تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

متابعات وتقارير

عبدالمنعم القلاف

مؤتمر التقريب بين المذاهب يجعل الكرامة الإنسانية ضرورة من أولوياته
أكد البيان الختامي للمؤتمر الدولي للتقريب بين المذاهب الإسلامية المقام في أكتوبر 2009 على ضرورة الكرامة الإنسانية والوحدة الإسلامية، مؤكداً دورهما في مواجهة التحديات التي تعصف بالعالم الإسلامي.
ودعا المؤتمر الذي ينعقد سنويًّا بدعوة من المركز الإسلامي في لندن لمواجهة التهديدات والأخطار التي تعصف بالعالم عامة وبالمسلمين خاصة بكلمة سواء وهي «توحيد الكلمة وكلمة التوحيد».
وألقى بالمسؤولية الكبرى على العلماء في مواجهة الفتاوى التكفيرية، ناصَّا على أنه «لابد أن تسمع الإنسانية والمسلمون بشكل خـاص صوت الوحدة والتقريب من علماء هذه الأمة الإسلامية وقياداتها الدينية، ولنجعل قاعدة: نختلف لنتكامل لا لنتخاصم».
وأكد البيان على العمل الجماعي بين الطوائف والمذاهب لتصحيح الصورة المشوهة للمسلمين في العقل الغربي عن طريق آليات مقننة لتوثيق الخطاب المؤثر.
وأوصى المؤتمر بتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، واعتماد النظرة الاجتماعية، وأن عالمية الإسلام لا تتجاوز الخصوصيات الثقافية للشعوب بل تهذبها، داعياً لنبذ منهج الإفراط والتطرف، فإنه يدعو للعزلة والانزواء و التكفير والإقصاء.
كما ثمَّن المؤتمر المواقف البنَّاءة التي اتخذتها المرجعية الدينية في العراق في إطار التقريب والوحدة، لا سيما مرجعية آية الله العظمى السيد علي السيستاني، وكذلك جهود الوقفين الشيعي والسني في العراق على إيجاد فرص الألفة وتذليل الكثير من المشاكل التي واجهت هذا الشعب العراقي اليوم.
وبارك المؤتمر كل الجهود المخلصة الرامية إلى إشاعة ثقافة التقريب والوحدة بين المسلمين وذكّر بخطوتين في هذا الطريق كفضائية التقريب التي أسسها مؤخراً المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية لتكون منبراً مؤثراً في هذا الطريق، وكذلك المساعي الحاصلة لدى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو في تأليف كتاب مدرسي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ليكون مؤثراً.
وشارك في المؤتمر عدد من العلماء الإسلاميين والمفكرين والمثقفين المقيمين في بريطانيا والقادمين من خارجها للمشاركة في المؤتمر.
وبيَّن المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -الإيسيسكو- الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري في ورقة مشاركته دور المنظمة في التقريب بين المذاهب الإسلامية، عن طريق الندوات المبيِّنة لأهمية دور الوحدة بين المذاهب، التي على أساسها دعت الإيسيسكو فريقاً من العلماء والمفكرين إلى وضع مشروع استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية.
وقال سماحة الشيخ حسن الصفار في ورقته التي جاءت بعنوان (الخطاب الديني والتحديات الداخلية): «إنني أعتقد أن الخطاب الإسلامي يواجه الآن تحديات داخلية هي الأهم والأخطر على مستقبل الإسلام والأمة. فلا بد من الاستجابة لها والارتقاء إلى مستوى مواجهتها».
وجعل أبرز وجوه التحديات في: إنتاج ثقافة التنمية والبناء، والعلاقة الإيجابية مع الآخر، وترشيد التوجهات والممارسات الدينية. مبيناً أهم مظاهر خطر الغلو.
وأبرز أهمية الدعوة على البصيرة التي تعني أمرين مهمين، هما: اطمئنان الداعي للفكرة ووضوحها عنده، ومعرفة الواقع الخارجي الذي تلامسه الفكرة المطروحة باختيار القول المناسب للموقع المناسب.
كما شارك رئيس المركز الإسلامي في إنجلترا الشيخ المُعزّي بورقة بعنوان (استعادة الهوية الإسلامية في ظل خطاب الوحدة)، ركّز فيها على استراتيجيتين، الأولى: بالرجوع إلى تعاليم الإسلام وهديه العظيم، والثانية: التزام الوحدة الإسلامية.
وقال: «إذا كان المسلمون يشكلون نسبة كبيرة من هذا العالم، فعليهم أن يخلّصوا أنفسهم ويسلكوا سبيل النجاة التي يمكن أن تتحقق من خلال استعادة الهوية الإسلامية».موكداً على اتِّباع هدي الإسلام في الجوانب الاجتماعية.
ودعا للاستهداء بالخصوصيات التي وصف الإسلام بها أمة الإسلام، ألا وهي ميزة السعي للحق والتزامه واتِّباعه، والدعوة اليه، والتمهيد لاتِّباع الآخرين له. ومن ميزاتها الوسطية والاعتدال، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وشارك عميد كلية الشريعة في لندن الدكتور السيد فاضل الميلاني بورقة بعنوان (خطابنا للعقل الغربي في إطار التعايش مع الآخر)، قال فيها: «وبدأت العلاقات بين المسلمين والغرب تأخذ طابعاً آخر، طابع الكرامة والعزة، طابع القدرات والإمكانات الهائلة التي يمكن استثمارها من دون الإحساس بالضعف تجاه الغرب».
وفي ورقة بعنوان (التوازن المطلوب في الخطاب الإسلامي) قدمها الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بطهران، ركّز فيها على الخطاب الإسلامي الإعلامي وقال: «فمحاولتنا هي نقد ذاتي لحركة المفكرين الإعلاميين ودعوة إلى تحقيق الوسطية».
وركز التسخيري على التوازن المطلوب بين خصوصيات الفرد والوطن وعموميات الأمة وقال: «فإن المطلوب من الخطاب الديني العودة إلى (التوازن) و(الواقعية) و(العقلانية) و(المرونة)، وكلها من الظواهر الإسلامية العامة».
وقال إمام المركز الثقافي الإسلامي ومسجد لندن المركزي الشيخ خليفة عزت في ورقته التي جاءت بعنوان (كيف وقف القرآن الكريم من أساليب بث الفرقة والاختلاف): «إن أمتنا الإسلامية في أمس الحاجة إلى تأكيد الدعوة إلى الوحدة وعدم الاختلاف أو التفرقة في هذه المرحلة الراهنة».
وكان الشيخ عزت وضّح الفرق بين الوحدة والاختلاف مركزاً على الفرق بين الاختلاف والخلاف في القرآن، ونهي القرآن عن الفرقة والاختلاف والدعوة إلى الوحدة، لافتاً إلى ضرورة الوحدة الإسلامية ونبذ الفرقة. وبيَّن أن العبادات تطبيق عملي للوحدة وعدم التفرق.
وشارك الشيخ أحمد قبلان المفتي الجعفري الممتاز في الجمهورية اللبنانية بورقة عنوانها (المنهج المؤثر في الخطاب الإسلامي لمواجهة التحديات) قال فيها «إن الاختلاف في الاجتهاد لا يضر بالوحدة، ولا يجوز أن يكون سبباً لتفريق الأمة وتشتيتها، فالاختلاف أمر طبيعي والعاملون مهما كانوا مخلصين لابد أن يختلفوا في اجتهاداتهم».
وذكّر قبلان بأن حل الاختلاف لا يتم بالمشاكسة ولا بالتحدي ولا بالتكفير ولا باللعن، إنما يتم بالحوار والحجة والدليل والقرينة وبالانفتاح والاعتراف بالآخر، بل يتم بالوعي والحكمة وإعمال العقل ورد الأمور الخلافية إلى كتاب الله.
وشارك الدكتور فؤاد إبراهيم (باحث إسلامي من السعودية) بورقة عنوانها (إشكالية (الآخرية).. مقاربة تقريبية للاختلاف).
جاء فيها: «من الخطأ الاعتقاد بأن الاختلاف في المجال الإسلامي بدأ من الناحية التاريخية في القرن الثاني الهجري، أي بعد زمن تدوين الحديث، ولكن الصحيح أنه بدأ في مرحلة مبكرة من تاريخ الإسلام».
وأكد الدكتور على أن التعاليم الدينية فسحت في المجال أمام نشوء تنوّع في الرؤية للنص الديني وطرق التعامل معه.
وقال: «لم يكن مفهوم الآخرية داخل المجال الإسلامي مستهجناً، ولم يكن مفهوم الغيرية يكتسي طابعاً دينيًّا (إيماناً/ وكفراً)، بل إنها غيرية اجتهادية (خطأً/ صواباً)، لأن التعامل مع أفهام متعدّدة للنص الديني كان قائماً بين الصحابة، بخلاف ما كان الحال عليه بين المسلم والآخر الكافر كما تظهره بوضوح سورة الكافرون {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}».
كما شارك في المؤتمر الدكتور كمال الهلباوي (رئيس منتدى الوحدة الإسلامية في لندن) بورقة عنوانها (كيف يحصن المسلم نفسه ضد تحديات التقريب بين المذاهب الإسلامية)، ركّز فيها على ما ينبغي لكل مسلم عاقل أن يحصن نفسه وأهله ضد التحديات التي تعترض طريق الوحدة والأخوة والتحابّ بين أصحاب المذاهب الإسلامية.
ولخص الهلباوي برنامج التحصين ضد تحديات التقريب في نقاط متعددة، وجعل المرجعية تتمثل في القرآن والسنة الصحيحة. والعلم والمعرفة الواسعة، وتهيئة البيئة العلمية المناسبة أول هذه النقاط.
ومما ذكر من النقاط: المؤسسات التكوينية، التحرر من التعصب المذهبي، والانفتاح على المذاهب الفقهية، والرجوع إلى العلماء الثقات والتفقه عليهم، والتحلي بالأخلاق القرآنية وهي أخلاق القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الطيبين.
كما شارك الشيخ علي العالمي عضو المجمع الإسلامي العالمي بلندن بورقة بعنوان (كرامة الإنسان من رؤية القرآن والحديث)، استعرض فيها بعض الآيات المبيّنة لقيمة الإنسان في القران الكريم.
وبيَّن الشيخ العالمي عناية الإسلام بالإنسان وخصوصاً كرامته كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات/ 13).
وتطرق الشيخ لسبل تدعيم الكرامة الإنسانية وعددها في: احترام حقوق الآخرين، وقضاء حاجة المؤمن، المحافظة على كرامة المؤمن بالاجتناب عن الاستغابة والتهمة والتجسس على أحوال المؤمنين.
وختم سبل تدعيم الكرامة بالمحافظة على الوحدة الإسلامية، مذكّراً بقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال/ 46).
وفي ورقة بعنوان (خطابنا للعقل الغربي في إطار التعايش مع الآخر) شاركت الدكتورة مريم آيت أحمد علي رئيسة قسم العقائد والأديان، رئيسة وحدة الحوار بين الأديان والثقافات بجامعة ابن طفيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية - القنيطرة - المغرب. ركّزت على تعدد الآخر الغربي متسائلة «وإذا ركزنا على الغرب بفعل العوامل التاريخية التي ربطتنا فهل الغرب عالم واحد أم عوالم مختلفة؟ هل الغرب كاثوليكي/ علماني/ لائكي/ صهيو-مسيحي؟ وكلها تمايزات لمنظومات عقدية فكرية غربية؟»
وجعلت المعرفة أساس العلاقة مع الآخر «والمعرفة بأبعادها المختلفة تحتاج إلى مشروع حضاري إسلامي قادر على إيصال مفاهيمها وأخلاقياتها إلى الآخر، ولا شك أن غياب آلية للحوار مع الآخر غيّبت المعرفة الصحيحة بالجانب الحضاري للمجتمع الإسلامي بماضيه وحاضره».
وتطرقت لأبعاد التواصل مع الآخر في الخطاب الإسلامي المعاصر، وجعلتها في مستويين: مستوى الذات الداخلي، والمستوى العالمي الآخر.
وعلى مستوى الذات تحدثت عن التحدي القيمي وهو الذي يثير قضية الأصالة والمعاصرة في الإسلام. وكيفية تحقيق الاستثمار الاستراتيجي وهو المدخل الرئيسي للمستقبل بكل أبعاده. والإحاطة بالصور التاريخية الشاملة للعلاقة مع الآخر في حضارتنا العربية الإسلامية بالرجوع إلى حصر وجمع المصادر الأولية: (مواثيق النبي (صلى الله عليه وسلم) - تحالفات - اتفاقيات - معاهدات - معاملات -...) ومراجعتها من قبل العلماء والأكاديميين والمراكز والمؤسسات والمنظمات المتخصصة للخروج برؤية إسلامية متأصلة بعيداً عن رؤى وأحكام الأفراد غير المتخصصين.
كما تناولت ترسيخ الوعي الديني الصحيح الذي يؤكد أن الإسلام دين التوازن والتسامح.
ودعت لأن يفصل بين الحوار مع الآخر بوصفه أمراً شرعيًّا تأصلت نصوصه من القرآن والسنة، وأمراً واقعيًّا تمليه المصلحة الثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية والاتصالية الإعلامية في مواجهة تحديات الأمة، وبين دعوات وحدة الأديان المرفوضة والتي تستهدف تذويب الإسلام كخاتم للديانات وخلطه مع التحريفات المعرفة لديهم.
وعلى المستوى العالمي قالت: «أعتقد أنه قد آن الأوان لاقتراح عقد مائدة مستديرة تعالج شطط الإعلام الدولي واستراتيجيات المؤسسات العسكرية في دعم الفكر الصدامي بين الشعوب والثقافات، مائدة نجتمع فيها انطلاقاً من المنهج القرآني {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا}.
وأردفت قائلة: «وللإشارة فإن القرن الحالي مهما روّج له صناع قيم ومبادئ العولمة بهواجس مفتعلة لمنع التقارب والحوار بين شعوب العالم، فإنه لن يكون قرن صراع بين الحضارات والمجتمعات، وإنما قرن حوار حضاري»، مرجعةً ذلك لأسباب منها: الأخطار التي تهدد عالمنا المعاصر أصبحت أخطاراً عالمية تهدّد الجميع وتتطلب جهوداً دولية لمواجهتها مثل قضايا المخدرات ودمار المجتمعات والاتِّجار بالأسلحة والبشر والإرهاب الدولي.
واصلت قائلة: يمكن القول إنه إذا كانت القوى العالمية تنطلق في كل علاقاتها ومشاريعها على أساس المصالح من موقع الضغط عل الشعوب المستضعفة، فعلينا أن نتحرك مع هذه الشعوب خصوصاً وأننا نشترك معها في القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، وقد نستطيع من خلال هذا الترابط المصلحي بيننا وبين العوالم الأخرى والتي قد ندخل فيها بعض الخطوط الثقافية، يمكننا من إقامة جبهة عريضة لحفظ وتوازن مصالحنا في مواجهة تحديات العولمة.
وختمت بحثها باقتراحات منها:
- المشروع النهضوي الإسلامي ليس مذهباً فكريًّا أو سياسيًّا محدداً، وهو ليس عملاً فكريًّا اعتياديًّا يمكن للفرد إنجازه ضمن بحث أو كتاب، بل هو عمل شاق ومتشعب يتطلب حركة ثقافية واسعة تحمل الهم المشترك.
- الاعتراف التام من جانب الغرب بخصوصيتنا الدينية والثقافية والأخلاقية، وعدم تبني خطاب استعلائي من جانبه يطمح من خلاله إلى إذابتنا في منظومته الفكرية والأخلاقية التي نرفض كثيراً مما تحويه.
- أن يكون الهدف من الحوار التوصل إلى صيغة مناسبة وملائمة للعيش في سلام بين حضارتين، وليس محاولة تسييد الحضارة الغربية على حساب حضارتنا؛ لأن هذا تكرار للنهج الاستعماري.
- العمل على تصحيح صورة الإسلام لدى الغرب بعيداً عن الصورة التي ارتبطت في وجدانه بالقتل والعنف، وهذا جهد مشترك بين الحكومات والشعوب الإسلامية.
- الوحدة الإسلامية هي أهم عامل يجب توافره في الأمة الإسلامية، ومن دونها لن تستطيع الأمة أن تحقق أيًّا من أهدافها الحضارية العالمية.
- بعث روح الأمل لتعزيز دور فاعلية الأمة والاستفادة من كل الإمكانات المتاحة في مواجهة التحديات، والقيام بتحليل علمي لمجموعة المنظومات الناضجة لمفهوم الحضارة الغربية الفلسفية والفكرية والثقافية والسياسية والجمالية والمعمارية والفنية والأدبية.
- إنشاء لجان ومراكز مشتركة في مناطق معينة من العالم تتبادل المعلومات وتتشاور في قضايا التواصل حول تعزيز العلاقات بين الثقافات والشعوب والحضارات، وإنشاء مكاتب ارتباط لدى بعض المؤسسات والمنظمات العالمية، فتجعل خصوصياتنا الثقافية العربية والإسلامية تتفاعل مع الثقافة الأوروبية والثقافة الصينية والثقافة اليابانية والثقافة الهندية ومختلف ثقافات أمريكا اللاتينية، لمواجهة ثقافة الصدام والإلغاء والصراع.
- الإقرار بسياسة الانفتاح في محيط العلاقة مع الآخر، ورفض سياسة العزلة والانغلاق، ورفض الأحكام المنافية للحرية والتي تنشأ نتيجة القسر والإكراه حتى لو تكرست عبر اتفاقيات أو معاهدات؛ لأن الإكراه والحرية ضدان لا يجتمعان، والمشروع النهضوي الإسلامي لا يعترف بظاهرة ازدواجية المعايير التي تتسم بها معظم السياسات الدولية المعاصرة؛ لأن مبدأ التعارف الإنساني يعد مركّباً هيكليًّا في صلب البناء العالمي الذي ينشده المشروع، وليس أمراً طارئاً أو استثنائيًّا.
- إن الاستراتيجية الإعلامية هي محور مركزي في مجال هذا المشروع، كما أنها تمثل ركناً أساسيًّا من أركان الحوار والتواصل والاتصال بين الشعوب لتصحيح الصورة النمطية السيئة عن الإسلام في وسائل الإعلام العالمي؛ ولذلك يتعيَّن على المشروع توظيف أحدث تقنيات الإعلام لتحقيق الاستراتيجية الإنمائية الشاملة وتكريس الهوية العربية الإسلامية.
وشارك الشيخ أحمد بمبا ولد صيار من المركز الإفريقي للدراسات والأبحاث الصوفية - موريتانيا، بورقة أسماها (آفاق التقريب المذهبي والطائفي من رؤية صوفية)، تطرق فيها لأطروحة الصدام وأطروحة التعايش والتكامل.
وتحدث في المبحث الأول عن الحوار والتقريب، وتناول أنماط ومدارج هذا الحوار والتقريب: تقريب مناهج، تقريب مؤسساتي، حوار إثنيات وعرقيات، حوار الطبقة العالمة، تقريب عن بعد.
وتحدث في المبحث الثاني عن التصوف والتقريب، كما تناول: مدرسة آل البيت والمتصوفة أي تقريب؟ ويقول: «إن علم الإمام جعفر الصادق وسع كل هذه المدارس مجتمعة، ولا ينكر الباحث شدة تعلق المتصوفة بالسلسلة الذهبية ومعرفة حقها انطلاقاً من حديث الثقلين الصحيح بالاتفاق».
ويختم دراسته بهذه المقترحات لتفعيل الدور التقريبي في الغرب الإسلامي:
أ - إعادة كتابة هذا التاريخ وتمحيصه من أيادي القوميين.
ب- وضع منهج موحد للأنماط الدعوية في الغرب الإسلامي ومواجهة التنصير.
ت- تفعيل العمل النسوي في الحقل الإسلامي التقريبي.
ث- إعداد ندوة دولية عن الأشراف (آل البيت) تستبعد صكوك الأنساب الشريفة للقادة والطغاة مشتركة بين الشيعة والسنة.
مؤتمر: «اللغة العربية وعالمية الكتاب العربي»
محمد تهامي دكير
«بفضل القرآن بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا..».
المستشرق الألماني كارل بروكلمان
للتعرّف على واقع الكتاب وطباعته وبداية النشر في بيروت، وللتعرّف على موقع اللغة في الفكر العالمي، ودور الترجمة والتعريب في عالمية الكتاب العربي، ومكانة اللغة العربية في الكتاب الإلكتروني.. نظّم المجلس العالمي للغة العربية في مقره ببيروت (كلية الدعوة الإسلامية) مؤتمراً بعنوان: «اللغة العربية وعالمية الكتاب العربي»، وذلك بين 21 - 22 ذي الحجة 1430 هجرية، الموافق 8 - 9 كانون الأول ( ديسمبر) 2009م.
شارك في المؤتمر عدد من الباحثين والأكاديميين ومهتمين باللغة العربية من العالم العربي وتركيا وإيران.
افتتحت الجلسة الافتتاحية بعرض فيلم مصور عن مسيرة عمل المجلس العالمي للغة العربية، من التأسيس وإلى اليوم. ثم انطلقت الكلمات،حيث تحدّث في البداية د. عبد الناصر جبري (رئيس المجلس العالمي للغة العربية)، فأشار إلى المؤتمر السابق الذي عقد في دمشق سنة 2008م، أما هذا المؤتمر فيعقد في لبنان وقد تجاوز أزمته السياسية، وهو البلد الذي يعتبر نقطة وصل متقدمة بين الشرق والغرب.
وأضاف د. جبري: عندما برمجوا غزونا ثقافيًّا باستبدال ألسنتنا ومحاولة تكريس العامية باستخدام الإعلام ومسخ أفكارنا وهدم مقومات البنى الإنسانية فينا، حاولوا استعمال لبنان. وفي الأخير حذر د. جبري من مخططات الاستعمار المتنقلة من بلد عربي لآخر.
عضو الهيئة الإدارية في اتحاد الكتاب اللبنانيين د. رفيق عطوي، ألقى كلمة مما جاء فيها: أضحى من واجبنا اليوم عرباً ولبنانيين أن نجعل السلام من سمات بيروت المشرقة، بفضل الأقلام، إذ ليس أدل على نهضتنا الثقافية سوى هذا النهوض المعرفي المتميز في تألق الكتب العربية المبدعة في مجالات الفكر الإنساني كافة. كما أشار إلى تكريم اليونيسكو لبيروت فهي اليوم عاصمة الكتاب العالمي بعدما كانت قبل عامين عاصمة للثقافة العربية.
الدكتور محمد فتح الله الزيادي (عميد كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا) قدم كلمة الوفود المشاركة نيابةً عن رئيس جمعية الدعوة الإسلامية العالمية د. محمد الشريف، ومما جاء فيها: أنقل إليكم تحيات زملاء لكم في جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، في مختلف أنحاء العالم يهتمون بدراسة اللغة العربية وآدابها ونشرها في هذا العالم، الذي يحتاج أن نرفع فيه لواء هذه اللغة التي تمتد جذورها في التاريخ. وأضاف: إننا بحاجة إلى أن نقدم لغتنا كلغة عالمية لها مكانتها الخلّاقة، لنقدم للعالم الصورة الفريدة التي قدمها الإسلام. والمجلس العالمي يمكن أن يساهم في ذلك إذا توافر له الدعم الكافي.
ممثل عقل الموحدين الدروز ألقى قصيدة من وحي المناسبة. كما تحدّث في هذه الجلسة كل من الشيخ نعيم حسن ود. سامي أبي المنى ود. فاديا المليح حلواني، (عضو هيئة التدريس في جامعة دمشق). وقد أكد الجميع أهمية انعقاد هذا المؤتمر وضرورة الاهتمام باللغة العربية.
الجلسة الأولى
لمناقشة المحور الأول في هذا المؤتمر: «بيروت مدينة الكتاب العربي» انطلقت أعمال الجلسة الأولى برئاسة د. محمد شيا (لبنان) وتحدّث فيها في البداية د. رفيق عطوي (لبنان)، عن أهمية الحركة الثقافية عبر التاريخ في بيروت، مشيراً إلى طغيان الشعر الحديث على الإنتاج الثقافي المعاصر، وكذلك شيوع استخدام اللغة العامية على حساب الفصحى في عدد من الكتابات أو في وسائل الإعلام. د. عماد الجواهري (العراق) قدّم ورقة بعنوان: «كتاب الضاد من بيروت إلى بغداد»، أشار فيها في البداية إلى المقولة المشهورة: «القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ». بعدها تحدّث الكاتب عن علاقة العراق بلبنان وبالخصوص بدور النشر اللبنانية، وذلك من خلال ثلاثة محاور، فَتَحْتَ عنوان: الكتاب اللبناني وطلائع النهضة العراقية، أكّد الباحث على حضور الكتاب اللبناني في جميع مجالس الأدب في بغداد والحلة والنجف، وكيف أن شيوخ الأدب والكلمة في العراق قد ربطتهم بالناشرين والأدباء اللبنانيين علاقات وطيدة، مثل العلاقة التي ربطت الجواهري بأحمد عارف الزين صاحب مجلة العرفان الصيداوية، وكثرة الدواوين الشعرية العراقية التي تكفَّلت دور النشر اللبنانية بطباعتها.
وعليه يقول الباحث: فإن نهضة العراق الأدبية في النصف الأول من القرن العشرين قد وجدت في الكتاب اللبناني موئلاً وملاذاً بدءاً بالزهاوي ومروراً بالرصافي والجواهري وهم أساطين الشعر العمودي في العراق.
كما تحدّث الباحث عن مساهمة الكتاب اللبناني في حركة التجديد في الشعر العربي عن طريق نشر قصائد الشعر الحر العراقية وتسويقها في العالم العربي، مثل دواوين نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي. كما أشار الباحث إلى وجود سياسين ومفكرين لبنانيين فضّلوا أن يقدّموا إنتاجهم الفكري عبر الكتاب العراقي طباعة ونشراً وتوزيعاً. وفي الأخير أكد الباحث أن بغداد كانت ولا تزال سوقاً رائجةً للكتاب المطبوع في بيروت. وأن «دولة الضاد التي عبر عنها الكتاب اللبناني لم تشأ بالرغم مما تحملته من أعباء الطباعة والتصحيف والتجليد والنشر والتوزيع، لم تشأ أن تبدي أية مِنَّة إزاء ما قامت به».
الدكتور جوزيف إلياس تحدّث عن بدايات الطباعة والنشر في بيروت منذ سنة 1751م وإلى الآن.
أما د. همذان حسين سليمان فقدّم ورقة بعنوان: «رحلة اللغة العربية وبيروت مدينة الكتاب العربي»، أشار فيها في البداية إلى أهمية اللغة العربية وأنها لغة القرآن الكريم، وقد انتشرت مع الفتوحات الإسلامية، حيث تغذّت بكلمات ومفاهيم جديدة، عرّبها العرب وأخضعوها لقوانين اللغة العربية، كما أن حركة تدوين العلوم والترجمة التي انطلقت في العهد الأموي وتوسعت في العهد العباسي والأندلسي قد مكّنت اللغة العربية من التجذر والنمو والتطور واتسعت آفاقها بحيث أصبحت لغة كل مسلم من جنوب أوروبا غرباً إلى تخوم الصين شرقاً.
ومنذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى اليوم –يقول الباحث:- لا تزال العربية آخذة في النمو، وقد شهدت هذه الفترة حركة بعث لغوي واسعة، نهضت بها مجموعة من البلدان العربية، على رأسها مصر ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين. وقد شملت حركة النهضة اللغوية طبع كتب التراث وإحياء الفصحى وتعليم الصرف والنحو والبلاغة والأدب، كما شملت المعجمات وأساليب التعبير والمصطلحات العلمية في شتى حقول العلم والتكنولوجيا ولم تغفل التعريب والترجمة.
بعد ذلك تحدّث الباحث عن موقع ومكانة اللغة العربية في بيروت، وكيف أن بعض الرهبان المسيحيين في لبنان كانوا أول من أدخل المطبعة في الشرق العربي، حيث ازدهرت حركة الطباعة والنشر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فظهرت كتب المذكرات السياسية، والدراسات العلمية ودواوين الشعر والقصص والروايات باللغة العربية، كما ازدهرت الصحافة العربية المكتوبة، ما انعكس إيجاباً على نمو وانتشار اللغة العربية. ومع أن لبنان عاش حرباً أهلية مُدمِّرةً إلا أن مطابع بيروت لم تتوقف عن طبع ونشر وتوزيع الكتاب العربي. أما الحدث الأبرز في هذا العام (2009م) على صعيد الكتاب العربي فهو «الكتاب المسموع» الذي أطلقه الشاعر اللبناني هنري زغيب بعنوان: «أسمع بيروت بأقلامهم» جمع فيه قصائد شعرية ومقطوعات نثرية لمبدعين عرب كتبوا لبيروت.
وفي الأخير قدّم الباحث مجموعة من المقترحات، طالب فيها بدعم المؤلفين والناشرين وتشجيعهم، واعتماد أحدث التقنيات في طباعة الكتاب العربي، العمل على إيجاد مكتبات عامة في كل مدينة وقرية لتشجيع القراءة والارتباط بالكتاب العربي، وتنظيم مسابقات وجوائز لأفضل كتاب ومكتبة.
الجلسة الثانية
ولمناقشة محور: «موقع اللغة العربية في الفكر العالمي»، عقدت الجلسة الثانية برئاسة رئيس مجمع اللغة العربية في سورية د. مروان المحاسني، الذي أشار إلى أهمية حركة الترجمة من اليونانية إلى اللغة العربية في العصر العباسي، لأنها كانت مرحلةً ومنعطفاً مهمًّا في التاريخ الإنساني، فعبر هذه الترجمة انتقل الفكر اليوناني إلى أوروبا عبر البوابة الأندلسية، ومن ثم كان منطلق الحضارة الغربية الحديثة.
ثم قدّم د. خالد حلبوني ورقة بعنوان: «اللغة العربية والفكر العالمي»، استعرض فيها مجموعة من المؤلفات الأدبية الأوروبية التي ظهر فيها التأثر بالثقافة والحضارة العربية واضحاً جليًّا، وهذا يؤكد ما يذهب إليه عدد من المؤرخين للنهضة الأوروبية الحديثة من أن الثقافة العربية والإسلامية هي المصدر الثالث للثقافة الأوروبية بعد اللاتينية واليونانية، دون أن ننسى فضل اللغة العربية في نقل الثقافة والفكر اليوناني والحفاظ عليهما.
الورقة الثانية في هذه الجلسة كانت بعنوان: «موقع اللغة العربية في الفكر العالمي»، وقدّمها د. عبد الرحمن عطبة (سوريا)، في البداية تحدّث الباحث عن مستوى اللغة العربية والمقومات والخصائص العامة التي تجعلها ذات موقع في الفكر العالمي، من هذه المقومات كون اللغة العربية لغة قاعدية قياسية تعتمد على قواعد مطردة متناهية، وقدرتها على التعبير عن أدق المشاعر والهواجس والأحاسيس بأوجز عبارة وأدق أسلوب، وكثرة المترادفات للدلالة على الفروق الدقيقة في المعاني المتقاربة.
ومن الخصائص الذاتية للغة العربية –كما يقول الباحث- أنها لغة العبادة لدى الملايين من المسلمين عرباً وغير عرب.
بالإضافة إلى كل ذلك فهي تنفرد عن مثيلاتها العالميات بمرونتها ومطاوعتها للحياة، واستجابتها لتداعيات التطور دون المساس بأصالتها، بحيث اقتصر التطور فيها على بعض مفرداتها حياة أو موتاً؛ لأنها مرتبطة ومتأثرة أشد التأثر بالقرآن الكريم، وبذلك أصبحت اللغة العربية متواصلة وأصبحت الثقافة متواصلة، وأصبح أي قارئ لأي نص قديم ولوكان من العصر الجاهلي يفهم النص فهمه لأي نص حديث، وهذه المميزات والخصائص أعطت للغة العربية بُعدها العالمي، ما جعل الكثير من المستشرقين الغربيين يشهدون لها بالتميز، فهذا الألماني كارل بروكلمان يقول: «بفضل القرآن بلغت اللغة العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا».
أما المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون فيقول: «اللغة العربية لغة وعي ولغة شهادة، وينبغي انقاذها سليمة بأي ثمن، للتأثير في اللغة الدولية المستقبلية».
أما بخصوص أسباب تراجع وضعف اللغة العربية في الدول العربية فإن الباحث يعزو ذلك لعدة أسباب داخلية من أهمها تدني مستوى التعليم والمؤسسات العلمية والمعاهد والجامعات، وخارجية متمثلة في: الحداثة والدعوة إلى العامية، فدعاة الحداثة يدعون إلى تحطيم البنية التعبيرية القديمة للغة كسبيل لتحطيم الثقافة الذهنية القديمة، والقطيعة مع التراث في نهاية المطاف.
أما الدعوة إلى العامية فقد شجّعها الاستعمار الغربي وعدد من الكتّاب العرب الذين كتبوا باللغة العامية واعتبروها اللغة الحديثة في مقابل الفصحى.
لكن رغم هذه التحديات فإن اللغة العربية -بفضل حماية القرآن لها- ستستمر في البقاء والثبات، لأنها حاملة لمعاني القرآن وقيمه وأحكامه.
الورقة الثالثة في هذه الجلسة قدمها د. محمد تشكار ود. عبد الهادي تمورتاش (تركيا) بعنوان: «حيوية اللغة العربية عبر الكتب العثمانية: محمد ذهني أنموذجاً»، في البداية أشار الباحثان إلى أن بعض كتب الطبقات وتاريخ الأدب العربي تسمي العهد العثماني بعهد الانحدار والانحطاط للغة العربية، وأن الحياة العلمية والأدبية كانت معطّلة تماماً طوال خمسة أو ستة قرون متتالية، وهذا الادعاء -في نظر الباحثين- غير صحيح، فالدولة العثمانية جعلت من اللغة العربية لغة مشتركة للتواصل العلمي والاجتماعي بين جميع الشعوب باعتبارها لغة الدين الإسلامي، وقد اهتم السلاطين العثمانيون باللغة العربية، وقد كانوا يجيدون اللغة العربية، واتخذوها وسيلة لتعلم الدراسة الإسلامية المنصوص عليها في نظام تربية الأمراء في القصر العثماني، كما أن لغة التعليم في المدارس التركية من حيث المادة المقررة كانت اللغة العربية.
وقد استعرض الباحثان مقررات التدريس لمادة اللغة العربية في المناهج التركية مؤكدان أن تعلم اللغة العربية كان منحصراً في كونها أداة لفهم النصوص الدينية وقراءتها فحسب.
وبسبب الاهتمام التركي بتعلم اللغة العربية فقد اهتم عدد من المفكرين والعلماء الأتراك بتطوير مناهج تعليم هذه اللغة، على رأسهم العالم التركي محمد ذهني أفندي (1846 - 1913م) الذي درّس اللغة العربية وتفوّق في علومها، ومن ثَمَّ كان مؤهلاً لكتابة مناهج جديدة لتعليم اللغة العربية، حيث ألَّف عدداً من الكتب بالتركية لتدريس وتسهيل تعليم العربية مثل: الصرف العربي، المنتخب في تعليم لغة العرب، المُشذّب في صرف ونحو لسان العرب، وغيرها. أما أهم ما ميز منهج محمد ذهني لتعليم العربية فبُعده عن المناقشات الطويلة والتفصيلات التي لا داعي لها، التي كانت تستغرق وقتاً طويلاً للطالب دون فائدة. بالإضافة إلى اهتمامه بالأمثلة المقربة للأذهان وبأسلوب ميسر ومبسط.
وفي الأخير خلص الباحثان إلى أن اللغة العربية كانت لغة الدين والأدب والعلم والتعليم على مدى التاريخ العثماني الطويل وكانت العربية التي احتلت مكانة لغة الأم بالنسبة للعثمانيين في المدارس لغة لها قداسة عظيمة في نفوسهم، وبالتالي فالعهد العثماني بالنسبة للغة العربية وآدابها ليس عهد انحدار وانحطاط، وإنما هو عهد يمكن أن نسميه بعهد مجهول لم يكشفه كتّاب تاريخ الأدب العربي أو تجاهلوه عن قصد.
الدكتور محمد صابر عبيد قدّم ورقة تحدّث فيها عن إمكانات اللغة العربية في استيعاب المستجدات الحضارية والمفاهيم العلمية الجديدة، بفضل نظام الاشتقاق لديها.
أما الأستاذ نصر دلاوي فقد قدّم ورقة بعنوان: «انتشار اللغة العربية وعالميتها من خلال كتاب (حضارة العرب) لغوستاف لوبون (1841 - 1931م)»، في البداية عرّف الباحث بالمستشرق وعالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون، واهتمامه بالمعرفة وتطور الحضارات والشعوب، وسبب اختيار كتابه «حضارة العرب» لاستعراضه و التعرف على موقف كاتبه من اللغة العربية.
أما ما جاء في الكتاب بخصوص اللغة العربية، فإن غوستاف لوبون يرى أن اللغة العربية تنتمي إلى اللغات السامية، وهي ذات أوصاف مشتركة مع العبرية، وتحتوي أصواتاً تختلف كثيراً عن مثيلاتها في اللغات الأوروبية. وقد اكتملت واستوت على سوقها حوالي مائة سنة قبل البعثة النبوية، ومما يدل على ثرائها المعاجم التي كُتبت، مثل معجم ابن سيده (20 مجلداً)، وهذا الثراء والغنى ظل يتضاعف باستمرار من خلال اقتباس مصطلحات وألفاظ جديدة من لغات خالطت اللغة العربية.
أما أسباب انتشارها وعالميتها فقد ذكر غوستاف ثلاثة أسباب:
1- الفتوحات الإسلامية.
2- الحركة العلمية النشطة في الحضارة الإسلامية.
3- حركة الترجمة والنقل الواسعة التي قام بها العرب في العصرالعباسي.
ومن خلال قراءة متأنية لهذه الأسباب تبيّن للباحث أن غوستاف ربط بين انتشار اللغة العربية وتمكنها وبين المستوى الحضاري أو أحوال وأوضاع وسلوكات ومعاملات حظيت بها شعوب البلاد المفتوحة، ما جعلها تُقبل على اعتناق الإسلام ولغته.
وفي الأخير خلص الباحث إلى أن صحة اللغة واعتلال قوتها وضعفها وضمورها وحيويتها وترهُّلها وانتشارها... إلخ، إنما هو ناشئ ابتداءً مما يلحق أهلها والناطقين بها من صحة واعتلال وقوة وضعف ومستوى حضاري، لأن هذا المستوى الحضاري ومظاهر الغلبة وملامح القوة في الحضارة العربية هي التي كتبت الذيوع والانتشار للغة العربية، وأهَّلتها لأن تكون اللغة العالمية ذات الهيبة والمكانة والاعتبار.
الجلسة الثالثة
ولمناقشة محور: «دور الترجمة والتعريب في عالمية الكتاب العربي»، عقدت الجلسة الثالثة برئاسة د. محمود حلاوي (لبنان)، وتحدّثت فيها في البداية د. سعيدة كحيل (الجزائر) عن دوافع الترجمة وأهدافها وإيجابياتها وسلبياتها، كما تساءلت عن وضع اللغة العربية داخل أوطانها وأسباب قصورها عن اللحوق بالركب الحضاري.
أما د. محمد خليفة فقدّم ورقة بعنوان: «معالجة الحرف العربي لنقل الأصوات العالمية»، تحدّث فيها عن علاقة الرموز بالأصوات والأحرف العربية بالأعداد العربية، كما استعرض فيها وعبر شاشة خاصة بعض الرموز والمصطلحات المؤسسة للحرف العربي.
تحدّث في هذه الجلسة كذلك د. صابر عبد الدايم يونس (عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وعضو الهيئة الإدارية للمجلس العالمي للغة العربية)، الذي قدّم ورقة بعنوان: «أثر الثقافة العربية والإسلامية في الأدب الألماني: جوته أنموذجاً»، تحدّث فيها بالتفصيل عن تأثر هذا الشاعر الألماني بالثقافة الإسلامية وخصوصاً القرآن الكريم، وقد ظهر هذا التأثر واضحاً في أشعاره، وقد استعرض الباحث بعضاً منها. كما أشار الباحث إلى كتاب «جوته والعالم العربي» الذي يُلقي الضوء على كثير من القضايا التي توضّح جوانب تأثر جوته بالثقافة العربية والإسلامية، وهذا التأثر يُجسّد أصالة الثقافة العربية والفكر الإسلامي، والأدب العربي ويكشف عن جذور المقارنة بين الآداب، ويؤكد أن التأثير والتأثر بين الآداب هما الطريق إلى عالمية الأدب.
الدكتور أيمن القادري تحدّث بدوره عن: الأنظمة الرقمية بين العرب والغرب. أما الأستاذ حمد يحيى الكمالي فقدّم ورقة الدكتور سيف الجابري (الإمارات)، التي تناول فيها جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في الترجمة ونشر الثقافة العربية.
الجلسة الرابعة
ولمناقشة المحور الرابع: مكانة اللغة العربية في الكتاب الإلكتروني، عُقدت الجلسة الرابعة برئاسة د. بكري الشيخ أمين (سوريا)، وتحدّث فيها في البداية د. أحمد زياد محبك (أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة حلب، وعضو المجلس العالمي للغة العربية) عن: «اللغة العربية والكتاب الرقمي»، أشار فيها في البداية إلى إمكانات اللغة العربية، وأنها استطاعت أن تؤكد حضورها الثقافي والعلمي الفاعل على مر العصور، وقدرتها على الاستفادة من تقانات العلم وآلاته المتطورة، من الطباعة بالألواح، إلى الطباعة الرقمية، وخير شاهد على ذلك الحاسوب، فقد أصبحت اللغة العربية جزءاً من برامجه وأنظمته. ثم تحدث عن أهمية الكتاب الرقمي وأنه أصبح يشكل ثورة علمية يمكن أن تغير مسار التاريخ في القرن الحادي والعشرين أكثر مما غيره اختراع المطبعة؛ لأن الكتاب الرقمي أصبح في متناول اليد وسهل النشر والتوزيع. كما تحدّث عن أنواع الكتاب الرقمي وصناعة الكتاب الرقمي، وقضاياه ومشاكله في الوطن العربي، مستعرضاً بعض هذه المشاكل مثل:
1- ما تزال كلفة الدخول إلى المواقع عالية بالنسبة إلى دخل المواطن.
2- ما تزال نسبة المتعاملين مع الشبكة محدودة جدًّا ولا تشكل سوى نسبة 8% من السكان في الوطن العربي.
3- معظم المواقع العربية على الشبكة، مواقع أدب ودين وغناء وجنس، وقليلة جدًّا بل نادرة هي المواقع العلمية، ولاسيما العلوم الحديثة.
4- غياب التبادل للمعلومات وفق شبكة موحدة بين أقطار الوطن العربي.
بعد ذلك قدّم الباحث مجموعة من المقترحات:
1- فتح الباب واسعاً أمام جميع الشركات العالمية المستخدمة للشبكة العالمية.
2- تخفيض سعر الاشتراك في خدمة الشبكة العالمية وأجرة الدخول إليها بل جعلها مجانية.
3- إلغاء الضرائب الجمركية على الحاسوب وكل ملحقاته ومعداته، وفتح الباب لاستيراده.
4- إدخال الحاسوب والتعامل معه مقرراً درسيًّا في المراحل التعليمية كافة، هو ما أخذت به بعض الدول العربية.
5- إنشاء مواقع علمية متخصصة في العلوم البحثة.
6- تعميم الحواسيب على مؤسسات الدولة كاملة، والسعي سريعاً إلى حوسبة مؤسسات الدولة.
7- وفي الأخير أكد الباحث أن المستقبل مفتوح أمام الحاسوب وشبكة الاتصالات العالمية والكتاب الرقمي والمكتبة الرقمية، وهو الذي سيفتح أبواب المستقبل، لكن لابد من التخطيط والبرمجة والعمل.
الدكتور محمد عمر الشاهين، قدّم ورقة بعنوان: «المؤلفات العربية من عصر المخطوطات إلى عصر الكتاب الإلكتروني»، تحدّث فيها عن تاريخ الكتاب العربي وأهمية المخطوطات العربية، وصولاً إلى واقع الكتاب العربي اليوم في عصر الطباعة الإلكترونية، كما قدّم بعض المقترحات. أما د. خالد العيساوي (المغرب) فتحدث عن: «موقع الفكر اللغوي العربي في الفكر اللغوي المعاصر»، حيث تساءل وأجاب عن سؤال إشكالي ومهم وهو: هل يمكن أن ينسب فكر لغوي ما إلى أمة أو إلى شعب ما؟ أم أنه إرث تتقاسمه كل الشعوب وجميع الأمم؟ كما تحدّث عن مفهوم الفكر اللغوي.
التوصيات
في نهاية فعاليات المؤتمر، أكد المشاركون في بيانه الختامي على:
1- دعوة الحكومات العربية وخاصة وزارات الثقافة إلى الاهتمام بالكتاب العربي المميز ودعمه ماديًّا ومعنويًّا، ليبلغ درجة العالمية.
2- دعوة المؤسسات العلمية والحكومية والخاصة، إلى الاهتمام بشؤون الترجمة والتعريب، وترجمة الكتب العربية التراثية والحديثة ذات الشأن.
3- دعوة الباحثين العرب في شؤون اللغة العربية إلى وضع خطط ومناهج موحدة لتوحيد تعليم الغة العربية لأبنائنا في الأقطار الشقيقة كافة.
4- العمل على تيسير قواعد العربية، ثم تعليمها بالتدريج في المؤسسات التعليمية الحكومية.
5- ضرورة تزويد المدارس والجامعات بالحواسيب اللازمة للطلبة والمعلمين جميعاً، وإنشاء مكتبات رقمية في كل قطر عربي.


 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة