شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
ليس غريباً أن ينحو الشيخ الفضلي منحى بيداغوجيًّا، حيث هو ثمرة طبيعية لمدرسة آلت على نفسها منذ زمن بعيد إعادة إنتاج المقررات التعليمية الحوزوية على أسس أكثر منهجية وحداثة، فالشيخ الفضلي معاصر وطالب لدى علمين من أعلام حوزة النجف الأشرف الذين عُنوا بهذا النوع من الاهتمام التعليمي والمنهجي، وكانوا قد قدَّموا في ذلك محاولات، تعتبر أعمال الشيخ الفضلي تتميماً وإكمالاً لما لم يستطيعا إكماله؛ وأقصد بذلك كلاًّ من الشيخ المظفر والشهيد السيد محمد باقر الصدر. عُني الأول بإعادة إنتاج مقررات الدرس الحوزوي بلغة ومنهجية ميسرة، فكان من ثمرات تلك المحاولة، كتابا: المنطق والأصول للمظفر وهما الأشهر والأكثر تداولاً، حتى بات اسم الشيخ المظفر ملازماً لهذين الكتابين، فيقال منطق المظفر وأصول المظفر، وقد وجد الكتابان لهما مكانة في مقدمات الدرس الحوزوي، بما امتازا به من سهولة في عرض المطلب واختصار يليق بمستوى مقدمات التحصيل وقدرتهما على تأهيل الطالب لمستويات متقدمة في التعليم. وكان الشهيد السيد محمد باقر الصدر قد قدَّم على الطريق ذاته ما قصد به معاوضة تلك المقررات التي لا زالت تهيمن على السياسة التعليمية الحوزوية في سطوحها وسطوحها العليا، كفرائد الأصول للشيخ الأستاذ مرتضى الأنصاري وكفاية الأصول للآخوند ملا كاظم الخرساني. والحق أن الحلقات جاءت لتغني الطالب عن كل هذه المقررات من المعالم والرسائل والكفاية، لتضع بين يديه دورة أصولية متكاملة ماءً واحداً تؤهل الطالب لاستيعاب الدرس الأصولي خطوة خطوة، وإن كان الأمر عاد مرة أخرى ليجعل واحدة من حلقاته على الأقل؛ الثالثة محوراً لبحث الخارج أيضا. لكن أهم ما في الأمر أن السيد الصدر قدَّم دورة متكاملة بأسلوب واحد ومنهجية تراعي متطلبات كل مرحلة على حدة. مع أن هذا لم يكن من شأنه إيقاف السلطة المعرفية التي مثَّلها كل من صاحب الرسائل وصاحب الكفاية. فالحلقات لم تعوض المقررات المذكورة، بل كانت في أكثر الأحيان بمثابة إضافة لمزيد من الاستئناس بالدرس الأصولي. وحتى مع دراستها تترك الحاجة -ولو الحاجة النفسية- لدراسة هذه المتون التي سار عليها التقليد الحوزوي لحقب ممتدة، وهي حاجة نفسية لأن الطالب يجد في الحلقات زبدة المطالب الأصولية معروضة بصورة بالغة الاستيعاب والاحترافية في تبليغ المراد. وقد كانت هناك محاولات على درجة من الأهمية لكنها مجتزأة لم تستوف كامل المواد العلمية ولم تغطِ ما تبقى منها محرراً على سجية القدامى ومصمماً على طريقتهم في التفنن، وهو أمر يكلف الطالب جهوداً إضافية لحل ألغازها قبل الوقوف على مداركها التي قد تكون طوع الأفهام لو أنها صيغت بالأسلوب الميسر، وأهمية ذلك لا تخفى بالمقارنة مع تطور مناهج التعليم القائمة على ضرب من الاقتصاد الذي يصعب تحقيقه إزاء التعقيدات التي توصف بها تلك المتون، ولعل واحداً من أسباب فشل تعويض تلك المقررات التقليدية بهذه المقررات المستحدثة، هو حالة التردد والشك والخوف من أنها لن توصل الطالب إلى منازل الاجتهاد المطلوب والدربة الكافية في عملية الاستنباط. إن أي طريق غير طريق الأقدمين قصاراه أن يخرج مثقفين فقهيين ولكن لن يخرج مجتهدين فقهاء، وهذا صحيح من وجه، يدرك ذلك من وقف على الطريقين، لكن المقصود من كلامنا هو تيسير المطالب الأولى، وإخراجها من دورة الألغاز إلى دورة التعليم والتفهيم للعموم للتعرف على مقدمات المعارف والعلوم الشرعية، يمكننا أن نتحدث أيضاً عن محاولة السيد تقي الحكيم، من خلال أبحاثه القيمة التي قدمها في كلية الفقه بالنجف وجمعت بعد ذلك في الكتاب المعنون بـ(الأصول العامة للفقه المقارن)، وهو مقرر يصلح مادة للتدريس كما تفعل اليوم بعض المعاهد العلمية، وهناك تجربة للشيخ جواد مغنية التي تُوِّجت بكتاب أصولي مفيد يصلح دورة لمقدمات الأصول، وهو أصول الفقه في ثوبه الجديد، كما تُوِّجت بدورة فقهية كاملة، كتبت تحت عنوان: فقه الإمام الصادق، وإن قصد بها صاحبها -كما يقول- مجرد ساندويتش فقهي، فهو كتاب استطاع أن ييسر للطالب مطالب عُولجت في مصنفات كبرى كالجواهر، مع وجود لمسات ونكات دقيقة ومستملحة للشيخ جواد مغنية، حيث أكسبه روحاً تعليمية مميزة، وحيث حضر لديه الهم نفسه الذي خامر هؤلاء الرواد، أي صعوبة لغة المقررات التقليدية وكونها مصنفات لم تكتب أصلاً للتدريس. هذا مع أنني أعتقد أن هذه الكتب هي أصلاً ثمرة تدريسية إلا أنها مصاغة على نهج تأليفي أفقدها حيوية ومنهجية التدريس مع ما يتطلبه الأمر من حذف الزوائد وإدخال تعديلات على ما كان شفهيًّا مع احتمال التقديم والتأخير، ووجود أخطاء مطبعية وأخرى تتعلق بالنقل وتخلف الطباعة وما شابه، فالرسائل مثلاً هي جملة الأبحاث التي ألقاها الشيخ مرتضى الأنصاري في حضرة علماء كبار، يكفي أنها شكلت مدار بحث الخارج الذي أقامه شيخ الأصوليين المعاصرين في حضرة المجتهد الكبير ميرزا محمد حسن الشيرازي المعروف بالمجدد، والذي أغراه البحث لكي يقرر المكث بالنجف وملازمة درس الشيخ الأنصاري وعدم التفكير في العودة إلى أصفهان القادم منها لسبب عارض، إلى أن آلت الرئاسة الدينية وزعامة الحوزة إليه في النجف الأشرف، وهو مع الفارق الزمني أصبح كتاباً يدرس في سطوح الحوزة العلمية بينما كان يومها جملة الرسائل البحثية التي ألقيت في حضرة مجتهدين كما هو حال سماحة المجدد الشيرازي (قدس سره)... كما أن الكفاية هو نفسه ثمرة لدرس خارج كان يلقيه الآخوند على علماء أجلاء، قبل أن يجمع في كتاب، إنما كان لا بد أن يقال إنها كتب لم تخضع لنمط من البيداغوجية الحديثة، منهجية تأخذ بعين الاعتبار تكوين الطالب الحوزوي اليوم الذي يراهن على الحد الأدنى من اختصار الوقت، وينتظر شكلاً من التلقين يواكب تطور مناهج التدريس، بصورة أكثر اختصاراً وأقل استطراداً.
في هذا السياق وفي هذا المناخ المسكون بهم تحديث المقررات التعليمية وتيسير مطالب الدرس الحوزوي للطالب، يمكننا النظر إلى الجهد البيداغوجي الذي نهض به الشيخ الفضلي وغطَّى به علوماً أخرى غير الفقه والأصول، بل امتد إلى اللغة والحديث وما سواهما من المواد وفروع المعرفة، بل ويكون أكثر وأغزر في التأليف على هذا النهج، لينجز بمفرده منظومة تعليمية، ومنظومة تتثقيفية متكاملة، وبذلك يكون الشيخ الفضلي قد قام بما لم تقم به مؤسسات بكاملها، بجهد فردي وإصرار عنيد وتطلع كبير قلَّ نظيره.
إن البيبليوغرافيا الفضلية هي إعادة إنتاج للمقررات التعليمية الحوزوية، في أسلوب أكثر تبسيطاً للطالب دون أن يتحقق التبسيط على حساب عمق المحتوى ودون أن يكون فيه تجاوز لمطلب من المطالب مهما بدا عميقاً. إنه التبسيط الضروري بالمنظور التربوي لمقررات الدرس وليس تبسيطاً بالمعنى الذي يتجاوز به المطالب المعمقة لصالح مطالب ميسرة، فالفضلي تعاطى مع كل الأفكار بما فيها أعمقها، فأعاد إخراجها ميسرة للطالب، وهو تبسيط يتقوَّم بعمق علمي ودربة بيداغوجية نادرة، ويكاد يكون ما قدمه الشيخ الفضلي في هذا المجال عديم النظير، كمًّا وكيفاً.
* هاجس التحديث والتجديد
الشيخ الفضلي علم من أعلام الحوزة العلمية، استطاع أن يفيد من ثقافة عصره ويستدخل معطيات التجدد الحضاري في صلب الدرس الفقهي. وكما نحا نظراء له لهم باع طويل في هذا الشأن، فإنه طرق موضوعات ليست محل حرج للمكلف، هكذا بالمعنى التقليدي الفردي للمكلف، بل هي حرج على الاجتماع المسلم وحرج على الوجود المعنوي للإسلام والأمة الاسلامية. ولعل أهم مثال على ذلك مبحث ولاية المرأة، وهو حقًّا ليس محل حرج على المكلف الشرعي، حيث بلادنا العربية والإسلامية لم تنتج حتى اليوم وضعاً يجعل المرأة العربية والمسلمة الشخص وليس النوع في مقام الحرج المذكور، بل مثل هذا لم يقع حتى اليوم في بلاد المشرق العربي والخليج العربي، غير أن الشيخ يعالج هنا مورداً للحرج النوعي للأمة التي تواجه تحديات المعاصرة والتحديث، وهو يتوجه إلى مكلف نوعي مفترض هو الأمة الإسلامية، سعياً إلى ثقافة فقهية تحرر العقل العربي والإسلامي من تشدده حيال قضايا لا موضوع لها، حتى ولو ظهر أنه بصدد تحرير مطلب يخص المكلف الشخصي.
إن محاولات الشيخ الفضلي لم تكن لتهمل مجالات كثيرة محل اهتمام المصلحين والنهضويين، مثل الفقه السياسي، حيث اهتم اهتماماً خاصًّا بموضوع الصراع العربي - الإسرائيلي من زاوية العالم المعني بتقديم مادة علمية تعزز الملف المطلبي للأمة في مواجهة الاستعمار، وذلك من موقع المؤصل لمشروعية الصراع من واحد من أهم المداخل الرئيسة ألا وهي الفقه، بهذا المعنى كانت محاولات الدكتور الفضلي بمثابة تأصيل فقهي لشرعنة الحقوق العربية والإسلامية في صيرورة الصراع العربي والإسلامي الحضاري مع الكيان الصهيوني، وأهم مدخل فقهي توَّج به ذلك هو معالجة مسألة الأرض المحتلة في ضوء أحكام الوقف، تأكيداً على وقفية الأراضي المحتلة وعدم جواز التفريط فيها، ومن هنا تنبع شرعية الدفاع عن الأرض والوطن من منظور شرعي وفقهي أكثر تأصيلاً ووضوحاً.
وتستمر هذه المحاولة التأصيلية لموضوعات تخص الحقل السياسي، ببحث قيِّم حول مفهوم الكيان السياسي ومفهوم الاستقلال، وهي محاولة حقيقة لا تقف عند تحرير محل النزاع في كبرى مشكلات الفكر السياسي العربي والإسلامي، بل هي من ناحية أخرى تؤكد على الصلة الوثيقة بين الفقه والتفكير، بين الدين والسياسة، وهو التداخل الذي يتجاوز كونه دفعاً لشبهة من رام الفصل التعسفي بينهما من فلول العلمانية الغالية، بل دفعاً لشبهة من رام الوصل التعسفي بينهما من فلول أهل الدين، فتحرير محل النزاع في البين هو تحرير يدفع الفصل التعسفي والوصل التعسفي معاً لصالح وصل وفصل وظيفيين تتعالى عليهما مقاصد رفيعة هي مقاصد كل شأن من شؤون البشر سواء أتوصل إليه عبر الدين أو العقل فهي طرق متخالفة لكنها لا تحجب بساطة العقل لما يكون في حاق الإدراك الشامل لكل الأشياء، أي حينما يصبح هو كل الأشياء وعالماً قائماً بذاته شمل كل الحقائق، فهي لحظة الوصل التي تتكثف فيها الحقائق ولحظة الفصل حيث ما كان عرضيًّا ينفك وما كان ذاتيًّا لا ينفك، فالعقل والنقل.. والدين والدنيا.. والحس والمثال.. طرائق محكومة بوحدة المقصد.. وبينما ظلت محاولات أكثر الرافضين للفصل التعسفي آبية عن أن تمارس ضرباً من التأصيل الحقيقي لمطالبها، فلا هي تنخل الحكم نخلاً إزاء موضوعاته، ولا هي تحسن التشخيص الأمثل للموضوع إزاء أحكامه، حيث أفردنا الموضوع وجمعنا الأحكام، انطلاقاً من حقيقة تعدد الحكم إزاء الموضوع نفسه متى خضع لأوضاع مختلفة وملابسات متنوعة.. فالأحكام تابعة للموضوعات؛ فبدل التركيز على الأحكام ما علينا إلا الاتجاه نحو الموضوعات وبحث حيثياتها وملابساتها؛ فالحكم إن أدركت طبيعة علاقته الخاصة بالموضوع، أمكن تغييره من حيث كان حكماً للموضوع لا من حيث هو حكم مطلق؛ فالأحكام ليست مطلقة بل نسبية، ونقصد أنها ليست مطلقة لا بالمعنى المقابل للمقيد، بل التعبير هنا يقصد أنها ليست غير قابلة للتغيير متى تغير الموضوع؛ فالمطلق نفسه بالمعنى الأصولي هو بمعنى آخر مقيد؛ مقيد بموضوعه ومقيد بحيثية موضوعه، وفي إطلاقه هو مقيد بالإطلاق لا يعني أنه مطلق، فهو مطلق حيث اقتضى منه الموضوع ذلك ومقيد حيث اقتضى منه الموضوع ذلك، فالإطلاق والتقييد بالمعنى الأصولي هو مسامحة تقوم على ضرب من الاعتبار، حيث الإطلاق مقيد بحال الموضوع، فالموضوع هو إما ما يقتضي الإطلاق أو ما يقتضي التقييد بحسب التفصيل الذي تفرضه علاقة الحكم بموضوعه، والحكم بينهما تابع وعارض ليس إلا. بهذا المعنى كل الأحكام الشرعية مقيدة، لأنها تدور مدار مقيدها الموضوعي.
كل هذا كفيل بأن يضعنا أمام ما به امتياز الطريقة الفضلية في معالجة موضوعاته بما في ذلك أكثر الموضوعات مثاراً للاستشكال. وفي طليعة ذلك معالجته لموضوع تولي المرأة للمناصب السياسية والحكومية -التي سنجعلها مثالاً مختصراً عن الطريقة التي ينهجها الشيخ الفضلي في تدبير مسائله- انطلاقاً من رؤية فقهية استدلالية، تشهد على أن الشيخ الفضلي هو بصدد تأسيس منظومة متكاملة تمد الباحث بأهم الاستشكالات والنكات الفقهية الضرورية في عملية إصلاح الفكر وتجديد الفقه الإسلامي، وهذا الحس المنظومي الذي يجعل محاولاته كلها تأتي ماءً واحداً وتخضع للمنهج نفسه في التحليل والتركيب، ستكون لها أهمية إذا ما تم استكمال حلقاتها وجمعها في موسوعة للأعمال الكاملة؛ فحينئذٍ ليس بعيداً أن تمثّل لوحدها مدرسة متكاملة، جامعة مانعة تقدم للقارئ تصوراً شاملاً عن الفكر الإسلامي والعلوم الإسلامية، في قالب حديث وميسر وحيوي.
* تجديد المنظور الفقهي إلى المرأة
لماذا المرأة؟
لم يكن الشيخ الفضلي ليفوته طرق موضوع كهذا لما له من أهمية في ضوء الجدل القائم اليوم حول المسألة النسائية، وليس ذلك فقط ينم عن حس المعاصرة الذي يكاد يحكم كل بواعثه التأصيلية فحسب، بل لأن لا مدخل للتحدث إلا عبر موضوع المرأة، وحتى وإن كان واقع المجتمع العربي والإسلامي مهما تطورت قوانينه لن يتقدم جذريًّا بوضعها ما دام أن السلطة لا زالت للأعراف والتقاليد، ومن شأن الفقه المبادر والمجتهد أن ييسر الانتقال السلس لوجدان الاجتماع العربي والمسلم إلى فضاءات سيصلها عبر صيرورة الإكراهات الموضوعية للتحديث، موضوع المرأة لم يغب عن شواغل النهضة العربية ورواد الإصلاح، ففي كل نصوصهم كنا نواجه شكلاً من المقاربة للمعضلة النسائية وحقوق المرأة، عند الكواكبي وخير الدين التونسي وعند قاسم أمين وعند الحجوي الثعالبي...
في المجال الشيعي نجد مراكمات كبيرة في هذا المجال، وإن كان الضوء لم يسلط عليها بالشكل المطلوب، لكنها تعتبر خطوة جريئة وكبيرة على طريق دعم المسيرة الحقوقية النسائية، ومنها تبرز محاولة الشيخ الفضلي كواحدة من المبادرات القيمة في هذا المجال.
تنطلق المعالجة الفضلية من جملة المطروح في النماذج الفقهية التي تعرضت لشرعية تولي المرأة لبعض الوظائف في الدولة الاسلامية، حيث خرج بنتيجة مؤداها أن جل من تعرض لهذه المسألة كان حبيس تصور خاطئ لمفهوم الولاية في الفقه الإسلامي. ذلك لأنهم لما ظنوا أن تولي المرأة لمناصب ووظائف في الدولة من شأنه أن يمنحها هذه الولاية، قالوا بعدم الجواز، حيث لا حق للمرأة في الولاية أصلاً. وهذا في رأي الشيخ الفضلي مدفوع، لأن الشبهة في المقام قائمة على تصور خاطي للولاية يبدأ بإعطائها معنى واحداً من جهة وإعطائها معنىً فقهيًّا خالصاً من جهة أخرى. والحق في نظر الشيخ الفضلي أن الولاية ليست معنى واحداً في الاستعمالات الفقهية، ولا هي بالأساس مصطلح فقهي. فالرجوع إلى الاستعمالات الفقهية لا يفيد في هذا المجال، بل المعوَّل عليهم القيام بمجهود استقرائي في المعجم العربي والفقهي الإسلامي للوقوف على المعاني الممكنة للولاية، للوقوف على مدلولاتها في أي سياق فقهي أو نص خاص، بمعنى آخر يريد الشيخ الفضلي أن يقول إن مفهوم الولاية هو لما استعمل له وبحسب السياق الخاص للاستعمال وليس مفهوماً يحمل الدلالة نفسها مطلقاً. هذا المنحى التجزيئي وأيضاً نَقْل النقاش إلى صلب المفهوم ذاته، عملية فقهية استدلالية ذكية تبدأ بتحرير محل النزاع وصولاً إلى فروع الإشكال.
لقد انتهت المحاولة الفضلية في استقراء مختلف استعمالات مصطلح الولاية في المعجمين اللغوي والفقهي الإسلامي إلى حصرها في معاني أربع، تحدد مفهوم الولاية الشرعية التي يقابلها حسب الشيخ الفضلي مفهوم الولاية القانونية في القانون الوضعي:
- حق التسلط.
- حق التصرف.
- حق القيام بشؤون الآخر.
- واجب المسؤولية.
محاولة الشيخ الفضلي تمس الأسس والأصول الذي بنى عليها القوم قولهم بعدم جواز تولي المرأة لهذه المناصب، محاصراً إياها في مبادئها وقواعدها الأساسية؛ فالمنهج الاستقرائي الذي اقترحه بديلاً عن المنهج الاستنتاجي الفلسفي هو المخرج الوحيد لتجاوز المنظور التقليدي من مسألة تولي المرأة لمناصب في الدولة. ومن هنا فالشيخ الفضلي يميّز بين ما كان من الولاية منصوصاً عليه من مصادر التشريع (الكتاب والسنة)، وما كان منها جارياً على وفق ما قررته سيرة العقلاء وسيرة الناس وأقره الشرع. والأول كما لو تعلق الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو كما يظهر لا يميز بين الرجل والمرأة كقوله تعالى: {المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ﴾. أو مبدأ الرعاية: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». وهو كما رأيت ليس فيه تمييز، أو مبدأ التسلط على المال للرواية: «الناس مسلطون على أموالهم»، وهو كما رأيت لا يميز بين حق المرأة والرجل في المقام.
وأما مثال غير المنصوص، فهو كل ما استنتج من ولايات من خلال الاجماعات وسيرة العقلاء والاستنتاجات الفلسفية، ومثاله ولاية الأب والجد على عقد نكاح الصغير والصغيرة التي هي من العرف الذي أقره الشارع ليس إلا.
يذكِّر الشيخ الفضلي بضرورة النظر إلى الأحكام نظرة مقاصدية، تراعي مبدأ جلب المصلحة ودرأ المفسدة. وهو الطريق الذي يجنبها الأسلوب الفلسفي الاستنتاجي الذي لم يكن هو مناط التشريع رأساً.
وكما أن التشريع يراعي التوازن في قوى وملكات الإنسان لا يميز بين ذكر وأنثى، فإنه في "إسناد الوظيفة وإناطة المسؤولية يشترط التشريع الإسلامي التوفر على عنصرين، هما: الكفاءة والأمانة».
يرى الشيخ الفضلي في كل ما آل إليه النظر الفقهي لمسألة الولاية، وجود نزعة للمقايسة بين المناصب في الدولة الإسلامية والمناصب في مجتمعات الأسياد والعبيد. وهو كما يرى قياس مع الفارق؛ فالمتصدي للوظيفة في الدولة الإسلامية مهما بلغت مسؤوليته هو مجرد منفذ ولا سلطة له إلا في حدود ما تقتضيه الوظيفة من التسلط لإنجاز المسؤولية وتنفيذ الواجب. فمثل هذه الولاية لا تثبت سوى: إعطاء حق أو فرض واجب أو إناطة مسؤولية. وليس للسلطة والسلطنة والتسلط من معنى آخر وفي ضوء هذه المقاربة المقاصدية التي ترقى بمفهوم السلطة إلى أن يكون مجرد شرط لتحقيق الوظيفة وليست سلطة مطلقة، سوى أن تكون إحدى مقتضيات إنجاز وظيفة الدولة. والحق كما يمكن أن يفهم بعد ذلك أنه حينما تتوزع السلط بهذا المعنى على جميع وظائف الدولة، ولا تقوم إحداها إلا بالانضمام إلى باقي السلط، فلن نكون أمام هذا المفهوم التقليدي من السلطة والتسلط والسلطنة. نحن هنا أمام طريقة ذكية ومثقفة في تحليل مفهوم الولاية، استناداً إلى المقاصد واستبعاداً للمقايسة المذكورة على الاجتماع العبودي، لترقى الطريقة الفضلية إلى مستوى من المعالجة تقارب موضوعها في ضوء القطيعة في مستوى النموذج المعرفي والاجتماعي والثقافي، حيث مفهوم السلطة نفسه شهد من التحولات في المنظور الحديث ما حاد به عن المنظور التقليدي؛ فالسلطة في الدولة الحديثة ليست سلطة كليانية بل هي سلطة وظيفية يقتضيها الجهاز: جهاز الدولة. السلطة هنا علائقية ومركبة ونسبية وليست مطلقة، بل تستقي معناها من الكفاءة -la competence- والتراتبية بمدلولها الوظيفي -fonctionelle- لا التسلطي. وهي لا تعني شيئاً عندما نخرج بها من عهدة النسق ووظيفة الجهاز.
هكذا يرى الشيخ الفضلي، حيث: >ومتى فهمت الولاية بالشكل المذكور -في أعلاه- تكون للمرأة كما تكون للرجل عند ممارسة حق أو أداء واجب أو قيام بمسؤولية، من غير فرق بينهما».
* المعالجة الأصولية النقدية
يقترح الشيخ الفضلي القطيعة مع الأصل المقرر في المقام لأنه ينبني على نسق معرفي لا يناسب فلسفة الأحكام ولا يحقق مقصود الشارع. وليس الرجوع إلى أصل العدم المعمول به في المقام إلا ضرباً من الاحتياط الذي يلجأ إليه متى حصلت الشبهة في مقام الولاية. والحق أن أصالة العدم كما جرى العمل بها في الفقه الشيعي الإمامي من شأنها أن تحاصر ضروب الاشتباه في موضوع الولاية بالمعنى التقليدي للولاية، وهو المفهوم الذي رفضه الشيخ الفضلي ونظر إليه خارج المنظور المعرفي والاجتماعي والثقافي للمجتمعات التقليدية التي لا زالت تحت تأثير نمط الاجتماع العبودي. وهو نمط يناقض فلسفة التشريع الإسلامي وأيضاً القانون الوضعي من أن المتسلط برسم الوظيفة في جهاز الدولة لا يمارس سلطة ذاتية ومطلقة، بل يمارس أو بالأحرى ينفذ وظيفة تقتضي في حدود إنجاز الوظيفة وإنجاحها ضرباً من التسلط؛ تسلط لنقل وظيفي وليس مطلقاً. بهذا كأنما نكون أمام محاولة فضلية لسلب الموضوع عن القضية، فتصبح خارجة عنه تخصصاً، وهذا جري حسن سلك على دربه الكثير من المجتهدين الذين متى أعياهم النظر في الأحكام راموا تفكيك الموضوع، فغيروا الحكم متى ظهر تغير في الموضوع لجهة اتباع الأحكام للعناوين. محتوى أصالة العدم نفي الولاية لأحد على أحد لجهة كونها من الأمور الحادثة، وما كان حادثاً وجب معه استصحاب العدم. ولا يستثني الفقه الإمامي من أصل العدم سوى ما ثبت بالدليل في شأن النبي والإمام، على أنه لا بد من التذكير بأن ضم الإمام إلى الرسول في هذا الاستثناء لا يقصد منه الإمام بالمعنى العام، أي الحاكم كما يقع الخلط عند الكثير من غير الإمامية، بل المقصود الإمام المنصوص على خلافته للنبي في بيان الشريعة والاضطلاع بدور الرسالة من بعده، وما عدا ذلك لا سلطة لأحد على أحد إلا ما خرج بالدليل، وهو مورد الاستثناء المذكور.
إلا أن الشيخ الفضلي لن يقبل بهذا الأصل ليس لعدم حجيته مطلقاً، بل لأن مورده السلطة والتسلط بمعناهما التقليدي القائم على التصور الفلسفي -وهنا لابد أن نخصص أكثر حيث يقصد الشيخ الفضلي وكل من يتحدث في سياق النقاش الفقهي عن المنهج الفلسفي، المنهج الفلسفي التقليدي، وإلا فالمنهج الفلسفي الحديث هو أكثر ميلاً للتنسيب وأقل إيغالاً في التطليق- وهو الحكم بالعدم في كل ما كان حادثاً متى حصل الاشتباه. وبهذا يكون الشيخ الفضلي قد وضع اليد على إحدى أهم الأصول التي فوتت حق المرأة في تولي الكثير من الوظائف، ونفي ولايتها في كثير من الأمور: «قد كان هذا الأصل أقوى مساعد للفقهاء في نفي ولاية المرأة عن كثير من الأمور، ومن ثم منعها من ممارسة كثير من الأعمال والوظائف».
من هنا يدعو الشيخ الفضلي إلى نهج الطريقة الاستقرائية لا الطريقة الفلسفية.والمقصود في استعمالات هذا التمييز، محاولة استبعاد عملية الاستنباط من مجرد الاستنتاج العقلي المجرد، ونهج الطريقة الاحصائية والاستقرائية في صلب المصادر التي تشكل مرجعية الحكم الأساسية. الخطوات التي يقترحها الشيخ الفضلي في نهج الاستقراء المذكور تقتضي البدء باستيفاء البحث في النصوص الخاصة، وإن تعذر ذلك بلغت النوبة إلى النصوص العامة. فالشيخ الفضلي يريد بذلك أن يجد قطيعة موضوعية بين مجالين على درجة كبيرة من الاختلاف: مجال التشريع حيث هو مورد لمنطق الاعتبارات، ومجال التكوين الذي هو مورد الأحكام الفلسفية ومنها أصالة العدم المذكورة. ولذا لم يشأ أن يضع أصل العدم في طول خيارات المستنبط، ذلك لأنه رأى في النصوص الخاصة والعمومات ما يغني عن وصول النوبة إلى هذا الأصل، حيث مع فرض عدم كفايتها فإن النوبة تصل إلى الإجماعات، وذلك بقيد النظر في حجيتها، وإلا فلا يؤخذ بها حين عدم حجيتها لمقام التفصيل في المقام.هكذا، حاول الشيخ الفضلي أن يغيّر المنظور من أساسه وينصب في طريقه منطقاً مغايراً مانعاً من تطبيق أحكام التكوين على موارد التشريع، ليصل إلى أنه ما لم نقف على رأي شرعي بخصوص ولاية المرأة من النصوص الخاصة والعمومات وفي أقل التقادير من الإجماعات المُطمَأَنّ بحجيتها، فإننا نصل بهذه الطريقة إلى تقرير نتيجة مناقضة لمقتضى أصالة العدم، أي القول بعدم وجود أي فرق بين الرجل والمرأة في مقام تولي المرأة لمثل هذه الوظائف، ولا يقع الاستثناء إلا بدليل واضح في إثبات ولائية الوظيفة مناط البحث.
لقد بحث الشيخ الفضلي مسألة الولاية التكوينية والتشريعية ليخلص إلى أن مثل هذا على الأقل في منظور الإمامية مما تأكد جعلاً للنبي والإمام والفقيه العادل؛ بالمعنى الموسع الذي يفيده معنى الولاية والتسلط بمقتضى: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وهو إذ يذكِّر بمعنى الولاية المستثناة من عموم قاعدة التسلط، ليشير إلى أن موضوع الوظائف المبحوث في المقام لا يساوق مفهوم الولاية بالمعنى المذكور. ويزيد المسألة تحقيقاً بمعالجة مفهوم القوامة، حيث ردّ كل محاولات تعميم قوامة الرجل على المرأة خارج خصوص العلاقة الزوجية. فالقوامية لا تعني عنده القيمومة بالمعنى الذي تفيد التسلط، بل تحمل مفهوم الرعاية، حيث الإنفاق هو أحد مصاديق هذه القوامية. وقد وفق الشيخ الفضلي في ذلك لما عزا هذا الانزلاق في حمل معاني التصرف والتسلط على مفهوم القوامة، إلى بنية المجتمع العربي ذي الطابع الذكوري.ومن ثمة ردّ التعدي والإطلاق بمفهوم القوامة خارج نطاق عقد الزوجية ووظائفها، وليس التفضيل هناك إلا تعبيراً عن الكفاءة والقدرة والأهلية في التدبير والرعاية، وذكر الرجال والنساء في المقام لا يدل على الإطلاق والعموم.
كما تطرّق الشيخ الفضلي إلى مسألة حكم المرأة والإفتاء والقضاء، فأتى على أدلة من اشترط الذكورة، فبعد أن بيّن عدم حجية أصالة الحكم وعدم مناسبتها للمفاهيم الشرعية رأساً، تتبع كافة الأخبار التي استند إليها القائلون باشتراط الذكورة ووقف عند ضعفها، ليؤكد على أنها لا تصلح دليلاً. وحيث لم يبق إلا الاجماعات، تتبَّعها وأظهر عدم كفايتها في وجوب اشتراط الذكورة، بل إن الرجولة في استعمالات المشرِّع هي من جهة التغليب لا التعبد لجريان سنة الاجتماع على التلازم بين القضاوة والرجال. وفي موضوع تقليد المرأة بحث أيضاً موضوع اشتراط الذكورة، واستشهد بآراء مهمة في هذا المجال، أهمها تعليق السيد السبزواري في المهذب على قول صاحب العروة الوثقى: «السيرة المتشرعة، وانصراف الأدلة عن المرأة، مع ذكر الرجل في بعضها.
ودعوى أن قيام السيرة على الرجوع إلى الرجال إنما هو لعدم وجود امرأة مجتهدة جامعة للشرائط من كل جهة، لا أنه مع وجودها لا يرجع إليها، وأن الانصراف بدوي لا اعتبار به كما ثبت في محله، وأن ذكر الرجل إنما هو من باب المثال لا التخصيص كما هو الأغلب، مردودة بأن المستفاد من السيرة قيامها على اعتبار الرجولية حتى مع وجود امرأة مجتهدة كما هو المشاهد بين المتشرعة في عدم رجوعهم إلى النساء مع وجود الرجال في أحكام الدين، والانصراف محاوري معتبر، ونعلم أن ذكر الرجل من باب التخصيص لا المثال، مع أنه وردت إطلاقات من الروايات على عدم الاعتماد عليهن، ويشهد له ما ورد من أنه (ليس على النساء جمعة ولا جماعة) إلى أن قال (عليه السلام): (ولا تولى القضاء ولا تستشار)».
هكذا يخلص الشيخ الفضلي إلى تأكيد أهمية تغير الأحوال وصيرورة الزمان ومدخلية ذلك في تغير المنظور إلى المرأة واختلاف الحكم لتغير العناوين واستحالة الموضوعات وما إليها من مفاهيم هي العمدة في عملية الاستنباط الرشيد المؤطر بحس درائي كبير لا لمجرد الحشو المستفيض والترديد المميت القائم على الإطلاقات والتعميمات الظاهرية للنصوص من دون إعمال نظر؛ لذا يقول: «على أن اختلاف الزمان يتدخل في اختلاف المستوى لتحمل المسؤولية. فيوم كانت المرأة ربة بيت فقط، غير مفسوح لها المجال في تعلّم العلم والتزود بالثقافة العامة والخاصة التي تسهم في بناء المجتمع ورفع مستواه إلى ما هو أفضل كانت غير مؤهلة للقيام بأعباء المسؤوليات الكبار.
أما اليوم حيث فسح لها المجال للتعلم والتزود بالثقافة وممارسة مختلف المهارات العلمية، والفعاليات الاجتماعية، وأثبتت قدرتها من خلال التجارب على تحمل أعباء المسؤوليات الكبار، أصبحت لا تختلف عن الرجل في ذلك، وهي وإياه على صعيد واحد من حيث المستوى والقدرة».
اهتمام الشيخ الفضلي بمسألة المرأة وحقها في تولي وظائف سياسية في الحكومة الاسلامية، دليل إضافي على مدى اهتمامه بالتحديات التي يزخر بها الواقع، وهي بالجملة مصدر تحدٍّ للفقه الإسلامي إذا لم يتولَ بحثها أهل النظر والفكر والاجتهاد، فسيظل الفقه الإسلامي متهماً دون سائر النظم بأنه ظالم للمرأة، والحق أن المسلمين إذا لم يجتهد فضلاؤهم في استنباط ما يواجهون به مواقف وآراء الظلامية التي تفتقر إلى الثقافة والفقه، وتحوِّل بخطابها السيئ الأحكام الاسلامية المستنيرة العادلة إلى أحكام جائرة ومتعصبة قبل أن يواجهوا به من لا يزال يبني رؤيته للإسلام على مواقف يدركون قبل أن ندرك نحن مدى غربتها عن تطلع المجتمعات العربية والإسلامية.
الشيخ الفضلي يظل عَلَماً رائداً في الأمة ومفخرة كبيرة للحوزة العلمية، سوف تذكره الأجيال القادمة بمزيد احترام وجليل تقدير وكثير احتفال؛ فهو قدَّم من الآثار ما لم يقدمه غيره ممن مُنِحُوا هذا الاهتمام وكُرِّموا على مستوى رفيع من التكريم، وإن كان هذا حال معظم علمائنا الذين قدموا للأمة وللعلم الإسلاميين نفائس لا تضارع وقضوا نحبهم دون أن يُكَرَّموا جزيل التكريم، فإن السؤال يظل ملحًّا: متى نكرم أحياءنا قبل أن تكرمهم أجيال غير أجيالنا، فإذا كان تكريم الموتى إحياء لذكراهم فتكريم الأحياء زيادة في باعثية الحي.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.