمومة الزمن، ولكي يكون حضوره واعياً من خلال الرجوع التاريخي للحظة الماضية والحاضرة والمستقبلية وكما يقول (روي بوتر)... للحفاظ على التماسك الاجتماعي لا بد لهم من توثيق الحاضر بالرجوع إلى التراث كما أن لهم أيضاً أن يكونوا قادرين على المستقبل والتحكم فيه... ان مفاهيم الانسان عن الزمان لها تاريخ، وان لها خصوصيتها المتميزة، حسب الحضارات.(54)
كما يؤكد علم الاجتماع المعاصر على ضرورة امتلاكه القدرة على كشف الأزمنة الخاصة لمختلف شرائح المجتمع، كما ينبغي عليه أن يتنبه للأحوال الخاصة، فكل دراسة تطمح ان تكون "راهنة" تجد نفسها مجبرة للنظر بالتطورات الحاصلة على مدى مرحلة طويلة وبتعقيداتها، وبالتحديات الناتجة من المساق الاجتماعي والسياسي، وبالقوى الكامنة التي تبرز في زمن الصراعات. فالطرح الدينامي الذي ينزع للنظر بالتغيرات والتحولات، هو القادر بالضرورة على كشف الفترات والاحوال على الرغم من طابعها الخاطف جزئياً.(55)
وتقوم السوسيولوجية الدينامية، بدراسة التغيرات التي تطرأ على المجتمعات، ومختلف اشكالها ومتباين عواملها.. فمفهوم عامل التنوع الاجتماعي يعود السبب الرئيسي فيه إلى دوران الأحداث الفاعلة في ذلك التنوع ضمن خصائصها الزمنية المتواترة. وهي بالتالي تتلاحق في حركتها النسبية بشكل حركات زمنية غير متساوية، وهي متشابكة في زمانها الاجتماعي العام.
ان اصل الانساق الاجتماعي قد يكون فيما بينها قروقات مكونة للعلاقات لكنها حالة للتوترات. أنها تتواصل في التكامل – علاقة إيجابية – وفي التعارض (توتر) وتفرض الوسائل التي تتيح تنظيم العلاقات الناشئة هكذا والمحافظة عليها، النسق يتشكل: فروقات – علاقات متبادلة – تكامل أو تعاون متوتر – انتظام وتحفظ أو حفاظ.(56)
هذه الروابط بين الأجيال يجب النظر إليها على أنها المعطيات الأولى للنظام الاجتماعي، فهي تشكل علاقات اجتماعية أولية. وهي أساساً علاقات لا متكافئة ومطبوعة في الغالب بطابع الارتباط: ارتباط الولد في السنوات الاولى من وجوده، ومن ثم ارتباط اجتماعي في مرحلة التجمعن.(57)
لذلك لابد من سبغ حالة النمو الفردي داخل حركة الوجود الاجتماعي بمفهوم حركة النسق، وتداخل مفاهيم التشكل الثقافي في حيز القوى الفاعلة لذلك النسق، لأن وتيرة الحياة الاجتماعية هي التي تشكل أصل مقولة الزمان وان المكان الذي يشغله المجتمع هو الذي أعطى مادة لمقولة المكان، وأن القوة الجماعية هي التي أنشأت النموذج الاول لمدرك القوة الفاعلة.(58)
ان الجماعة هي وحدة جماعية فعلية لكنها جزئية، قائمة على مواقف متواصلة وفاعلة ذات عمل تؤديه معاً (في حيز زمانها الخاص) وذات وحدة في المواقف والاعمال والمسالك تشكل اطاراً اجتماعياً للبناء، نازعاً إلى تناغم نسبي بين تجليات الحياة الاجتماعية.(59)
كما يحمل الماضي إلى أي جماعة بعضاً من هويتها وكيانها، كما هو الحال بالنسبة إلى الأفراد. وان أي مجتمع يتحدد ويعرف، إلى حد ما، بأصوله وتاريخه وتطوره وبعض الاحداث الدامغة فيه.
فالذاكرة الجمعية ليست مع ذلك الا عاملاً من العوامل الاكثر قوة في التضامن الاجتماعي ان الرموز التي تستخدمها مثقلة بالمعاني، وان الذكريات التي تثيرها هذه الرموز محملة بانفعالية الجماعة... انها تقدم تفسيراً أو على الاقل، عقلنة للوضع الحاضر، وأخيراً فهي تقدم الدروس من أجل المستقبل. وهذا ما يكفي حتى تساهم بقوة في تضامن الجماعات وفي المشاركة بين أعضائها وفي وجهة الفعل الفردية والجماعية.
ان اقامة تصور اجتماعي في اذهاننا عن خاصية القوانين الاجتماعية يحددها اطاري الزمان والمكان، وهي مشروطة بفعلها الثقافي العام والاجتماعي الخاص يدور في مراحلها المتعددة ضمن قواسم اللحظة الزمنية في "أين" و "متى" وضمن أي شرط.
كما ان – اللحظة التاريخية – لا تتأتى الا ضمن قسمات الفعل الاجتماعي المتعدد الذي يتراكم في صيغ بنائية جزئية دائمة التغير والتوثب وبفعل الضغوط والتوترات التي تتولد جراء فعل اختلاف الازمنة وآلية الظروف الموضوعية القائمة لفعل تلك اللحظة.
ان المشهد التاريخي في صورته الاجتماعية آنات من الوجود الفاعل بقدر ما يحمل ذلك التاريخ من اصالة، بل ما في ذلك التاريخ من حركة لمفهوم التقدم وانجازية الفعل الحضاري المقتدر في ديمومته الصاعدة نحو الزمان المتقدم الذي لا يعرف الراحة أبداً .
الزمان السيكولوجي (النفسي) :
لقد قلنا في القسم السابق في تعريفنا للتاريخ الاجتماعي.. ان الانسان مفطور على حاستي الذاكرة والتوقع.. كما نؤكد هنا مع ابن سينا الذي حدد دور النفس في معرفة الزمان.. لأن عملية العد هذه لا تقوم الا في النفس العادة، ومن هنا لا يقوم الزمان الا في النفس، وانطلق في البرهنة على ذلك من خلال العلاقة الموجودة بين الزمان والحركة.
فالحركة تعد الزمان بأن توجد المتقدم والمتأخر، والزمان يعد الحركة بأنه عدد لها نفسها. ويضرب على ذلك مثلاً إذ يقول: ان وجود الناس هو الذي يحدد عددهم الذي يفترض انه عشرة – فلوجودهم وجدت عشريتهم، و العشرية جعلت الناس لا موجودين واشياء بل معدودين أي ذوي عدد. والنفس إذا عدت الناس كان المعدود ليس هو طبيعة الانسان مثلاً، بل العشرية التي حصلها اقتران طبيعة الانسان. فالنفس الانسانية تعد العشرية، وكذلك الحركة تعد الزمان على المعنى المذكور.(60)
فإننا لا نشعر بالزمان الا إذا أحسسنا بحركة، ولذا نلاحظ أن المريض والمكتئب يستطيلان زماناً هو قصير عند المغتبط، بسبب رسوخ الحركة وبطئها عند الأولين، وسرعتها عند الثاني. وكا هو الحال مع أصحاب الكهف الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم أنهم ناموا مائة عام، فلما أفاقوا ظنوا أنهم ناموا يوما أو بعض يوم، بسبب أنهم لم يشعروا بالحركة الفاصلة بين الآن الاول لابتداء نومهم، وبين آن صحوتهم، فوصلوا الآن الاول بالآن الثاني دون ان يحسبوا الزمان الفاصل بين الاثنين بسبب عدم شعورهم بالحركة النفسية.(61)
ان ابن سينا هنا لا يرسخ التفسير النفسي للزمان النفسي وحسب، بل انه يرسخ البعد النفسي أو الذاتي للحركة أيضاً، على اعتبار ان الزمان عنده – لا يتصور الا مع الحركة، ومتى لم يحس بحركة فلم يحس بزمان – وبالتالي فهو يسبق كثيراً الاتجاه الذي يفسر الزمان تفسيراً نفسياً في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، ويقف على رأسه (برجسون).
فقد ارجع "برجسون" الشعور بالزمان إلى حالات سيكولوجية، وميز تميزاً دقيقاً بين الزمان النفسي وهو الزمان الاصيل، والزمان الفيزيائي عند العلماء، وعزوا كثيراً من الاخطاء التي وقع فيها الفلاسفة إلى خلطهم بين المكان والزمان، وقياسهم للمتحرك بالساكن.(62)
وهكذا تتجلى النفس كشيء وراء مد ظواهره – أي الزمان – وهي حقاً ليست معاصرة لسيولة الأشياء والظواهر "فبرجسون" يصور الحاضر في الماضي ، فهو يفسح الزمان الممتلىء العميق، المتواصل، الغني، مكاناً للجوهر الروحي. وفي أي من الظروف لا تستطيع النفس ان تنفصل عن الزمان : فهي دائماً مملوكة لأنها تملك، ولربما يكون التوقف عن السيلان التوقف عن الوجود، فحين نغادر قطار العالم، قد نغادر الحياة. ان التجمد معناه الموت، ان الفلسفة النفسية لم تعد سوى فلسفة زمنية. ولم يعد تواصل الجوهر المفكر سوى تواصل الجوهر الزماني. ان الزمان حي والحياة زمانية. وهذا هو وضع التعادل بين الوجود والصيرورة.(63)
وتعرف معاجم علم النفس والتحليل النفسي – مفهوم ادراك الزمن TIME CONCEPT - بأنه مفهوم يشير إلى قدرة الفرد على اعطاء تقدير ذاتي للوقت، وذلك من خلال احساسه الذاتي بمروره وديمومته، وشعوره من خلال العمليات والاحداث التي تقع فيه بالعمليات النفسية المرتبطة بالوقت، وذلك دون الاستعانة بأدوات قياس الزمن، أو رؤية مواضع الشمس والنجوم والكواكب، وهذا ما يطلق عليه مفهوم الوعي بالزمن أو الاحساس بالديمومة ، وتتمثل في قدرة الفرد على تقدير الزمن المنقضي ذاتياً دون الاستعانة بأدوات قياس.(64)
الخلاصـة :
وحيث ان مفهوم (الزمان) يتضافر في سياق الانظمة المعرفية الشاملة، والذي كان الانسان ولا يزال يقرع باب مجاهيلها ومداركها، والمتضمنة جزءاً من حقيقة هذا الوجود الزماني الأكبر، وكما تتجاسر الرؤى في حسها الزماني لمعنى حركة الوجود الانساني العام ليستوي بذلك فعل الانسان الحضاري الخاص في دائرة الاستدراك الموضوعي لضرورة ذلك الفعل في صيرورة مضمون القوة والفعل الوجوديان. فهو – أي الانسان – نزاع إلى تحقيق وجوده الذاتي من خلال وجود الأشياء من حوله في العالم ، والذي وجدت لأجل الاعمار على هذا الكوكب الصغير في صورة تعبدية لذلك التحقيق، الذي لازال مائلاً يضخ فعل الوجود بزخات من الانجاز الحضاري الذي ما فتأ يتواتر في ديمومته الزمانية، ورغم كل مفاصل التضحيات التي قدمتها البشرية لتصل إلى بناءها الحضاري العام، رغم كل ذلك فهي لا تزال ترفد في عطاء لا يعرف الراحة، الا عند الامم المغلوبة في حيز سيطرة حضارة مركزية تنزع إلى نفي التاريخ الانساني في ينابيعه الثرية والتي اثرت ربما في ذات الحضارة المسيطرة، لقد تنبه الوعي الانساني منذ فجر تاريخه بضرورة التمييز الحر في لحظ العلاقة بين الوعي والحركة الزمانية وذلك ما نطلق عليه مفهوم العصر، إذ لا يمكن اغفال الحس الانساني عن حاضره الا إذا مارست الذات الانسانية هامش الادوار الاجتماعية المتشابهة عبر تقليدها المفرط لما سبق منها، أو عبر استقاطات التبعية والاستلاب لتلك الذات عبر واجهة اللحاق بالحضارة المسيطرة ، فعبر هذين السببين تعتلج اجراءات المشاكلة الحضارية التي تعانيها ثقافة ما، حضارة ما من النزوع إلى المراوحة في زمنية ثقافية خاملة، وحتى نستطيع تفعيل أي دور حضاري فلا بد أن نساجل الزمن في مظانه المعرفي العام دون ان تأكلنا المحايثة بأسئلتها الهامشية، ودون اغفال لاتجاهات الزمان المتقدم في حلقات الدور الحضاري الذي ننشده لأمتنا، ففعل التقدم أشد وثوقاً بحركة الانسان من ان يؤطر بحدود ضيقة في افق خطاه الرامية إلى فعل الوجود والتحقق الذي لا يكون له معنى من خلال ذلك الدور المنشود له حضارياً.
ان القصد المعرفي الذي نتوخاه هو معرفة آليات الفكر التصاعدي الذي يقفز بمنهجياتنا نحو المقاصد والغايات الحضارية التي تحفز انسان هذه الأمة للتصدي لقضاياه في مدار الحركة الفاعلة، والتي لا بد من شحذ المنطلقات كماً وكيفاً لها والبدء في تتويج المرحلة لبوارق فعلها الحقيقي المنجز. ولا يكون ذلك الا بإدراك وفهم حقيقة الوجود الزماني للانسان وتشرب حركة بأكملها لكي يستطاع اللحاق بجريان ذلك الزمان السيال، والذي استطاعت الانسانية ان تسكنه في جميع معارفها، وان تتفاعل في تواتره الثلاثي بين ماض يمكن الاستفادة واعادة تمثله الممكن، واعتماد الاصول المعرفية التي تتصل بديمومة فعل الرسالة في جانبها العقيدي والتشريعي ، والذي لا بد من اتصالها بفعل الحاضر على نحو والمعاصرة في حيازة الالمام الكافي بمتطلبات العصر في ماهياته وكيفياته، واستشراف ممكنات تحقيقه على مستويات الركائز المعنوية الخاصة، والتي تتلاقح في اندماج مقتدر وموضوعي مع فعل الحضارة القائمة.
الهوامش :
* عضو هيئة التحرير من المملكة العربية السعودية.
(1) د. محمد عبدالرحمن مرحبا: الفلسفة (ماقبل عصر الفلسفة) ص 283 مؤسسة عز الدين لبنان ط10 1994م .
(2) المصدر السابق ص 283.
(3) المصدر السابق ص 286 .
(4) فخر الدين الرازي: المباحث الشرقية في علم الالهيات والطبيعيات، ص755، ج1 ، ط1، 1990م تحقيق : محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت.
(5) المصدر السابق ص 756.
(6) المصدر السابق ص 756 .
(7) المصدر السابق ص 756.
(8) الشيخ الرئيس ابن سينا: كتاب النجاة في الحكمة المنطقية والالهية، ص153،ط1، 1985م تحقيق د. ماجد فخري ، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
(9) الرازي: المباحث الشرقية ، مصدر سابق ص 755.
(10) الخواجة نصير الدين الطوسي: تلخيص المحصل المعروف بنقد المحصل، ص148،ط2، 1985م دار الاضواء، بيروت.
(11) المصدر السابق ص149 .
(12) د. عبدالرحمن بدوي:مذاهب الاسلاميين،ج1، المعتزلة والاشاعرة، ص234،ط3 ،1980م دار العلم للملايين.
(13) ابي حامد الغزالي: معيار العلم في فن المنطق ، ص235، دار الاندلس ، بيروت.
(14) ابن سينا: عيون الحكمة، تحقيق د. عبدالرحمن بدوي، ص27، ط2، 1980م ، دار القلم، بيروت.
(15) انظر المجلد الرابع، ج1، من الحكمة المتعالية، لصدر الدين الشيرازي، ص215-219، والمجلد الثالث ، باب الحكمة الجوهرية، ومقولة الزمن، ط3، 1981م دار احياء التراث العربي ، بيروت.
(16) محمد تقي المصباح: المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ج2، ص219، ترجمة محمد عبدالمنعم الخاقاني ، دار التعارف ، بيروت، ط1، 1990م .
(17) سورة العلق – آية 1 – 6 .
(18) سورة البقرة – آية 251 .
(19) العلامة محمد حسين الطباطبائي تفسير الميزان، المجلد الثاني ص305، دار الارشاد الاسلامي ص1، 1988م.
(20) سورة الجمعة – آية 2 .
(21) د. عماد الدين خليل: حول اعادة تشكيل العقل المسلم، ص23، كتاب الأمة(4) صادر عن رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الاسلامية بدولة قطر، مؤسسة الرسالة، ط2، 1985م.
(22) المصدر السابق ص 31 – 32 .
(23) المصدر السابق ص 56 .
(24) نقلاً عن المصدر السابق ص 65 .
(25) نقلاً عن المصدر السابق ص 67 – 68 .
(26) نقلاً عن المصدر السابق ص 68 – 69 .
(27) روجيه غارودي: وعود الاسلام ، ترجمة د.ذوقان قرقوط ص92 ، ط2، 1985م، دار الوطن العربي ، القاهرة.
(28) أنظر جورج سارتون: تاريخ العلم والأنسية الجديدة، ص 165، دار النهضة العربية، مصر، 1965م .
(29) سورة المجادلة – آية 11 .
(30) إبراهيم العاتي : الزمان في الفكر الاسلامي، ص26، ط1، 1993م دار المنتخب العربي، بيروت.
(31) د.أحمد سعيد المدمرداش: تاريخ العلوم عند العرب، ص55 دار المعارف بمصر .
(32) د. علي سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الاسلام ، ص354، ط2، 1966م، دار المعارف بمصر .
(33) الزمان في الفكر الاسلامي: مصدر سابق ص 27.
(34) تاريخ الأنسية الجديدة: مصدر سابق ، ص 182.
(35) قدري حافظ طوقان : العلوم عند العرب ، ص91، سلسلة الألف كتاب، دار مصر.
(36) أحمد أمين :ظهر الاسلام ، ج1، ص197، ط3 ، مكتبة النهضة المصرية، 1961م.
(37) المستشرقة الالمانية: زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب، ص 354،355 منشورات دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ط8، 1986م.
(38) فكرة الزمان عبر التاريخ، ص25،26 ، اشراف : كولن ولسون، تحرير: جون جرانت، ترجمة: فؤاد كامل، سلسلة عالم الممعرفة ، العدد159 ، مارس 1992م.
(39) المصدر السابق ص 32.
(40) المصدر السابق ص42.
(41) المصدر السابق ص27.
(42) عدنان بن ذريل: الفكر الوجودي عبر مصطلحه، ص136 ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، 1985م.
(43) المصدر نفسه ص 136.
(44) المذاهب الوجودية – من كيركجورد إلى جان بول سارتر – تأليف: ريجيس جوليفيه، ترجمة فواد كامل، ص201، ط1، 1988م ، دار الآداب بيروت .
(45) بول كوديرك: النسبية ترجمة مصطفى الرقي، ص7 ، سلسلة (زدني علماً) العدد121 ، ط3، 1982م، منشورات عويدات بيروت – باريس .
(46) المصدر السابق ص8 .
(47) المصدر السابق ص 9.
(48) المصدر السابق ص 15 – 16 .
(49) المصدر السابق ص 16 .
(50) العلم في منظوره الجديد، تأليف: روبرت م. اغروس – جورج ن. ستانسيو ، ترجمة د.كمال خلايلي،ص113، سلسلة عالم المعرفة العدد 134 ، فبراير 1989م.
(51) المصدر السابق ص 114 – 115.
(52) المصدر السابق ص 120.
(53) الانسان بين الجوهر والمظهر : تأليف اريك فروم، ترجمة سعد زهران، ص136 ، 147 سلسلة عالم المعرفة العدد 140 ، اغسطس 1989م.
(54) فكرة الزمان عبر التاريخ، مصدر سابق ص 7 ، 8 .
(55) العلوم الاجتماعية المعاصرة ، تأليف : بيار أنصار ، ترجمة : نخله فريفر ، ص49، ط1، 1992م .المركز الثقافي العربي ، بيروت – الدار البيضاء.
(56) المصدر السابق ص 112.
(57) المصدر السابق ص 113.
(58) الاطر الاجتماعية للمعرفة، تأليف: جورج غورفيتش، ترجمة: خليل أحمد خليل،ص58 ، ط2 ، 1988م، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت.
(59) المصدر السابق ص 59.
(60) نقلاً عن الزمان في الفكرة الاسلامي ، مصدر سابق ص 180.
(61) نقلاً عن المصدر السابق ص 105 – 106 .
(62) المصدر السابق ص 180 .
(63) جدلية الزمن، تأليف : غاستون باشلار، ترجمة: د.خليل أحمد خليل، ص14 – 15، ط2، 1988م، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت.
(64) معجم علم النفس والتحليل النفسي:تأليف مجموعة من المختصين، مادة : ادراك الزمن، د.شاكر قنديل، ص38، ط1 ، دار النهضة العربية ، بيروت.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.