تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

قراءات في أصول التفسير

علي بن مبارك

 

محمد الطّاهر بن عاشور[1] ومحمد حسين الطباطبائي[2] نموذجين

*

مقدّمة

تكمن أهمية البحث في أصول التفسير[3] فيما يوفّره من آليات تيسّر فهم تمثّل المفسّرين لدلالة القرآن وتبيّن المرجعيات الثقافية التي اعتمدوها. ويندرج هذا البحث ضمن مبحث أعمّ يتعلّق بعلم التفسير بما هو علم من علوم القرآن، بل لعلّه أهمّها؛ لأنّه يحتوي بطريقة أو أخرى بقية العلوم فكلّها تسخّر لتفسير القرآن واستنطاق معانيه، رغم أهمية هذا العلم فإنّنا لا نجد عدداً كبيراً من المؤلّفات التي عالجته[4] قديماً وحديثاً مقارنة ببقية العلوم القرآنية من قبيل القراءات[5] وأسباب النزول[6] والناسخ والمنسوخ وغيرها...

ولئن اهتمّ علم التفسير بعدّة معارف فإنّنا سنهتمّ في هذا العمل أساسا بـ«أصول التفسير» من خلال نموذجين يتعلّق الأوّل بتفسير «التحرير والتنوير» لمحمد الطاهر بن عاشور، ويشمل الثاني تفسير «الميزان» لمحمد حسين الطباطبائي، وسنحاول أن نعتمد في هذا البحث على منهج المقارنة علّنا بذلك نفهم تصوّرات المدرستين السنّية والشيعية الاثني عشرية فيما يتعلّق بأصول التفسير، وجدير بالذكر أنّا سنركّز اهتمامنا على مقدّمتي التفسيرين لما تمثّله مقدّمات التفاسير[7] -منذ القديم- من مادّة ثرية في علم التفسير تنظيراً وتأسيساً. ولعلّ ما يقرّب بين الرّجلين: ابن عاشور والطباطبائي؛ تواجدهما في مرحلة تاريخية متقاربة، وانتشار تفسيريهما بصفة ملحوظة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي في طبعات ورقية ونشرات رقمية[8] متعدّدة لا تكاد تحصى، واضطلاعهما بمهمّة الاجتهاد. وهذا يعني أنّ دراسة الأثرين قد تقرّب في وجهات نظر مجموعتين دينيتين باعد بينهما المخيال وفرّق بينهما الجهل والتجاهل والتجهيل. وقبل أن نتعرف على مختلف أصول التفسير المعتمدة في كلا التفسيرية لا بدّ أن نتناول رؤية كلّ من ابن عاشور والطباطبائي لإشكالية «أصول التفسير».

أوّلاً: التصوّرات: قراءة في المقاربات

نقصد بأصول التفسير ما يجب على المفسّر أن يتقيّد بها ولا يتعدّاها إذ «لا يجوز تفسير القرآن بمجرّد الرأي والاجتهاد من غير أصل»[9] على حدّ تعبير بدر الدّين الزركشي في كتابه «البرهان في علوم القرآن». ويثير هذا التعريف المبدئي عدّة إشكاليات: فكيف تضبط هذه الأصول؟ وما هي أصنافها ومراتبها؟ وكيف نميّز بين الأساسيّ منها والفرعيّ؟ وما هي انعكاسات هذه التصوّرات المتعلّقة بأصول التفسير على فهم النصّ وتأويله والاختلاف في تفسيره؟

لقد تناول محمّد الطّاهر بن عاشور مسألة أصول التفسير من خلال ثنائية «القديم» و«الجديد» فطرح إشكالية تقليد القدامى في تفاسيرهم أصولاً ومناهج، ورأى أنّ «الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضر كثير، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده»[10]، والملاحظ أن صاحب «التحرير والتنوير» أظهر منزعاً في التجديد من خلال الدعوة إلى تحرير الفكر الإسلامي من أسر تراكمات عصور الاتِّباع والتقليد إذ أُغلق باب الاجتهاد وأصبح كلام الرّجال مفسّرين وأصوليين ومحدّثين قطعيّ الدلالة لا يقبل الشكّ أو الطعن، والحال أنّ «التفاسير وإن كانت كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق بحيث لا حظّ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل»[11]، ونفهم من هذا الرأي أنّ ابن عاشور أدرك أهمية نقد القدامى -نقداً بنّاءً- في تقدّم الفكر الإسلامي عامّة وتفسير القرآن بصفة أخصّ لذلك سنجده في مواضع مختلفة من تفسيره يشكك في بعض مواقف القدامى أو يقترح تعديلاً في مفهوم تفسيريّ أجمع عليه السابقون أو كادوا، وفي هذا الإطار يندرج احترازه من اصطلاح «علم التفسير» ذاته، وآية ذلك أنّ «العلم إما تصور وإما تصديق، وإما أن يراد به الملكة المسماة بالعقل وإما أن يراد به التصديق الجازم وهو مقابل الجهل، وهذا غير مراد في عد العلوم، وإما أن يراد بالعلم المسائل المعلومات وهي مطلوبات خبرية يبرهن عليها في ذلك العلم وهي قضايا كلية، ومباحث هذا العلم ليست بقضايا يبرهن عليها فما هي بكلية، بل هي تصورات جزئية غالباً؛ لأنه تفسير ألفاظ أو استنباط معانٍ»[12].

ويبدو أنّ ابن عاشور لم يكن مقتنعاً بتصنيف القدامى[13] ومن تبعهم من المحدثين[14] لأصول التفسير اعتماداً على سلّم تفاضليّ تراتبيّ يقدّم فيه السّابق على اللاّحق، وكأنّ القدامى أعرف بالضرورة بمعاني القرآن ممّن جاء بعدهم. والحال أنّ النصّ القرآني منفتح من حيث دلالاته على كلّ العصور وكلّ يفهمه بحسب رهانات عصره ومتطلّبات التاريخ، وينعكس موقف ابن عاشور النقدي المتعلّق بمقولة أعلمية القدامى وأفضليتهم في مجال المعارف التفسيرية على أدائه التفسيري؛ إذ نادراً ما نجده يعتمد حديثاً مأثوراً عن الرسول أو يحيل على نصّ مرويّ عن صحابيّ أو تابعيّ، بل يحاول قصارى جهده أن يفسّر الآية من خلال بنيتها اللغوية وأساليبها البلاغية، ولعلّ ابن عاشور أراد من خلال هذا الموقف النقديّ الجريء لسلطة القدامى الدينية وهيمنة مرجعية السلف[15] أن يذكّر بأصوات[16] نادت في مراحل مختلفة من تاريخ الحضارة الإسلاميّة بتحرير الفكر وتنوير عقول المسلمين الملتزمين به وتجاوز وصاية القدامى على النصّ.

وفي إطار هذا المنزع التجديدي اقترح ابن عاشور في مقدمة تفسيره «التحرير والتنوير» ترتيباً جديداً لموارد التفسير ومآخذه[17] بعيداً عن ثنائية الأصول والفروع القائمة على ترتيب تفاضليّ، بل قد تأخذ عنده بعض «الفروع» أهمية «الأصول» أو تتجاوزها. ولقد انطلق صاحب «التحرير والتنوير» من بديهية مفادها أنّ المفسّر يحتاج في تفسيره إلى مجموعة من المعطيات لا تخضع عنده إلى سلّم أولويات كما ضبطها علماء القرآن في باب شروط المفسّر العلمية[18]، بل هو يستأنس بها على سبيل «الاستمداد» ولذلك عنون مقدّمته الثانية «في استمداد علم التفسير»، فعرّف الاستمداد قائلاً: «استمداد العلم يراد به توقفه على معلومات سابق وجودها على وجود ذلك العلم عند مدونيه لتكون عوناً لهم على إتقان تدوين ذلك العلم، وسمي ذلك في الاصطلاح بالاستمداد عن تشبيه احتياج العلم لتلك المعلومات بطلب المدد، والمدد العون والغوث»[19]، وبهذا المعنى يكاد مصطلح الاستمداد يتماثل مع علم التفسير ذاته لأنّه آلة المفسّر عند تفسيره. وفي هذا الإطار يدقّق ابن عاشور مقصده بالاستمداد فهو عنده «علم التفسير للمفسر العربي والمولد، من المجموع الملتئم من علم العربية وعلم الآثار، ومن أخبار العرب وأصول الفقه قيل وعلم الكلام وعلم القراءات»[20] وإذا علمنا أنّه «ليس كل ما يذكر في العلم معدوداً من مدده، بل مدده ما يتوقف عليه تقوّمه»[21] تبيّن لنا أهميّة تركيز ابن عاشور أساساً على علم العربية وعلم الآثار وأخبار العرب وأصول الفقه وعلم الكلام وعلم القراءات، وسنتعمّق فيها لاحقاً عندما نتعرّض إلى موارده في التفسير.

ولئن بدا ابن عاشور نازعاً إلى التجديد والتأسيس في الآن ذاته في فضاء حضاريّ ندر فيه التأسيس لعلم التفسير، فإنّ الطباطبائي استفاد من تراث شيعيّ فارسيّ[22] ثريّ في مجال التفسير فكان مستوعباً لمقولات سابقيه مستفيداً من اجتهاداتهم، وبنا تصوّره على التمييز بين أصول التفسير والتفسير ذاته، فأقوال الرسول والأئمة «المعصومين» من بعده لا يندرج ضمن موارد التفسير بل هي تجليات للوحي في مفهومه العام وتفسير له في الآن ذاته، وعلى هذا الأساس تناول صاحب «تفسير الميزان» المسألة على ضوء تمثّله -ومن ورائه التمثّل الشيعي الاثني عشري- لطبقات المفسّرين، فاكتفى في مقدّمة «الميزان» بذكر الطبقة الأولى[23] وهي طبقة الرّيادة من حيث الأهمية ومن حيث الأسبقية الزمنية فصرّح «وقد كانت الطبقة الاولى من مفسري المسلمين جماعة من الصحابة (والمراد بهم غير علي (عليه السلام)، فإن له وللأئمة من ولده نبأ آخر سنتعرض له)»[24]، وهكذا نلاحظ أن الطباطبائي يؤسّس تصوّره كما هو حال بقية التفاسير الشيعية على ضرورة تمييز «الإمامة» عن «الصحبة» ولذلك استثنى عليًّا من هذه الطبقة لأنّ أقواله في معاني القرآن لا تصنّف ضمن اجتهادات الصحابة في فهم النصّ، بل هي وجه من وجوه الوحي وتواصل لعصمة النبيّ في مادة فهم القرآن وإفهامه ولذلك تجنّب الطباطبائي في كتابه «القرآن في الإسلام» تصنيف علي وأبناءه وأحفاده من أئمة أهل البيت ضمن الطبقة الأولى من طبقات المفسرين[25] في المنظومة الشيعية.

ثانياً: موارد التفسير بين ابن عاشور والطباطبائي

1- القرآن

يتفق كلّ من ابن عاشور الطباطبائي في تفسيريهما على نجاعة تفسير القرآن بالقرآن ويعتمد كلّ منهما في طرحه على تراث فكري مخصوص، وهذا الاتفاق يستجيب لمنزع معرفي ديني ظهرت بموجبه -قديماً وحديثاً- عدّة كتب باركت منهج «تفسير القرآن بالقرآن»[26]. ولقد أعلن صاحب «الميزان» منذ مقدّمة تفسيره أنّ القرآن قادر من حيث بنيته ومعانيه أن يفسّر نفسه بنفسه وعلى هذا الأساس ليس من المنطقي أن يكون «الذي يعرف نفسه بأنه (هدى للعالمين ونور مبين وتبيان لكل شيء) مهديًّا إليه بغيره ومستنيراً بغيره ومبينا بغيره»[27]، وحجّته في ذلك أنّ لغة القرآن سهلة الفهم وكلامه «عربي مبين لا يتوقف في فهمه عربي ولا غيره ممن هو عارف باللّغة وأساليب الكلام العربي»[28]، و «وليس بين آيات القرآن (وهي بضع آلاف آية) آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها بحيث يتحير الذهن في فهم معناها، وكيف! وهو أفصح الكلام ومن شرط الفصاحة خلوّ الكلام عن الإغلاق والتعقيد»[29]، وجدير بالذكر أنّ الطباطبائي حاول تجسيد ما أعلنه في المقدمة على مستوى الأداء التفسيري فوصل بين الآيات بطريقة تلقائية وفسّر عامّ القرآن بخاصّه وذكّر في بعض المواضع التفسيرية بسياقات تفسيرية أخرى وعمل على التقيّد ببنية النصّ القرآني وتراكيبه اللّغوية ومعجمه.

ولقد أدرك ابن عاشور بدوره أهمية المدخل القرآني للقرآن فاستثمر قدر المستطاع علم المناسبات[30] باعتباره علماً من علوم القرآن؛ فتحدّث عن أهميته واجتهد في مواضع مختلفة من تفسيره[31] في شرح آية بأخرى أو الوصل بين آية وآيات أخرى في السّورة ذاتها أو في سور مختلفة على مستوى التركيب أو المعنى أو كليهما ولقد بيّن ابن عاشور من خلال تنظيره وتطبيقه أنّ»ترتيب الآي بعضها عقب بعض توقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلّم حسب نزول الوحي «[32] وكأنّه يخالف بذلك ما ذهب إليه أغلب القدامى عندما قرنوا ترتيب آي القرآن وسوره بجمع[33] عثمان بن عفّان للمصحف، ويرجّح محمد الطاهر بن عاشور أن يكون الجمع والترتيب قد حصل في عهد النبوّة وهذا يعني أنّه «لا شكّ أنّ طوائف من سور القرآن كانت مرتّبة في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلّم على ترتيبها في المصحف الذي بأيدينا اليوم»[34]، ولعلّه من المشروع في هذا المقام التساؤل: هل أنّ دلالات التناسب إلهية قصدها المنزِّل أم بشرية أرادها المدوِّن إن صحّت قصــص التدوين والتجميع؟ وإلى أيّ مدى يمكن تفسير القرآن بالقرآن والحال أنّ النصّ القرآنيّ نصّ صامت لا يتكلّم بل يتكلّم به الرجال على حدّ تعبير علي بن أبي طالب؟ ألا يقرّبنا ذلك من مقولة المحكّمة الأولى «لا حكم إلاّ لله»؟

وفي هذا الإطار نبّه منصف بن عبد الجليل[35] إلى أزمة عاشها القدامى (وتتواصل مع أغلب المعاصرين) عندما أعلنوا القرآن أصلاً من أصول التفسير. ورأى ضرورة الفصل بين الوحي والتنزيل[36]؛ لأنّ النصّ القرآني عند تحوّله من المستوى الأوّل إلى المستوى الثّاني يتلبّس بمحيطه الأنثروبولوجي و «هو محيط بلاد العرب وما فيه من تصوّرات ومفاهيم...»[37]. ولذلك اقترنت -حسب رأيه- إشكالية مرجعيّة القرآن بمسألة النسخ» وهي مسألة شائكة تدلّ أدبيّتها على معاناة الفقهاء في فهم نسق النصّ القرآني»[38]. وهذا إن دلّ فهو يدلّ على أنّ «القرآن يبقى في النهاية «نصًّا - مشروعاً تتجدّد أحكامه وتشريعاته في إطار مقاصده الكبرى»[39]. ولئن نبّه الباحث إلى أنّ دلالات الآيات لا يمكن أن تكون قطعية وثابتة، ويستحيل بذلك تفسير القرآن اعتماداً على القرآن ذاته، بل الواقع التاريخي هو المنتج الحقيقي لتلك الدلالات فإنّه لم يدقّق في الفروقات بين «الوحي» و «التنزيل»، والحال أن العلاقة بينهما وطيدة ومتداخلة بل لم يحدّد لنا الدلالات المتعلّقة بكلا المصطلحين وهي دلالات تثير عدّة إشكاليات واختلافات.

2- السنّة

لئن أقرّ محمد الطاهر بن عاشور في تحريره وتنويره بأهمية السنّة أصلاً من أصول التفسير فإنّه لم يعتمدها على مستوى الإجراء التفسيري؛ إذ لم يحل إلاّ على أحاديث قليلة مبثوثة هنا وهناك. ولقد تناول هذه المسألة في إطار حديثه عن «استمداد علم التفسير» في المقدمة الثانية إذ تطرّق إلى الآثار بما هي مصدر من مصادر الاستمداد، وهي عنده «ما نقل عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) من بيان المراد من بعض القرآن في مواضع الأشكال والإجمال»[40]، كما «تشمل الآثار إجماع الأمّة على تفسير معنى كإجماعهم على أنّ المراد من الصلاة في سورة الجمعة هي صلاة الجمعة»[41].

وفي هذا السياق انتقد صاحب «التحرير والتنوير» دعاة الاكتفاء بالتفسير بالمأثور[42] فبيّن أنّ «الذين جمدوا على القول بأنّ تفسير القرآن يجب ألَّا يعدو ما هو مأثور فهم رووا هذه الكلمة على عواهنها ولم يضبطوا مرادهم من المأثور عمّن يؤثر. فإن أرادوا به ما رُوي عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) من تفسير بعض الآيات إن كان مرويًّا بسند مقبول من صحيح أو حسن، فإذا التزموا هذا الظنّ بهم فقد ضيّقوا سعة معاني القرآن وينابيع ما يستنبط من علومه، وناقضوا أنفسهم فيما دوّنوه من التفاسير، وغلّطوا سلفهم فيما تأوّلوه...»[43]. ويبدو أن ابن عاشور كان رافضاً انتهاج المأثور في التفسير؛ فخصّ المقدّمة الثالثة للحديث «في صحة التفسير بغير المأثور»، ودعا من خلاله إلى عدم الاقتصار على التفسير بالمأثور عن النبيّ؛ مستدلاً بحديث عائشة: «ما كان رسول الله يفسّر من كتاب الله إلاّ آيات معدودات علّمه جبريل إيّاهنّ»[44]. والملاحظ أن ابن عاشور لا يشكّك فحسب في صحّة رواية الأحاديث[45] وإن انتمت إلى الصّحاح المعروفة، بل يتجاوز فيتحدّث عن تفسير منفتح على واقعه لا يجترّ ما ذكره السّابقون.

وجدير بالملاحظة أنّ تفسير الميزان عرّج بدوره على مسألة حجّية أقوال النبيّ في مادّة التفسير، ولكنّه شكّك في الروايات المعتمدة لا في الأدبيات السنية فحسب بل كذلك في أمّهات كتب الشيعة؛ لذلك «ذكروا أنّ الروايات لوجود الخليط فيها لا تصلح للاعتماد عليها»[46]، ولذلك لا يمكن -حسب رأيه- الفصل بين السنّة وأقوال الأئمّة فكلامهم امتداد لخطاب النبوّة، واستدلّ على ذلك بعدّة أحاديث وآيات من قبيل حديث الثقلين[47] وآية التطهير[48]، ولكنّه اقتصر على مرويات الشيعة، وإن أظهر عكس ذلك حينما بيّن أنّ «هذا الحديث متّفق عليه بين الفريقين»[49]، والحال أنّ مدوّنات السنّة تذكر أحاديث أخرى تعوّض فيها عترتي بسنّتي، وكان يستحسن ذكرها في هذا المقام. ولكن المشكلة عند الطباطبائي تكمن أساساً في مدى استجابة أحاديث الرسول والأئمّة من بعده لحاجيات المسلمين التفسيرية، والحال أنّ النوازل تتغيّر والقضايا تتجدّد. وما الحاجة إلى نصوص الأئمة إذا كان القرآن واضح المعالم كما أقرّ بذلك الطباطبائي في عدّة مواضع من تفسيره؟ هل يعني ذلك أنّ «الرجوع إلى نصوص أهل البيت -من وجهة نظر الطباطبائي- ينطوي على جنبة تعليمية تربوية في الإرشاد إلى المنهج الحقيقي الصحيح، ولا يحمل على معنى كون القرآن مبهماً في بيان مقاصده العالية، أو أنّ ما فيه لا يكفي لبيان هذه المقاصد بحيث يحتاج لنصوص أهل البيت في الكشف عن غموضه وإبهامه؟»[50].

ولئن انتقد ابن عاشور صراحة التقيّد بالآثار، ودعا إلى تجاوزها في التفسير؛ فإنّ الطباطبائي اقترح حلًّا من داخل المنظومة الشيعية ذاتها دون الحاجة إلى التمرّد على نواميسها، فنبّه إلى أهمية «قاعدة الجري والانطباق»[51] بما هي تقيّد بمعاني ظرفية خاصّة وتهميش لدلالات النصّ المتعدّدة والمنفتحة. ولقد أشار لهذا المعنى الطباطبائي في عدّة مواضع[52] من تفسيره «الميزان»، فبيّن أنّ الجري «(وكثيراً ما نستعمله في هذا الكتاب) اصطلاح مأخوذ من قول أئمة أهل البيت»[53]، واستنتج أنّ ما ذكره من دلالات مضبوطة في تفسيره لبعض الآيات لا يتجاوز مجرّد نقل أخبار الجري، «وفي هذه المعاني روايات أخرى، وهذه الأخبار من قبيل الجري»[54]، وربّما أدرك أن لا فائدة من نقل تلك الأخبار حفاظاً على مبدأ الاجتهاد في التفسير، وهو في المنظومة الشيعية فرض واجب التحقّق. وعلى هذا الأساس صرّح بأنّ «روايات الجري، كثيرة في الأبواب المختلفة... ونحن بعد هذا التنبيه العام نترك إيراد أكثرها في الأبحاث الروائية لخروجها عن الغرض في الكتاب»[55].

وجدير بالذّكر أنّ الطباطبائي فهم مسألة الجري كغيره من علماء الشيعة على ضوء ثنائية «الظاهر والباطن»[56]، وهي ثنائية لا تخصّ المنظومة الشيعية فحسب بل نجدها عند كلّ من اهتمّ بالقرآن وعلومه من المسلمين قديماً وحديثاً[57]. ولقد حاول صاحب تفسير الميزان أن يجمع بين الظاهر والباطن في مشروع تفسيريّ واحد، فالجري عنده لا يحول دون التدبّر واستنباط الدلالات ومواكبة النوازل والمستجدّات، ويمكن أن نجد لهذا الموقف خلفية عقدية مفادها أنّ الله يجمع بين الصّفتين دون حصول تناقض، وهذا ما دفع طيب التزيني إلى استنتاج أنّه «إذا كان الله نفسه هو بتعبيره القرآني الأوّل والآخر والظاهر والباطن فإنّ القرآن الذي هو «كتابه» لا بدّ أن يكون مندرجاً في هذه الثنائيّة، فهو ينظر إلى الأشياء على أنّ لها بواطن تعبّر عن حقائقها الدقيقة، وعلى أنّ لها ظواهر تعبّر عن تجلّياتها الخارجيّة الخادعة»[58].

ومهما اختلفت الرّوايات فكلّها تؤكّد أهمية السنّة في مفهوميها الشيعي والسنّي في استمداد معاني القرآن وفهم دلالاته، ولعلّ ما يؤكّد ذلك وجود تداخل بين علمي التفسير والحديث إذ إنّ علم التفسير لم يكن إلاّ رافداً من روافد علوم الحديث زمن نشأته. وكما يقول محمّد حسين الذّهبي في كتابه «التفسير والمفسّرون» معلّقاً على القدامى: «... لم يكن جمعهم للتفسير على استقلال وانفراد، بل كان جمعاً لباب من أبواب الحديث».

ونستنتج ممّا تقدّم أنّّ الرّجلين يتّفقان على ضرورة الاحتراز من الروايات المتعلّقة بتفاسير الرّسول، والتّعامل معها بنقد وتدبّر، واعتبر الطباطبائي «الدواعي إلى الدس والوضع في المعارف الاعتقادية وقصص الأنبياء والأمم الماضين وأوصاف المبدء والمعاد أكثر وأوفر، ويؤيد ذلك ما بأيدينا من الإسرائيليات وما يحذو حذوها مما أمر الجعل فيها أوضح وأبين»[59].

3- أقوال الصحابة أصلاً من أصول التفسير

أثار علماء القرآن قديماً وحديثاً مسألة حجّية الصحابيّ في تفسير القرآن واعتماده أصلاً ثابتاً من أصوله، ولقد أظهر محمد الطاهر بن عاشور احترازاً من قول سائد في المنظومة السنية مفاده أنّ «كلّ ما أُخِذ عن الصّحابة فحسن متقدّم»[60] على حدّ تعبير ابن عطية، ولقد أكّد صاحب «التحرير والتنوير» في مقدّمته الثالثة استناداً إلى آراء الغزالي والقرطبي أنّه «لا يصح أن يكون كل ما قاله الصحابة في التفسير مسموعاً من النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ لوجهين: أحدهما: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يثبت عنه من التفسير إلا تفسير آيات قليلة وهي ما تقدم عن عائشة. الثاني أنهم اختلفوا في التفسير على وجوه مختلفة لا يمكن الجمع بينها»[61] بل ذهب إلى أنّ «سماع جميعها من رسول الله محال»[62].

ولقد ذهب الطباطبائي بدوره هذا المذهب ولكن من خلفية أخرى تختلف كلّيًّا عن خلفية ابن عاشور، فصاحب الميزان يرى أنّه لا حجّية لأقوال الصحابة في باب تفسير القرآن؛ ولذلك بيّن في كتابه «القرآن في الإسلام» أنّه «لا يمكن اعتبار الأحاديث المنقولة عن الصحابة أحاديث نبوية، كما لا يمكن القول بأنّهم لم يفسّروا مطلقاً برأيهم»[63]، وحجّته في ذلك أنّ «المتدبّر في الأحاديث المسندة يشاهد الأقوال المتناقضة تنسب إلى صحابيّ واحد...»[64]، وعلى هذا الأساس «تعتقد الشيعة أنّ الصّحابة والتّابعين كبقية المسلمين لا حجيّة في أقوالهم إلاّ ما ثبت أنّه حديث نبويّ»[65]، ولا يمكن إثبات الأحاديث إلا من خلال رواية المعصومين له وإقرارهم بصحته، وهذا يعني أن لا حجية في مادة التفسير إلاّ للرسول وأئمة أهل البيت من بعده وعلى رأسهم علي بن أبي طالب الذي تتفّق الأدبيات الشيعية[66] على أنّه أعرف الخلق بمقاصد النصّ بعد الرسول.

ولقد أكّد أغلب علماء الشيعة المعاصرون ومراجعهم هذا الموقف فتساءل محمد باقر الصدر[67] في كتابه «المدرسة القرآنية» عن مدى قدرة الصحابة على فهم القرآن وتفسيره، والحال أنّ الأمّية[68] كانت مهيمنة عليهم والجهل كان يلازمهم. لذلك نجده يقرّ بأنّ «طبيعة الأشياء تدلّ على أنّ الصحابة كانوا يفهمون القرآن فهماً إجماليًّا، وأنّهم لم يكونوا على وجه العموم يفهمونه بصورة تلقائيّة فهماً تفصيليًّا يستوعب مفرداته وتراكيبه»[69]. وكأنّا بباقر الصدر يعكس المعهود فيجعل اللاحق أكثر قدرة على فهم القرآن من السّابق؛ إذ كلّما تقدمنا في الزمن ازداد العقل البشري نضجاً وتعدّدت آلات الفهم.

ولقد أورد الصدر عدّة وقائع تاريخية[70] تؤكّد ما ذهب إليه من عدم فهم الصحابة للقرآن، وخصّص لذلك باباً تحت عنوان «الشواهد على عدم توفّر الفهم التفصيلي» واستنتج ممّا أورد أنّ ما ذكره ليس سوى «أحداث ووقائع كثيرة دلّت على أنّ الصحابة كانوا لا يستوعبون النصّ القرآني ولا يفهمون معناه، إمّا لعدم اطّلاعهم على مدلول الكلمة القرآنية المفردة من ناحية لغوية، أو لعدم وجود استعداد فكري يتيح لهم فهم المدلول الكامل، أو لفصل الجملة أو المقطع القرآني»[71].

ولنا أن ننبّه أنّ كلا الرّجلين ابن عاشور والطباطبائي لم يقفا عند مفهوم الصّحابي، والحال هذا الاصطلاح يثير عدّة إشكاليات: فمن هو الصحابيّ؟ وهل يمكن تقسيم الصحابة إلى أصناف وطبقات؟[72] هل الصحابيّ كلّ من رأى الرسول أو سمع عنه[73] كما بيّن أغلب القدامى من علماء السنّة؟ أم هو فحسب من وقف مع الرّسول وساند عليًّا وأبناءه كما يذهب إلى ذلك أغلب علماء الشيعة؟ ألا يمكن الحديث عن عصمة الصحابيّ تيمّناً بعصمة إمام أهل البيت؟ وما المقصود بالعصمة في فهم النصّ وإفهامه والحال أنّ القرآن نصّ منفتح ذو وجوه دلاليّة متعدّدة ومشروعة يرفض الوصاية وينبذ احتكار معانيه؟ وكيف يمكن التوفيق بين دلالات قطعية أقرّها الصحابة كما هو في المخيال السنّي أو ضبطها المعصومون كما هو الحال في المخيال الشيعيّ الاثني عشري ودعوة القرآن إلى الاستنباط والتدبّر وإعمال العقل والاجتهاد في فهم النصّ بحسب السياقات الثقافية والتاريخية المؤطّرة؟

4- العلوم الإسلامية والتفاسير

اشترط محمد بن عاشور في مقدّمته الثانية مجموعة من المعارف لا بدّ للمفسّر أن يستعين بها في تفسيره، وهي على التوالي: علم العربية، وعلم الآثار، وعلم أخبار العرب، وأصول الفقه، وعلم الكلام، وعلم القراءات. ونلاحظ أن ابن عاشور أهمل عدّة علوم اعتمدها القدامى موارد ضروريّة للتفسير، من ذلك علوم القرآن بصفة عامّة من قبيل «الناسخ والمنسوخ» و«المحكم والمتشابه» و«أسباب النّزول»....واختار من علوم القرآن فحسب «علم القراءات» ورأى أنّه لا يفيد دائماً في عملية التفسير وآية ذلك أنّ «القراءات لا يُحتاج إليها إلاّ في حين الاستدلال بالقراءات على تفسير غيرها»[74]، ويبدو أنّ حجّية علوم القرآن عند ابن عاشور ضعيفة في مادّة التفسير؛ لأنّها تؤثّر في فهم النصّ وتعقّد تأويله وتؤديّ إلى التصنّع والتعسّف على النصّ.

ولئن تعامل ابن عاشور باحتراز مع علوم القرآن وأصول الفقه وعلم الكلام فإنّ الطباطبائي وجّه نقداً لاذعاً لمختلف هذه العلوم وأصحابها، فانتقد المتكلّمين الذين دعتهم «الأقوال المذهبية على اختلافها أن يسيروا في التفسير على ما يوافق مذاهبهم بأخذ ما وافق وتأويل ما خالف، على حسب ما يجوزه قول المذهب»[75] وندّد بالفلاسفة إذ «عرض لهم ما عرض للمتكلمين من المفسرين من الوقوع في ورطة التطبيق وتأويل الآيات المخالفة بظاهرها للمسلمات في فنون الفلسفة بالمعنى الأعم»[76]، ولعلّ ما شدّ انتباهنا أكثر شدّة انتقاده للمتصوّفة فهم عنده «لاشتغالهم بالسير في باطن الخلقة واعتنائهم بشأن الآيات الأنفسية دون عالم الظاهر وآياته الآفاقية، اقتصروا في بحثهم على التأويل»[77]، ولا ندري ماذا يقصد الطباطبائي بالتصوّف في هذا المقام؟ وهل يشمل العرفان بما هو وجه من وجوه الفكر الشيعي؟ وما هو فهمه للتأويل الصوفي «المذموم»؟ كلّ هذه الإشكاليات تبيّن أن الطباطبائي بنا آراءه من التصوّف على مواقف مبدئية تفتقد إلى التعمّق العلمي، والطريف أنّا نجد موقفاً مخالفاً عند ابن عاشور نظرا لوجوده في فضاء حضاريّ مثّل التصوّف فيه عبر السنين جزءاً لا يتجزّأ من هويته وعنواناً أساسيًّا في ثقافة البلاد ومخيال أهلها. لذلك حاول ابن عاشور في مقدّمة تفسيره أن يعرّف بموقف المتصوّفة من التفسير معتبراً أنّ «ما يتكلم به أهل الإشارات من الصوفية في بعض آيات القرآن من معانٍ لا تجري على ألفاظ القرآن ولكن بتأويل ونحوه، فينبغي أن تعلموا أنهم ما كانوا يدَّعون أن كلامهم في ذلك تفسير للقرآن، بل يعنون أن الآية تصلح للتمثل بها في الغرض المتكلم فيه، وحسبكم في ذلك أنهم سموها إشارات ولم يسموها معاني»[78].

ولا يمكن لنا أن نهمّش الرّافد الصّوفيّ في تفسير التحرير والتنوير وإن بدا في أغلب الأحيان رافداً خفيًّا لا يكاد يدرك ومبعثراً بين أقسام الكتاب لا يكاد يُجمع، ولعلّ من دلالات هذا الحضور توظيف بعض المصطلحات الصوفية الفنية في مواضع مختلفة كما هو حال مصطلح «الذوق»[79] الذي ذكره في عدّة مواضع[80]، وعرّفه قائلاً «والذوق كيفية للنفس بها تدرك الخواص والمزايا التي للكلام البليغ»[81].

وبالإضافة إلى اهتمام المفسّرَيْن الطباطبائي وابن عاشور بالمعارف المتعلّقة بتفسير القرآن فإنّ كليهما حاول توظيف التفاسير السابقة برؤية نقدية مخصوصة، فابن عاشور أحال على أهمّ التفاسير[82] ولكنّه انتقدها ورأى أنّها «وإن كانت كثيرة فإنّك لتجد الكثير منها عالة على كل سابق»[83]؛ ولذلك قلّما اعتمدها في تفسيره، وهذا ما نلاحظه أيضاً عند الطباطبائي، فهو لا يعود إلى تفاسير سابقيه إلاّ عند الضرورة وفي مواضع مضبوطة، لذلك نجد الرّجلين يتّفقان في الاعتناء الكبير باللّغة العربية وعلوم البلاغة؛ لأنّهما أدركا أنّ منهج التفسير اللغوي[84] قد يُغني عن المأثور وما يثيره من إشكاليات كبيرة، وهذا المنهج اعتنى به القدامى[85] والمحدثون على حدّ السّواء، ولقد تنبّه بعض الباحثين إلى هذه الخصوصيات فتحدّث حواس بري عن «المقاييس البلاغية في تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور»[86] كما اهتمّ شبر الفقيه بدراسة قضايا البحث الدلالي في تفسير الميزان للطباطبائي من خلال كتابه «الدلالة القرآنية في فكر محمد حسين الطباطبائي (الميزان نموذجاً)»[87].

نخلص في ختام هذا العمل إلى القول بأنّ دراسة أصول التفسير عند ابن عاشور والطباطبائي من خلال تفسيريهما «التحرير والتنوير» و«الميزان» مكّنتنا من معرفة مقاربة المنظومتين فيما يتعلّق بمصادر التفسير ومآخذه على حدّ عبارة الزركشي. والطريف أنّ هذا المبحث يتقاطع مع مباحث أخرى تتعلّق بشروط المفسر وطبقات المفسّرين ومسألة التأويل وعلاقة النصّ بالتاريخ. ولئن صرّح ابن عاشور بخلفياته التجديدية ومنزعه التحديثي في علم التفسير فإنّ الطباطبائي تجنّب في ميزانه التصريح واكتفى بالتلميح، معوّلاً على التجديد من داخل المنظومة الشيعية ذاتها باعتباره مجتهداً حسب التقليد الشيعي الاثني عشري، فشكّك في حجية المرويات التفسيرية دون أن يمسّ بحجّية أصول الشيعة التفسيرية المتمثّلة في عصمة النبيّ وأئمة أهل البيت من بعده.

والملاحظ أنّ هذا المنزع التجديدي على محدوديته جلب لكلّ من المفسّرَيْن انتقاد المنتقدين من أبناء المؤسّسة الدينية التقليدية، فابن عاشور لم يلق اهتمام علماء الزيتونة ولم يتواصل معهم معرفيًّا وثقافيًّا بل لعلّه تأثر سلباً بسائدهم الثقافي، فلم يتقدّم بمشروعه التنويريّ ولم يفِ في تفسيره بما أعلنه في المقدّمة من أفكار جريئة وإرهاصات تجديدية خطيرة، وبالإضافة إلى ذلك لم يواصل أحد من تلاميذه مشروعه فكان تفسيره «التحرير والتنوير» حدثاً استثنائيًّا في تاريخ الثقافة بتونس؛ نظراً لعدم وجود تفاسير أخرى متاحة للقرّاء إذا استثنينا ما جمعه تلاميذ ابن عرفة من شتات تفسيره وتفسير الصفاقسي[88]. أمّا الطباطبائي فقد انتقده بعض علماء الحوزة واتهموه بالخروج عن منهج أهل البيت؛ لجرأة بعض مواقفه خاصّة بعد صدور محاورته الشهيرة مع المستشرق الفرنسي كوربان (Henry Corbin ت 1978)[89]. ولكنّه رغم ذلك أثّر فيمن جاء بعده بداية من الشيرازي[90] وصولاً إلى التسخيري[91].

ولنا أن ننبّه إلى وجود مفارقة تجمع وتفصل بين التفسيرين في الآن ذاته، فتفسير «التحرير والتنوير» على أهمّيته لم يلق اهتماماً كبيراً من قبل المسلمين من أهل السنّة بالأساس، ولعلّ ندرة ما كُتب عنه من مقالات وبحوث وكتب خير دليل على ذلك، وفي المقابل يحضى تفسير «الميزان» باهتمام كبير من قبل المسلمين بصفة عامّة والشيعة بصفة أخصّ، ولعلّ هذا ما يفسّر كثرة ما أُلّف من بحوث تناولته بالدراسة والتحليل والنقد، ولعلّ هذه المفارقة تعود أساساً إلى هيمنة ثقافة تقليد الميّت في المجتمعات السنية وحرمة ذلك في التقليد الشيعيّ، فالشيعة لا يجيزون تقليد الميّت مطلقاً إلاّ ابتداءً وعلى هذا الأساس تصبح التفاسير القديمة لا أهمية لها أمام اجتهاد المعاصرين في تأوّل النصّ، وفي المقابل مازالت التفاسير القديمة تلقى في التقليد السنّي اهتماماً مخصوصاً من قبل العلماء والمقلّدين على حدّ سواء، ولعلّ ما طرحه ابن عاشور من منزع تجديديّ يدفعنا إلى إعادة النّظر في التفاسير بصفة عامّة والقديمة منها بصفة أخصّ، ممّا قد يساعدنا على الإجابة عن سؤال خطير طرحه من قبلنا أحد الباحثين التونسيين نصّه: «ما الحاجة إلى تفسير جديد للقرآن؟»[92].

 



[1]* كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس.

 محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور الشهير بالطاهر بن عاشور، ولد بتونس سنة 1296هـ/ 1879م، حفظ الطاهر القرآن الكريم، وتعلم اللغة الفرنسية، والتحق بجامع الزيتونة سنة 1310هـ/ 1892م، تخرج من هذه المؤسّسة التعليمية سنة 1317هـ/ 1896م والتحق بسلك التدريس في هذا الجامع العريق، اختير ابن عاشور في لجنة إصلاح التعليم الأولى بالزيتونة في سنة 1328هـ/ 1910م، وكذلك في لجنة الإصلاح الثانية 1342هـ/ 1924م، ثم اختير شيخاً لجامع الزيتونة في 1351 هـ/ 1932م، ثمّ أعيد تعيينه شيخاً لجامع الزيتونة سنة 1364هـ/ 1945م. من أهمّ كتبه «مقاصد الشريعة»، توفي في 13 من رجب 1393هـ / 12 أوت 1973م.

[2] ولد محمد حسين الطباطبائي سنة 1321 هـ/ 1903م، في مدينة تبريز بإيران، هاجر إلى النجف سنة 1343هـ/ 1924م لإكمال دراسته الحوزوية حيث نال درجة الاجتهاد، كتب باللّغتين العربية والفارسية في عدّة علوم وفنون. من أهمّ كتبه: «قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم « و«الرسائل السبع في أُصول المعارف»، توفّي سنة 1402هـ/ 1982م.

[3] لقد حاول خالد عبد الرحمن العكّ أن يعرّف بعلم أصول التفسير في كتابه «أصول التفسير وقواعده» ص11 (مقدمة الكتاب) فقال: «علم أصول التفسير هو العلم الذي يبيّن المناهج التي انتهجها وسار عليها المفسّرون الأوائل في استنباط الأسرار القرآنية... فعلم أصول التفسير على هذا هو مجموعة من القواعد والأصول التي تبيّن للمفسّر طرق استخراج أسرار هذا الكتاب الحكيم بحسب الطاقة البشرية».

وشبّه العكّ في المبحث الثاني من القسم الأوّل المعنون بـ«تعريف أصول التفسير» علم أصول التفسير بعلم النحو قائلاً (ص30-31): «إنّ مثل علم أصول التفسير بالنسبة للتفسير كمثل علم النحو بالنسبة للنطق العربي والكتابة العربية، فهو ميزان يضبط القلم واللسان ويمنعهما من الخطأ، وكذلك علم أصول التفسير فهو ميزان للمفسّر يضبطه ويمنعه من الخطأ في التفسير، ولأنّه ميزان فإنّه يتبيّن به التفسير الصّحيح من التفسير الفاسد».

 

[4] نجد عدّة باحثين اشتغلوا بالتفاسير ولكن نادرا ما نجد من اهتمّ بعلم التفسير بما هو تنظير لتفسير القرآن.

[5] من ذلك بحث سهام بوعلاّم «الشذوذ في القراءات» وهو رسالة ماجستير في اللغة والآداب العربية نوقشت سنة 2006 بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس.

[6] يمكن الاستفادة في هذا الإطار من أطروحة بسّام الجمل «أسباب النزول علماً من علوم القرآن»، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب بمنوبة، قسم العربية، إشراف عبد المجيد الشرفي 2003.

[7] لعلّ أهمّ المقدّمات المؤسّسة لعلم التفسير وأصوله في المدوّنة السنية على سبيل المثال نذكر:

* مقدّمة تفسير «جامع البيان عن تأويل القرآن» للطبري (ت 310 هـ/ 922).

* مقدّمة تفسير «الكشف والبيان في تفسير القرآن» لأحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي (ت 427هـ/ 1036م).

* مقدمة تفسير «التحصيل مختصر تفصيل الجامع لعلوم التنزيل» لأبي العباس أحمد بن عمّار المهدوي (ت 432 هـ/ 1041م).

* مقدّمة «تفسير الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره وأحكامه وجمل من فنون علمه» لأبي محمّد مكّي بن أبي طالب القيسيّ (ت 437هـ/ 1047م)..

* مقدّمة تفسير «النكت والعيون في تفسير القرآن» لأبي الحسن علي بن محمّد بن حبيب الماوردي (ت 450هـ/ 1058م).

* مقدّمة تفسير «التبيان في تفسير القرآن» لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطّوسي (ت 460هـ/ 1068م).

* مقدّمة تفسير «الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز» لعلي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري (ت 468 هـ/ 1072م).

* مقدّمة تفسير «معالم التنزيل» لأبي محمد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي (ت 516هـ/ 1122م).

* مقدّمة تفسير «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» لأبي محمد عبد الحق بن عطية الغرناطي (ت 541 هـ/ 1146م).

* مقدّمة تفسير «مجمع البيان في تفسير القرآن» لأبي علي بن الفضل الحسن الطبرسي (ت 548هـ/ 1153م).

* مقدّمة تفسير «التفسير الكبير: مفتاح الغيب» لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت606 هـ).

* مقدّمة تفسير «الجامع لأحكام القرآن» لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت761هـ/ 1360م).

[8] يمكن تحميل التفسيرين من خلال عدةّ مواقع واب مختصّة.

[9] الزركشي، البرهان في علوم القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2001، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، (منشورات محمد علي بيضون) ج2، ص178.

 

[10] ابن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، 1984، ص7، (التمهيد).

[11] ن، م، ص7.

[12] ن، م، ص12 (المقدمة الأولى).

[13] يمكن أن نعود أساساً لابن تيمية الذي عمل في كتاب «مقدمة في أصول التفسير» على ضبط أصول التفسير، ويعتبر هذا الكتاب بمثابة البيان النّظري الذي رفعه المهتمون بالتفسير من علماء السنّة قبله، ولقد جعل ابن تيمية على رأس هذه الأصول القرآن ثمّ السنّة ثمّ أقوال الصحابة فالتابعين.

[14] من ذلك ما كتبه خالد عبد الرحمن العك في كتابه «أصول التفسير وقواعده»، ومحمد على الحسن في كتابه «المنار في علوم القرآن مع مدخل في أصول التفسير ومصادره... إلخ.

 

[15] هذه النظرية تعتمد على حديث نبوي نصّه: «إنّ خيركم قرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم» (مسلم، فضائل الصحابة، باب52).

[16] من بين هذه الأصوات:

- الشوكاني الذي فنّد في كتابه «البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع»، ج1، ص2 (المقدمة)النظرية القائلة بأن خير العصور عصر النبوّة ثمّ عصر الصحابة ثمّ عصر التّابعين وتابعيهم... كما هاجم في «إرشاد الفحول» كلّ من يعتبر أقوال الصحابة حجّة كقول النبيّ (مطبعة السّعادة، مصر، تصحيح محمد بن محمد زبارة اليمني ص 254 -255).

[17] استعمل هذا المصطلح من قبل بدر الدين الزركشي في كتابه «البرهان في علوم القرآن» «ومآخذ» جمع مفرده «مأخذ» ويقصد به المورد الذي يأخذ منه المفسّر مادة تفسيره. ولذلك خصّص صاحب البرهان فصلاً على هامش النوع الواحد والأربعين بعنوان «في أمّهات مآخذ التفسير» (البرهان، ج2، ص173).

[18] لقد دقّق القدامى شروط المفسّر وتعمّقوا في الحديث عن أخلاقه وآدابه وميّزوا بين شروط أخلاقية وأخرى علمية. وهي شروط حصرها الزركشي في الجزء الأوّل من برهانه (ص248) في خمسة وعشرين وجهاً وقال عنها: «من لم يعرفها ولم يميّز بينها لم يحل له أن يتكلّم في كتاب الله تعالى».

 

[19] ابن عاشور، التحرير والتنوير، المقدمة الثانية، ص18.

[20] ن، م، ص18.

[21] ن، م، ص18.

[22] أفرزت المدرسة الشيعية الاثنا عشرية عدداً لا يستهان به من التفاسير العربية والفارسية، لعلّ أهمّها:

* تفسير علي بن إبراهيم القمي: وهو من أشهر تفاسير الشيعة، والكتاب مطبوع وصاحبه من مشايخ الشيخ الكليني.

* تفسير العياشي: وصاحبه محمد بن مسعود السمرقندي المعروف بالعيّاشي، وهو فارسي من أصول عربية.

* تفسير النعماني: وصاحبه أبو عبدالله محمد بن إبراهيم النعماني، وكان يكنى عنه أحياناً بابن أبي زينب. وهو من تلامذة الشيخ الكليني.

* تفسير التبيان لأبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي الخراساني، أصبح إمام الشيعة على عهده.

* مجمع البيان للفضل بن الحسن الطبرسي.

* روض الجنان لأبي الفتوح الرازي الطهراني، وهو تفسير فارسي.

* تفسير الصافي للمولى محسن الفيض الكاشاني، من مشاهير علماء الشيعة في القرن الحادي عشر الهجري، أقام مدة بقم في المدرسة المعروفة المنسوبة إليه: (الفيضية) ثم سافر إلى شيراز وقرأ الحديث على السيد ماجد البحراني، والفلسفة والعرفان لدى الحكيم الإلهي صدر المتألهين الشيرازي وصاهره.

* تفسير المولى صدر الدين الشيرازي، ت 1050هـ.

* منهج الصادقين: وهو تفسير فارسي طبع في ثلاثة مجلدات كبار في تبريز، وكان إلى فترة قريبة هو التفسير الفارسي الوحيد تقريباً. مؤلفه المرحوم المولى فتح الله الكاشاني من علماء كاشان في المائة العاشرة، وأكثر كتبه بالفارسية منها شرح نهج البلاغة بالفارسية.

* تفسير شبر: لعبد الله شبر المعاصر للشيخ جعفر كاشف الغطاء والمولى الميرزا القمي.

[23] تعمّق الطباطبائي في ذكر بقية الطبقات في كتابه «القرآن في الإسلام» الذي ألّفه بالفارسية وترجمه إلى العربية أحمد الحسيني. وتكفّلت بنشره منظمة الإعلام الإسلامي طهران.

وفيه ميّز بين تصنيفين من الطبقات: تصنيف سنّي وآخر شيعي:

- التصنيف السنّي يجعل من الصحابة في الطبقة الأولى والتابعين في الطبقة الثانية وتابعي التابعين في الطبقة الثالثة وأوائل المفسرين في الطبقة الرّابعة...

- التصنيف الشيعي يرى -كما جاء في كتاب القرآن في الإسلام- «أنّ الصحابة والتاّبعين كبقية المسلمين لا حجيّة في أقوالهم إلاّ ما ثبت أنّه حديث نبويّ» (ص77)

[24] الطباطبائي، الميزان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1974، ط3، ج1، ص4 (المقدمة).

 

[25] اعتمد الطباطبائي في كتابه «القرآن في الإسلام» ثلاث طبقات (ص77-79).

- الطبقة الأولى: الذين رووا التفسير عن النبيّ وأئمة أهل البيت وأدرجوا أحاديثهم في مؤلّفاتهم المتفرّقة، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال: زارة، محمد بن مسلم، معروف...

- الطبقة الثانية: أوائل المؤلّفين في التفسير من قبيل فرات بن إبراهيم الكوفي، والعياشي، وعلي بن إبراهيم القمي، والنعماني.

- الطبقة الثالثة: أصحاب العلوم المختلفة من قبيل الشريف الرضيّ في تفسير الأدبي والطوسي في تفسيره الكلامي والشيرازي في تفسيره الفلسفي والميبدي الكونابادي في تفسير الصوفي، والفيض الكاشاني وغيرهم (ص 79).

[26] من ذلك:

* الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن لأبي زيد محمد.

* تأويل الفرقان بالفرقان للفراهي.

* تفسير القرآن بالقرآن لثناء الله الهندي.

* التفسير القرآني للقرآن لعبد الكريم الخطيب.

[27] الطباطبائي، الميزان، ج1، ص8-9.

[28] ن، م، ص9.

 

[29] ن، م، ص9.

[30] من أبرز من تكلّم في هذا العلم الرازي في تفسيره الكبير وابن الزبير الأندلسي (ت 708هـ) في كتاب «البرهان في تناسب ترتيب سور القرآن»، والزركشي في «البرهان في علوم القرآن» إذ عرّف هذا العلم بقوله: «المناسبة أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول» (الزركشي، البرهان، ج1، ص61)، وتقوم هذه الآلة -عنده - أساساً على مقارنة آيات السور المختلفة وتكون «في فواتح السور وفواتح الآي وخواتمها ومرجعها إلى معنى ما رابط بينها: عام وخاص عقلي وحسّي أو خيالي وغير ذلك من أنواع العلاقات أو التلازم الذهني كالسبب والمسبّب والعلّة والمعلول والنظيرين والضدين ونحوه أو التلازم الخارجي كالمرتب على ترتيب وجود الواقع في باب الخير» (ن، م، ص62).

[31] من ذلك:

- جاء في تفسيره للآية 92 من سورة النساء «والمناسبة بين الغرض المنتقل منه والمنتقل إليه أنّه قد كان الكلام في قتال المتظاهرين بالإسلام الذين ظهر نفاقهم ...» (التحرير والتنوير، ج3-4-5، ص156).

- علّق في إطار تفسيره للآيات الأولى من سورة البروج على القسم قائلاً: «ومناسبة القسم بشاهد مشهود على اختلاف تأويلاته ستذكر عند ذكر التأويلات وهي قريبة من مناسبات القسم باليوم الموعود» (التحرير والتنوير، ج30، ص238).

[32] ابن عاشور، التحرير، ج1، ص82 (المقدمة الثامنة).

 

[33] جمع عثمان للقرآن يثير عدّة إشكاليات وهو ليس محلّ اتفاق. فالزركشي في البرهان (ج1، ص 297) نفى أن يكون عثمان هو من جمع القرآن «بل أوّل من جمعها في مصحف واحد الصدّيق». والملاحظ أنّ كلّ الأحاديث التي تعلّقت بجمع القرآن مليئة بالتناقضات وقد خصّ السيّد الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن» فصلاً (مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ص 247) عنوانه «تناقض أحاديث جمع القرآن» وبيّن متسلّحاً بالتصوّر الشيعي لمسألة جمع القرآن أنّ هذه النظرية تقوم على المغالطة. وفي هذا الاتّجاه أشار أيضاً محمّد علي الأشقر في كتابه «لمحات من تاريخ القرآن» حيث ميّز فيه بين جمع أوّل وثان وثالث للقرآن ورأى أنّ المنظومة الإسلامية السنية عملت جاهدة على طمس حقيقة وجود مصحف على الورق في عهد النبوّة وحاول إثبات ذلك بقرائن من كتب الحديث. (مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1988).

[34] ابن عاشور، التحرير، ج1، ص86 (المقدمة الثامنة).

[35] ابن عبد الجليل (منصف)، المنهج الأنثروبولوجي في دراسة مصادر الفكر الإسلامي، مقال منشور في كتاب جماعي: «في قراءة النصّ الدّيني» ص 39-81.

[36] ن. م، ص 55. وذهب إلى أنّ هذا الفصل هو «بدء الفصل بين ما يسمّيه أهل الاختصاص «ما وراء اللغة» واللغة المجراة» ص55.

[37] ن. م، ص 55.

 

[38] ن. م، ص 56.

 

[39] ن. م، ص 56.

 

[40] ابن عاشور، التحرير، ج1، ص23.

 

[41] ن، م، ج1، ص25.

 

[42] لعلّ أشهر ما أُلّف في هذا المجال كتاب «الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور» للسيوطي.

 

[43] ن، م، ج1، ص32.

 

[44] ن، م، ج1، ص28.

 

[45] للتعمّق يمكن العودة إلى كتاب محمد الطّاهر بن عاشور، تحقيقات وأنظار في القرآن والسنّة، الشركة التونسية للنشر والطباعة، تونس، 1985.

 

[46] الطباطبائي، الميزان، ج1، ص8، (المقدمة).

 

[47] «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي...».

 

[48] {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب: 33).

 

[49] الطباطبائي، الميزان، ج1، ص11.

 

[50] الشيعة: نصّ الحوار مع المستشرق كوربان، مؤسسة أمّ القرى: 1416، ص95.

وأخذ الشاهد من كتاب مطارحات في قضايا قرآنية: دراسة في تفسير من وحي القرآن، محمد الحسني، دار الملاك، بيروت، 2000، ص55-56.

 

[51] كثيراً ما تتجه الروايات لبيان مصداق الآية، واعتباره مما تجري عليه الآية وتنطبق عليه، وهذا هو المقصود بـ(الجري والانطباق) دون أن يكون هدفها بيان المعنى العام الذي دلت عليه الآية.

 

[52] من ذلك:

- عند تفسيره لسورة الفاتحة، وقف عند معاني «اهدنا الصراط المستقيم»، نقل قول أبي عبد الله الصادق: الصراط المستقيم أمير المؤمنين (الميزان، ج1، ص 41/42).

- عند تفسير سورة البقرة، تحدّث عن الشفاعة في مفهومها العام كما تحدّث عن شفاعة أهل البيت معلّقاً بأنّ «الرواية من باب الجري» (الميزان، ج2، ص341).

[53] الطباطبائي، الميزان، ج1، ص41.

 

[54] ن، م، ج1، ص41.

 

[55] ن، م، ج1، ص42.

 

[56] خصّ الطباطبائي مسألة «الظاهر والباطن» بمبحث مستقلّ في كتابه «القرآن في الإسلام».

 

[57] لقد ارتبطت مسألة التأويل عند علماء السنّة أيضاً بثنائيّة الظاهر والباطن. وهي ثنائية تأسّست اعتماداً على حديث نبويّ أورده أغلب علماء القرآن نصّه «ما نزل من القرآن من آية إلاّ ولها ظهر وبطن، ولكلّ حرف حدّ، ولكلّ حدّ مطلع». وتعمّق الزركشي في «البرهان» في هذه المسألة، وحصر مواقف علماء السنّة القدامى في أربعة أقوال. (الزركشي، البرهان، ج2 ص 185).

 

[58] تيزيني (الطيّب)، النصّ القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة، ص 302.

 

[59] الطباطبائي، الميزان، ج12، ص108.

 

[60] مقدمة تفسير ابن عطية، ابن عطية، ص 263 (مقدمتان في علوم القران: مقدمة كتاب المباني، ومقدمة ابن عطية، مكتبة الخانجي للطباعة والنشر والتوزيع، 1995، تحقيق: عبد الله إسماعيل الصاوي، آرثر جفري).

 

[61] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج1، ص28.

 

[62] ن، م، ج1، ص29.

 

[63] الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ص71.

 

[64] ن، م، ص74.

 

[65] ن، م، ص777.

 

[66] من ذلك ما ورد في بحار الأنوار، أنّ ابن عباس قال: جل ما تعلمت من التفسير، من على بن أبي طالب وقال: علي علم علماً علمه رسول الله، ورسول الله علمه الله، فعلم النبي من علم الله، وعلم علي من علم النبي، وعلمي من علم علي وما علمي وعلم أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله سلم) في علم علي إلاّ كقطرة في سبعة أبحر. وفي حديث آخـر: فإذا علمـي بالقرآن في علم علي (عليه السلام) كالقرارة في المثعنجر، قال: القرارة: الغدير، والمثعنجر: البحر عن بحار الأنوار، ج89، (ط بيروت)، ص 105 - 106 عـن كتاب سعد السعود للسيد ابن طاووس، مجمع البحوث الإسلامية، بيروت، 1413هـ، تحقيق محمد رضا الأنصاري، ص 285 286).

 

[67] عالم ومرجع شيعي عراقي.

 

[68] فهم محمد باقر الصدر الأمّية على أنّها جهل القراءة والكتابة وهذا الفهم فيه نظر.

 

[69] باقر الصدر (محمد)، المدرسة القرآنية، باب: عدم توفر الفهم التفصيلي للقرآن في معاصري الوحي.

 

[70] من ذلك ما حدث مع عمر بن الخطاب عندما تساءل في حديث شهير «ما الأبّ؟»... كما نقل عن ابن عبّاس أنّه قال: «كنت لا أدري... ما فاطر السماوات حتّى أتاني أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يقول ابتدأتها . وجاء في صحيح البخاري (3/ 36) أنّ عديّ بن حاتم لم يفهم معنى الآية {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} (البقرة: 187) وبلغ من أمره أن أخذ عقالاً أسود فلما كان بعض الليل نظر إليهما فلم يستبينا فلما أصبح أخبر الرّسول بشأنه فأفهمه المراد»...

 

[71] باقر الصدر (محمد)، المدرسة القرآنية، ص 317.

 

[72] يمكن أن نجد عدّة أصناف من الصحابة اعتماداً على مفهوم العسقلاني:

* كلّ من لقي الرّسول فآمن به سواء أجالسه أم لم يجالسه وسواء أقصرت مجالسته إيّاه أم طالت.

* كلّ من لقي الرّسول فآمن به ثمّ ارتدّ عن الإسلام ثمّ أسلم من جديد في عهد الرّسول أو بعد وفاته من قبيل الأشعث بن قيس.

* كلّ من أظهر الإسلام وأخفى نقيضه وهم المنافقون وهم كثر.

* كلّ من أسلم دون اقتناع: حفاظاً على مصالحه وطمعاً في الغنائم والمكانة.

وصنّف الحاكم في مستدركه الصحابة إلى 12 طبقة وهي على النحو التالي:

1- الذين أسلموا قبل الهجرة.           2- أصحاب الندوة.

3- مهاجرو الحبشة.                   4- أصحاب العقبة الأولى.

5- أصحاب العقبة الثانية.              6- أوّل المهاجرين الذين وصلوا بعد الهجرة للمدينة.

7- أهل بدر.                           8- الذين هاجروا بين بدر والحديبية.

9- أهل بيعة الرضوان.                        10- من هاجر بين الحديبية وفتح مكّة.

11- الطلقاء.                          12- صبيان وأطفال رأوه يوم الفتح.

[73] يعرّف ابن حجر العسقلاني الصحابيّ فيقول: الصحابيّ من لقي النبيّ مؤمناً به ومات على الإسلام» (الإصابة في تمييز الصحابة، ص10).

 

[74] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج1، ص25.

 

[75] الطباطبائي، الميزان، ج1، ص6.

 

[76] ن، م، ص6.

 

[77] ن، م، ص7.

 

[78] ابن عاشور، التحرير، ج1، ص35.

 

[79] عرّف ابن منظور في لسان العرب الذوق فقال: الذوق مصدر من ذاق يذوق ذوقاً وذوقاناً. والذّواق والمذاق يكونان مصدرين والمذاق طعم الشيء. لسان العرب، مادة: ذوق. والذوق علم صوفي له علاقة بالاستكشاف.

 

[80] من ذلك:

- «وسلك كل فريق مسلكاً يأوي إليه وذوقاً يعتمد عليه»، ج1، ص5.

- «ثم إذا كنت ممن ملك الذوق»، ج1، ص56.

- «ومدرك الإعجاز عندي هو الذوق ليس إلا»، ج1، ص60.

- «وإن جمع بين الذوق الفطري وطول خدمة العلمين فلا غاية وراءه»، ج1، ص60.

[81] ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج1، ص8.

 

[82] وهي عنده: الكشاف، المحرر الوجيز، مفاتيح الغيب، تفسير الآلوسي...

 

[83] ن، م، ج1، ص7.

 

[84] لقد اهتمّ الهادي الجطلاوي في كتابه «قضايا اللّغة في كتب التفسير: المنهج، التأويل، الإعجاز» بهذا المنهج اهتماماً مخصوصاً فقسّم عمله إلى ثلاثة أبواب اهتمّ في الباب الأوّل بـ«مناهج التفسير في علاقتها باللّغة»، وتناول في الباب الثاني «تأول القرآن في علاقته باللّغة». وهما بابان يصبّان في صميم اهتمامنا في هذا العمل. والطريف أنّ الجطلاوي جعل من اللّغة العنصر المحدّد لطبيعة التفاسير فميّز بين ثلاثة ضروب من التفسير خصّ كلّ ضرب منها بفصل من فصول الباب الأوّل وهي كما جاءت في الكتاب: التفسير المكتفي باللّغة والتفسير المستعين باللّغة والتفسير غير اللّغوي.

 

[85] ذهب الزركشي في البرهان إلى أنّ «الذي يجب على المفسّر البداءة به العلوم اللفظية، وأوّل ما يجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني المفردات من ألفاظ القرآن من أوائل المعادن لمن يريد أن يدرك معانيه» (ج2، ص190).

 

[86] بري (حواس)، المقاييس البلاغية في تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002 والكتاب في أصله رسالة ماجستير.

 

[87] صدر عن دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2008.

 

[88] الصفاقسي (إبراهيم محمد)، المجيد في إعراب القرآن المجيد، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، 1992، تحقيق موسى محمد زنين، (السلسلة التراثية: 13).

 

[89] كتاب الشيعة، نصّ الحوار مع المستشرق كوربان، مؤسسة أم القرى، 1416، ط1 ويمكن العودة إلى كتاب «مطارحات» لمحمد الحسيني.

 

[90] ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله، وهو أحد تلاميذه.

 

[91] يضطلع محمد علي التسخيري بتفسير القرآن من خلال إصدارات متتالية في مجلّة «رسالة التقريب» استئناساً بما فعله محمد محمد مدني رئيس مجلّة رسالة الإسلام.

 

[92] «ما الحاجة إلى تفسير جديد للقرآن؟» عنوان مداخلة تقدّم بها منصف بن عبد الجليل في إطار ندوة دولية انعقدت بالدار البيضاء (المغرب) يومي 10 و 11 ديسمبر 2004 حول موضوع: من التفسير إلى القراءات الحديثة للظاهرة القرآنية.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة