تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الفـكر الأصـولي والوعـي السيـاسي فـي إعـادة التأسيـس للمـفاهيـم

العـربي إدنـاصر

*

عرف المجتمع الإسلامي في العصر العباسي تدهوراً سياسيًّا وانحطاطاً فكريًّا ساهم في تفشي حالات اليأس والإحباط، دفع ذلك برجل العلم إلى ابتكار تصور جديد يُقنِّن مفاهيم الولاء السياسي للسلطة، ويضبط مفردات العلم والفقه الذي صار يتتبع سنن السلطة شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى دخل جحرها، فجاءت محاولات الشافعي في كتابيه «الرسالة» و«الأم» لإعادة تفكيك وتركيب اختصاصات العلم والسياسة في ضوء قواعد فكرية وشرعية مستمدة من أصول الأحكام في الإسلام: الكتاب والسنة، باستقراء نصوصهما لاستخراج الغايات الكبرى والمعاني العظمى من التشريع، في وقت عرفت فيه الساحة السياسية والفكرية تسيُّباً وانعطافاً خطيراً نحو مزيد من الضبط السياسي لحركة الثقافة والاجتماع.

ولهذا فإذا «كان صاحب الرسالة قد أعطى بعمله الرائد الميلاد الشرعي لعلم الأصول، فقد كاد حتماً أن يعكس ذلك العلم -خاصة في لحظة الميلاد والتأسيس سائر- تلك الهموم الأخلاقية والسياسية التي كانت موضوع تجربة رجل العلم مع دولة الخلافة»[1]،

 

التي كان فيها الفقيه مسيَّراً وحُظر عليه الدخول في شؤون السياسة والحكم إلا من باب تقديم النصائح والوصايا كما يفعل كُتَّاب الآداب السلطانية، ومن جهة أخرى تم اكتساح ميدان تخصصه من قبل رجل السلطة الذي بات يلوي أعناق النصوص في الاتجاه الذي يخدم طموحاته السياسية والاجتماعية ضارباً بعرض الحائط الضوابط العلمية التي توصل إلى استخلاص المعرفة من منابعها الأصلية، ولذلك لم تكن مهمة الشافعي فقط استدراك الفَوَات العلمي والفكري في زمن الانحطاط بقدر ما كان اجتهاده «راجعاً بالأولى إلى هدف أساسي وملح، هو إنقاذ النص المؤسِّس للشرعية في الإسلام من محاولات الاستغلال والتوظيف التي ظهرت باسم المصلحة أو لأي اعتبار ذاتي آخر، غالباً ما يكون مصدره المالك لقوة السيف وللرقاب»[2].

 

ولقد أدرك رجل السلطة أهمية السلطة العلمية في دعم ومساندة السلطة السياسية، فعمل على توظيف الفكر الفقهي في إمداد مواقف السلطة بجملة أحكام شرعية في الحقل الأصولي من قبيل مفاهيم: الإجماع، الطاعة والواجب... وليس لكونها محددات لتوجيه سلوك السلطة وتقويمه، بل لكونها معطيات مسلَّم بها فقهيًّا، لكن يتم تنزيلها وفق مناط جديد يحقق مصالح الفئة الحاكمة على حساب مصالح المحكومة، وبالتالي تُفرَّغ من معانيها الأصلية التي تحملها النصوص الشرعية، لِتُضاف إليها غايات جديدة من اجتهاد مَنْ نصبه الفقهاء حامياً للملة والدين وساهراً على وحدة الأمة والجماعة.

فباتت مُهمة إعادة صياغة هذه المفاهيم صياغة علمية مضبوضة حاجة ملحة للحفاظ على التوازنات السياسية داخل الدولة بين الأمة ومختلف المؤسسات الفاعلة داخلها من سلطة وعلماء...، ولعل مفهوم «الإجماع» يشكل أبرز هذه المفاهيم وأكثرها «التصاقاً بمشكل السلطة، ولأنه يشكِّل أقدم مفهوم حاول رجل السياسة الاستئثار به وتأويله لصالحه، منذ عام الجماعة عام انقلاب الخلافة ملكاً عضوضاً»[3].

 

وعلى أساسه تمت التغطية على الانحراف السياسي في الحكم باسم الإجماع السياسي الذي أفرز فيما بعد أوجاعاً إداريةً وسياسيةً أثقلت كاهل العقل السياسي العربي بمجموعة من «الإجماعات» على مستويات عدة: وجوب طاعة الإمام وحرمة الخروج عليه، إجازة ولاية المتغلب، النسب القرشي... وهلم جرّا من الانتكاسات الفقهية التي قدَّمت خدمة علمية للسلطة السياسية التي ما كان لها أن تستمر نظراً لقهريتها لولا استدعاء الشريعة والعقيدة في الظروف العصيبة.

وتفادياً لمثل هذا الاستغلال، عمد الكثير من الأصوليين كابن حزم وابن رشد الحفيد والشاطبي إلى تقنين مفهوم الإجماع ورسم حدوده ومجالاته. وقبلهم أرْسى الشافعي الأسس العلمية التي ينبني عليها هذا المصدر الجديد وذلك ليقطع الطريق على الإجماع السياسي الذي تُروِّج له السلطة، ولتعزيز نفوذ العلماء في تنظيم المجتمع، إلا أن جهود الشافعي لم تبلغ بالإجماع سقف المواجهة الحقيقة لإكراهات الواقع الذي لم يشهد ظروفاً ملائمةً لتفعيله «فظل الإجماع سلطة تقديرية لم تتحقق، ولم يتولَّد إجماع على أكثر من ضرورات الدين التي اتفق عليها المسلمون الأوائل»[4]،

 

كما أن هذا المفهوم انحصر في النقاش النظري العالي واستأثر به خاصة الخاصة من العلماء، فلم يعدُّوا رأي المقلدين والعوام والمبتدعة داخلاً في مدلولاته، فلا إجماع إلا إجماع النخبة الفكرية التي تتمتع بالقدرة على الاجتهاد واستنباط الأحكام، وكل من لا تتوافر فيه هذه الشروط العلمية لا أثر له في تزكية هذا الإجماع أو نقضه، وبذلك انتقلت عصمة الأمة من الخطأ إلى عصمة مجتهديها فقط، فتم تقزيم الأبعاد الكبرى للإجماع واقتصر مدلوله على البعد المعرفي الأكاديمي فحسب، ولو أخذ هذا المفهوم «بدلالته السياسية التي غابت عن ذهن الفقيه زمن التأسيس، لتحولت حجية إجماع الأمة إلى آلية انتظام اجتماعي تحفظ تماسك المجتمع وتمنعه من التقطع والانقسام، وإلى حق عام في تقرير مسائل الحياة العامة والمصالح والقضايا المصيرية التي لا تتطلب توافقاً معرفيًّا، بل تتطلب توافق إرادات وتقاطع ميول واشتراك أهواء»[5].

 

 إلا أن غياب هذه الرؤية عطَّل الأهداف التي كان من الممكن أن يحققها الإجماع وأبطل مفعوله الأساسي؛ فارتد إلى درجات دُنيا من إجماع الأمة إلى إجماع مجتهديها إلى إجماع علماء المذهب إلى إجماع أهل فرقة عقدية ما، ولذلك «كان الخوارج يرفضون القول بحجية الإجماع، باعتباره في النهاية إجماع أهل السنة والجماعة»[6].

 

وهكذا فشل هذا المفهوم في ترسيخ سلطة العلماء، وفي كبح تصرفات رجل السلطة الذي أوجَبَ طاعته في المنشط والمكره وفي المعروف والمنكر، وهذا اختلال آخر في المفاهيم تنبَّه الفكر الأصولي إلى خطورته الميدانية، مما دعا علماء الأصول إلى ضبطه بما يراعي مصلحة الشرع ومصلحة الأمة، ويحدد التزامات كل من الأمة والإمام في شكل تعاقدي يضمن حقوق كل منهما، وخصوصاً أن هناك مجموعة من النصوص توحي بإلزامية الطاعة للإمام قد يفهم منها الإطلاق في الطاعة للإمام، ولهذا الأصوليون لما «وقفوا عند آية أولي الأمر...[7]

 

قد اعتبروا تبيين دلالتها دخولاً إلى المشكل السياسي من بابه الواسع من حيث اعتبارهم ذلك فرصة لتأكيد سلطتهم المعرفية، وهو تأكيد حمل القاضي ابن العربي المعافري (543هـ) على الاعتقاد بأن أُمراء وحكَّام صدر الإسلام كانوا رجال علم بقدر ما كانوا رجال سياسة ودولة»[8].

 

ومن جهة أخرى لاحظ الأصوليون أن طاعة الحكَّام (أولي الأمر) واجبة بعد ثبوت طاعة الله ورسوله، بمعنى أن الحاكم الذي لا يطيعهما لا يستحق سمعاً ولا طاعة، بل يجب عصيانه لأن في طاعته انخراماً للشريعة وافتئاتاً عليها وتزكية للظلم والفساد، وهذا ما جعل الإمام الزمخشري (ت538هـ) عند تفسيره للآية السابقة ينفي الطاعة للظلمة والمتجبرين لأنهم «لا يؤدون أمانة، ولا يحكمون بعدل، ولا يردون شيئاً إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله.. وأحق أسمائهم اللصوص المتغلبة»[9]

 

، وهذا الموقف يعد ثورة فكرية واجتماعية على جور السلاطين، في

واقع عرف فوضى سياسية صارت الغلبة والقهر والشوكة العناصر الحاسمة في تنصيبهم ولم تعد البيعة تنهض بمهمة انتخابهم، كما عرف استهتار الأمراء بحق الأمة في استخلاف من تشاء على شؤونها، وبالالتزام بمقتضيات الإمامة من حفظ حقوق الرعية وإقامة العدل، وذلك ما ساهم في ظهور فتاوى نظَّر لها العقل الأصولي تبيح الخروج على الإمام بعدما كان ذلك محظوراً بفتاوى المحدثين والفقهاء، وهذا الأصولي فخر الدين الرازي (ت604هـ) يعلن أن الطاعة إنما تجب فيما «عُلم بالدين أنه حق وصواب... أما طاعة الأمراء والسلاطين [اليوم] فغير واجبة قطعاً، بل الأكثر أنها تكون محرمة، لأنهم لا يأمرون إلا بالظلم!»10]

 

وأي ظلم أن يجعل الإنسان نفسه فوق المساءلة والمحاسبة، فلا يرى للناس إلا ما يراه، وإذا استُفسر في ذلك أو أُنْكِر عليه أخذته العزة بالإثم[11]،

 فينتقم لرأيه لا لشيء إلا لتبقى كلمته هي العليا وحتى لا يقول الناس

 

أخطأ أمير المؤمنين. ولهذا المعنى أبدى بعض الأصوليين شيئاً من اللين في الطاعة للإمام المتجبر «لا لكونه آمراً بل لدفع مفسدةِ ما يهدده به [أي المطيع] من قتل أو قطع أو جناية على بضع...»[12].

 

وهذا استثناء له ما يبرره وإلا فإن الأصل لدى الأصوليين هو أن الطاعة مشروطة باتباع الكتاب والسنة، وذلك بطاعة الله ورسوله كما تقدم في الآية: 58 من سورة النساء، وكل أمر أو رأي خارج عن هذا الشرط فلا قيمة له من الوجهة الشرعية، وبالتالي فلا طاعة فيه ولو كان مصدره السلطان. وذلك ما دفع الشافعي عند وقوفه على الآية إلى أن يستدرك على القائلين بوجوب الطاعة المطلقة بقوله: «لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناة فيما لهم وعليهم...»[13]،

 

وهنا التفاتة قوية من صاحب الرسالة إلى ما ساد في المجتمع من نصائح الكتَّاب للسلاطين بالاجتهاد في الدين وإلزام الناس بآرائهم وأقوالهم بما يرونه دليلاً قويًّا وحقًّا ناصِعاً، وهذا الانحراف الفكري هو عين ما جعل الشافعي يُقنِّن الرأي في الدين حتى لا يصير مجرد هوى واستبداد في التشريع، ومن هنا نفهم موقفه من «الاستحسان» الذي لا يراه إلا ضرباً من «التحليل والتحريم» الذي يختص بهما الله دون غيره، إلا أنه ومع ذلك فالشافعي لما يقول: «من استحسن فقد شرَّع»[14] ف

 

فهو لا يقصد بذلك منع إبداء الرأي أو الاجتهاد في الدين، فقد ثبت لدى الأصوليين أن الرأي المذموم في الدين هو الرأي العاري من الدليل أو الذي ينبع فقط من التلذذ والتشهي والهوى، وإلا فإن القرآن الكريم مليء بالمجملات والعمومات التي لا يمكن فهمها ولا إدراك معانيها إلا بإعمال الفكر وتقليب النظر فيها بالضوابط العلمية التي وضعها المتخصصون.

ومن جهة أخرى يجب ربط موقف الشافعي هذا بالواقع السياسي الذي عرف استبداد الحكام بالتشريع دون مشورة العلماء، ولذلك أورد الشافعي حديثاً عن شيخه مالك بن أنس «أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله ينهى عن مثل هذا، فقال معاوية: ما أرى بهذا بأساً. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية! أُخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض!»[15].

 

إن مكمن الخطورة في هذه الواقعة أن مُصدِّر الرأي فيها ليس شخصاً عاديًّا يؤخذ من قوله ويترك، إنما يتعلق الأمر بالرجل الأول في الدولة وهو الخليفة، ويزيده خطورة أنه رأي يتعلق بالتشريع الاقتصادي الذي أبدى فيه الخليفة رأياً مخالفاً لما كان عليه العمل في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ويظهر من النص أن رأيه لم يكن صادراً عن علم أو أَثَرَ، بقدر ما كان نابعاً من موقف شخصي. ولذلك لم يتردد الشافعي في التصريح بأنه «لا يجوز أن يقال لقولٍ فرض إلا لكتاب الله ثم لسنة رسوله... ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله!»[16].

 

وهذا هو عين ما يفعله السلاطين إذ يستحسنون أشياء فيعدُّونها مما يرمي إليه الشرع، وقد يسمونها أسماءً دينية لإيهام الناس أنها حق يلزم اتِّباعه، ومن ذلك ما كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يهدف إليه من رغبته في فرض كتاب الموطأ على الناس وتعليقه على جدران الكعبة لتوحيد الفقه والفتوى والقضاء، وفي الوقت نفسه لاستيعاب العراقيين وأهل الرأي بفقه أهل المدينة الذي ترعاه المركزية السياسية، لتكتمل لها السيطرة على الجزيرة العربية ونواحيها، ولتدجين المعارضة فكريًّا قبل أن تُحْتوى سياسيًّا.

ولقد تنبه الإمام الشاطبي فيما بعد إلى أفعال هؤلاء السلاطين ولم يفُته أن يدرجها في نظريته الجديدة في تحديد مفهوم البدعة[17]،

 

 فقد كان يسعى إلى نقد سلوكات المتصوفة الذين يكثرون من الوسائط بين العباد ورب العباد، وسلوكات السلاطين الذين يبتدعون في السياسة ما لم تشهد له النصوص بقدر ما تشهد له السيوف. وفي هذا الصدد حمل على من يزعم «أن خاتم الذهب جائز لذوي السلطان، أو يقول: إن الحرير جائز لهم لبسه دون غيرهم...»[18]. و

 

قد يكون وراء هذه الفتوى بعض وعاظ السلاطين يتقدمون بها إلى القصور زلفى. ومن ناحية أخرى استنكر «استحلال القتل باسم الإرهاب الذي يسميه ولاة الظلم سياسة وأبهة الملك ونحو ذلك، فظاهر أيضاً، وهو نوع من أنواع شريعة القتل المخترعة»[19]،

 

وهذا النوع من التعزير اعتبره الشاطبي بدعة سياسية لم يقم دليل على مشروعيته وإنما استحدثه السلاطين وزيَّنته لهم أنفسهم.

ولقد استشهد في ذلك بالنموذج المغربي مشخصاً في مؤسس الدولة الموحدية «محمد بن تومرت» الذي ادَّعى لنفسه العصمة، وابتكر أموراً جديدة في العقيدة دوَّنها في كتابه «التوحيد» وألزم الناس بقراءته وحفظه لأنه أساس العقيدة الموحدية[20]،

 

وبالإضافة إلى هذه البدعة الدينية كانت لابن تومرت بدع سياسية أخرى تتعلق بتأديب المخالفين لأموره ومُعتقداته بالقتل، حتى «كان أكثر تأديبه القتل»[21].

 

 وهذا النقد السياسي من الشاطبي لسلوكات السلاطين هو جوهر ما تميز به في تنظيره لمفهوم البدعة، فلم يكن كغيره ممن سبقه منهمكاً في تتبُّع «بدَع القبور»، بقدر ما كان منشغلاً كذلك برصد «بدع القُصور» التي انتشرت في الأندلس وفي غيره من البُلدان، وبتزكية من فقهاء السلطة أحياناً.

ويمثل الشاطبي لذلك بالفقيه «محمد ابن لبابة» الذي يتحايل على الشريعة لتفويت أوقاف عمومية لصالح الخليفة الناصر الذي تعلقت نفسه بها[22]،

 

مقدِّماً بذلك مصلحة الخاصة على مصلحة العامة ولو على سبيل التحريف للدين والتوظيف السياسي لمقاصده التي كانت لب المشروع الفكري للشاطبي من خلال «الموافقات» و«الاعتصام»، وعلى أساسها أبدع في مقاربة مفهوم البدعة، فلم يخلطها بالمصالح المرسلة، كما لم يجرها على جانب العادات، ورفض تقسيمها وفق الأحكام الخمسة المعروفة.

وخلاصة لكل ما سبق، يظهر الخطاب الأصولي منشغلاً بالتصدي لمشكلة «التباس المفاهيم» التي اصطبغت بألوان السلطة والقهر في زمن يعاني أزمة أفول السلطة العلمية، ليأتي الأصوليون لإعادة بناء تلك المفاهيم على أساس ضوابط اللغة والمقاصد، وتشكل تجربة الشافعي الإرهاصات الأولى لهذه الصحوة الفكرية من خلال مؤلفه «الرسالة»، إلا أن هذا المجهود توقف مفعوله بعد أن طغى عليه التقليد والجمود فلم ينهض من جديد إلا بعد مجيء الشاطبي في إبداعه المقاصدي في «الموافقات»، فساهم في عقلنة الفكر الأصولي على أساس من القطع واليقين. كل ذلك لم يتحقق لولا الوعي السياسي للمثقف الأصولي ذي التوجهات الكلامية في وقت عرف فيه الفقه إحباطات متكررة واحتكرت فيه السلطة الإشراف على شؤون الدولة والدين.

 



[1]* باحـث من المـغرب.

 د. عبد المجيد الصغير: الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام: قراءة في نشأة علم الأصول ومقاصد الشريعة، دار المنتخب العربي بيروت ط1/ 1994، ص 158.

[2] نفسه، ص 191.

 

[3] نفسه، ص 214.

 

[4] وجيه قانصو: تكوُّن الفكرة السياسية في التاريخ الإسلامي، مجلة المنطلق الجديد العدد 2 شتاء - ربيع 2001، ص40.

 

[5] نفسه ص 43.

 

[6]

المستشار عبد الجواد ياسين: السلطة في الإسلام: العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1/ 1998، ص: 83.

 

[7] هي الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ...} النساء: 59.

 

[8] الفكر الأصولي، المرجع السابق، ص: 211.

 

[9]

أبو القاسم جار الله الزمخشري: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،  دار المعرفة بيروت، من دون رقم الطبعة ولا تاريخها، ج1 ص: 536.

 

[10] فخر الدين الرازي: تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، المجلد 5 الجزء 10، دار الفكر، ص: 150.

 

[11]

حذّر عبد الملك بن مروان الناس من أن يقول له أحد بعد حكمه: اتقِ الله، وإلا قطع رأسه! وقد كان يلقب بحمامة المسجد إلا أنه لما ولي الحكم خاطب المصحف بقوله: هذا فراق بيني وبينك!

 

[12]

العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار الكتب العلمية بيروت، ج2، ص: 134. وموقف سلطان العلماء هنا من طاعة الطغاة نابعٌ من تقدير الضرورة التي تدفع بها المفسدة التي تُلْحِقُها السلطة بالناس، وهذا التكييف طغى على تحديد العلماء لمفهوم الضرورة، فابن العربي مثلاً يحدد الاضطرار «إما بإكراه من ظالم، أو بجوع في مخمصة، أو بفقر لا يجد فيه غيره» ينظر: أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الفكر، المجلد 1، ص: 55. وتبعه في ذلك القرطبي مرجِّحاً أن إكراه المظالم أولى صورتي الاضطرار والضرورة، ينظر: الجامع لأحكام القرآن، المجلد 1، دار الفكر، الطبعة 2، ص: 225.

 

[13]

محمد بن إدريس الشافعي: الرسالة، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، من دون ناشر ولا رقم وتاريخ الطبعة، الفقرة: 259 إلى 263، ص: 79-80.

 

[14]

الحنفية أكثر المذاهب قولاً بالاستحسان، وقد قال أبو الحسن الشيباني عن شيخه أبو حنيفة: «كان أصحابه ينازعونه ويعارضونه بالمقاييس فينتصفون منه، فإذا قال: أستحسن؛ لم يلحقه واحد منهم لكثرة ما يورد من الاستحسان من المسائل».

 

[15]

الرسالة، المرجع السابق، الفقرة: 1228، ص 446. قال المحدث والمحقق أحمد شاكر: والحديث صحيح ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي...

 

[16] نفسه، الفقرة: 255 إلى 257، ص 78-79.

 

[17]

انتقد الشاطبي التقسيم الخماسي للبدعة عند الفقهاء ووصف كلامهم حولها أنه «مغفل جدًّا، إلا من النقل الجلي...! لا يشفي الغليل» ينظر: الاعتصام، وفيه تعريف العلامة المدقق السيد رشيد رضا، ج2 دار المعرفة بيروت،  ص 117ـ 118.  وقدَّم تعريفاً جديداً لها مفاده أنها كل «طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يُقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية» الاعتصام، ج1 ص 37.

 

[18] المرجع السابق، ج2ص 82.

 

[19] نفسه، ج2 ص 90.

 

[20]

ذكر ابن تيمية أن ابن تومرت «صعد إلى جبال المغرب إلى قوم من البربر وغيرهم جهال لا يعرفون من دين الله إلا ما شاء [...] واستحل دماء ألوف مؤلفة من أهل المغرب المالكية [...] فزعم أنهم مشبهة [...] واستحل أيضاً أموالهم وغير ذلك من المحرمات...» مجموع  الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد النجدي، المجلد 11 طبع بأمر من فهد بن عبد العزيز، الطبعة 1، 1398هـ ، ص 476 إلى 487.

 

[21] الاعتصام، ج2، ص 91.

 

[22] تنظر القصة في: الاعتصام، ص: 177 - 178.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة