تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

تقارير ومتابعات

قسم التحرير

 

مؤتمر: «نحو خطاب إسلامي ديموقراطي مدني»

لدعم وتحفيز عملية الإصلاح السياسي والتغيير الديموقراطي في العالمين العربي والإسلامي، وبمشاركة أكثر من خمسين مفكراً وعالماً من اثنين وعشرين دولة عربية وإسلامية نظم مركز القدس للدراسات السياسية ومؤسسة كونراد أدنياور مؤتمراً دوليًّا تحت عنوان: «نحو خطاب إسلامي ديموقراطي مدني» وذلك في العاصمة الأردنية عمان بين 27 - 29 مايو 2006م.

وخلال ثلاثة أيام قدم المشاركون مجموعة من الأوراق ناقشت عدة محاور أساسية هي:

1- الحاجة لخطاب إسلامي ديموقراطي مدني.

2- العلاقة بين الدين والدولة.

3- الديموقراطية، الدستور وحكم الشريعة.

4- الإسلام: الحقوق والحريات الفردية.

5- الأحزاب السياسية والتعددية.

6- مفهوم المواطنة وحقوق الأقليات غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية.

7-الجهاد، الإرهاب، العنف تداول السلطة.

8- حقوق المرأة ومشاركتها من منظور إسلامي.

في الجلسة الافتتاحية ألقى وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية الأردني د. صبري ربيحات ممثلاً رئيس الوزراء د. معروف البخيت كلمة أشار فيها إلى تنوع الخطاب الإسلامي في تعريفه للإسلام وعلاقة المسلمين بعضهم ببعض وعلاقتهم بالآخر، مؤكداً أن هذا التباين مؤشر على وجود أزمة يعيشها هذا الخطاب. مطالباً قادة الفكر والسياسة بضرورة تحمل المسؤولية لبناء صورة للإسلام جديدة ومختلفة عما علق به من انحرافات، ومنسجمة مع مبادئ احترام الحياة والكرامة وتعزيز قيم الحرية والعدل والمساواة.

أما مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي فقد أشار في كلمته إلى أهمية العمل على تطوير خطاب سياسي ديموقراطي وثقافي واجتماعي مؤكداً على ضرورة النظر إلى التيار الإسلامي كفاعل سياسي عليه أن ينخرط في صياغة المسار العام السياسي والاجتماعي والثقافي، وأن يبلور خطاباً يساهم في دفع عجلة التطور والإصلاح والتنمية إلى الأمام. وبالتالي، فمن دون انتقال هذا التيار من موقع التهديد إلى موقع الشريك، فإن الواقع سيظل محكوماً بالصراع والصدام بين الحكومات وهذا التيار.

أما الدكتور هاري أوستري الممثل الإقليمي لمؤسسة كونراد أدنياور فقد أشار في كلمته إلى المهام التي تقوم بها هذه المؤسسة كتشجيع الحوار الأوروبي العربي واهتمامها بمجالات العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي من أجل الوصول إلى تكامل بين الأردن ودول الشرق الأوسط وألمانيا في هذه المجالات.

انطلقت أعمال المؤتمر بالجلسة الأولى التي ترأسها د. عبد الناصر أبو البصل، وتحدث فيها في البداية عضو البرلمان والأمين العام لحزب المشاركة الإيراني محمد خاتمي، الذي قدَّم ورقة تحت عنوان: «مواءمة الإسلام والديموقراطية أي إسلام.. أي ديموقراطية» أشار فيها إلى الأزمة التي تعاني منها الدول الإسلامية خصوصاً في مجالات التنمية الشاملة، مؤكداً أن الدين هو لصالح الإنسان وليس العكس، وأن الإسلام يدعو إلى الإيمان وتجنب الخوف والإرهاب، لأن التعاليم الإسلامية تأسست على الحكمة والموعظة الحسنة، مطالباً باختبار قوة الإيمان وتوسيع آفاق المدارك البشرية، لأن الساحة السياسية وميدان العلاقات الدولية يعتبران من أهم ميادين الاختبار لكافة الشعوب والحكومات المسلمة.

أما د. شفائي أنور مدير المركز الدولي للإسلام والتعددية في أندونيسيا، فقد قدَّم ورقة تحت عنوان: «الإسلام السياسي والديموقراطية في أندونيسيا، التحديات والفرص»، أشار فيها إلى حجم التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، لكن هناك فرص كبيرة كذلك يجب استغلالها وخصوصاً على مستوى التطور العلمي، لأن الإسلام يهتم بالمعرفة ويحث على التطور والتقدم. ثم قدَّم د. أحمد الموصلي (أستاذ العلوم السياسية والدراسات الإسلامية في الجامعة الأمريكية في بيروت)، ورقة بعنوان: «مستقبل الخطاب الإسلامي في ظل الديموقراطية والعولمة»، أشار فيها في البداية إلى أن العالم اليوم أصبح معولماً لذلك فلا يمكن لأي دولة أو مجموعة أو دين أو حضارة العيش فيه بمعزل عن الآخرين، ومن المتوقع -يقول د. الموصلي- أن يؤدي الدين في النظام العالمي الجديد دوراً أساسيًّا في السياسات الدولية والإقليمية. أما بخصوص الخطاب الإسلامي فإن د. الموصلي يرى أن مستقبله يتعلق إلى حد بعيد بقدرته على إزالة صفة الإرهاب عنه وتطوير خطاب تعددي ديموقراطي لا يسعى إلى التوصل إلى السلطة عن طريق القوة. وما محاولات التأصيل المستمرة لبعض المبادئ مثل الشورى وعلاقتها بالديموقراطية إلا إعادة نظر في النماذج السياسية وتقاليدها ومؤسساتها ومحاولة للتوصل إلى فكر رحب ومتجدد.

الجلسة الثانية ترأستها د. وجيهة بحارنة، وقدم فيها السيد فحص (مفكر إسلامي من لبنان)، ورقة بعنوان: «الدين الدولة: إشكالية أو مشكلة»، عرض فيها ما أحاط بمفهوم الدولة في الفكر الإسلامي من مسائل وإشكاليات، مؤكداً أن القرآن لم يصف دولة بل وصف مجتمعاً، وركَّز على مفاهيم العدل والجور، ليصل في نهاية البحث إلى أن مسألة الدولة إشكالية لا مشكلة فقط، وهذه الإشكالية يمكن أن تنحل إلى سلسلة من الإشكاليات الفرعية كإشكالية الدين والدنيا. مقترحاً أن نبحث معاً في أطروحة لدولة مدنية، نحفظ بها أدياننا ومدننا ونلتقي فيها على نصاب المواطنية.

الورقة الثانية في هذه الجلسة قدمها الباحث السوري في الدراسات الإسلامية الأستاذ عبد الرحمن الحاج بعنوان: «مفهوم الدولة الحديثة وإشكالاتها في الفكر الإسلامي السياسي المعاصر».

في البداية أشار الباحث إلى أن الدراسات المقدمة حول مفهوم الدولة لدى الإسلاميين ما تزال مشدودة إلى حركة النتائج المترتبة على مشكلة مفهوم الدولة أكثر منها بمشكلة المفهوم ذاته، ثم قدم مقاربة تاريخية لتطور مفهوم الدولة، والاختلاف الواضح الذي ظهر في الموقف منها بعد وفادة مفهوم الدولة الحديثة في عصر النهضة وخصوصاً لدى الإصلاحيين مثل الأفغاني وعبده والكواكبي. لكن قيام الدولة الحديثة وتداخل مفهوم الأمة والخلافة أدى إلى خلق مفهوم هجين هو: الدولة الإسلامية، الذي سيؤدي بدوره إلى سلسلة طويلة من التحويرات في مفهوم الدولة الحديثة تطال أركان الدولة ووظائفها ونظامها السياسي وأشياء أخرى كثيرة، وهذه السلسلة من التحويرات جميعها في نظر الكاتب تتأسس على أمرين: مفهوم الأمة وعلاقة الدين بالدولة، والدولة بالدين، وقد ناقش الباحث هذه المفاهيم بالتفصيل في ورقته.

في اليوم الثاني انطلقت أعماله بالجلسة الأولى التي ترأسها الشيخ محمد شريعتي وتحدث فيها في البداية الأستاذ زكي الميلاد (رئيس تحرير مجلة الكلمة) عن: «الفكر الإسلامي المعاصر ومسألة الديموقراطية» فأشار في البداية إلى الموقف المضطرب للفكر الإسلامي من مسألة الديموقراطية، وأن مستوى النقاش الفكري والسياسي حول الديموقراطية لم يتطور داخل الفكر الإسلامي رغم الاقتراب منها، أما كيف حصل هذا الاضطراب أو كيف تفسر العلاقة بين الفكر الإسلامي المعاصر ومسألة الديموقراطية، فقد أجاب الميلاد عن ذلك بالكشف عن ثلاثة سياقات تاريخية من خلالها ظهر كيف تأسس هذا الموقف وكيف تطور، في السياق الأول تحدث عن مفهوم الشورى وكيف تعاطى معه الفكر السياسي الإسلامي، في السياق الثاني تحدث عن موقف دعاة الإصلاح الأوائل من الديموقراطية ومن الدولة ليصل إلى السياق الثالث، أي موقف الفكر الإسلامي المعاصر منها ليؤكد أن الفكر الإسلامي في هذه المرحلة تراجع موقفه من الديموقراطية، ولم يتقدم باتجاه تطوير المعرفة بها، بل انقطع عمَّا أنجزه المصلحون المسلمون في عصر الإصلاح الإسلامي..، لكن ملامح التغيير والتجديد في رؤية الفكر الإسلامي للديموقراطية بدأت تظهر في التسعينات من القرن الماضي، حيث بدأ ينظر إلى الديموقراطية بنظرة واقعية وموضوعية فهي البديل عن الاستبداد كما أنها تنسجم مع الإسلام إذا نظرنا إليها باعتبارها منتجاً بشرياً يمكن تطويره وتحسينه.

بعده تحدث د. عمار وجيه زين العابدين (عضو المكتب السياسي ومدير المكتب الإعلامي للحزب) عن: «الحزب الإسلامي العراقي وتحديات الديموقراطية في زمن الاحتلال»، فأكد في البداية أن فكرة الديموقراطية لم تأتِ مع المحتل الأمريكي وإنما كان الشعب مدركاً ضرورتها للقضاء على الاستبداد السياسي الذي كان العراق يعاني منه، ثم بعد ذلك عرض موقف الشعب العراقي من الديموقراطية وسبب الاختلاف الحاصل تجاهها، كما استعرض موقف حزبه من الديموقراطية والدور الإقليمي والعربي والإسلامي المطلوب في إنجاح تجربة الديموقراطية في العراق.

ولمناقشة محور: الإسلام: الحقوق والحريات الفردية، قدم د. إسماعيل نواهضة (أستاذ في كلية القرآن والدراسات الإسلامية بجامعة القدس) ورقة تحت عنوان: «الإسلام والحقوق الفردية»، أكد فيها اهتمام الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان بشكل واسع وشامل، وقد استعرض مجموعة من الآيات والأحاديث التي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان، مؤكداً على أن هذه الحقوق هي منحة إلهية لا يحق لبشر أن يمنعها أو يمتهنها أو ينتقص منها. وجميع هذه الحقوق على تعددها ترجع إلى أمرين عامين، الأول: الحرية الشخصية والثاني المساواة بين الأفراد في الحقوق المدنية والأساسية، وقد استعرض هذه الحقوق كحرية العقيدة وحرية التعليم والمرأة ومبدأ المساواة، كما استعرض حقوقاً أخرى تتصدر المنهاج الإسلامي منها: صلة الأرحام وحقوق الجيران.

في الجلسة الثانية ولمناقشة محور: الأحزاب السياسية والتعددية، تحدث عضو حزب العدالة والتنمية في المغرب الأستاذ بلال التليدي عن: «الأصول الفكرية للتعددية» حيث أشار إلى إن إيديولوجية النهضة في العالم العربي كانت تتأسس على نبذ التعددية السياسية واعتبارها مدخلاً لتقوية أعداء الثورة، إلى أن بدأ المشروع النهضوي القومي يتهاوى، فبدأت دول عربية كثيرة تؤسس للتعددية السياسية ضمن دساتيرها القطرية، إلا أن هذا الاعتراف لم يكن سوى مناورة سياسية في البداية، الأمر الذي دفع النخب السياسية إلى توسيع نضالها لتجاوز هذه المرحلة والوصول إلى موقف الإيمان بثقافة التعدد وقبول الاختلاف والآخر والاقتناع بضرورة الاتفاق على آلية وقناة لتصريف هذا الخلاف الفكري والسياسي.

بعد ذلك شرع الكاتب في وضع تصور فكري وصياغة رؤية نظرية يمكن أن تشكل أرضية الحد الأدنى لخطاب ديموقراطي مدني يؤسس بشكل حقيقي لتعددية فكرية وسياسية يجد فيها كل من الإسلامي والعلماني مبتغاه على حد سواء من غير أن يتنازل أحد عن أطره المرجعية.

ولمناقشة محور: مفهوم المواطنة وحقوق الأقليات غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية، قدَّم الدكتور هشام حمامي (عضو جماعة الإخوان المسلمين في مصر) ورقة بعنوان: «حقوق الأقليات في الخطاب الإسلامي المصري»، بعد أن استعرض الموقف الإسلامي العام والفقهي من أهل الذمة وكيفية التعامل معهم، قدم وجهة نظر الخطاب الإسلامي الإخواني تجاه الأقليات، فأشار إلى أن موقف الإخوان من الأقباط هو اعتبارهم جزءاً أصيلاً من المجتمع المصري وهم شركاء الوطن والمصير. وأن المواطنة في الدولة المدنية التي ينشدها تيار الإسلام الإصلاحي هي أساس الوجود في المجتمع داخل إطار ديموقراطي وكل من رضي بهذا الإطار يكون على قدم المساواة مع الآخرين بكل اتجاهاتهم الفكرية والسياسية.

كذلك قدَّم في هذه الجلسة مدير معهد الدراسات السياسية في ماليزيا دراسة بعنوان: «الإسلام، المواطنة والمساواة: التجربة الماليزية».

الجلسة الثالثة ناقشت محور: الجهاد، الإرهاب، العنف، تداول السلطة. وتحدث فها الباحث والمحرر في صحيفة الرياض منصور النقيدان عن: «أثر الانغلاق الفقهي في تهيئة مناخ تترعرع فيه نوازع التطرف والعنف»، حيث استعرض مجموعة من القصص والحوادث الواقعية التي تكشف كيف أن ضيق الأفق والتشدد ورفض الخلاف في مسائل متعارف عليها منذ قرون، هو المحضن والمناخ الثقافي والاجتماعي الذي تظهر فيه كل يوم نوابت الخوارج ومنظرو التكفير ومنفذو التفجير. وأضاف النقيدان: إن السلفية الجهادية التكفيرية قامت على قاعدة صلبة من فكر تكفيري يجد غذاءه وروافده وأسسه في فتاوى وكتب. مؤكداً أن الصراع ليس بين الإسلام والعلمانية أو بين التغريب والأصالة. وإنما بين سماحة الإسلام والتشدد، وبين رحابة الفقه المقاصدي وبين الانغلاق والجهل وركام من العادات التي اعتُبرت ديناً والتقاليد التي استحالت شريعة منزهة.

ولمناقشة محور: الأقليات الإسلامية في دول غير إسلامية: أسئلة الهوية والاندماج، تحدث في هذه الجلسة د. امتياز أحمد (أستاذ سابق لعلم الاجتماع في الهند) عن: «المشاركة الإسلامية في دولة ديموقراطية علمانية.. المسلمون في الهند»، كما قدَّم مدير وحدة الثقافة وحقوق الإنسان في مؤسسة الخوئي (لندن) ورقة بعنوان: «الإسلام الليبرالي: حراك الإسلام في الغرب»، والشيخ ونس مبروك (عضو مجلس شورى اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا) ورقة بعنوان: «الوجود الإسلامي في الغرب: الهوية وسبل الاندماج».

وغيرها من الأوراق التي قدمت باللغة الإنجليزية.

بعد انتهاء أعمال المؤتمر، تُلي البيان الختامي، الذي أوضح لماذا خطاب إسلامي ديموقراطي مدني؟ وما المطلوب من الحركات الإسلامية؟ ومن الأنظمة؟ ومن القوى والتيارات السياسية الأخرى؟ وما المطلوب من الغرب؟

 

مؤتمر «ثقافة المقاومة»: تحديات الواقع وآفاق المستقبل

ببيروت 23 و 24 أيار/ مايو 2006

كان لا بد للمقاومة بعد أن أصبحت واقعاً على الأرض أن تؤسس لها قاعدة ثقافية، من شأنها تحرير العقل العربي من رواسب ثقافة الهزيمة التي طبعت كافة المواقف العربية وشلَّت قدرتها على فرض استحقاقاتها حتى في زمان السلم، بل شلَّت حتى قدرتها التفاوضية، مما جعل المقاومة نقطة مضيئة في ليل عربي لا يزال مديناً لاستحقاقات الهزيمة وكذلك أرادوا له أن يظل عقلاً مهزوماً. غير أن ثقافة المقاومة تستمد قيمتها من بعدها الإنساني وشرعيتها الدولية والإجماع الوطني الذي تعبِّر عنه الشعوب التوَّاقة إلى الحرية والاستقلال والسيادة الكاملة لأوطانها. وبقدر ما أدركت المقاومة أن أمامها تحديَّ أن تثقف نفسها كان لا بد من تقومم الثقافة، كي تصبح الثقافة حصانة الأمة من التهديدات الخارجية. وإذا كانت ثقافة المقاومة أمراً مدركاً بالوجدان العام، فإن المقاومة كان لا بد أن تُثقِّف نفسها لكي تصبح تعبيراً صادقاً عن قناعات الشعوب، وأن تدرك الخطوط التي يتعيَّن التحرك وفقها. ولقد استطاعت المقاومة في فلسطين ولبنان أن تحقق هذا القدر من التثقيف الذاتي، فأدركت حدودها، حيث حدودها أن تكون مقاومة من أجل الوطن وباللغة السياسية التي يفهمها العالم وتُلزم الأسرة الدولية الاعترافَ بها بوصفها حقًّا أقرته الأعراف والشرعة الدولية. وكان لا بد أيضاً للمقاومة وهي تُثقِّف نفسها وتدعو لثقافة مقاومة، أن تدرك أنها تعيش زمن التباس المفاهيم، لا سيما فيما يعرف اليوم بالحرب ضد الإرهاب. ولا يختلف اثنان في أن المقاومة حق والإرهاب باطل. لكن كيف يتسنى أن نضع تعريفاً علميًّا وشرعيًّا يميِّز بين السلوكين والموقفين، إذا كان في عالمنا من له المصلحة ألَّا يتم هذا التعريف. نعم إن الإرهاب حق، وقد أخذ العالم العربي نصيبه كفاية في الإرهاب الذي حصد من أبريائه الكثير. غير أن الإرهاب أيا كانت فظاعته، لا يمكن أن يلغي حق المقاومة الشريفة في أن تذود عن الوطن. وإذا كان الوضع في العراق له من الخصوصية والتعقيد ما جعل المقاومة سياسية، لا سيما بعد أن كان الإرهاب ذريعة المحتل في الاستمرار في مناوراته ومحاولة إعاقة العملية السياسية والتوافقية في العراق، فإن الأمر في لبنان وفلسطين يكاد يختلف جذريًّا عما يقع في العراق حتى وإن كان هذا الأخير قد تعرض لغزو عسكري هو الأكبر من نوعه في التاريخ الحديث. هناك عملية سياسية فرضت معادلة معقدة على الاحتلال، وهناك أطياف من الإرهاب تحصد المدنيين وتتحرك متى شاءت لها الاستراتيجيا الاحتلالية ذلك. حركة تتذرع بلغة غير سياسية وغامضة ولها أجندات لعلها أخطر من معضلة الاحتلال نفسه. إنها الحرب الأهلية التي تلوح في الأفق وتريد أن تُدخل العراق في مستقبل دموي لا أفق يحصره. مقاومة ما تبقَّى من النظام المخلوع وجماعات العنف. وكانت المقاومة اللبنانية قد قدمت نموذجاً للمقاومة النظيفة التي تتشبث بحقها المشروع الذي تقره الشرعية الدولية؛ أي حق تقرير المصير والدفاع عن التراب الوطني ومقاومة الاحتلال. وقد ازدادت أهمية المقاومة اللبنانية أنها اعتمدت لغة سياسية واضحة ومشروعة، كما استعملت وسائل مقاومة نظيفة، من حيث هي مقاومة من داخل الوطن ولا تتخذ من قتل الأبرياء والمدنيين وسيلة للانتقام أو الضغط، هذا فضلاً عن أنها تبنت كل الأهداف المشروعة التي تؤمن بها الشعوب العربية والإسلامية. ومن جهة أخرى تعيَّن مقاربة العلاقة الاستراتيجية بين الدولة والمقاومة. هي أنَّ هذه الأخيرة تشكِّل درعاً للدولة، وقوة تمكنها من قدرات تفاوضية على الأقل، بل إنها تتكامل معها حيث لا يمكن للدولة أن تواجه عدواناً في حجم الكيان الصهيوني. في هذا السياق شهدت بيروت خلال الأيام 23 و 24 أيار/ مايو 2006 بفندق كومودور، أشغال مؤتمر «ثقافة المقاومة: تحديات الواقع وآفاق المستقبل»، حضره عدد من الفعاليات السياسية والثقافية من البلاد العربية. وأنهى أشغاله بمائدة مستديرة تناولت عدداً من المحاور، بعضها يتعلق بمستقبل المقاومة وعلاقتها بالدولة، السيد موسى الصدر ودوره في تأسيس المقاومة، دور الإعلام المقاوم ودور المقاومة السياسي والاجتماعي...

كان الافتتاح يوم الثلاثاء 23 أيار 2006، بعد الظهر بقاعة المؤتمرات بالكومودور، حيث حضر حفل الافتتاح عدد من الفعاليات السياسية والثقافية ومسؤولين في الدولة اللبنانية. بعد الكلمتين لكل من دار الهادي وكلمة منتدى الفكر اللبناني المنظمين، جاءت كلمة دولة الرئيس الدكتور سليم الحص لتؤكد على المقاومة في بعديها الوطني والقومي. معتبراً المقاومة تعبيراً عن انتفاضة لحرية الوطن والأمة وكرامتها. كما أكد على واجب المقاومة بعد أن ربط بينها وبين حقوق الإنسان». بقدر ما تكون الحرية والكرامة حقًّا من حقوق الإنسان، بقدر ما تكون المقاومة حقًّا، لا بل واجباً وطنيًّا وقوميًّا». وكان دولة الرئيس سليم الحص قد تطرق إلى جملة قضايا أخرى تتعلق بالقرار الأممي 1559 وعن إرهاب الإرهاب الذي تمارسه قوى العنف في المنطقة، حيث لا تمييز بين الاستراتيجيا الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وعن القضية الفلسطينية واللاجئين وغيرها من القضايا العالقة. تلتها بعد ذلك كلمة الأمين العام السيد حسن نصر الله، تناول فيها استراتيجيا المقاومة في الدفاع عن لبنان واسترجاع الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين والعرب واسترجاع مزارع شبعا اللبنانية. وشرح الأسباب التي يتعين أخذها بعين الاعتبار حينما نفكر في منع المقاومة من القيام بدورها والزج بالجيش اللبناني في هذه المعركة غير المتكافئة مستعرضاً إمكانات المقاومة في الردع وإقامة التوازن الممكن في المنطقة. واعتبر الزج بالجيش في هذه المعركة بمثابة إهداء نحور أبنائنا في الجيش اللبناني للموت.

الجلسة الأولى من اليوم الأول: وأخذت عنوان: المقاومة؛ الهوية والتحديات:ترأسها الشيخ فضل مخدر.

المداخلة الأولى كانت من نصيب الدكتور طلال عتريسي مدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، تحت عنوان «جدلية القوة والضعف في أبعاد الذات والآخر». وكان الباحث قد ركز على الحرب النفسية التي يقوم بها العدو بالإضافة إلى الأدبيات العربية التي ركزت على نقاط الضعف ومارست دوراً أقوى من دور العدو في الحرب النفسية. مشيراً إلى أن كل انتصارات الجيش الإسرائيلي كانت سهلة، بل هي عدوان مستمر يثير الغضب والشعور بالمهانة. إلا أنه أعاد طرح السؤال بشكل مختلف: كيف عجز الطرف المتفوق عن كسب الحرب نهائيًّا وفرض كافة شروطه على المنطقة.

بعد ذلك جاءت مداخلة الأستاذ جمال البنا تحت عنوان «هوية المقاومة والأبعاد الدينية». وقد حاولت التأكيد على شرعية المقاومة وحقها في الدفاع المقدس عن نفسها. معتبراً أن على الشعوب أن تستخدم كل ما يمكنها استخدامه للدفاع عن عقيدتها وأرضها ومقدساتها. ومع أن الأستاذ جمال البنا قد تحدث بإيجابية عن الطريقة الاستشهادية التي اهتدت إليها المقاومة، حيث وحدها أكدت قدرة المقاومة على ترويع العدو وبأقل خسارة، إلا أنه ميَّز بين ما يقع في فلسطين وما يقع في العراق. واعتبر أن ما يحدث في العراق أمر لا يمكن فهمه أو تبريره. واعتبر أن هؤلاء الذين يفجرون المساجد أو يختطفون الأئمة أو يختطفون أفراد الهيئات الدولية التي جاءت لتقدم معونات للعراق، أكد على أن هؤلاء لا يختلفون عن قُطَّاع الطرق واللصوص والقتلة، وأنهم مصداق للذين نعتهم القرآن بالذين يعيثون في الأرض فساداً. وقال بأن هؤلاء رغم تمسحهم ببعض الأسماء الإسلامية إلا أن الإسلام منهم براء.

جاءت المداخلة الثالثة للدكتور أودنيس العكرا رئيس لجنة الدراسات في التيار الوطني الحر بلبنان تحت عنوان «المقاومة وليدة الديموقراطية وحاميتها». ركَّز فيها على الاستغلال الخاطئ للديموقراطية من قبل القائلين بها، حيث اعتبر أن للديموقراطية آليات لبناء السلام وتحقيق الوفاق بين البشر، إلا أنها أيضاً سريعة العطب بسبب تكوينها وقبولها بالآخر الذي يرفضها. هكذا اعتبر أنه متى ما أفرغت الديموقراطية من مضمونها ومن جوهرها المبدئي وهو الإرادة العامة، كانت المقاومة هي الإجراء الشرعي والوحيد الذي يمكن أن يستعيد للديموقراطية صدقيتها وأحقيتها.

المداخلة الرابعة لمصطفى معتصم تحت عنوان «المقاومة وحركات التحرر العالمية»، تركَّزت في التمييز بين الإرهاب والمقاومة. قال فيها: «إن المسؤولية والدفاع عن الخلق بالجهاد والمقاومة يقتضيان أن نجهر برفض الزرقاوية وما والاها من أشباه ونظائر».

الجلسة الأولى من اليوم الثاني جاءت بعنوان: المقاومة: التجربة والإشكاليات، ترأسها د. حسين رحال الذي اعتبر «أن المشكلة في لبنان ليست في الأداء السياسي للنظام بل في هوية النظام السياسي وعلاقته بالمجتمع، وأنه لا بد للدولة من أن ترتقي إلى منطق المقاومة»..

جاءت المداخلة الأولى للأستاذ نصري الصايغ كاتب وباحث سياسي من لبنان تحت عنوان: ثنائية الوحدة: الدولة ـ المقاومة. أكد فيها على أن المقاومة أصبحت الوسيلة الوحيدة المتبقية في يد دول الأطراف بعد أن لم تعد قادرة على حماية حقوقها وانتزاعها ومنع العدوان عن أرضها ومواردها وكرامتها بواسطة الجيوش التي فقدت فعاليتها.

أعقبتها مداخلة الأستاذ علي أبو الخير مدير مركز الفارابي للإعلام ودراسات المستقبل من مصر، تحت عنوان: ثقافة المقاومة من المنظور الرسالي، مؤكداً على ثلاث نقاط ميَّزت خطاب المقاومة اللبنانية:

ـ التأكيد والاستمرار على الإعلان عن مقاومة العدو الأول للأمة وعدم الانشغال بالخلافات الداخلية.

ـ الاعتماد على الخط الأساسي العام ودعم المقاومة في غير صورتها المذهبية.

ـ إعلان الآية الكريمة التي تبشر المؤمنين بالنصر {إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ} وتحت شعار الآية {فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}. وأشار إلى الأبعاد الثقافية والفكرية للمقاومة، وإلى تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان وانعكاسها الإيجابي على الواقع السياسي والثقافي في مصر، خصوصاً أن المثقفين المصريين اتفقوا على دعم المقاومة والدفاع عنها.

المداخلة التالية من الدكتور علي فياض مدير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بلبنان، تحت عنوان «حزب الله وأسئلة التغيير السياسي والاجتماعي: نحو نظرية للإصلاح الإسلامي». أكد فيها على أن «الحركات الإسلامية في هذه المرحلة في طريقها لإعادة صياغة أهدافها السياسية والاجتماعية على نحو إصلاحي وليس على الصعيد التغييري، وهذا تطور مهم في أداء هذه الحركات».

ثم عرض لتجربة «حزب الله» في لبنان والأهداف التي حققها في مسيرته السياسية والفكرية والجهادية (المقاومة) في بيئة تعددية، ولذا يجب دراسة هذه التجربة والإفادة منها لإيجاد رؤية إسلامية جديدة على صعيد دور الحركات الإسلامية في المنطقة».

المداخلة التالية للأستاذ رأفت مرة رئيس تحرير مجلة فلسطين المسلمة تحت عنوان: «المقاومة بين المشاركة السياسية ومواجهة الاحتلال»، تساءل فيها عن كيفية توفيق المقاومة بين نهج المواجهة للاحتلال وإدارة الدولة؟ وقال بأن «وجود الاحتلال يؤدي إلى بروز المقاومة، وإن المقاومة لا تعني عدم المشاركة السياسية في السلطة لأن هذه المشاركة تخضع لاعتبارات واقعية ومن خلال بحث كل المعطيات السياسية والاجتماعية والعملية وهذا الأمر خاضع للاجتهاد والبحث، وإن قيادة المقاومة هي القادرة على تحديد موقعها في هذا المجال».

وجاءت مداخلة الشيخ أحمد العمري كلمة بالنيابة عن الأمين العام لـ«الجماعة الإسلامية» الشيخ فيصل المولوي تحت عنوان «مقاومة واحدة لأمة واحدة»، فعرض للتطورات التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية في هذه المرحلة، داعياً إلى «اعتماد المقاومة الشاملة التي يشارك فيها الجميع والتي يكون لكلٍّ دوره الذي يختاره أو يقدر عليه، وأن تتوحد الأمة على المقاومة لا أن تتفرق بسببها أو حولها، فالمقاومة ليست مجرد عمل عسكري بل لها أبعاد أخرى».

بعدها داخل النائب علي حسن خليل عن «المقاومة في تجربة الإمام موسى الصدر»، فاستعاد أطروحاته حول المقاومة وما قام به من تحركات سياسية وشعبية خلال المرحلة التي نشط خلالها في لبنان. وقال: «المقاومة في فكر الإمام الصدر مشروع يتكامل فيه البعد العسكري مع السياسي والاجتماعي والإنمائي ليشكل رؤية وطنية شاملة تعزز القدرة على الصمود وتؤمن التوازن مع الجيش والقوى الأمنية».

الجلسة الثانية من اليوم الثاني ترأسها محمد تيسير الخطيب، تحت عنوان: المقاومة والمهام التاريخية.

كانت المداخلة الأولى من نصيب النائب محمد رعد تحت عنوان «الحماية الوطنية ودور المقاومة: لبنان نموذجاً»، فرأى «أن أي استراتيجية عامة للحماية الوطنية تستوجب تحديد وبحث مجموعة عناوين، أهمها: تقويم الوضع بشكل شامل في المنطقة المحيطة على المستوى السياسي والاستراتيجي وعلى مستوى الخصوصيات التي لها انعكاس على البلد سلباً أو إيجاباً وتحضير آليات مناسبة للتعاطي مع هذه الخصوصيات، تشخيص المخاطر الاستراتيجية وتحديد مصادرها والوقوف على طبيعة تلك المصادر، ودراسة وضع البلد وتقويمه، خصوصاً نقاط الاستهداف فيه والتدقيق مع كل الإمكانات».

وقال: «إن أي استراتيجية وطنية للحماية والدفاع عن لبنان لا تعتمد خيار المقاومة ولا تستند إلى دورها هي استراتيجية قاصرة عن طمأنة اللبنانيين وتحقيق الهدف المنشود لأمنهم. وطالما أن المطلوب أن تكون المقاومة الركن الأساسي في هذه الاستراتيجية فإن فعاليتها تزداد عبر علاقة تنسيق مع الجيش اللبناني إلى مستوى لا يجعل الدولة غائبة عن تحرك المقاومة. ولا بد للمقاومة من أن تنأى بنفسها عن أن تكون ميليشيا يستقوي بها فريق داخلي ضد الآخرين لتعزيز مواقع له في السلطة أو غيرها».

أعقبتها مداخلة للأستاذ إدريس هاني (من المغرب) بعنوان «آفاق المقاومة والتحدي المزدوج: بين حسابات الإمبريالية الجديدة وحسابات الإرهاب الدخيل»، عرض فيها للإشكالات التي تواجهها المقاومة في المنطقة، خصوصاً تهمة الإرهاب وكيفية مواجهتها. ودعا إلى تجنب لغة تلبيس إبليس، حيث اعتبر الإمبريالية واقع والمقاومة واقع ولكن الإرهاب واقع أيضاً. وأكد على أن المقاومة كان لها في لبنان وجه آخر، هو مساهمتها في تحقيق قدر من السلم المجتمعي والتعايش الجواني والمساهمة في حماية الأمن الداخلي. وقال: «من الممكن أن نحاسب القوى العظمى بمعايير أخلاقية ونلزمها بمبدأ التناقض المنطقي. لكن مثل هذا لا يقدم ولا يؤخر في النظام الدولي المحكوم بتوازنات قووية تجعل القيم والشعارات مطية وواجهة تخفي حماقات الإرادات وجنون الرغبة في توسيع مديات النفوذ» وقال أيضا: «إن منطق القوة لا يستحضر قوة المنطق. وإذا كان مبدأ التناقض قد احتل أصل الأصول المنطقية، فإنه في منطق الصراع الخفي هو آخر مبدأ ممكن، وهو عنوان الخروج من سكر القوة والدخول في مرحلة الهزيمة. إن مجال الصراع يتسع لكل أشكال الثالث المرفوع».وشدد هاني في مداخلته على أن ما يجري في العراق هو إرهاب وهو يتغذى على سمعة المقاومة الشريفة. بل هو وسيلة الإمبريالية وإنْ تَلَبَّس زيفاً بالمقاومة. وأنهى كلمته بأبيات للشاعر الرافعي: سيحدثونك يا بني عن السلام...

بعد الاستراحة فتح نقاش ضمن مائدة مستديرة عالج عدداً من المحاور، وشهد مداخلات من مختلف الأطياف، حيث اتفق الجميع على أن المقاومة حق مشروع.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة