تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مؤتمر كُتَّاب التجديد في الفكر الإسلامي

عبدالمنعم القلاف

القاهرة 26 - 27/ 6/ 2010م

«تقف الأمة الإسلامية اليوم في مواجهة تحدٍّ دقيقٍ فهي مستهدفة من قوى الاستكبار العالمي، الذي يحاول أن يقنع العالم بأن الإسلام دين عنف وقهر... ومن جانب آخر فإن التراث الإسلامي أصبح اليوم في مواجهة أسئلة كبيرة يطرحها الجيل الجديد الذي أصبح جزءاً من ثقافة العولمة السائدة، ولم يعد الخطاب التقليدي قادراً على تقديم الإجابات لهذه الأسئلة الملحة».

بهذه الكلمات أعلن مجموعة من الكتاب المسلمين الأسباب الموجبة لإنشاء رابطة لهم تحت مسمى (رابطة كتاب التنوير).

وجاء في الورقة التأسيسة للرابطة «لهذا اشتدت الحاجة لجمع الكُتَّاب المستنيريين الذين يتبنون خطًّا إصلاحيًّا في التعبير عن الإسلام، في رابطة واعية تعمل على تنسيق الجهود وتكريم الإبداع والإسهام في رعاية التيار التجديدي في العالم الإسلامي».

جاء ذلك في برنامج مؤتمر كُتَّاب التجديد في الفكر الإسلامي المقام بتاريخ 26 - 27/ 6/ 2010م في القاهرة برعاية من المنتدى العالمي للوسطية في عمان.

وحضر المؤتمر جمع من المفكرين من الدول العربية والإسلامية، منهم المفكر الإسلامي هاني فحص، ورئيس المنتدى ورئيس جامعة الأزهر السابق الدكتور أحمد عمر هاشم، والمفكر الإسلامي السعودي زكي الميلاد، والدكتور كمال أبو المجد، والرئيس السوداني الأسبق الصادق المهدي، بالإضافة إلى مجموعة من الكُتَّاب والإعلاميين.

التأكيد على الثوابت والمتغيرات

وأكد منتصر الزيات خلال الجلسة الأولى للمؤتمر على أنه لا تجديد في الثوابت والأصول، فنحن لا نحدث في الدين ما ليس منه. مضيفاً: «علينا أن نخفف عن الناس متاعبهم وأن نعلّمهم فقه الحياة كما نعلّمهم فقه الموت».

أما الدكتور مروان الفاعوري فقد بيَّن أن فكرة إنشاء رابطة كُتَّاب التنوير ليست رد فعل على النشاط العلماني، بل هي إسهام في نهضة الأمة ودفع عجلة التجديد فيها. وقال: «نحن بحاجة للإسهام في تجديد طرائق التوعية عند الصفوة لإنتاج علم راشد».

ونبَّه الدكتور أحمد كمال أبو المجد إلى أن القضية ليست في الخطابين الديني والسياسي وإنما في المفاهيم قائلاً: «إننا نحتاج إلى شجاعة الاجتهاد لمواجهة تحدي تفكيك الأمة، وإلى أن نجتمع لا أن نفترق، فقضية التجديد ينبغي أن تكون ضمن إطار المحافظة على الأصول والثوابت وتوظيف التعددية التي يؤمن بها الإسلام تنويعًا ينتفع به الناس ويتجمعون حوله لا أن يتفرقوا، فالعالم كله يعيش في حيرة، وهو مبتلى بسوء فهم عن الإسلام، وغير المسلمين أساؤوا الظن بالإسلام إما عن جهل أو سوء فهم وإما عن تقاعس منا»، مضيفًا: «التَّجديد فرض عين، والأمة الإسلاميّة بحاجة إلى: عزمٍ لنجمع، وإلى همّة لنرشّد، ازرعوا الأمل يزرع، اجتهدوا يجتهد من حولكم».

وأشاد الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق بالمؤتمر وقال: «عرّف العلماء البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وعمل أهل العلم الذين يقدمون الشورى لهذه الأمة وافق أقوالهم، بأن عقدوا مثلاً هذا المؤتمر»، ومؤكداً على أنّ «عالمية هذا الدين تستوجب علينا أن نعمل له ونتقدم الصفوف، فقد جعلت هذه العالمية الرسول يرسل الكتب والرسائل إلى الملوك، وواجبنا نحن أن نتواصل وننور العالم».

منطلقات وحدود في الفكر التنويري

بَدَأَت الجلسة الأولى بمناقشة محور «تعريف الفكر التَّجديدي وحدوده ومُنطَلَقَاته»، وقد ترأّس هذه الجلسة الدكتور سعد الدين العثماني (الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي)، وتحدّث فيها المكفر زكي الميلاد (مفكرروباحث سعودي) حول محورين، تناول في الأول الإجابة عن سؤال: «لماذا تأخرت مهمة التَّجديد في الفكر الإسلامي؟»

وتناول في حديثه الأسباب المعرفية والمنهجية التي أعاقت عملية التجديد ضمن السياقات والعوامل التي يراها، وهي: القطيعة في الفكر الإسلامي بين مرحلتيه القديمة والحديثة، تأثيرات ظهور الدولة العربية القطرية، وأزمة علاقة المؤسسة الدينية بالعصر والمعارف الحديثة، وظاهرة الاستبداد السياسي وغيرها من العوامل.

فيما تناول في المحور الثاني الإجابة عن سؤال: «كيف يستعيد الفكر الإسلامي مهمة التَّجديد؟» وتحدث عن إيقاظ روح التجديد واستعادة روح الاجتهاد، «بمنطق الاجتهاد يتحرر الفكر الإسلامي من أصنام التقليد والتبعية والجمود، ويتخلص من أوهام الرهبة والهيبة والشعور بالضعف».

أما الجلسة الثانية فقد ترأّسها د. محمد الأحمدي (مفكر إسلامي سعودي)، ودار النقاش فيها حول: «أهميّة الفكر التَّجديدي في إصلاح ونهضة الأمة»، وكان الدكتور جاسم سلطان (مفكّر إسلامي قطري) متحدثاً في الجسة أشار إلى أنّ «المسلمين يتعاملون مع بعض الأمور والمصطلحات كمسلّمَات، وأنّ كميَّة المخاوف تجعل العاملين في الفكر والدّعوة يتقدّمون خطوة ويتأخّرون خطوات، كما أنّهم في حالة حيرة، لا يدرون إلى الأمام يتحركون أم إلى الخلف».

وأردف الدكتور سلطان أنّ «كلّ عمليّات التَّجديد والتقدُّم وُلِدَت في عصورٍ صعبة، وضَرَبَ مثالاً بما لاقاه الإمام الشافعيّ، والإمام أحمد بن حنبل، والإمام مالك وغيرهم». مشيراً إلى وجوب إعادة النّظر في آليَّة النَّظر للتراثِ مع احترامه، وشدّد على وجوب تحويل القيم لإجراءات، وقال: «نحن نتحدث عن قيمة الوسطية منذ سنوات، يجب علينا الآن أن نحوّل هذه القيمة إلى إجراء عمليّ يتم إنزاله على أرض الواقع. كذلك فإنَّنا أجبنا على الكثير من الأسئلة والقضايا، ولم نطبق أيًّا من هذه الإجابات على أرض الواقع». وأكّد أنّ «مجتمعاتنا تحتاج للدخول في دورة حضاريّة، وهذا يتطلب منّا تحديد الأفكار التي يراد استنباتها بالبيئة الموجودة، واجتثاث الأفكار البالية الموجودة بالأصل، ناهيك عن بناء الأفكار الموجودة البنّاءة».

ضرورة فتح باب الاجتهاد

بدأ اليوم الثاني بكلمة لرئيس الوزراء السوداني الأسبق الصادق المهدي (رئيس المنتدى العالمي للوسطيّة)، و تناول الحالة الثقافيّة للمسلمين، والفكر التَّجديدي في عالم اليوم ومظاهر الحالة الراهنة، وأكد على أنَّ قوانين ومعاهدة حقوق الإنسان الحديثة تعود إلى خمسة أصول مقدَّسة في الإسلام، وهي الكرامة والحرية والعدالة والمساواة والسلام.

وشدَّد المهدي على أنَّ التفرقة بين المسلمين من أهمِّ عوائق التَّجديد، مشيرًا إلى أنَّ الخلافات المذهبيّة قليلة الفوارق واختلافاتها رحمة، ورحَّبَ بالمزيد من الاجتهادات، وقال: «إنَّ الإسلامَ يُؤمن بالتعدّديّة الدِّينيَّة بصورةٍ غير مسبوقة، ممّا يفتح الباب واسعًا للتسامح والتعايش الدّيني، كما يسمح الإسلام بعلاقات سلامٍ وتعاونٍ دوليٍّ تقومُ على نظام المعاهدة».

ودعا إلى تكوين منبر مشترك للاتفاق على حوار بين أصحاب الفكر يعمل على تحرير المصطلحات والاتفاق على المفاهيم ، وبَيَان أنَّه لا سلام بلا عدالة، ولا صداقة مع الظلم، وأنَّ اللجوء للمقاومة لصدِّ العدوان والاستيطان والاحتلال أمرٌ مشروع، وسوف يستمرّ طالما ظلّ الاستبداد والظلم والاحتلال والاستيطان.

وفي الجلسة الثالثة، التي أدارها الدكتور أحمد نوفل (أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية)، أكّد فيها السيد هاني فحص (مفكر لبناني) في ورقته أنَّ «الحداثة تحولت إلى تحديث مراوغ».

وقال: «إن التنوير هو السبيل الحصري لتخفيف أو إلغاء التكلفة العالية للتخلف والفشل المتكرر في مشاريع النهوض».

وأشار إلى أنَّ أُفق الإنسان في الدين أَضيَق من الدِّين نفسه، وأنَّ العلاقة مع النّص تحتاج لتأصيلٍ وشرح، وأنّ التقليد في بعض الأحيان قد يؤدّي إلى نجاح، فاليابان بدأت مقلِّدة، وقال: «اليابان تجاوزت سقوطها بعدما استوعبته، فاعترفت بالهزيمة وبحثت عن أسبابها الداخلية... وقامت بتوليفة منهجية مركبة وشرعت في التقانة مقلدة».

إنشاء رابطة كتاب التَّنوير

أما الجلسة الرابعة والتي كانت برئاسة الدكتور محمد حبش (نائب رئيس المنتدى العالمي للوسطية)، فقد دار النقاش فيها حول النظام الأساسي للرابطة، فتم إطلاق اسم «رابطة كتاب التَّجديد» عليها، كما تم مناقشة بنود النظام الأساسي، وشروط انتساب الكتَّاب لها، والتي كان منها أن يكون للكاتب على الأقل كتابان في تجديد الفكر الإسلامي، كما تناولوا أهداف الرابطة، ووسائلها.

كذلك تمّ انتخاب مجلس أمناء للرابطة مكوّن من أحد عشر مفكرًا وكاتبًا، من بينهم الدكتور جاسم سلطان (قطر)، والدكتور محمد الحبش (سوريا)، والشيخ الصادق المهدي (السودان)، والدكتور محمد أبو رمّان (الأردن)، والدكتور أحمد عمر هاشم (مصر).

وفي الختام، قدَّم المشاركون عددًا من التوصيات، فبالإضافة لتأسيسهم «رابطة كتَّاب التَّجديد»، أوصوا «بالعمل على إقامة مرصد لإحصاء المفكرين والباحثين المبدعين، المنخرطين في جهود التَّجديد، ودعمهم بكافة الوسائل».

كذلك فقد أكد المشاركون أنّ «من مهمَّات التَّجديد نشر الوعي واتخاذ موقف تجديدي من التراث وغربلته لاستنهاض ثمينه، وتجنب غثّه، وتوظيفه لتعزيز الحقوق العربيّة والإسلاميّة لمواجهة الأخطار ومشاريع الهيمنة التي تستهدف الأمة، والعمل على توحيد جهود المفكرين لعقد لقاءات وندوات ودراسات وورش لتحرير المصطلحات والاتّفاق على المفاهيم ومراجعة القضايا التي تحتاج إلى تجديد في الأمّة، واحتضان كتّاب التَّجديد وترجمة ونشر مؤلفاتهم والعمل على إحياء مصادر الشريعة المعتبرة، والنبذ المطلق لكلّ خطابات الإِقصاء ومواجهة الخطاب التكفيري، ورفض كل بيانات التكفير والتفسيق التي تحاول تعزيز الفُرقة المذهبية بين المسلمين».

 

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة