تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الفضلي... المسيرة والركب

فؤاد الفضلي

فؤاد الفضلي*

* العظماء وذاكرة الأمة

هل يمكن للإنسان أن يسير في طريق واحدة طيلة حياته ليصل إلى هدفٍ رسمه لنفسه في طفولته؟ فتراه يقطع مديات الحياة -الأيام والسنين- بإصرار على المضي في خط سيره لا يحيد عنه، ويصارع خلال هذا المسير الطويل طبيعة النفس البشرية التي تتأثر بتقلبات الحياة سلباً وإيجاباً.

بدأت بهذا السؤال لأستقرئ سرًّا من أسرار نبوغ المعرفة عند العلامة الفضلي وأقرانه من رجالٍ وسعت حياتهم تاريخ الأمة، وصنعت جهودهم حاضرها، وستبني مستقبلها.

ولأشير أن الفضلي ورفاقه ممن وهبوا لحاضر الأمة مجداً ورسماً جديدين بما دوّنوه وسطروه أقوالاً وأفعالاً، يجب أن نقرأهم قراءات تتناسب وإبداعاتهم، هذه الإبداعات التي بنيت بكفاح وصبر وأسى استطاعت أن تضيف لحضارتها نوراً، وأسهمت في علو مكانها علماً وفكراً واختراعاً ونضالاً... إلخ.

وما يُقرأ به إبداع المفكر الرائد يختلف عما يُقرأ به إبداع المخترع المبتكر أو المناضل القائد، فالمفكر يقرأ من خلال نتاجه الفكري -الإبداعي منه- بما يحويه من فكر جديد يجدد تراثاً أو يخلق واقعاً أو يصنع مستقبلاً، فليس كل ما يكتب ويقال هو إبداع.

سمعت من الشيخ الفضلي إعجاباً وتقديراً لرجالٍ من المبدعين المعاصرين الذين يعتبرهم من عظماء الأمة رغم أن الأمة لم تنصفهم في حياتهم ولم تسعهم ذاكرتها بعد رحيلهم. والسبب في هذا التجاهل -فيما إخال- هي أن أمتنا في حاضرها لم تخرج بعدُ من كونها أمة ذات ثقافة سمعية تعلمت وتعوّدت أن تحفظ وأن تكرر ما تسمع، لا أن تقرأ وتعي ما تقرأ، ولذلك لا غرابة أن تغفل وتنسى عظماءها.

ومن الأمثلة على العظماء الذين لم تنصفهم أمتنا يذكر الفضلي فيما كتب([1]) وفي بعض محاضراته: المرجع الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء والشيخ آغا بزرك الطهراني والشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد تقي الحكيم وآخرين، وأرى أن أضيف اسمه إلى هؤلاء المفكرين المبدعين فهو في ذات الركب والمسير.

وقد علّمنا في مجلسه ومحاضراته أن الكتابة عن رجال الأمة يحفظ إبداعاتهم في وجدان الشعوب وتاريخها ويضيء الدرب لنا لمواصلة الخطا، فما أبدعه هؤلاء الأساتذة لا يعدو إلا لَبِنات في بناء مجد الأمة أو تصحيح لعقبات في هذا البناء، لابد أن تَتْبَعَه خطوات أكبر ليبقى البناء شامخاً وخالداً ومتماسكاً.

وما سأدونه -هنا- لا يعدو أن يكون محاولة أرجو أن أوفق من خلالها لعرض جوانب من حياة الفضلي المفكر والأستاذ، وسأعتمد في كتابة سيرة الفضلي طريقة الرواية عما رواه لنا بنفسه ومما أذكره عن أحداثها وتفاصيلها، محاولاً الإلمام بجوانب سيرته العلمية المهمة ومبتعداً عما لا يدخل ضمن الحديث عن هذه الجوانب.

* البصرة: مرتع الطفولة وبداية المسير

كانت ولادة الفضلي في ليلة الجمعة العاشر من رمضان سنة 1354هـ (6 ديسمبر 1935م) في بيت والده الحجة الشيخ المحسن الفضلي بصبخة العرب من قرى البصرة.

ويروي الفضلي قصة بدايته في طريق العلم، فيذكر أن لوالدته (السيدة عقيلة البطاط) الفضل الأول في ذلك، فقد بدأت في تربيته التربية الدينية منذ بواكيره الأولى، وكأنها تستقرئ مستقبل وليدها: فبدأت بإدخاله قبل سن المدرسة -كما هي عادة التعليم في تلك الأيام- في درس تعلّم قراءة القرآن عند الملاية([2]) (فاطمة بو جبارة) في محلة الخليلية بالبصرة، ثم في المدرسة الأميرية الابتدائية بصبخة العرب، حيث تمّ تسجيله في السنة الثانية مباشرة لأنه يحفظ سوراً من القرآن.

كما برز الدور الأكبر لوالدته يوم أخذته معها في زيارة لأمير المؤمنين C في النجف الأشرف، فاشترت من دكان يقع في أول سوق العمارة كتاب (الآجرومية) في النحو بخمسة فلوس، وبعد عودتها إلى البصرة طلبت من والده تدريسه الكتاب وكان قد أكمل الصف الرابع الابتدائي يوم بدأ أولى خطواته في الدرس الحوزوي. يروي الفضلي هذه الذكريات عن والدته ويذكر أنها كانت تأخذه بنفسها يومياً إلى المدرسة الابتدائية حتى يستمر في الدراسة فلا يغيب أو ينقطع.

وانتقل لدراسة الصف الخامس والسادس الابتدائي إلى مدرسة عاصم بن دُلف في البصرة، وكان مدير المدرسة في حينها الشاعر والأديب سالم علوان الجلبي. وقد بدأت -في هذه المدرسة وهو في هذه السن المبكرة- أولى محاولاته النثرية والشعرية، ويذكر أن أول كلمة كتبها كانت بعنوان (الشعر فن جميل)، وقد نشرت في جدارية ثانوية البصرة، وأول محاولة شعرية كانت من بحر الهزج، وكان مطلعها([3]):

إذا الإنسان لم ترفعه أخلاق وآداب

فلن تنفعه آباء وأجداد وأنساب

وأول إلقاء خطابي كان في دار المازني بكلمة عن الحسين (عليه السلام)...

وفي هذه السن بدأ رحلته في الدراسة الدينية بدراسة المقدمات الأولية في البصرة لدى والده الحجة الشيخ محسن الفضلي والشيخ جاسم البصير خريج (المتوسطة الرحمانية بالبصرة)([4])، فقرأ على والده (قدس سره): شرح الآجرومية لابن آجروم وشرح القطر لابن هشام وشرح الألفية لابن الناظم ومغني اللبيب لابن هشام في النحو، وفي الصرف شرح النظام على الشافية، والمطول للتفتازاني في علوم البلاغة، وحاشية ملا عبد الله على متن التهذيب في المنطق، وقرأ على الشيخ البصير (قدس سره): شرح ابن عقيل على الألفية في النحو، وجواهر البلاغة للهاشمي، والكافي في العروض والقوافي، وتحفة الأطفال وهداية المستفيد في التجويد، ومراح الأرواح والمقصود في الصرف.

وعن حياته البصرية في فترة صباه هذه، وخلال إجازاته الدراسية بعد رحيله للنجف يحدثنا الفضلي فيقول: «إن البصرة بحكم موقعها الاستراتيجي وسطاً بين العراق وإيران والخليج فإن أهلها يمتازون بالبساطة الحياتية والطباع الوادعة، وقد حافظت على إرثها وتاريخها الحضاري منذ تأسيسها ومنذ رجالها الأوائل الفرزدق والجاحظ وبشار والخليل، ففي كل أزمانها التي تعاقبت عليها كان للبصرة حركتها الثقافية الإبداعية وخصوصاً في الجوانب اللغوية والأدبية حتى يمكن تسميتها مدينة اللغة العربية وآدابها»([5]).

والحركة الأدبية في البصرة يومها في مرحلة انطلاق وتوهج، فقد سبق جيل الفضلي في البصرة جيلٌ من الرواد في اللغة والأدب، منهم عميد أدبها الأستاذ محمد جواد جلال الذي أسس جمعية الرابطة الثقافية والتي كان لها دور كبير في ولادة حركة ثقافية وأدبية إبداعية في البصرة، ومنهم الشاعر الكبير بدر شاكر السياب رائد الشعر الحديث، ومنهم الخطيب الشيخ عبد الحميد الهلالي، والأدباء: العلامة الشيخ مهدي الحجار، عبد الرضا ملا حسن، غالب الناهي، سالم علوان الجلبي، محمد القريني... وغيرهم.

في هذه الأجواء البصرية العاشقة للغة العربية وآدابها نشأ أستاذنا الفضلي يسمع ويقرأ وينهل، وكان لها الأثر الكبير في تكوين شخصية الفضلي وميوله واهتماماته فيما بعد.

وكانت المناسبات الدينية مسرحاً ومنبراً للشعر والأدب البصري يلتقي فيها الجميع رغم اختلاف مذاهبهم وتياراتهم الفكرية والإيديولوجية فيتنافسون في ميادين الشعر والإنشاد والخطابة والقصة..، وكان أكبر حفل في هذه المناسبات يُقام في ثانوية البصرة.

ومن شباب البصرة من جيل الفضلي الذين كانوا يتبارون فكراً وأدباً في بداياتهم يذكر الفضلي: كاظم مكي حسن وسيد عباس شبر وحامد البازي وكاظم الخليفة وزكي جابر وملا محمد علي المظفر وجعفر الهلالي...

ويروي لنا الفضلي كذلك أنه تشكلت في البصرة يومها مجموعات شبابية، وكان أفراد كل مجموعة منها -وعادة يجمعهم تقارب ما- يقومون بالاشتراك مادياً لاقتناء وقراءة الجديد من إصدارات المجلات والكتب، وكان الفضلي يشكل مع الشيخ جعفر الهلالي والشيخ عبد الأمير الضفاري مجموعة، ويذكر أن مجموعته كانت تشتري وتقرأ: سلسلات: كتاب (اقرأ) و(كتابي) و(الألف كتاب) و(حديث الشهر)، ومن المجلات: المختار والمعلم الجديد والمقتطف والرسالة والثقافة والكتاب والكاتب المصري والهلال.

ومن المناسبات المهمة التي شهدتها البصرة -يوم كان المد الشيوعي في العراق مسيطراً على الساحة السياسية والثقافية، وكانت الحركة الإسلامية السياسية وهي في بداياتها في النجف قد انطلقت لتقف بوجه التحدي الشيوعي- مهرجانٌ أقامه الشيخ محمد جواد السهلاني بمناسبة مولد الإمام علي (عليه السلام) في محلة الجمهورية حضره حشد كبير جداً جاوز العشرة آلاف، وشارك في الحفل الفضلي بمحاضرة والهلالي بقصيدة، ألقى الفضلي محاضرته عن الإمام علي (عليه السلام) وتطرق فيها إلى الفكر الشيوعي ومخالفته للعقيدة والنظام الإسلامي وقرأ نص فتوى السيد الحكيم عن الشيوعية التي فاجأ بها الحضور، ثم ألقى الشيخ الهلالي قصيدته التي تناول فيها موضوع الشيوعية كذلك، وقد كان لهذا المهرجان وقع وأثر كبير في الساحة البصرية، لأن الفضلي ورفاقه في النجف قد بدؤوا -كما سنرى- بتأسيس فكرٍ وحركة سياسية إسلامية تحركت في ظل مرجعية السيد الحكيم وتريد دخول الساحة السياسية بقوة، وكانت هذه المحاضرة السياسية بمثابة الإعلان عن ذلك في إحدى أهم مدن العراق، وقد وصلت رسالة الفضلي هذه للتيارات السياسية الأخرى وفهمها رجالها. والمحاضرة والقصيدة نشرهما الشيخ مسلم الجابري في كتابه السنوي الذي كان يجمع فيه نتاج المناسبة كل عام وينشره.

وقد كان للفضلي العديد من الدروس والمشاركات في مهرجانات البصرة وبالأخص الرمضانية منها حيث يقضي بها إجازاته الدراسية، ويقول الفضلي إن تفاعل أهالي البصرة مع أطروحات الفكر الثقافي والسياسي الإسلامي كان كبيراً بحيث إنها كانت المعقل الأكبر لانتشار حزب الدعوة الإسلامية وسرعة استجابة شبابها للانضمام إليه، وبحيث إن المواقف الشجاعة والتضحيات الأولى بدأت في البصرة.

* النجف.. عاصمة التشيع في عصرها الذهبي

وحياة الفضلي في النجف كانت حافلة بعصامية البناء من جهة وفدائية النضال من جهة أخرى، تنقّل فيها من مرحلة التحصيل العلمي الجاد إلى مرحلة النضج الفكري حتى مرحلة العمل الجهادي والدور القيادي في عصر أسماه الكثيرون العصر الذهبي للنجف، ويمكن تسميته عصر الثورة الفكرية النجفية.

الدراسة والتحصيل العلمي

انتقل الفضلي إلى النجف الأشرف في سن الرابعة عشرة قادماً من البصرة لإكمال دراسة المقدمات والسطوح، فأكمل دراسة كتب المقدمات التالية: منظومة ابن شليلة في المنطق والمعالم في الأصول عند الشيخ علي زين الدين، ودرس شرح التجريد في علم الكلام عند السيد جمال الدين الخوئي.

ثم أكمل دراسة مرحلة السطوح (مرحلة التخصص في علوم الشريعة الإسلامية)، فقرأ المعالم والكفاية في الأصول عند الشيخ علي زين الدين، ودرس الرسائل في الأصول لدى السيد علي شبر والشيخ محمد جعفر آل الشيخ راضي، ودرس الجزء الأول من شرح اللمعة في الفقه لدى الشيخ محمد علي الخمايسي والجزء الثاني عند السيد محمد حسين الحكيم الذي حضر عنده كذلك درس المكاسب، وقرأ كشف المراد في علم الكلام على السيد جمال الدين الخوئي.

ثم حضر أبحاث الخارج (المرحلة العليا في الدراسة الدينية الشيعية) في الفقه والأصول لدى كبار أساتذة ومراجع عصره، فحضر دورة أصول كاملة لدى السيد أبو القاسم الخوئي والشيخ محمد طاهر آل راضي، وحضر درس السيد محمد تقي الحكيم في كلية الفقه «الأصول العامة للفقه المقارن»، وحضر مباحث الحجج لدى الشيخ محمد رضا المظفر. أما في الفقه فحضر بحثي السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، وحضر أول بحث خارج للسيد محمد باقر الصدر في الفقه مع الشيخ مهدي السماوي وكان درساً خاصاً بطلب من الفضلي واستمر مدة عام تقريباً في مسجد الهندي أكمل فيه الجزء الأول من كتاب شرح العروة الوثقى، وذلك قبل أن يبدأ الصدر بحثه الفقهي العام الذي حضره تلاميذه الأفاضل: السيد الحائري والسيد الهاشمي والشيخ التسخيري والسيد الأشكوري... وباقي كوكبة العلماء والمجاهدين.

وجمع مع دراسته الحوزوية هذه في مرحلتي السطوح وأبحاث الخارج دراسة أكاديمية حيث أكمل دراسة البكالوريوس في كلية الفقه ضمن الدفعة الأولى لتأسيسها، ودراسة الماجستير في جامعة بغداد.

* الفضلي وأساتذة الجيل

كان الفضلي -وهو يعيش سنواته الأولى في مدرسة النجف العلمية- يرى أن هناك بداية تبلور نهضة ثقافية جديدة على أيدي رجالٍ يقرؤون تراثهم بعين وواقعهم بالعين الأخرى، وبدؤوا في تشكيل حركة إسلامية معاصرة ذات بناء فكري ينطلق من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ويربط أصول هذه المدرسة بواقعه. إن البدايات الأولى لهذه النهضة كانت بقيادة عدد من المراجع والعلماء الأجلاء أمثال الشيخ كاشف الغطاء والسيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الحكيم والسيد محسن الأمين والشيخ آغا بزرك الطهراني.

وكان الانطلاق الحقيقي لهذه النهضة مع تسلّم السيد الحكيم المرجعية العليا في النجف الذي كان يحمل -كما يصفه الفضلي- مشروعاً لقيام دولة إسلامية في العراق وإن لم يصرح به، وقد عرفه عنه العاملون من المحيطين به من أولاده وآخرين كان منهم السيد الصدر والفضلي، وتزامنت إرادة السيد الحكيم هذه -وهو المرجع الأعلى المسؤول عن إدارة الحوزة النجفية- مع رؤية وحركة العلماء الشباب في الحوزة فكانت الانطلاقة في النجف عبر مشروعي كلية الفقه وجماعة العلماء في الخمسينات من القرن الماضي.

وانضم الفضلي إلى هذه المسيرة منذ انطلاقها، ودخل خلال سنوات قليلة -وهو ما يزال في مقتبل شبابه- كواحدٍ من رجالها المؤسسين والرواد.

ويقول الفضلي: إن الأساتذة الذين يعتبرهم قادة ورواد النهضة النجفية ورواد ثورتها الثقافية هم: الشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد تقي الحكيم والسيد محمد باقر الصدر والشيخ محمد أمين زين الدين (رضوان الله تعالى عليهم).

ولنتحدث عن تلمذة الفضلي عليهم وعلاقته مع كل منهم:

المظفر والتقي الحكيم

يعد مشروع تأسيس كلية الفقه([6]) في النجف وقبلها منتدى النشر ومدارسه بجهود الشيخ الجليل محمد رضا المظفر أهم مشروع علمي شهدته النجف في حاضرها، ويمكن أن نقول إنه أسهم في نقل النجف من الماضي إلى الحاضر، وصنع واقعاً جديداً لدى علماء النجف اطلعوا من خلاله على العلوم الحديثة وشعروا أن الفكر الشيعي بعمق تراثه وأصالته يجب أن يكتب ويعرض بلغة العصر ليدخل الميدان بقوة، وهو ما شهدناه بالفعل خلال سنوات قلائل.

يقول الفضلي: «ومن جديد ما أضافته (كلية الفقه) كتاب (الأصول العامة للفقه المقارن)، ومن العلوم الحديثة ما يعد مساعداً للتخصص بالفقه، أمثال: علم الاجتماع وعلم النفس وعلم التربية وعلم القانون واللغة الإنجليزية والأدب العربي والفلسفة الحديثة»([7]).

وكان الفضلي وهو المطلع على عصره بما يقرؤه من كتب ودوريات وإصدارات قد رسم لنفسه الطريق، وعرف في سن مبكرة ضرورة الجمع بين أصالة الفكر الشيعي وواقع العصر الذي يعيشه.

فكان أن دخل كلية الفقه عند تأسيسها طالباً وتخرّج في دفعتها الأولى متزوداً بنهل من علوم كان لها دور كبير في حاضره ومستقبله، وتتلمذ خلال هذه الدراسة على يدي أستاذين من أساتذة الجيل في النجف هما: الشيخ المظفر والسيد محمد تقي الحكيم، يقول عن أستاذه المظفر: «حلَّ كتابه (المنطق) في كثير من الحوزات محل (الحاشية) و(شرح الشمسية)، كما أصبح كتابه (أصول الفقه) يدرس في أكثر من حوزة ومعهد.

ويمتاز هذان الكتابان بتوفرهما على عنصري التعليم والتربية وهما العنصران المطلوب توافرهما في المقرر الدراسي»([8])، ويقول عن أستاذه التقي الحكيم: «يعد كتابه (الأصول العامة للفقه المقارن) أول كتاب يؤلف في أصول الفقه المقارن، وهو مجموعة محاضرات ألقاها المؤلف على طلبة قسم الشرف في كلية الفقه وعلى طلبة الدراسات العليا في جامعة بغداد.

والكتاب جدير بأن يدرّس في الحوزات العلمية لتميزه بالمنهجية المتفوقة، واشتماله على عنصري التعليم والتربية»([9]).

الشيخ زين الدين

ومما يرويه الفضلي عن مرحلة دراسته في النجف وكيف كان للشيخ محمد أمين زين الدين دور محوري في بناء شخصيته، أن بداية تعرّفه عليه كان في البصرة بحكم العلاقة الوثيقة التي تربط والده الشيخ المحسن الفضلي بالشيخ زين الدين، وبعد أن أمّ النجف صغيراً سكن مؤقتاً في غرفة الشيخ زين الدين في مدرسة الآخوند الوسطى، ويذكر كيف أنه استفاد كثيراً من مكتبته العامرة في هذه الغرفة خلال فترة سكناه، ثم حضر عنده درساً خاصاً في العقائد في يومي الخميس والجمعة.

ويقول الفضلي عن الشيخ زين الدين أنه «أستاذ موهوب، يمتلك من القدرات التربوية ما أهّله لأن يكون أستاذاً من أساتذة الأجيال في النجف أدبياً وعلمياً»، وأسماه في عنوان بحثه الذي كتبه عنه «فقيه الأدباء وأديب الفقهاء»، لأن مجلسه امتاز عن باقي مجالس النجف أنه إضافة للعلم كان منتدًى أدبياً يجمع شعراء وأدباء النجف.

ويذكر الفضلي أنه (قدس سره) قد عقد حلقة تدريس لكتابه (الإسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته) حضرها معه الشيخ مهدي السماوي والسيد مهدي الحكيم والشيخ محمد حيدر والسيد محمد باقر الحكيم وآخرون تم اختيارهم من الشيخ زين الدين نفسه، لتعليمهم -نظرياً وتطبيقياً- على كتابة المقالة الأدبية، وهو أول درس من نوعه في النجف.

ويقول عنه الفضلي: «ويرجع هذا لأن الساحة يومذاك لم يكن يوجد فيها أديب إسلامي ملتزم، سوى أستاذنا الشيخ زين الدين نفسه، وأستاذنا السيد محمد باقر الصدر.

ويرجع هذا، في عوامله ودوافعه، إلى انتشار الأدب الاشتراكي الملتزم، وكانت تمثله بوضوح وقوّة مجلة الآداب التي أصدرها عام 1953م ببيروت الأستاذ سهيل إدريس، وكان يكتب فيها أقطاب الاشتراكية من الأدباء العرب، وكانت تنتشر انتشاراً واسعاً، وكانت تصل إلى النجف الأشرف، وكان لها مفعول مجلة الرسالة في الاستقطاب والتأثير.

وأستاذنا الشيخ زين الدين، وهو الرائد في الكتابة الإسلامية في مفاهيم الإسلام، ومن خلالها كعقيدة شاملة ونظام كامل للحياة، وهو المؤمن الغيور على دينه وأمته، كان يرى لزاماً عليه أن يكوّن جيلاً من شبّان أهل العلم في النجف كتّاباً إسلاميين، يحملون الإسلام، ينشرون ويدافعون عنه، ويقفون أمام الغزو الاشتراكي، فكان له ما أراد، فقد استطاع أن يكوّن من تلاميذه من قام بالمهمة وأدى الوظيفة على خير وجه»([10]).

ومن الأنشطة المهمة التي أقيمت في النجف، يروي الفضلي أن جماعة أسست باسم (العشرة) يشرف عليها السيد موسى بحر العلوم والشيخ محمد رضا المظفر والشيخ محمد جواد الشيخ راضي والشيخ محمد أمين زين الدين، وتألفت الجماعة من:

- السيد جعفر السيد موسى بحر العلوم

- الشيخ مهدي الشيخ محمد رضا السماوي

- الشيخ هادي القمي

- الشيخ عبد الهادي الفضلي

- السيد محمد سعيد الحكيم

- السيد طالب الرفاعي

- الشيخ حليم الزين

- السيد مير حسن أبوطبيخ

- السيد مهدي الحكيم

- الشيخ جعفر صادق العاملي

وكان الهدف من الجماعة تعليم أعضائها وتدريبهم على كتابة البحث وتكوين كتّاب إسلاميين في النجف يكتبون وينشرون الأبحاث والمقالات العلمية في المجلات والدوريات الثقافية لأن النجف يومها لا يوجد بها كتّابٌ يقومون بذلك.

وكان نشاطها يقوم على تحديد موضوع للكتابة، ويقوم كل عضو من الأعضاء بكتابة بحث في الموضوع المحدد يلقيه في الاجتماع الأسبوعي بحضور أعضاء لجنة الإشراف الذين يقيّمون البحوث ويسلطون الضوء على جوانب القوة والضعف فيها، وتدور حلقة نقاش يشارك بها الحضور، واستمرت هذه الجماعة لأكثر من عام.

الشهيد الصدر

أما أستاذه الشهيد الصدر فيقول الفضلي عما أضافه في الجوانب العلمية: «كان (قدس سره) ينطلق في إضافاته العلمية المثمرة من نظرته لحاضر الحوزة ومستقبلها من خلال واقع رسالتها في حياة المسلمين وتحقيق أهدافها في مجتمعاتهم.

وحيث إن الحياة تطورت في أساليبها ووسائلها ومختلف ثقافاتها تبعاً لتطور حضاراتها حتى أصبح الإنسان المسلم المعاصر أبعد في نظرته للمستقبل وأوسع شمولية في استقطابه لما يدور حوله لم يعد أمام المبلّغ الإسلامي إلاّ أن يتطور في الأسلوب والوسيلة ليكون بمستوى متطلبات المعاصرة من تجديد وسواه.

وقد كان سيدنا الصدر لهذا يحمل همّ الحوزة العلمية وهمّ الطالب الديني ويصرف الشيء الكثير الكثير من تفكيره في دراسة المشكلة ووضع الحلول لها.

ومن بعض الأعمال التي قام بها في هذا المجال:

تأليف كتاب (المعالم الجديدة) الذي ضمنه مختصراً عن تاريخ علم أصول الفقه، ودراسة تاريخ العلم من أهم ما يقرره المنهج العلمي الحديث، وهو مما سارت عليه الدراسات الجامعية، وأنها لإضافة رائدة وموفقة.

تأليفه موسوعته الأصولية (دروس في علم الأصول) المعروف في الأوساط الحوزوية بـ(الحلقات) الذي طوّر فيه التبويب، وفي المادة بإضافة أحدث ما انتهت إليه مدرسة النجف الحديثة من نظريات جديدة في هذا العلم، وقد أثبتت تجارب تدريسه في الحوزتين الكبيرتين بالنجف وقم نجاحه كمقرر دراسي.

تأليفه (فلسفتنا) و(اقتصادنا)، وقد أشرت إلى أنهما أخضعا للتجربة بتدريسهما في دورة السيد الحكيم، وفي الدورات الموسمية لطلبة الجامعات العراقية، ولمسنا عمق تأثيرهما علمياً وأدبياً»([11]).

وعن كتابه (اقتصادنا) يقول الفضلي في مقال آخر: «وبعد.. فإن استشكاف النظرية الاقتصادية الإسلامية، وتحديد المشكلة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي الراهن من قبل الإمام الصدر يكشف لنا وبوضوح عن مدى ارتفاع السيد الصدر إلى مستوى مسؤوليته كفقيه قائد حمل هموم الأمّة وتحسس آلامها، وشاركها في آمالها وتطلعاتها إلى المستقبل الأفضل.

وإن كتابه «اقتصادنا» كان النقلة الموفقة في تطوير التأليف الفقهي الإسلامي من الاقتصار على الفقه العام إلى تناول الموضوعات الأخرى التي تعد من قضايا الساعة التي تضع المسلمين بين أن يكونوا أو لا يكونوا»([12]).

أقول: كانت تلمذته على هؤلاء الأساتذة الأجلاء (المظفر وزين الدين والتقي الحكيم والصدر) ليست تلمذة بالمعنى الحرفي للكلمة وإنما كانت وحدة عضوية حملت الرسالة الإسلامية فكراً وهدفاً:

فقد شارك الفضلي أستاذاً في متوسطة وثانوية منتدى النشر، وأصبح وبعد تخرجه في كلية الفقه معيداً فيها، ثم انضم إلى أساتذة الكلية يشارك أساتذته في دعم مسيرة النهضة العلمية النجفية.

وقد كان لأستاذيه زين الدين والتقي الحكيم الفضل في خطوات سير الفضلي في طريق التأليف وتشكّل قلمه وأسلوبه في الكتابة ومنهجه في البحث.

وقد شارك أستاذه الصدر في صنع الحركة السياسية الإسلامية -كما سيأتي- تنظيراً وتعليماً وجهاداً.

الأستاذان إبراهيم السامرائي ومصطفى جواد

في دراسته الماجستير بجامعة بغداد وخلال السنة الدراسية الأولى قبل التفرغ للرسالة، درس المواد التالية:

- فقه اللغة                   د. إبراهيم السامرائي

- تحقيق المخطوطات         د. مصطفى جواد

- البلاغة                     د. عبد الرزاق محيي الدين: كان يومها وزيراً

- الأمثال                     د. صفاء خلوصي: أديب ومحقق

- النحو                      أ. كمال إبراهيم

وكتب بحوثاً كانت متطلبات من أساتذة بعض هذه المواد، منها: بحث «الأمثال في نهج البلاغة» في مادة الأمثال، وتحقيق «معاني الحروف» وهو مخطوط منسوب للخليل بن أحمد في مادة النحو.

وفي هذه الدراسة، توفر للفضلي فرصة التلمذة على يدي أستاذين كبيرين في علوم اللغة العربية هما الدكتور إبراهيم السامرائي والدكتور مصطفى جواد، كان الأول منهما المشرف فيما بعد على رسالته الماجستير وربطته بالفضلي علاقة طويلة استمرت في العراق وبعد خروجهما منه تواصلاً وكتابة.

ويقول الفضلي إنهما بحران من العلم: السامرائي في المجال اللغوي والأدبي ومصطفى جواد في مجال التاريخ والأدب وتحقيق التراث، ولهما أسلوب في التدريس محبّب جداً للتلاميذ يشدّ الطالب للعلم بطريقة تربوية عالية، وقد تخرّج من مدرستهما العلمية الكثير من الأساتذة الكبار والمفكرين.

ويقول إن الدكتور مصطفى جواد كان ينقل لهم نقولات تاريخية وأدبية مهمة من مخطوطات نادرة جمعها خلال سنين طويلة حتى شكّلت لديه كتاباً أسماه «أصول التاريخ والأدب» ربما جاوز الستين مجلداً حوى نصوصاً تاريخية وأدبية مهمة ونادرة، ولكن للأسف بقي كتابه مخطوطاً لم يقدّر له أن يطبع، وربما يكون الآن عند أحد أبنائه، ويتمنى الفضلي أن يقوموا بطباعته.

وأما رسالة الفضلي للماجستير فكان موضوعها وعنوانها (أسماء الأفعال والأصوات، دراسة ونقد) بإشراف الدكتور إبراهيم السامرائي، ومناقشة الشيخ عبد المهدي مطر ممتحناً خارجياً بالمراسلة، والأستاذ كمال إبراهيم والدكتور مهدي المخزومي.

* المد الشيوعي وتأسيس الحركة الإسلامية السياسية

إن أحد الأسباب المهمة في انطلاق الحركة الإسلامية النجفية بجميع أبعادها الفكرية والثقافية والسياسية والأدبية كان طغيان المد الشيوعي في العراق، والتحدي الذي خلقه الفكر الشيوعي الجديد بما يملكه من فكر إيديولوجي قائم على مبادئ ونظريات وغايات، وله تجارب ناجحة في ثورات الشعوب، والأهم من ذلك أن حركته السياسية والفكرية متمثلة بالحزب الشيوعي تملك تنظيماً عالمياً عالياً.

وكانت البدايات التأسيسية للحركة النجفية السياسية قبل انقلاب 1958 وقيام النظام الجمهوري ببضع سنين، يروي لنا الفضلي تلك الأيام فيذكر أن الساحة السياسية كان بها حزبان إسلاميان سنيّان هما: حركة الإخوان المسلمين التي كانت سرية في البداية، وانبثق منها بعد قيام النظام الجمهوري «الحزب الإسلامي»، والحزب الآخر هو «حزب التحرير» السري، وكلاهما كانت مرجعيته خارج العراق.

وفي وقت متقارب قبل قيام النظام الجمهوري ببضع سنين، بدأ تحركّان في الحياة السياسية الشيعية: الأول في النجف والآخر في بغداد.

ففي النجف كان المرجع السيد محسن الحكيم يحمل -كما أشرنا- مشروعه السياسي لقيام دولة إسلامية في العراق، وكان عدد من العلماء الشباب يومها يتفاعلون مع ما يجري على الساحة العراقية والعالمية ويرون وجوب التحرك السياسي ليكون للإسلام كلمته في الساحة، فكانت الانطلاقة الأولى في النجف عبر تأسيس جماعة العلماء التي يشرف عليها السيد الحكيم في عام 1959م، وتألفت من العلماء التالية أسماؤهم:

الشيخ مرتضى آل يس                معتمداً ورئيس اللجنة التوجيهية

الشيخ حسين الهمداني                 عضو اللجنة التوجيهية

السيد محمد تقي بحر العلوم           عضو اللجنة التوجيهية

السيد علي الخلخالي

السيد مرتضى الخلخالي

الشيخ محمد طاهر الشيخ راضي

الشيخ محمد جواد الشيخ راضي

السيد محمد باقر الشخص

الشيخ محمد رضا المظفر

الشيخ خضر الدجيلي

الشيخ محمد حسن الجواهري

الشيخ محمد تقي الأيرواني

السيد موسى بحر العلوم

السيد إسماعيل الصدر([13])

وكانت الجماعة تصدر نشرة باسم الأضواء يكتب افتتاحيتها السيد الشهيد الصدر، وتضم هيئة تحريرها الفضلي والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ كاظم الحلفي والشيخ محمد رضا الجعفري. وتكتب الجماعة منشوراً أسبوعياً يكتبه السيد الصدر يرسل لجميع أنحاء العراق ويقرأ في الإذاعة العراقية. وهذه الحركة كانت بداية العمل الجهادي للشيخ الفضلي وأساتذته وصحبه في الساحة الثقافية والسياسية العراقية، وقد شارك فيها الفضلي مشاركة فاعلة بالقلم والمنبر والميدان.

أما في بغداد فكان الكثير من شباب الشيعة المثقف يرى ويقرأ عن الأحزاب الإسلامية وأطروحاتها، فتحرك جماعة منهم وانضموا في البداية إلى حزب التحرير وكان منهم: المهندس محمد هادي السبيتي وأخوه المهندس محمد مهدي والشيخ عارف البصري والدكتور جابر العطا والشيخ سهيل نجم والسيد طالب الرفاعي وكانوا يومها مثقفين مؤمنين طموحين يبحثون عن تغيير واقعهم ويحملون فكراً شيعياً واعياً للمرحلة ومدركاً لتحديات الواقع ومتأثراً بما يقرأ ويسمع، ولم يكن حزب التحرير يومئذ يظهر تعصبه وطائفيته.

ولكنهم وبعد أن أظهر الحزب تعصبه ضد الشيعة، استفتوا السيد الحكيم في حكم الانضمام إليه، فطلب السيد الحكيم (قدس سره) من الشيخ محمد أمين زين الدين أن يقرأ كتب الشيخ تقي الدين النبهاني مؤسس الحزب، وبعد أن اطلع السيد الحكيم على ما حوته، أصدر فتواه بحرمة الانتماء لحزب التحرير.

في إثر ذلك، تحدّث كل من المهندس محمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري والسيد طالب الرفاعي مع السيد مهدي الحكيم وطرحوا عليه ضرورة وجود حزب إسلامي شيعي، وبعد التداول فاتحوا السيد محمد باقر الصدر في ذلك، فأيد الفكرة ولكنه طلب موافقة السيد الحكيم والشيخ مرتضى آل يس.

وبدأ الصدر -بعد أخذ موافقة وتأييد المرجعية- بوضع وكتابة الأسس الإسلامية التي يرى أن الحزب والدولة الإسلامية يجب أن تقوم عليها، ثم دعا السيد مهدي الحكيم مجموعة من العلماء لحضور درس السيد الصدر للأسس الإسلامية، حيث بلغ عدد الذين حضروا حلقة الدرس (15) عالماً تم اختيارهم بعناية، منهم: السيد مهدي الحكيم، الشيخ عبد الهادي الفضلي، السيد طالب الرفاعي، الشيخ مهدي السماوي، الحاج محمد صالح الأديب، الشيخ عارف البصري... ولا يمكن اعتبار حلقة الدرس هذه الخلية الأولى في الحزب كما توهم ذلك بعض الباحثين، وإنما هي تأصيل للأساس الفكري الذي سيقوم عليه الحزب.

يقول العلاّمة الفضلي: إن حلقة الدرس استمرت أكثر من سنة وبلغ عدد الأسس كاملة (28)، والمنشور منها حالياً (11) فقط ولا يعلم إن كان الباقي موجوداً عند أهل بيت السيد الصدر أو عند آخرين، وقد تعجبتُ من ضياعها وهي الأسس التي قام عليها حزب عمره أكثر من خمسين عامًا، فسألت الفضلي أين القائمون عليه عن البحث عنها وحفظ أهم تراثٍ لديهم؟، وكان جوابه أنها لم تكتب وتنشر في مرحلة تأسيس الحزب الأولى لأنها كانت تحاط بسرية شديدة، ويقول الفضلي في مقال كتبه عن هذه الأسس: «كما أتذكر أنه (قدس سره) قام بشرحها وحاضرنا بأوائل شروحها.

ولا أعلم مصير هذا المخطوط بعد أن أفرغت الإمبريالية العالمية جام حقدها على النجف والشيعة ومرجعها القائد السيد الصدر»([14]).

ويشير الفضلي إلى أنه ورفاقه مِنَ العلماء في هذه الحلقة كان دورهم في الحزب في المرحلة التالية لمرحلة التأسيس الجانبَ الفكري والمتمثل في تدريس هذه الأسس لخلايا الحزب الخاصة، وكذلك عقد حلقات تدريس عامة لكتب الصدر: المدرسة الإسلامية وفلسفتنا واقتصادنا، وكتب أخرى غيرها، وكذلك دور الكتابة والنشر في مجلة الحزب الخاصة ومجلة الأضواء التي تصدرها جماعة العلماء. وأما الدور التنظيمي والإداري فكانت في بداية التأسيس مسؤولية السيد مهدي الحكيم وانتقلت فيما بعد هذه المسؤولية كاملة إلى بغداد ومدن العراق الأخرى بقيادة السبيتي ورفاقه، وكانت علاقتهم بمرجعية النجف وعلمائها عبر العلماء المقيمين في بغداد كالسيد مرتضى العسكري.

وبعد اكتمال الجزء النظري للحزب الجديد عبر الأسس التي وضعها السيد الصدر، تم الاتفاق على تأسيس الحزب، وكان الاجتماع التأسيسي في كربلاء المقدسة وحضره إلى جانب علماء النجف السيد مرتضى العسكري وقادة الحزب التنظيميين الأوائل ومنهم المهندس محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل وآخرون، وأطلقوا عليه اسم (الحزب الإسلامي) قبل أن يتم تغييره فيما بعد إلى (حزب الدعوة الإسلامية) بعد سنة تقريباً حيث قامت جماعة الإخوان المسلمين بتقديم طلب رسمي لتأسيس حزب باسم (الحزب الإسلامي) وتمت الموافقة عليه من الحكومة العراقية وهو ما دعا الصدر ومؤسسي الحزب الإسلامي الشيعي إلى تغيير اسمه.

ويروي الشيخ الفضلي أن حركة حزب الدعوة في بدايتها لاقت صعوبة داخل الطائفة الشيعية وبطء في الانتماء إليه، والسبب في ذلك يرجع إلى ثلاثة عوامل هي:

أنها لا زالت في تلك الفترة تجربة جديدة على العالم الشيعي لم تسبقها تجارب أخرى.

والثاني: أن الحزب سلك الطريقة السرية في نظامه بصورة مشابهة لأسلوب عمل الحزب الشيوعي، ومن الطبيعي أن العمل السري في بدايته تكون حركته بطيئة تجنباً للفشل والضربات حتى يقوى ويشتد.

والعامل الثالث: أن الشيعة نتيجة لالتزامهم الديني لا يقدمون على مثل هذا العمل ما لم يكن مؤيَّداً بفتوى صريحة ومكتوبة من المرجعية، وهو أمر كان -وفي ظل ظروف ذلك الزمن- لا يمكن تحقيقه كتابياً.

ولكن بعد زمن قصير وبفضل كثافة الأنشطة الثقافية والتعليمية والعدد الكبير من الاحتفالات والمهرجانات التي أقيمت في جميع مدن العراق والتي كان يرسمها السيد الصدر ويبعث تلامذته لإحيائها -وفي مقدمهم الشيخ الفضلي ورفاقه- وتتحرك في ظل مرجعية السيد الحكيم، بدأ الانضمام لحزب الدعوة يشهد إقبالاً كبيراً ولاسيما في حواضر العراق.

ويروي الفضلي أنه في تلك الفترة كانت حركة الإمام الخميني (قدس سره) تتصاعد في إيران، وبعد أن سمع عن أطروحاته الإسلامية والثورية في قم المقدسة ضد نظام الشاه، بادر الفضلي بالتنسيق مع أستاذه الصدر وجماعة الدعوة، إلى زيارة الإمام الخميني -في منتصف ستينات القرن العشرين- ورافقه في هذه الزيارة الشيخ عيسى الخاقاني لأنه يعرف اللغة الفارسية فيساعد الفضلي في الترجمة. وعند وصوله([15]) إلى قم المقدسة صادف أن السيد الخميني كان يلقي بحثه الخارج في بيته فحضره شيخنا الفضلي ذلك اليوم، ويذكر أن موضوعه كان (الصلاة في الطائرة)، وبعد انتهاء الدرس والسلام على السيد الخميني أهداه الفضلي كتابه (حضارتنا في ميدان الصراع) وسأله عن رأيه في الحكومة: هل هي للأعلم أم لمطلق الفقيه؟ وكان جوابه لمطلق الفقيه، فناقشه الفضلي في المسألة بناء على رأيه في كتابه (في انتظار الإمام) حيث يرى حكومة الأعلم، فردّ الإمام الخميني بسؤال عن دليله فأجابه أنه القدر المتيقن، ثم طلب الشيخ عيسى الخاقاني جلسة خاصة مع الإمام الخميني فكانت في اليوم التالي (الأربعاء 12/8/1964م) صباحاً وكانت داخلية في بيت الإمام، وتناولت النقاط التالية:

في البداية عرَضَ الشيخ الفضلي على الإمام حركة حزب الدعوة في العراق، وذكر خلال الحديث أنهم في البداية كانوا يتداولون فكرة الشورى التي طرحها صاحب الميزان، وكان تعليق الإمام الخميني أن رأيه الذي يراه هو ولاية الفقيه ودار نقاش علمي حول النظرية.

بعد ذلك سأله الشيخ الفضلي عن دافع ثورته الأول، فأجابه بأن الشاه حاكم ظالم جائر لشعبه وخان البلاد.. وتجب الثورة عليه.

ثم سأله الشيخ الفضلي عن حركته مشيراً إلى أنها تعتمد نوعاً جديداً من الثورات ليس له مثيل سابق يقوم على طريقة المرجعية الدينية في مقابل طريقة الحزبية، فالثورات السابقة حتى الشعبية منها بدأت بحركات وأحزاب سرية، فأُعجب الإمام الخميني بتحليله، وأضاف أنها حركة جماهيرية علنية وليست سريّة تهدف إلى التغيير دون استخدام السلاح.

ثم سأله الشيخ: هل فكّرتَ بعد نجاحك في الإطاحة بالشاه ماذا ستصنع؟، فأجابه: المهم الآن هو نجاح الثورة وسقوط نظام الشاه الظالم.

وكان لهذا اللقاء أثره بعد عودة الشيخ الفضلي للنجف حيث دارت نقاشات مع الشهيد الصدر تبنت الدعوة على إثرها نظرية ولاية الفقيه.

* الفضلي أستاذاًً ورائداً في الثورة الثقافية النجفية

لقد كان للمدارس العلمية المختلفة التي تخرج فيها الفضلي ونتيجة تأثره بأساتذته أثرهما في أن يصبح -في وقت مبكر- صاحب قلم متألق، وهي الميزة الأهم في شخصيته والتي أجمع عليها أساتذته وزملاؤه وطلابه وصارت معلماً له في حياته النجفية وما بعدها.

وقد شارك في إصدار وتحرير نشرة الأضواء التي تصدرها جماعة العلماء -كما ذكرنا-، ومجلة النجف التي تصدرها كلية الفقه مع السيد عدنان البكاء والشيخ محمد مهدي الآصفي، وكان عضواً في جمعية منتدى النشر بطلب من أستاذه الشيخ المظفر، وعضواً في الرابطة الأدبية النجفية، وسكرتيراً لمجلس كلية الفقه.

ونشير -هنا- إلى أن أول مقالة للفضلي في النجف كانت في سنته الثانية بعد قدومها إليها بعنوان (حبيب الله) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نشرها في مجلة الوسيلة المصرية، وأول كتاب له كان (مشكلة الفقر) طبع في طبعته الأولى ضمن سلسلة منشورات الأضواء التابعة لجماعة العلماء، وكتب عنه السيد صدر الدين شرف الدين في مجلته النهج اللبنانية.

ثم توالت مقالاته وبحوثه وكتبه في النجف، ولأن المقالات كثيرة لا تتوفر لدى الفضلي للأسف نسخاً منها حيث بقيت نسخ المجلات والدوريات في بيته النجفي يوم ترك النجف في ظروف صعبة ووضع خطير، وأذكر أن سلّم بيتنا هناك الذي يوصل إلى مكتبته في الطابق العلوي كان عبارة عن أكوام من المجلات والجرائد متراصة فوق كل درجة منه، والمكتبة ليست بأحسن حال فلضيق المساحة كانت كذلك عبارة عن أكوام متعامدة من المجلات والكتب.

أقول: لأن مقالاته وبحوثه النجفية لا يملك نسخاً من أكثرها، سنكتفي بذكر بعض عناوينها التي يوجد نسخ منها أو مما يتذكره الفضلي من عناوين أخرى، ثم ننتقل لذكر كتبه النجفية.

الأبحاث المنشورة:

من البعثة إلى الدولة                              نشرة الأضواء

مصطلحان أساسيان                             مجلة الإيمان

نحو كتابة دستور إسلامي                       مجلة الإيمان

ثورة الحسين وأثرها في الشعر العربي           مجلة النجف

الأمثال في نهج البلاغة                           مجلة رسالة الإسلام

علم البلاغة العربية نشأته وتطوره              مجلة النجف

مبدأ الاشتقاق في اللغة العربية                  مجلة النجف

المبدأ الأول في الفكر اليوناني قبل سقراط       مجلة النجف

الدمستاني من أعلام الخليج                      مقدمة ديوان الدمستاني

الأحساء                                         دائرة المعارف الشيعية

الشيخ الطوسي                                  مجلة النجف

الرقابة الاجتماعية في الإسلام                   مجلة رسالة الإسلام

المضاربة                                          مجلة النجف

تنقل الألفاظ                                     مجلة اللسان العربي - المغرب

ألفية ابن مالك

المقياس النحوي بين القرآن وكلام العرب

حول المؤلفات الفقهية                           مجلة الإيمان

حول تعبير شائع                                 نشرة الأضواء

السنهوري يدعو إلى قانون عربي موحد

مستوحى من الشريعة                           جريدة السياسة الكويتية

الأسماء الثنائية في اللغة العربية                   مجلة اللسان العربي - المغرب

وقد كتب كذلك مقالات تعريفية وناقدة لعدد من الكتب والإصدارات الحديثة ونشرها في دوريات مختلفة داخل وخارج العراق، ونشر القليل من قصائد شعرية جادت بها قريحته.

مؤلفاته النجفية:

- مشكلة الفقر: دراسة تشريعية على ضوء الاقتصاد الإسلامي (1962م).

- ثورة الحسين (عليه السلام) من خلال نصوصها (1963م).

- خلاصة المنطق: طبع أكثر من خمس طبعات في حينه لأنه قرّر للتدريس في الحوزة وفي كلية الفقه (الطبعة الأولى في 1963م).

- التربية الدينية: كتاب في أصول العقيدة الإمامية طبع خمس طبعات متسلسلة، الأولى بتوجيه من السيد الحكيم ونفقته وقرّر للتدريس في الحوزات والدورات الصيفية بأمر منه (الطبعة الأولى في 1964م).

- دليل النجف الأشرف: يتناول وصفاً تاريخياً وميدانياً لآثار النجف القديمة ومعالمه الحديثة (1965م).

- مبادئ أصول الفقه: قرّر للتدريس في الحوزة والكلية، وطبع ثلاث طبعات في حينه (الطبعة الأولى في 1967م).

- في انتظار الإمام: يعالج قضية الإمام المنتظر ومسألة الحكم الإسلامي (1968م).

- أسماء الأفعال والأصوات (رسالة ماجستير) - لم تطبع.

- نحو أدب إسلامي.

- مختصر النحو: ألّفه مقرراً لمادة النحو في كلية الفقه (1970م).

- لماذا اليأس؟ (1966م).

- حضارتنا في ميدان الصراع.

- من البعثة إلى الدولة.

- طريق استنباط الأحكام (تحقيق).

- الدين في اللغة والقرآن.

- الإسلام مبدأً: ثم طبع مع سابقه بعنوان (مصطلحان أساسيان) - (1966م).

- الأمثال في نهج البلاغة.

- موجز التصريف: ثم طبع بعنوان (مختصر الصرف).

- علم البلاغة العربية: نشأته وتطوره (1968م).

- مبدأ الاشتقاق في اللغة العربية (1967م).

- المبدأ الأول في الفكر اليوناني قبل سقراط.

ومن هذه العناوين، نقرأ مقدار ما قدّمه الفضلي من نتاج فكري في شبابه النجفي -في فترة الستينات وما قبلها- والرسالة التي أدّاها.

ويمكن من استعراضنا لها أن نخلص إلى أنّ أهم مساهماته كانت فيما يلي:

- ريادته في بعض هذه الكتابات التي كانت آنذاك جديدة على الساحة الإسلامية بشكل عام والنجفية بشكل خاص، كمقاله «نحو كتابة دستور إسلامي» وبحثه «من البعثة إلى الدولة».

- تجديده في بعض مناهج الدراسة: كـ«خلاصة المنطق» و«مبادئ أصول الفقه» و«مختصر النحو» و«موجز التصريف».

- وكتابات ثالثة ساهمت في تأصيل وعصرنة الثقافة الإسلامية: كـ«حضارتنا في ميدان الصراع» و«الإسلام مبدأً» و«لماذا اليأس؟».

- ورابعة أضافت نوعاً جديداً إلى التأليف الحوزوي كـ«دليل النجف» و«ثورة الحسين (عليه السلام) من خلال نصوصها» و«نحو أدب إسلامي».

- وخامسة كان الفضلي فيها رائداً في الكتابة حولها، كما في كتابته عن النظام السياسي ونظرية الحكم في الإسلام في كتابه «في انتظار الإمام» الذي سبق به ما كتبه الرائدان أستاذه الشهيد الصدر والسيد الإمام الخميني (قدهما)([16]).

* تدريسه في النجف

بقي أن نشير إلى تدريس الشيخ الفضلي في النجف، وكان قد توزع بين الدرس الحوزوي والدرس الأكاديمي، ففي مجال الدرس الأكاديمي درّس:

مقررات علوم اللغة العربية وآدابها في الصرف والنحو والبلاغة والنقد وتاريخ الأدب في متوسطة وثانوية منتدى النشر.

مادتي النحو والصرف في كلية الفقه.

وفي الحوزة العلمية بالنجف، درّس المناهج التالية:

شرح قطر الندى                      في النحو

شرح الألفية لابن الناظم              في النحو

شرح الألفية لابن عقيل               في النحو

مغني اللبيب                            في النحو

شرح النظام                            في الصرف

حاشية ملاّ عبد الله                    في المنطق

شرح الشمسية                        في المنطق

منطق المظفر                            في المنطق

خلاصة المنطق                          في المنطق

مختصر المعاني                           في البلاغة

المطول                                  في البلاغة

جواهر البلاغة                         في البلاغة

علوم البلاغة                           في البلاغة

مبادئ أصول الفقه                    في الأصول

المعالم                                   في الأصول

أصول الفقه للشيخ المظفر             في الأصول

الكفاية                                 في الأصول

شرح اللمعة                            في الفقه

* الشيخ الفضلي ما بعد النجف

غادر الشيخ الفضلي النجف عام 1391هـ بسبب الظرف السياسي الصعب الذي مرّ بالعراق بعد هيمنة النظام البعثي، وتوجه نحو الكويت ثم منها غادر إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية حيث عيّن مدرساً لمادة الأدب العربي في (جامعة الملك عبد العزيز) وبعد سنتين من التدريس ابتعث من قبل الجامعة إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، والمقرّر الذي كان يدرّسه خلال هاتين السنتين كتاب «قيم جديدة في الأدب العربي» للدكتورة بنت الشاطئ، وكان عضواً في هيئة تحرير مجلة أخبار الجامعة.

ولأنه عاش وحيداً خلال هذه الفترة حيث العائلة ما تزال تعيش بالعراق، فقد استغل وقته بجولات ميدانية بسيارته الفولكس في معالم مكة والمدينة يسجّل ويصوّر ما يشاهده، ويكون قبلها قد دوّن ما قرأه عن الأماكن التي يقصدها في كتب التاريخ والفقه والرحلات، ويقول إنه كان يحمل فراشه معه بالسيارة، فينام متى ما جنّ عليه الليل.

واستمرت صِلاته بالنجف عبر المراسلة مع الشهيد الصدر وباقي الصحب الكرام.

ثم ابتعث من قبل الجامعة لدراسة الدكتوراه إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وتخرج فيها سنة 1396هـ بدرجة دكتوراه في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وكان موضوع وعنوان رسالته (قراءة ابن كثير وأثرها في الدراسات النحوية) بإشراف الدكتور أمين علي السيد ومناقشة الدكتور الشيخ إبراهيم نجا وكيل جامعة الأزهر والأستاذ علي النجدي ناصف الأستاذ غير المتفرغ بدار العلوم وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

وصادف أن عددًا من زملائه ورفاقه النجفيين كانوا يدرسون في مصر منهم الشيخ د. الوائلي ود. السيد مصطفى جمال الدين ود. صالح الظالمي ود. زهير غازي زاهد ود. السيد عبد الهادي بن السيد محسن الحكيم ود. السيد محمد بحر العلوم ود. طالب الرفاعي... وكانت له معهم لقاءات واجتماعات علمية وأدبية.

وبعد حصوله على الدكتوراه، عاد إلى جدة وعيّن على وظيفة مدرس في جامعة الملك عبد العزيز في 9/8/1396هـ، واستمر في تدريس النحو والصرف والعروض بالجامعة حتى تقاعده في 1409هـ، ومن نشاطاته الجامعية:

- أسّس قسم اللغة العربية بكلية الآداب وعُيّن رئيساً له لفترتين متتاليتين.

- شارك في مناقشة بعض الرسائل الجامعية للدراسات العليا وكان له الإشراف على بعضها، واختير أيضاً محكّماً لجملة من أبحاث الترقيات العلمية.

- كان عضواً في هيئة تحرير نشرة (أخبار الجامعة).

- كان عضواً مؤسسًا ودائمًا في لجنة المخطوطات بمكتبة الجامعة المركزية.

- كان عضواً في (النادي الثقافي الأدبي) بجدَة.

وبعد تقاعده في 1409هـ، اختير أستاذاً في (الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية) بلندن، درّس فيها المنطق وأصول البحث وأصول علم الحديث وعلم الكلام وتاريخ التشريع الإسلامي، ويقوم حالياً بالإشراف على بعض طلبة الماجستير والدكتوراه فيها.

* الشيخ الفضلي بعد التفرّغ الوظيفي

وبعد تقاعده وسكناه في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، بدأ بمشروع هادئ يهدف إلى إحداث نقلة ثقافية في المنطقة من خلال العملَيْن المهمين التاليين:

الأول: تأسيس وإقامة مهرجانات ثقافية عديدة يلقي فيها العلماء والأساتذة المحاضرات ويشاركون في حوارات وندوات علمية ساهمت بشكل كبير في خلق وتربية جيل جديد من المثقفين.

والثاني: إحياء وتشجيع حركة التأليف في المنطقة وذلك بتربية عدد من المثقفين وتشجيعهم على البحث والكتابة ومراجعة كتاباتهم والتقديم لها.

أما مشروعه الأكبر لتجديد مناهج ومقررات الدرس الحوزوي، فقد استمر فيه خلال هذه السنين لم ينقطع عنه حتى أكمل مراحله الثلاث وهي:

المرحلة الأولى: إعادة كتابة مقررات الدرس الحوزوي لمواده الدراسية الحالية بلغة ميسرة وأسلوب تربوي جديد يتناسب ولغة ومتطلبات العصر، وخضع بعض من مؤلفاته هذه للتجربة عشرات السنين ككتبه (خلاصة المنطق) و(مبادئ أصول الفقه) و(التربية الدينية)، ويدخل ضمن هذا الجزء العدد الأكبر من بقية المؤلفات ومنها: (مختصر الصرف)، (تلخيص البلاغة)، (مختصر النحو)، (تلخيص العروض)، (خلاصة علم الكلام)، (مذهب الإمامية)، (مبادئ علم الفقه - بأجزائه الثلاثة)، (التقليد)، (الاجتهاد)، (القراءات القرآنية)، (أصول الحديث)..

المرحلة الثانية: استكمال المقررات الناقصة في الدرس الحوزوي للعلوم القديمة وإدخال مقررات لبعض العلوم الحديثة المهمة التي لها علاقة بالدراسات الإسلامية، وقد كان رائداً في هذه المؤلفات، ومما أنجزه منها كتبه (تاريخ التشريع الإسلامي) و(أصول البحث) و(أصول علم الرجال) و(الدولة الإسلامية) و(أصول تحقيق التراث).

المرحلة الثالثة: بحوث استدلالية في الفقه والأصول وفق منهج جديد وضعه وبنى عليه كافة مسائل ونظريات العلم وهو ما أسماه (المنهج اللغوي الاجتماعي) ومؤلَّفَيه في هذا الباب هما: (دروس في أصول فقه الإمامية - جزأين) و(دروس في فقه الإمامية - 4 أجزاء).

وفي ختام هذه الجولة السريعة في ذكريات أستاذنا العلاّمة الشيخ عبد الهادي الفضلي واستعراضنا لأهم جوانب حياته التي ربما تختزل حاضر النجف الأشرف ومدارسه المعاصرة، نقول إن هذه الكتابة ما هي إلا إشارات وشواهد قد لا تضيف الكثير للباحثين، ولكنها تفتح باباً للقراءة والمعرفة والدراسة لأساتذة الجيل الذهبي في النجف الأشرف.



([1]) منها ما جُمع في كتاب «هكذا قرأتهم» بجزأيه، الصادر عن دار المرتضى ببيروت، والذي ضم دراسات عن شخصيات سابقة ومعاصرة كتبها الفضلي باحثاً ومحللاً وناقداً.

([2]) الملاية هو الاسم الذي يطلق على من تتصدّى من النساء لتعليم أبناء الحي القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة.

([3]) لم يتذكر الشيخ الفضلي إلا الشطر الأول منه، وقد وجدت البيت مدوناً في إحدى مفكراته اليومية الخاصة.

([4]) المتوسطات الرحمانية من منشآت مديرية الأوقاف لتخريج مقرئين وأئمة مساجد وفق المذهب السني، والشيخ المذكور كان شيعياً ولكنه التحق بها ليكون من مقرئي القرآن الكريم.

([5]) حاولت -هنا- أن أنقل نص عبارة الفضلي حرفياً كما سجلتها في حواري معه.

([6]) كتب الفضلي في يومياته عن افتتاح كلية الفقه في النجف الأشرف في يوم الخميس 19 رجب 1378هـ الموافق 29 كانون الثاني 1959م: «باسم الله وباسم الدين افتتحت كلية الفقه، وألقى العميد المظفر خطاب الافتتاح وجَّه فيه الطلاب إلى القيام بالمسؤولية الدينية تمام القيام وأشرفه»، ورأيت أن أنقل عبارته -هنا- وهو مقبل على خطوته الأولى في الكلية لما فيها من دلالة، وقد بدأت الدراسة بالكلية يوم السبت 31 كانون الثاني 1959م.

([7]) مجلة فقه أهل البيت، العدد 35 السنة التاسعة 1425 هـ - 2004م.

([8]) م. ن.

([9]) م. ن.

([10]) هكذا  قرأتهم، ج1 ص 327.

([11]) مجلة فقه أهل البيت العدد 35.

([12]) (دور الإمام الصدر في التطوير الفقهي وتحديد المشكلة الاقتصادية) بحث نشر في مجلة الفكر الجديد، العددان 13 - 14 السنة الرابعة ـ حزيران 1996م / صفر 1416هـ.

([13]) مفكرة الفضلي اليومية لعام 1959م.

([14]) هكذا قرأتهم ج2 ص 220.

([15]) وصلها يوم الثلاثاء 11 آب 1964م الموافق 2 ربيع الآخر 1384هـ، نقلاً عن مفكرة الفضلي اليومية لسنة 1964م.

([16]) أتم الشيخ الفضلي تأليف كتابه (في انتظار الإمام) في 1/5/1384هـ (1964م) وقدّمه للاستجازة بطبعه من قبل الثقافة والإرشاد فرُفض، وبقي يحاول الحصول على إجازة طبعه مدة أربع سنوات ولم يحصل عليها إلا بعد تغيير الوزارة في عام 1968م حيث طبع في مطبعة النعمان بالنجف.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة