شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
(إننا عندما ندعو إلى خطاب ثقافي جديد، فإننا لا نعني خطاباً واحداً مهيمنا لا يقبل غيره، ولا يسمح بالوجود لسواه، وإنما نعني خطابات ثقافية متعددة، متحاورة، متفاعلة، تزداد ثراء بالانفتاح على الآخر المختلف...).
د. جابر عصفور
من حق أي مثقف عربي أن يتساءل بعد نصف قرن من المؤتمرات والندوات واللقاءات والاجتماعات المغلقة والمفتوحة عن جدوائية هذه الأنشطة الثقافية ولا نقول أهميتها أو ضروريتها، فمما لا شك فيه أنها مهمة وضرورية وحالة صحية وإيجابية، لكنها لم تكن مجدية في يوم من الأيام، فالأسئلة التي طرحتها بالمؤتمرات والندوات المنعقدة قبل عقود من الزمن هي نفسها لا تزال تُطرح وتكرر نفسها، أسئلة حول النهوض الحضاري، حول التقدم، ومحو الأمية والإنماء الثقافي، ومعالجة أمراض الاستبداد السياسي، وضرورة تجديد الفكر الديني.. الخ، والقائمة طويلة جداً من الأسئلة التي تكشف عن هموم ومشاكل الإنسان العربي وطموحاته، وبعد انتهاء هذه الندوات والمؤتمرات يُصدر المشاركون عادة توصيات يلخَّصون فيها مطالبهم الملحة والمهمة على شكل مواد أو نقاط تتلقفها وسائل الإعلام لتنشرها على صفحات الجرائد والمجلات، ثم ينتهي كل شيء.
اعتقد أنه لو جمعت توصيات المؤتمرات والندوات خلال العقود الخمسة من القرن الماضي لكُنا أمام سلسلة ضخمة من المجلدات، فيها كل ما يحتاجه الواقع العربي والإسلامي من مقترحات ومشاريع وأفكار وحلول، لو طبق جزء يسير منها فقط لما كان حالنا كما هو عليه الآن، لكن مع الأسف الشديد، كل هذه الجهود التنظيرية التي أتعب المثقف العربي نفسه كثيراً للوصول إليها وابتداعها، ذهبت مع الريح، لقد لفَّها النسيان وتراكم عليها غبار الإهمال وهي قابعة في بطون الكتب والدوريات المصفوفة بعناية فوق رفوف مكتبات المراكز الثقافية أو دور النشر والإعلام، ولم يصل منها إلى مراكز القرار العربي ومن بيدهم سلطة الحل والعقد إلا النزر القليل.
لماذا لم تصل هذه التوصيات إلى من يستفيد منها أو يعمل على تنفيذها في الواقع؟ هذا السؤال يحتاج إلى مؤتمر بدوره لمناقشة الأسباب التي تحول بين هذه التوصيات والحلول والمقترحات العلاجية للوضع العربي وبين السلطات السياسية والتنفيذية في العالم العربي. ولمعرفة من يتحمل هذا القصور، هل المثقف العربي، الذي يعتقد أن مهمته تنتهي عند التنظير واقتراح الحلول، أم الحاكم العربي الذي قد لا يعرف عن هذه التوصيات شيئاً إما لأنها لا تصل إليه، وإما أنه يدير لها ظهره عمدا فهو ليس في حاجة إليها؟
أعتقد أننا في حاجة لمؤتمر يناقش هذه المسألة فقط، على ألا يكتفي المشاركون فيه بإصدار التوصيات، ولكن بالاتفاق على تكوين لجنة تحمل هذه التوصيات وتوصلها إلى مراكز القرار العربي في كل عاصمة عربية، وتتابع عن كتب محاولات العمل على تنفيذها وإنزالها على أرض الواقع لاختبار صحتها ومصداقيتها ونجاحها في علاج مشاكل الواقع العربي المزمنة.
وإلا فلا فائدة ترجى من أي مؤتمر أو ندوة، بل ستصبح هذه الأنشطة مظهراً من مظاهر تعميق الأزمة لأنها تساهم بدورها في إهدار المال العام وزيادة الإنفاق غير المنتج، وما أكثر المشاريع غير المنتجة في العالمين العربي والإسلامي.
لقد وصف د. جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للثقافة مؤتمر القاهرة حول الثقافة بأنه صرخة احتجاج من مثقفين، ونقول على المثقف العربي أن يتخذ مواقف عملية إذا أراد أن يساهم في علاج إشكاليات الواقع العربي، وألا يكتفي بالصراخ والاحتجاج، فقط طال صراخه واحتجاجه حتى تعوَّد على ذلك وأصبح طبعه الصراخ، لدرجة جعلت البعض يرى في النخبة المثقفة العربية مجرد ظاهرة صوتية، لطالما ضاع صراخها في مهب الريح.
نعود بعد هذه الملاحظة - التي نعتقد أنه كان من الضروري الإشارة إليها - إلى متابعة فعاليات مؤتمر القاهرة الذي نظمته وزارة الثقافة المصرية وشارك فيه أكثر من 150 مثقف وباحث ومفكر من الوطن العربي والذي عقد بين 1-3 تموز (يوليو) 2003م، تحت عنوان: (الثقافة العربية من تحديات الحاضر إلى آفاق المستقبل)، وشعار: (نحو خطاب ثقافي جديد).
بالنسبة لأهداف المؤتمر فقد صرح د. جابر عصفور بأن له هدفين أساسيين، أولهما مواجهة عوائق الاتباع الفكري والسياسي والاجتماعي التي تحول دون العقل العربي والإبداع الحر، والهدف الثاني مقاومة الفساد الداخلي، لأن هذا الفساد يجلب مخاطر الخارج، وينتهي بالغزو الاستعماري الذي يزيد الفساد فساداً والظلم ظلما، والتخلف تخلفا.. هذان الهدفان يقول د. عصفور كانا حاضرين في أذهان الذين خططوا للمؤتمر.. بعد أن وصلت الكوارث القومية إلى مدى غير مسبوق، مدى لم يعد يجدي معه التريث، ولابد من ملاحقته بجمع المثقفين العرب ليحتجوا على أشكال الهوان في حاضرهم، ويجسدوا تحديات مستقبلهم، ويفكروا معا على رغم اختلافاتهم، في لقاء يمكن أن يكون بداية لغيره، وفاتحة لتفكير مختلف.
شارك في المؤتمر ما يزيد على 150 من المثقفين العرب من جميع الدول العربية تقريباً، منهم من قدم ورقة منجزة سلفاً، ومنهم من اكتفى بمداخلة مرتجلة أبدى فيها رأيه في المحاور المقترحة للنقاش أو رأيه في ما قدم من آراء وأفكار ومقترحات، فيما يلي متابعة لفعاليات هذا المؤتمر ومراجعة للأوراق والكلمات التي ألقيت خلال الثلاثة أيام من أعماله.
د. جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للثقافة عبر في كلمته عن فرحه وأمله في أن يكون هذا المؤتمر فاتحة خير لمساءلة الواقع العربي.
مسائلة تدفع باتجاه إعادة النظر في الخطابات الثقافية العربية ومراجعة الأنظمة السياسية الاستبدادية التي تحاصر الفكر والإنسان، من أجل تناول المسكوت عنه بسبب القمع السياسي، وإطلاق العنان للبحث لتحقيق الانطلاقة، وإعطاء العقل التأملي حقه في التفكير والتحليل ومواجهة الاستبداد الفكري، وتغليب العقل على النقل والمستقبل على الماضي.. أما المفكر المصري سيد ياسين فقد دعا إلى ممارسة النقد الذاتي لتاريخ المنطقة العربية، كما طالب بالانخراط في حركة مدروسة للإحياء الثقافي تقوم على أساس صياغة منهج علمي عصري لقراءة التراث ومواجهة الذين يريدون أن يكون الماضي مرجعنا.. وأكد ياسين انه باستطاعة المثقفين العرب الالتحام بالحركة الفكرية النقدية لسياسات الولايات المتحدة، والتي تصاعدت في أوروبا، من خلال ممارسة النقد الثقافي المسؤول.. وأضاف ياسين قائلاً: وفي ضوء إنشاء تحالف عضوي بين المثقفين العرب والمثقفين الأوروبيين وغيرهم في روسيا والصين والهند في إطار مشروع لتأسيس نظام دولي متعدد القطبية، لا تنفرد فيه قوة عظمى واحدة أيا كانت بتقدير مصير العالم..
تحدث كذلك في هذه الجلسة وزير التربية التونسي السابق عبد الوهاب المسدي فألقى كلمة المثقفين العرب، دعا فيها إلى تحرير الثقافة من السلطة والتوجه بالخطاب الثقافي إلى الجماهير وإعطائها حق صناعة القرار...
أما وزير الثقافة المصري فاروق حسني فأشار في البداية إلى الاختلاف بين الثقافة البناءة وبين القوة الغاشمة التي تدوس ركنا من أركان الحضارة، في إشارة إلى الغزو الأمريكي للعراق، ثم طالب بالاعتراف بأزمتنا الثقافية تمهيداً لوضع دستور للعمل الثقافي الجمعي سيصل حتماً إلى صانع القرار...
شارك في الجلسة الأولى مجموعة من المثقفين العرب، فقد تحدث فيها المفكر المصري إسماعيل صبري عبد الله الذي أشار في البداية إلى وجود أزمة علم وتعليم في العالم العربي، كما تحدث عن شروط نهضة عربية ثانية، فأكد أن النهضة الأولى واكبتها حركة تنوير أوائل القرن العشرين، وهذا غير متوفر الآن. من جهته تحدث الباحث خلدون النقيب عن جذور ثقافة الهزيمة، فأكد أن انهيار الحكم المدني هو بسبب سيطرة العسكر على مقاليد الحكم في العالم العربي، وقد وصف النقيب عصرنا بأنه (العصر المظلم للحداثة).
من المتحدثين في هذه الجلسة كذلك المفكر الفلسطيني هشام شرابي، الذي أشار إلى الدور المهم الذي بدأت تلعبه الفضائيات العربية في نشر الوعي السياسي والتدرب على ممارسة الديموقراطية وقبول الآخر المخالف.
كما أكد أن الوضع العربي إذا لم يحدث فيه أي تغيير يعيد موازين القوى بين العالم العربي وأعدائه، فإن هذا الوضع سيستمر في التراجع. أما الباحث السوري د. جورج طرابيشي فاختلف مع شرابي عندما انتقد الدور الذي تلعبه الفضائيات العربية متهما إياها بأنها شريك في صناعة الهزيمة.
وتسائل الشاعر السوري أدونيس عن إمكانية تجديد المعرفة العربية (إذا كان العنصر الأساسي المكون لها راهناً وهو الدين غير قابل للنقاش. والتحالف القائم بين المؤسسة السياسية والدينية)، كما انتقد طريقة حديث المثقفين العرب عن الديموقراطية وكأنها موجودة وقائمة في العالم العربي.
- (تجديد الخطاب الديني):
عقدت خلال هذا اليوم ثلاثة موائد مستديرة ناقشت ثلاثة محاور.
المحور الأول: تجديد الخطاب الديني، المحور الثاني عن: نقد الخطاب الثقافي العربي، أما المحور الثالث فعن حرية الإبداع.
ترأس المائدة المستديرة الأولى عن: تجديد الخطاب الديني، د. محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري الذي أكد في البداية على كون الدين يعتبر من أهم المكونات الأساسية للثقافة لدى معظم الأمم والشعوب، أما بخصوص تجديد الخطاب الديني فقد أكد د. زقزوق أن ذلك يتطلب تحديد دقيق لمفهوم التجديد أو التحديث، لمعرفة متطلبات تجيد هذا الخطاب على المستويين المحلي والعالمي. وأشار إلى أن هذا التجديد يتطلب كذلك البحث في كيفية تحرير العقل العربي والإسلامي من معوقات حركة الإحياء والإصلاح الديني التي عرفها العالم الإسلامي ومن الأثقال التي تشل فاعليته وتجعله أسيراً للتقليد والمصادر السيئة للتثقيف، كما أشار إلى القصور الواضح في فهم الدين، والذي يجعل بعض التيارات تركز على بعض المظاهر والشكليات البعيدة عن جوهر الدين وغاياته ومقاصده الكبرى.
من جهته أكد المفكر الإسلامي جمال البنا أن تجديد الخطاب الديني يمكن تحقيقه على أرض الواقع لكن بالالتزام بثلاث أولويات، هي الالتزام بالقرآن الكريم، تنقية السنة المطهرة لمعرفة الصحيح منها، ثم استلهام الحكمة. أما مدير مركز الدراسات السودانية د. حيدر إبراهيم فقد أشار في كلمته إلى كون عملية التجديد هي جزء من صميم التراث الديني، مستدلا على ذلك بالحديث الذي ذكر فيه الرسول 2 أنه يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، كما أشار إلى وجود المبادئ العامة التي تضبط العلاقة بين النص والواقع، لذلك لابد من إنتاج خطاب تجديدي يؤسس لفقه التحرير والحداثة، لأن مشكلة التجديد لا تكمن في قراءة النص بل تكمن في تجديد الفقه.
أما الباحث ماهر الشريف فقد طالب بإحياء ما أسماه بالعلمانية المؤمنة، مؤكداً أن إحياء الخطاب الديني هو أحد الشروط الأساسية للوصول إلى خطاب ديني تنويري. كما انتقد الباحث الشريف الخطاب الديني الأيديولوجي السائد حالياً، لأنه في نظره لا علاقة له بالخطاب الديني الإصلاحي الذي بدأ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، على يد الرواد مثل جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، ولأنه خطاب يتصادم مع العقل والواقع معا.
من جهته أشار الباحث أنور مغيث إلى أهمية تجديد الخطاب الديني مؤكداً أن حركة التجديد قديمة ومتأصلة وأنها تنطلق من أجل تحقيق استمرارية الدين واستيعاب المتغيرات الواقعية.
(نقد الخطاب الثقافي العربي):
المائدة المستديرة الثانية في هذا اليوم عقدت تحت عنوان: (نقد الخطاب الثقافي العربي) وترأسها المفكر السوري د. جورج طرابيشي. في البداية تحدث الباحث عادل السيوي الذي قال: إن الحركة الثقافية العربية تعرضت على مدى عقود متتالية لعملية إضعاف متواصل، وأن تمادي المؤسسات الرسمية في بناء الدفاعات البيروقراطية والشكلية أمام الحركة الثقافية، أفقد هذه الحركة القسم الأكبر من فاعليتها وجعلها غير قادرة على التعامل مع إفرازات الواقع، مع افتقادها لخبرات ديناميكية ومواهب حقيقة قادرة على التعامل مع المؤسسة الرسمية التي اعتمدت من جانبها على أشكال متعددة من المنع والإعاقة في مواجهة المثقفين.
كما أشار الباحث إلى عمليات التهميش والاحتواء التي تعرض لهما المثقف بعد هزيمة 1967م. جعل شريحة من المثقفين تتحول إلى قوافل دعاية وتبرير، في حركة تهدف إلى إضفاء الشرعية على استمرار المؤسسة الرسمية في الهيمنة على جميع أوجه النشاط الاجتماعي.
الباحث أحمد عباس صالح رأى أن من مظاهر أزمة الخطاب الثقافي العربي أنه وقع أسيراً لخطاب أيديولوجي عقيم، قام على أساس مرجعية شبه مقدسة، ظهر ذلك في التيارات الاشتراكية ومنظريها، كما أشار إلى أسباب فشل المشروع القومي العربي، سواء الأسباب الداخلية التي أدت إلى الانقلاب عليه، أو بسبب عدم كفاءته في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. كل ذلك ساهم في نظر الباحث صالح في تعميق أزمة الخطاب الثقافي العربي الذي أصبح عاجزاً عن إنقاذ المواطن العربي العادي والمثقف من الوقوع ضحية الإحباط والشعور بالاغتراب والدونية.
المائدة المستديرة الثالثة في هذا اليوم ناقشت موضوع: حرية الإبداع، وترأسها الناقد صلاح فضل، وقد تحدث فيها الباحث السوري نبيل سليمان، الذي أكد أن سيطرت أنظمة ثورية وقومية وعسكرية على مقاليد السلطة في عدد من الدول العربية، أدت تلقائياً ليس فقط إلى تأميم اتحادات الكتاب التي تعبر عن المبدعين، بل تأميم المبدع نفسه، بحيث أصبحت هذه الاتحادات قنوات رسمية تسير فيها تعليمات الأيديولوجيات الحاكمة إلى المبدعين ليلتزموا بها، وليتحولوا إلى أدوات لإضفاء زيف ديموقراطي على هذه الأنظمة ضمن أشكال مبتسرة من الحكم تقوم على فكرة الاستبداد الديموقراطي أو الديموقراطية المستبدة.
أما الباحث أبو الحسن سلام، فأشار إلى أهمية الثقافة في الحفاظ على هويات الجماعات والأمم، كما تحدث عن الأسباب التي تجعل رجال السلطة يهتمون بالثقافة والمثقفين، ومن بينها تبرير اختياراتهم السياسية والأيديولوجية.
بالإضافة إلى هذه الموائد المستديرة عقدت مجموعة من الجلسات ناقشت عدة قضايا مثل قضية المرأة في الخطاب العربي الحديث، وعلاقة الثقافة بالنهضة، وأهمية الاستفادة من الثقافات غير الغربية، وقد شارك في مناقشة هذه المواضيع مجموعة من المفكرين مثل: فاطمة أزرويل ود. أحمد الفقيه ود. أحمد أبو زيد، ومنى فياض، وماهر الشريف وفيصل دراج وحسين أمين وعبد الله حارب وصبري حافظ وقاسم عبده قاسم.
عُقدت في هذا اليوم كذلك ثلاث موائد مستديرة ومجموعة من الجلسات، ناقش المشاركون فيها مجموعة من المحاور مثل محور النظام الإقليمي العربي والنظام العالمي، ومحور المشروع الثقافي الحضاري العربي المستقبلي، والثقافة العربية في عصر مجتمع المعرفة.
من المشاركات في نقاش المحور الثاني كلمة محمود مراد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الذي طالب المثقف العربي بضرورة العمل على تكريس حقه في التعبير بإخلاص وموضوعية عما يدور في ضميره تجاه وطنه وأمته، كما طالب بصياغة مشروع حضاري عربي يدفع الأمة باتجاه التقدم والرقي. وهذا المشروع - في نظر مراد - أصبح ضرورياً الآن مع الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة. كما اعتبر المؤتمر فرصة للاتفاق على صياغة مبادئ مشروع النهضة الثقافية، والتأكيد على الانفتاح والتواصل مع الثقافات الأخرى.
وفي محور الثقافة العربية في عصر العولمة ومجتمع المعرفة تحدث السيد ياسين مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية التابع لمؤسسة الأهرام، عن تجليات العولمة السياسية والاقتصادية وتصاعد تأثيرها بسبب ثورة الاتصالات وخصوصاً شبكة الانترنت التي تحاول الآن رسم معالم حضارة عالمية جديدة، وأشار السيد ياسين إلى ما تثيره العولمة من إشكاليات معرفية وواقعية، مثل عدم التكافؤ الحضاري، ومحاولة فرض بعض القيم الغربية على دول العالم الثالث دون مراعاة خصوصيات الشعوب والحضارات. كما أشار إلى الديموقراطية باعتبارها أصبحت من الموضوعات التي يدور حولها حوار الحضارات، وكذلك قيم حقوق الإنسان التي أصبحت بالفعل تعيبراً عن حضارة عالمية، بغض النظر عن الحديث على الخصوصيات. وقد أكد ياسين أن الثورة الإتصالية الكبرى التي يشهدها العالم ستمثل البنية التحتية التي ستساعد على إيجاد قيم عالمية وحضارة عالمية تقوم بدورها بتقليل المسافات بين البشر، وتعميق التفاعل الإنساني.
وقد عقدت خلال هذا اليوم أربع جلسات، ترأس الأولى الباحث صبري حافظ وناقشت موضوع بناء الحرية والخطاب الثقافي العربي في مواجهة خطاب العولمة، وترأس الجلسة الثانية فيصل دراج حيث دار النقاش حول ثغرات النظام الثقافي العربي وكيفية تجاوز أزمة النظام الإقليمي، الجلسة الثالثة ترأسها محمد عودة وناقشت موضوع الخصوصية والعولمة.
أما الجلسة الرابعة فقد ترأسها حيدر إبراهيم، وناقشت أزمة الثقافة العربية وآفاق الانفتاح على الثقافات العالمية. وقد شارك في هذه الجلسات عدد من المفكرين والمثقفين نذكر منهم: سالم خشبة، كلوفيس مقصود، سالم حميش، إبراهيم الدسوقي أباظة، حسن نافعة، منصور حازمي، أحمد بشارة، علي حرب، حسن حنفي، فهمية شرف الدين، ميلاد حنا، محمد برادة وغيرهم.
وقد اتفقت المداخلات على أهمية الثقافة وأنها السبيل الحقيقي لصناعة المستقبل، كما طالبت المثقف بالعمل على أخذ موقعه الطليعي والمسؤول، والمشاركة في إيجاد الحلول التي تعالج الأزمات التي تتخبط فيها الأمة العربية، كما تحدثت أغلب المداخلات على مخاطر وتحديات العولمة وضرورة التعاطي الإيجابي مع هذه المخاطر لمواجهتها وتجاوزها.
وقد انتهت أعمال المؤتمر بإصدار إعلان القاهرة الذي تضمن مجموعة من النقاط والتوصيات جاءت على الشكل التالي:
أولاً: وحدة الثقافة العربية كانت، ولا تزال عاملاً رئيسياً في وحدة الشعوب العربية، وأن الأجيال المتعاقبة من المثقفين العرب لعبت دوراً في الدفاع عن مصالح الأمة، وفي اقتراح الأفكار التي أسهمت في استقلالها وتقدمها، وهذه الوحدة الثقافية تظل أساساً لابد منه، من أجل تجديد المشروع الحضاري العربي، وتجدد آفاق الشعوب العربية.
ثانياً: يؤكد المؤتمر أن إنجاز الاستقلال الوطني والقومي لكل الأقطار العربية هو إنجاز ينبغي الحفاظ عليه والدفاع عنه، وأن من حق الشعب الفلسطيني تحرير أرضه المحتلة وإقامة دولته المستقلة، كما ينددون بالاحتلال العسكري الأمريكي للعراق ووضع اليد على مقدراته وثوراته.
ثالثاً: يرى المشاركون في المؤتمر أن في الأمة العربية من المقومات ما يدفع عنها اليأس وما يدرأ التفريط والتهاون في المسائل القومية، مؤمنين بأن هذه الأمة قادرة على النهوض وتجاوز العقبات والنكسات.
رابعاً: يطالب المشاركون في المؤتمر الأنظمة العربية بإلغاء الأوضاع العرفية التي تحاصر الحريات العامة، ومنها حرية الرأي والفكر والإبداع الأدبي والفني، وهذه الدعوة إلى تحرير المجتمع وقواه المبدعة لا تنفصل عن ضرورة التحديث والإصلاح. بما يعطي الشعوب العربية حقوق الرفض والقبول والمبادرة والمراقبة، لهذا يدعو المؤتمرون إلى أفق مجتمعي جديد، يضمن حرية الاجتهاد الفكري المسؤول، باعتباره اجتهاداً وطنياً وقومياً، يؤمن بالاتفاق والاختلاف.
خامساً: يطالب المشاركون في المؤتمر بتطوير التعليم العام والجامعي، وإصلاح الجهاز المدرسي ومحو الأمية، وتأمين مشاريع تعليمية تكون الوجدان الوطني وتخلق وعياً قومياً مسؤولاً، يحفظ الوحدة الوطنية ويعترف بالفئات غير العربية وثقافتها ودورها في كل قطر ويطور المشترك القومي بين الأفكار العربية.
سادساً: يؤمن المشاركون في هذا المؤتمر بضرورة الوصول إلى الشروط الاجتماعية والثقافية التي تنتج خطايا دينياً متطوراً منفتحاً على العصر.
سابعاً: يشدد المشاركون في المؤتمر على وحدة الحضارة الإنسانية، وعلى تمسكهم بهوية الأمة العربية، التي أسهمت في هذه الحضارة، ويرفضون دعوات الانعزال عن العالم أو مناصبته العداء، ذلك أن زعماً كهذا يسيء إلى جوهر المشروع الحضاري العربي، ويعوق اندراجه في الحضارة الإنسانية، ويتعارض مع معنى المثاقفة والحوار الثقافي، من حيث هما شرطان ضروريان لتطوير كل هوية ثقافية إنسانية.
ثامناً: يطالب المشاركون في المؤتمر السلطات المسؤولة بتأمين التمكن من وصول الثقافة إلى المجتمع كله، وبالارتقاء بالوعي الثقافي المجتمعي، ذلك أن الأنظمة المستبدة المغلقة أوهنت المجتمع حين أوهنت ثقافته، وفككت عراه حين طاردت الثقافة والمثقفين، مستعملة الرقابة والإرهاب والمطاردة والحصار، فالارتقاء الثقافي شرط تطور المجتمع وانفتاحه على السياسة والمبادرات الوطنية وتجديد أشكال الفكر جميعاً.
تاسعاً: يدعو المشاركون في مؤتمر القاهرة جميع المثقفين العرب إلى الخروج عن الصمت والانتظار والارتياب لتحدي القمع والتهميش، وإعادة طرح القضايا والأسئلة باتجاه مد جسور بين المجتمع المدني والدولة.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.