تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الحداثة المغلولة : مفارقات الدولة والمجتمع في الخليج والجزيرة العربية

عبدالمنعم القلاف

اسم الكتاب: الحداثة المغلولة مفارقات الدولة والمجتمع في الخليج والجزيرة العربية.

الحجم: القطع المتوسط 275 صفحة.

الكاتب: أحمد شهاب.

الناشر: مركز دلتا للأبحاث المعمقة.

 

يصف الكاتب هذا الكتاب بأنه قراءة نقدية تحليلية لمفارقات الدولة والمجتمع والسلطة في مجتمعات الخليج والجزيرة، مع محاولة الاقتراب من الوضع الراهن، مركِّزاً على العوائق التي تقف أمام مشروع التطوير السياسي، كما يرى الكاتب في هذا الكتاب -نظراً للظروف الراهنة والتحوُّلات السياسية والفكرية التي تمر بها منطقة الخليج العربي والعالم الإسلامي عموماً- أن مسألة الديمقراطية وقضايا الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان في العالم نالت مساحة واسعة من الاهتمام في دول منطقة الخليج العربي خلال العشرين عاماً المنصرمة، وعلى نحو التغييرات الجارية في العالم الإسلامي فقد تحوَّلت هذه المسألة من أهم المسائل التي ينشغل بها المعنيون بالفكر والسياسة، وقد أخذ اللاعبون السياسيون في الساحة الخليجية بالديمقراطية كخيار نهائي.

فالحكومات المتحفظة على الأطروحة الديمقراطية وجدت نفسها أمام استحقاق الاعتراف بها والإقرار بلوازمها، والتعاطي بها كأمر واقع بسبب ما يجري من تحولات متسارعة في العالم وعولمة الأفكار والقيم.

وأقرت الأنظمة الخليجية بضرورة الإصلاحات السياسية، وراحت تنظر في مطالب المواطنين، ووسعت المشاركة السياسية للشعوب؛ استجابة للضغوط المفروضة من الداخل والخارج، حتى تبين لها أن هذه الاستجابات تعطيها الشرعية على الصعيد الداخلي والدولي.

كما يرى أن الجماعات والأحزاب السياسية في المنطقة وجدت ممارسة الديمقراطية الوسيلة المأمونة للدخول في المشاركة السياسية، وطريقاً للخروج من العزلة المفروضة عليها من الحكومات.

وعلى الرغم من أن الإصلاح والتغيير السياسي يعني توسيع حرية التعبير عن الرأي والمشاركة في السلطة دون المساس بالهياكل الأساسية للحكم، فكل حديث عن تداول السلطة والتغيير السياسي يكون في الجملة تحت اتفاق ضمني قوامه اجتناب أي تغيير يؤدي للمساس بالأسر الحاكمة، نظراً للحكم الوراثي السائد.

ويستشهد الكاتب بالمفكر البحريني محمد جابر الأنصاري في أنه بالرغم من تسييس كل أمر في الخليج من الصحة للتعليم والثقافة والإعلام إلَّا أنه لم يتم تسييس السياسة نفسها.

ويرجع الكاتب ليقول: إن أزمة السياسة في المنطقة ليست الديمقراطية في قبولها أو رفضها، بل تتعداها لتصل إلى ماهية الدولة؛ حيث التداخل العميق بين مفهوم السلطة ومفهوم الدولة، بحيث لا يبدو تمايز حقيقي بين المفهومين كما هو الحال في الغرب.

قدَّم المؤلف الكتاب على أنه قراءة نقدية لواقع سياسي قائم، حاول فيه الاقتراب من الصورة الراهنة للدولة والمجتمع في الخليج العربي، مع التركيز على العوائق التي تقف أمام مشروع التطوير السياسي، وناقش العقبات التي حالت دون انتقال الوضع إلى حال أفضل.

يقول: «سعيت إلى تظهير التداخل الفعلي بين الدولة والسلطة والمجتمع، وأثر ذلك على عرقلة التطور السياسي في دول الخليج العربي».

وسعى لنقد مساعي السلطة لإلغاء تأثير الفعاليات الاجتماعية في المعترك الداخلي، كما سعى لتسليط الضوء على الاتجاهات الطائفية والقبلية وأثرها في مستقبل التنمية السياسية في المنطقة.

من أجل ذلك قسَّم الكتاب إلى قسمين رئيسين: الدولة والسلطة، والقسم الثاني المجتمع والسلطة، وجعل لكل قسم فصولاً.

الفصل الأول: الدولة المعاصرة

وانطلق في تعريف الدولة من فرضية مفادها أن الدولة الوطنية الحديثة هي دولة تختلف في النظم والآليات كليًّا عن أشكال ومنظومات الدولة سابقاً، حتى الدول التي وجدت في التاريخ الأوروبي؛ إذ لم يشهد التاريخ دولة بالمعنى المتداول في عالم السياسة اليوم سوى أنها ترتبط معها ببعض المهام التي تقوم بها الدولة من قبيل مهمة إعداد الجيش أو فض النزاعات الداخلية.

وأشار إلى ذلك أيضاً في نموذج الدولة الإسلامية التي لم يتجاوز تعريف الدولة فيها تقسيم الحدود لدار الإسلام ودار الحرب.

وعن إمكان استمرار الدولة الوطنية في ظل تصاعد التحديات العالمية، وظاهرة الانفتاح العولمي في ظل التطور المُطَّرد لدور المنظمات الدولية قال: «لايمكن اعتبار إطار الدولة الوطنية اليوم هو الإطار الأخير، بل تشير الدلائل إلى أن هذا القالب أصبح اليوم عرضة للاهتزاز».

وألمح لدور الشركات المتعددة الجنسيات وبروزها، وما تقوم به من دور في تشكيل المجتمع والتأثير فيه، بحيث لم تعد الدولة هي المنظمة السياسية الوحيدة، بل ظهر أنواع من الفاعلين العالميين من غير الدول التقليدية، مثل الفاتيكان ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية منها والإنسانية، التي تخطَّى دورها الحدود الوطنية متجاوزةً حواجز الجنس واللون والسياسة والدين، مثل منظمات حقوق الإنسان ومنظمة الصليب الأحمر الدولي وغيرها.

مما شكَّل علاقات تربط فئات واسعة في دول متعددة تكون رابطتها أقوى من العلاقات القائمة بين الفئات في الدولة الواحدة. ينتج عن هذه الروابط تجاوز ما يسمى بـ«السيادة الوطنية» التي تعتبر ركناً أساساً من أركان الدولة الحديثة.

واستعرض الكاتب آراء الباحثين في تقييد السيادة باعتبارها دعوة مخادعة أطلقتها بعض القوى الكبرى للتدخل في الشؤون الدول الأخرى، كما أوضح أن هناك من يرى أن الأنظمة المستبدة استفادت من مفهوم السيادة للتضييق على الرأي الشعبي، وانتهاك حقوق الإنسان.

قلق الإصلاح من الخارج

تناول الكاتب تعثر الخطوات الإصلاحية أمام تخوُّف البعض مما يسمونه مراوغة الولايات المتحدة لبسط نفوذها على دولهم؛ فهي تستغل عناوين حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية لتتسلل إلى المنطقة. بينما المؤيدون لتقييد السيادة يتحدَّثون عن حاجة ماسة للإصلاح غير قابلة للمماطلة، وهم لا يثقون بتوفر إرادة حقيقة وصادقة عند النخب السياسية الحاكمة.

وجعل الكاتب لأنصار التغيير ثلاثة اتجاهات، أولها: التصادم مع السلطة والتغيير بالقوة، وهذا الاتجاه يعكسه تيار التغيير من الداخل الذي تمارسه الجهات الدينية المتشددة «تنظيم القاعدة». والثاني: الاتكاء على الضغوط الدولية لفرض الإصلاح من الخارج، وهو اختيار التوجهات الليبرالية. والاتجاه الثالث: هو الإصلاح السلمي عن طريق توسيع فرص المشاركة في صنع القرار وتداول السلطة بطريقة هادئة، يتفق عليه المعتدلون من مختلف الانتماءات. جاعلاً هذا الاتجاه أقل خيارات التغيير، بسبب استبداد السلطات ومقاومتها رياح التغيير.

ضغوط الخارج وأمل الداخل

تطرَّق الكاتب تحت هذا العنوان إلى مواقف النخب الحاكمة من قبول الإصلاح من الداخل أو الخارج، وتباين مواقف هذه النخب من الإصلاح الداخلي؛ فهي تأمل أن يصب مسار الإصلاح الاقتصادي في إطار النمو الاقتصادي والانفتاح على الآخرين مع الحذر الشديد تجاه هذا الإصلاح الذي يجب أن يتم خطوة خطوة، بينما تقف في وجه الإصلاح السياسي بشكل متشدد، لهذا يجب أن يكون من الداخل، وإذا كان خارجيًّا فهو جزء من مؤامرة، وهو ما يتشاطره قسم كبير من التيار الإسلامي الذي يرى أن العلاقة مع الغرب تقوم على صراع الحضارات، بينما يتم تغييب مشاريع الإصلاح من الداخل عوضاً عن تقديم بدائل للإصلاح الخارجي.

دولة الجمر والرصاص

انطلق الكاتب من فرضية أن الدول العربية لم تكن كاملة ومطلقة السيادة خارجيًّا، فهي تقع تحت سيطرة غربية أو شرقية من بدء نشأتها، لكنها داخليًّا استطاعت أن تحقّق سيادة تامة مطلقة بل مستبدة. وبيَّن أثر أحداث 11سبتمبر في إظهار هشاشة السيادة الخارجية لها وساعدت على تحجيم السيادة الداخلية. وتحدَّث عن خطين متوازيين لمشروع الإصلاح الذي يتبناه وهما: الأول وطني يتعلق بالشأن السياسي وحقوق المواطن السياسية. والثاني عالمي يتعلق بالشأن الإنساني العام والحقوق العالمية.

الفصل الثاني: تطوير مفهوم الدولة

يرى الكاتب أن تخلُّف مفهوم الدولة ناتج من صعوبة وصف الدولة في الأساس، فحيثما حاولت النخبة معالجة موضوع الدولة استعاضت عنه بالحديث عن الحاكم والسلطان، ومقدار العدل التي تتسم به الدولة هو مايتسم به الحاكم.

ويتعرض لإجماع من أسماهم بأصحاب الرأي على أطروحة مفادها أن القضاء على الاستبداد هو خطوة ضرورية للمساهمة في تنشيط جميع المفاهيم الحضارية التي لا تنمو في غير بيئتها الصالحة، وأن الدول التي تتوفر فيها مظاهر الديمقراطية لا ينقصها قوانين ديمقراطية بل ينقصها ثقافة الديمقراطية.

ويعتبر الكاتب أن مما يثير الاستغراب أن الدول العربية لم تخطُ أي خطوة ذات قيمة نحو تطوير الدولة ومؤسساتها. فالدولة أكبر من أن تُختَزل في حاكم (عادل، أوظالم)، وهي تعبير عن تفاعل عناصر (الجماعة + النظام + الوطن + الحكومة).

ويعقد الكاتب مقارنة بين الدولة الغربية والدولة العربية - الإسلامية في العصر الحديث، فبينما تعبر عن الكيان السياسي الذي يضم جماعة بشرية تعيش ضمن إطار جغرافي وتاريخي وتنظيمي تمارس سيادتها عليه، والسلطة ليست سوى أحد المكونات دون التقليل منها، فهي أداة الدولة الإدارية، وقد حدد لها دورها واعتبرها جزءاً من الدولة تعينها وتحدد وظائفها ومدة بقائها، بينما لا نجد هذا التمييز بين السلطة والدولة ووظائف كل منها في التجربة العربية - الإسلامية، وإنما طغت عليها صفة الاستبداد،واستطاعت السلطة السيطرة فيه على الدولة بدءاً من المناهج الدراسية حتى الإعلام وغيرها.

وعند عرض الخلفيات الفلسفية للدولتين التقليدية والحديثة توقف عند ملاحظات:

أولاً: الدولة التقليدية ترتبط تراثيًّا بتاريخ الملوك والسلاطين وطرق إدارتهم وقراراتهم، وتفكير الدولة التقليدية يتوجه دائماً للسلطان أو الحاكم لأنه التعبير الأكثر وضوحاً عن الدولة. فحديثها عن (دولة الملك) و (دولة الأمير)، وفلسفتها فلسفة السلطة، وعمادها القوة والإكراه، بينما حديث الدولة الحديثة عن (دولة المؤسسات) و(دولة القانون)، منطلقة من فلسفة السلطة، وعمادها الحقوق والواجبات.

ثانياً: يعني مفهوم الدولة الحديث في فلسفتها الحديثة إيمان عميق بضرورة تضييق سلطة النظام، أما التقليدية فهي تدور حول السلطان، وتبحث عن مبررات لتسويغ استبداده وتوسيع سلطاته.

ثالثاً: إن الدولة الأوروبية الحديثة أنتجت السلطة القائمة ضمن مسيرة تكاملها باتجاه تحولها لدولة أمة، وبهذا تكون السلطة نتاجاً من نتاجات الدولة، مما جعل الدولة هي الأصل والسلطة تابع لها. في المقابل استدعى الاستبداد الشرقي شعوراً بكون الدولة تابعة للحاكم، فالدولة ليست ذات فضل في وجود الحاكم، بل الحاكم هو صاحب الفضل في وجودها.

ويذهب الكاتب إلى القول بأن الانتقال إلى وضع جديد يعني ضرورة استبدال مفهوم الاستبداد الشرقي بالمفهوم الحديث للدولة. أي تبديل الفلسفة القديمة بفلسفة حديثة قوامها الدولة المدعّمة بقيم القانون وحقوق الإنسان.

وفي سياق مقارب يطرح التساؤل التالي: هل يمكن أن تتطوّر الدولة بحيث يتحوّل المواطن فيها إلى مشارك أساس في إدارة شؤونها العمومية؟ وهل يمكن للسلطة أن تستوعب هذا الاتساع في المشاركة السياسية؟

ثم يذهب إلى إمكانية الجواب بالإيجاب إلى حد بعيد، ويجعله معتمداً على الخلفيات الثقافية التي ينطلق منها الحكم، وإمكانية تحويل السياسة إلى ثمرة لفعاليات المجتمع المدني وقدرته على التأثير في حجم ونوع المشاركة السياسية من ضمن مفهوم السيادة الشعبية للأفراد.

الفصل الثالث: أنماط التحوُّل الخمسة

يتطرق الكاتب في هذا الفصل إلى حتمية التغيير في المجتمعات عموماً وخاصة شعوب المنطقة، ويتعرّض لخيارات التحول في المنطقة، وقد قسّمها لأنماط خمسة:

النمط الأول: التحوُّل عبر إرادة النظام

وهو التحوُّل الذي يتم من خلال مبادرة النخبة الحاكمة لقيادة قوة التحديث في النظام، وعادة تكون السلطة أقوى من الأطراف المعارضة والتكوينات الاجتماعية الفاعلة. وضرب مثلاً بأسبانيا والكويت في التحوًّل عبر الإرادة من النظام.

النمط الثاني: التحوُّل عبر نقل السلطة

وهو التغيير الذي يكون فيه النظام ضعيفاً ويفتقد إلى القدرة اللازمة لاتخاذ القرار، وتكون المعارضة في وضع أفضل نسبيًّا. وفي هذه الحالة يعد التغيير الديمقراطي مخرجاً مناسباً لكلا الطرفين.

النمط الثالث: التحوُّل بالقطيعة

هذا التحول عندما يعصف بالنظام ضعف عام وتظهر المعارضة ويتضاعف نفوذها، لكنها لا تحاول العودة للماضي وإنما تسعى لتعرية النظام وخلق شرعية سياسية جديدة مفارقة للنظام القائم ومتعارضة معه.

النمط الرابع: التحوُّل بضغط الخارج

ويتم نتيجة قوة النظام وسيطرته في البلاد وبالتالي ضعف المعارضة فضلاً عن أن السلطة تكون من التشدد بحيث يصعب التفاوض معها بشان إصلاح حقيقي، وقد اتَّجهت إلى التأكيد على هذا الخيار بعض الدول النافذة مثل أمريكا التي اتَّجهت إلى التأكيد على خيار تحت شعار التحويل الديمقراطي في هذا البلد وذاك.وقد تركزت الأولويات الأمريكية على إجراءات :

- تشجيع الديمقراطية و الحكم الصالح من خلال الالتزام بالانتخابات الحرة وإنشاء معاهد للتدريب على القيادة للنساء، ومبادرة وسائل الإعلام المستقلة.

- بناء مجتمع معرفي عن طريق دعم مبادرة التعليم الأساسي، ومبادرة مدارس الاكتشاف وإصلاح التعليم.

- توسيع الفرص الاقتصادية عن طريق إقراض المشاريع الصغيرة، مؤسسة الشرق الأوسط الكبير، والشراكة من أجل نظام مالي أفضل.

النمط الخامس: التحوُّل بالعدوى الديمقراطية

وهو الذي تجري وقائعه تحت تأثير العدوى الديمقراطية أو ما يطلق عليه نظرية الدومينو، إذ يلاحظ أن نجاح الديمقراطية في بلد معين يمكن أن يدفع بالناشطين في الدول المجاورة إلى استدعاء النموذج ومحاولة تطبيقه.

الفصل الرابع: من دولة الأمير إلى دولة المواطن البحث عن التوازن

يشير الكاتب في هذا الفصل إلى أهمية البحث في طبيعة وحدود العلاقة بين الدولة والمجتمع، بتحقيق العدالة والمساواة لسائر المواطنين، ذاكراً إعجاب بعض المعنيين بالمسألة الدستورية إبان عصر النهضة بالقانون الفرنسي الذي يساوي بين الفرنسيين الوضيع منهم والرفيع.

ويصرح بعمل المجموعات الحاكمة على تعزيز نفوذها بغض النظر عن مؤثرات المصلحة العامة، مشيراً إلى التنازع الحاصل بين إرادة الحكم وإرادة الحكومة، بحيث تكون الحكومة غالباً منقادة إلى الحاكمبحيث تمارس بعض الفئات الحكم من دون أن تكون خاضعة للقانون، وتكون من سماتها عدم الاكتراث برضا الناس أو الرأي العام، فالمهم والأساس هو رضا الحاكم وتحقيق رغباته.

ويصل الحد إلى أن المشاركة السياسية في بعض الدول العربية تتسم في الغالب بالشكلية وعدم الفاعلية، فكل القرارات تُتَّخذ من حزب أو أسرة الحكم وتقوم الحكومة بتنفيذها، ثم تأتي دعوة المجتمع للمشاركة من خلال انتخابات معلومة المخرجات سلفاً، ويعزز ذلك أن هذه المشاركة تكون موسمية بدلاً من المشاركة النظامية والمستمرة، تستخدم لإضفاء شرعية على السلطة القائمة. مما يفسر وقوف السلطة في العالم العربي دائماً ضد المجتمع وضد تطور مؤسساته المدنية وهيئاته الاجتماعية.

ثم يتطرق إلى علاقة الدولة بالمواطن، ففي حين تمحور النشاط الاجتماعي والسياسي في عصر النهضة حول الحد من استبداد وسلطوية الدولة، وتجاوز ذلك في العصر الحديث، وانصبت مجهوداته في تعزيز الذات المجتمعية بواسطة حاكمية القانون، لا يزال دور هذه القوى في العالم العربي يقف عند حدود التفكير في الموانع التي يمكن أن تعرقل توغل السلطة في المجتمع، وتحد من فاعيلة أجهزتها الأمنية، ولا تزال قوانين احترام حقوق الإنسان واحترام الحريات المدنية والسياسية مجرد شعارات تستخدم لغرض الاستهلاك الإعلامي.

ويرى الكاتب أنه رغم ما يبذل من مجهودات لتوسيع نطاق الحريات إلَّا أنها لم تتمكن من التقدم لتعزيز الذات الاجتماعية لانشغالها عن الذات بالسلطة.

ويرجع ذلك الانشغال بالقضايا السياسية عن الاجتماعية للعقل السياسي العربي، فقد ظلت مسألة مأزق الدولة من أكثر محطات النقاش توتراً بين النخب في العالم العربي.

ولا يعني ذلك أن تتحمل السلطة وحدها الأزمة الاجتماعية وإنما ينبغي أن يتحمل المجتمع مسؤولية التصدي للأزمة، فهو يستطيع توفير البديل النوعي عن سلطة الدولة القائمة.

وقال: «ينتظر من المجتمع في هذا السياق التوقف لتقديم بدائل نوعية، لكن مجتمعاتنا في الواقع لم تقدّم سوى خيارات فئوية أو مناطقية أو طائفية في أفضل الأحوال».

وفي سياق الإجابة عن تساؤل عن جذرية المسافة بين القبلي والمدني، ومتى تكون الطوائف والقبليات رافداً وداعماً للمؤسسة المدنية؟ومتى تنقلب إلى ضد مدني؟ اعتمد على جملة الفرضيات:

أولاً: نوعية الأطروحات السياسية التي ينبغي تبنيها ضمن الأجندة الوطنية، بحيث لا تتسبب تلك الأطروحات في زيادة عزلة المجتمع أو بعض فئاته عن الإجماع العام.

ثانياً: إن نمو القوى الطائفية والقبيلة بقدر ما يعكس في ظاهره تضامناً ومشروعاً جماعيًّا فهو في النهاية يضعف الشعور بالانتماء السياسي للدولة، بحيث يشعر كل فرد أن مصدر قوته لا يتحقق بسيادة القانون وإنما يتحقق بتعزيز الطائفية والقبلية.

ثالثاً: يمكن للطوائف أن تلعب دوراً في تفعيل الطاقات المعنوية، ورغم إمكانية استغلال هذه الطاقات في اتجاهات تنموية عالية، إلَّا أنها لا تزال عرضة للاستغلال والاستقطاب السياسيين من خلال سياسة التقريب والإقصاء الطائفيين.

رابعاً: إن المواطنة والدستور والقانون والسيادة الشعبية هي حزمة مفاهيم تقوم عليها الدولة الحديثة، وهي سند التطور الديمقراطي؛ لذا فلا توافق ولا توفيق بين الوجود المؤسسي للطوائف ووجود الدولة المركزية، حيث إن كلًّا منها ينفي الآخر. ويقصد بالوجود المؤسسي للطوائف الوجود السياسي وليس الديني. وينتهي إلى أن أخطر ما يُبتلى به شعب هو أن يتحوّل حكامه من رجال دولة إلى رجال طوائف أو أحزاب وقبائل.

واعتبر الكاتب أن أبرز تحدي يواجه الدولة الوطنية الحديثة هو غياب الأسس والمعايير الدقيقة المنظمة للتوازن بين السلطة والمجتمع، فتوفر هذه الأسس يُمكِّن من إنجاز مشروع الدولة بما تحمله من قيم المواطنة. وقال: إن الخلل في العلاقة لا يحتاج إلى عناء كثير لكشفه، فهو يعود إلى جذور الفساد التي تُعيق جهود النهضة، وهو ما يُعطي مبررات للتدخلات الخارجية.

وعلى خلاف ذلك تأخذ الدولة وضعها المتقدم بين نظيراتها في العالم إذا ما استطاعت أن تخلق حالة من الانسجام والتوافق الداخلي، الأمر الذي لا يتحقق إلَّا إذا أقرت السلطة بسيادة المجتمع وملكيته الأصلية لها.

واقترح عدة مقترحات لإزالة الفجوة من وجهة نظره، هي التالية:

أولاً: بالنسبة للأنظمة الحاكمة، فقد استعانت بقوتها لترميم العلاقة مع المجتمع من خلال السيطرة على وسائل الإعلام والرأي العام، لكن هذه الإجراءت ارتدت بالعكس وتعمقت الهوة بين الطرفين، كما أن التجارب تشير إلى أن التضييق على الثقافات لا يعني موتها أو إلغاءها، بل يزيد من قدرتها على خلق مقومات الاستمرار والبقاء، والشواهد في التاريخ كثيرة على ذلك.

ثانياً: الحل الآخر جاء من النخبة السياسية والاجتماعية حين مالت للصدام مع السلطة، وحاولت تجريد السلطة من الشرعية، وتبادل الطرفان التجاهل للآخر، مما أدى إلى إثارة التوتر في الحياة الاجتماعية، وصارت السلطة مشتغلة بتفكيك المجتمع والحؤول دون انبثاق مؤسساته، فيما لجأت القوى الاجتماعية للعنف والتحدي المباشر للدولة في محاولة لتحرير ساحتها.

ثالثاً: الحل الملائم الذي ينسجم مع الشعور بالمسؤولية ويعمل على تحقيق الغايات الوطنية؛ فهو السعي المشترك لفك غربة الدولة عن المجتمع، ودفع المجتمع لأخذ دوره في بناء الدولة، فالسلطة وحدها لا تمتلك القدرة على تفعيل الأدوار الاجتماعية بصورة دائمة، ومهما استحوذت الدولة على مقدرات البلد وخيراته فإنها لن تستطيع تحسين وظيفتها ما لم يتلاقَ مشروعها مع مشروع المجتمع، وتتحول إلى دولة مجتمع.

وعن الغربة التي تعيشها الدولة التي تؤدي لإخفاق مشاريع التنمية قال الكاتب: حتى تكون الدولة دولة لابد لها من أن ترقى بنفسها من سلطة جزئية خاصة إلى كيان أخلاقي يتخذ لنفسه مسافة واحدة من جميع مكونات المجتمع والمواطنين. أي النظر لجميع البشر تحت مظلة الدولة على أنهم متساوون في الحقوق والواجبات.

ونظرة النخبة المتعلمة نظرة تذمر لعدم احترام كفاءتها العلمية والمهنية، إذ يرى المتعلمون أن كفاءتهم لم تشفع لهم للترقي لمناصب الدولة، بينما شهادة ميلاد أحد أبناء الأسرة الحاكمة تكفل له تسلم مناصب عليا دون الحاجة للجهد وللتدرج الوظيفي.

ويرى الكاتب أن العلاقة بين المجتمع والدولة ليست مسألة ناجزة، بل هي بحاجة لبذل الكثير من الجهد من الجانبين للانتقال من ثقافة الإلغاء والتهميش إلى ثقافة التعاون والتقارب. ويختم بالقول بأن المجتمع الخالي من المؤسسات القوية المنبثقة من إرادة وتحرك المواطنين لا يمتلك أدوات المواجهة والتحدي، فالمؤسسات الاجتماعية الخاوية والمفرغة من المضامين لا تعدو كونها هياكل خاوية توظفها السلطة، في حربها ضد أفراد وقوى المجتمع، لكنها في الحقيقة ستكون أول الجهات المتهالكة عند اشتداد التحديات.

الفصل الخامس:
المجتمع والدولة في الخليج تحديات الخارج ومعضلات الداخل

أولى الكاتب في هذا الفصل أهمية فائقة للحديث عن التنمية والتجديد في دول الخليج العربي، وذلك نظراً لطبيعة التكوينات السياسية والاجتماعية في هذه الدول، وقال: «لا شك أن هناك تشابهاً يصل لحد التماثل أحياناً بين دول الخليج في الكثير من الأوجه، من أبرزها الجذور القبلية والعشائرية التي عدها البعض من أهم عوامل تأخير تحول دول الخليج إلى المدنية المعاصرة»، دون أن يتطرق للتشابه في التعدد العرقي والجنسي والطوائف في هذه الدول. وأكد على أن هذا التقابل بين العشائري والمدني انعكس سلباً على مسار الدولة والمجتمع بشكل واضح.

ولم ينفِ توافر الفرص للتجدد السياسي لعوامل الاستقرار السياسي الذي يعتبر منطلقاً للإصلاحات السياسية، واستخدام العوائد المالية الاستثنائية في تخفيف التوترات الداخلية و تبريد المناطق الساخنة في مناطق الدولة.

وعن التاريخ السياسي للمنطقة في الخليج العربي قسم تصنيفات الكتابات التي تناولته بقراءة تحليلة مختلفة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: كتابات الباحثين في الداخل، وهي على قلَّتها قدَّمت إضاءات حول تجربة الدولة في الخليج، وقد اتسمت كتابات هذا القسم بالقراءة الحذرة للقضايا الشائكة.

القسم الثاني: كتابات المعارضين في الخارج، ويمكن الإشارة تحديداً إلى المعالجات المكثفة والموسعة التي قدمتها المعارضة السعودية خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين، وتميَّزت هذه الكتابات بالجرأة في النقد والمعالجة المعمقة لعدد من العناوين المهمة في السياسة الخليجية.

القسم الثالث: الكتابات العربية والغربية، التي تركَّزت في معظمها على وصف حال المنطقة وظروفها وتعاقب الحكام ورصد الصراعات الداخلية والتحالفات القبلية في المنطقة، وتميَّزت هذه الكتابات بقدرتها على الدخول في المناطق المحرمة ومناقشة قضايا ومسائل يحرم الحديث فيها مثل وضع الأسر الحاكمة وأساليب إدارة الثروات وحال الأقليات الدينية.

مشهدية الفاعل الدولي

يصل الكاتب إلى أن إرادة التغيير للأنظمة الخارجة على القانون الدولي في المنطقة لم تكن هاجساً لدى صانع القرار الأمريكي قبل 2001م، فالإبقاء على الأنظمة منزوعة الأنياب أفضل من قيام أنظمة تعددية حرة ربما تخالف سياسات الإدارة الأمريكية. ولكن بعد 2003م شنت حرب لإحداث تغييرات جذرية وأساسية في نظام الأمن الإقليمي، مما اضطر بعض الأنظمة لإدخال إصلاحات ربما تكون مقبولة حسب مقاييس الإدارة الأمريكية لمفهوم الإصلاح، كما أن التنظير الغربي كان يمضي في مواكبة التحولات الحاصلة في المنطقة، من أجل تغيير الأوضاع السائدة وإدخال تحسينات تضمن تغيير البيئة التي من شأنها نمو الفكر الغاضب والمقاوم، وإعادة هيبة الولايات المتحدة وفرضها كقوة إقليمية ودولية وحيدة. مما يستتبع نقل الديمقراطية وحرية التعبير والانتخابات النزيهة، في حين أن الشعوب الخليجية لا تنظر لهذه الأحداث وتطوراتها كحزمة إيجابية، ولكن تعتبر الضغط الغربي على حكوماتها الفرصة الوحيدة المتاحة لإحداث تغيير يمكن استثماره لتحقيق المزيد من الحريات السياسية والاجتماعية، فضلاً عن ذلك تنظر الشعوب بسلبية الى الموقف الغربي نظراً لاختلاط الدعم الأمريكي للحريات وحركات التحرر، فهي من جهة تدعم الأصوات المنادية بالتحرر وتدعم الديمقراطية لكنها في الوقت نفسه تغض الطرف عما يقع من انتهاكات للمعارضين ولحقوق الإنسان الذين يدافعون عنها على يد حكوماتهم.

البحث عن شريك مرن

وفي إطار بحث الولايات المتحدة عن شريك مرن في المنطقة يساند مشروعها، أدت سياساتها في العقدين الآخرين إلى إرباك المنطقة بصورة غير مسبوقة، وبعناوين مختلفة، مرة بحجة نشر الديمقراطية، وأخرى تحت مبرر ضرورة التخلص من الأنظمة الاستبدادية، وثالثة بدعوى محاربة الإرهاب، ولوجود مؤشرات تدل على توتر في العلاقة السعودية الأمريكية فقد سعت الولايات المتحدة لإيجاد حليف بديل من خلال حكومة ديمقراطية موالية للغرب تكون أكثر انسجاماً مع السياسات والطموحات الكبيرة للولايات المتحدة، وقد رأوا في العراق المستقبلي هذا الحليف، فهو يمتلك موقعاً حساساً في المنطقة، ولديه ثروة نفطية كبيرة، وهو ساحة مناسبة لتطبيق الرؤية الأمريكية في المنطقة.

بعد أن تطرق الكاتب لمؤشر داخلي، وهو الخطاب الإعلامي غير التقليدي، وظهور وسائل إعلامية تجاوزت الإعلام التقليدي مثل قناة الجزيرة وغيرها، أكد على أن مساحة الحرية قابلة للاتساع، وظهرت بالفعل محاولات تلمس مواطن الخلل حتى أن بعض الكتّاب حمَّل الحكومات العربية المسؤولية، واتهمها بأنها سبب اتساع الثغرات بين الشعوب، ولم تنظر لرعاياها من المسلمين نظرة واحدة. مشيراً لجهود إصلاحية قام بها الملك السعودي قبل توليه مقاليد السلطة، والجهود الإصلاحية في البحرين وغيرها من الجهود.

الديمقراطية والأمن

يذهب الكاتب إلى أن ربط الديمقراطية بالأمن من بديهيات عمل الفكر السياسي، ويتبين أن الدول التي تعجز عن إرساء الديمقراطية كثقافة وممارسة تتوافر فيها بيئات مؤاتية لظهور الاتجاهات المتشددة، كما أن الديمقراطية تسمح بحل التناقضات الداخلية وتشكل هوية وطنية جامعة. وغياب الهوية الوطنية الجامعة سوف يعزّز حرص بعض الأطراف على بناء قوتهم بعيداً عن الدولة أو في مواجهتها، ومما لاشك فيه أن ذلك سيعزز ثقافة الصراع والعنف.

كما ينقل الكاتب ميل بعض الكتاب الغربيين لربط انتشار العنف وانعدام الأمن في المنطقة بعدم التزام دول المنطقة بالمعايير الدولية للحرية والديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي. كما يذهب إلى أن ذلك يؤدي إلى انفجار الوضع السياسي على مستويين داخلي داخل الدولة بمضاعفة عدد أفراد الجماعات المتشددة، وخارجي على مستوى المنطقة والعالم كتفريخ الإرهاب للعالم وصدور تقارير دولية عن ذلك.

القوى السياسية في الخليج: مهام لا تحتمل التأجيل

يُحمِّل الكتاب القوى والأحزاب السياسية في المنطقة مسؤولية فتح ملفات الفساد السياسي إذا ما أريد تجاوز زمن التعثر، وزيادة الضغط على حكومات الدول لمطالبتها بتحديث النظم والسياسات المتبعة وإلَّا سيكون التغيير القادم أسوأ من المتوقع، خاصة مع وجود صفة الخصوصية السرية في تكوين ونمو الأحزاب السياسية لحفظ أعضائها من الملاحقة والتصفية، كما تشير هذه الحقيقة لعلة تحوّل المفاهيم الحضارية في بلدان الخليج إلى أزمات ثقافية بصورة حادة، وإن على الدول فتح منافذ المساهمة في إصلاح الشأن الداخلي عبر قنوات سلمية متوافق عليها سياسيًّا، فهي لا تعيش استثناء عن العالم العربي والإسلامي المحيط مما يستدعي بدء خطوات علاجية بوسائل مقبولة للعمل السياسي العلني لمختلف الجهات.

كما اعتبر أن تسييس العرق و الدين والهوية الثقافية من أبرز الظواهر التي تهدد أمن الدول المعاصرة من الداخل، ورغم أن بعض المراقبين يرى أن دول الخليج محمية من هذه الصراعات، لوجود نوع من التجانس بين مكونات هذه الدول، فالصراع فيها يكون ضمن الصراعات ذات الطابع الثقافي.

ولكن لعدم وجود الهوية الوطنية الجامعة التي يلتقي عندها المواطنون في دول الخليج، فإن ولاء المواطن سيكون للولاء الفرعي (الدين، القبيلة، المذهب، المنطقة)، مما يعني أن المواطن لن يتردد في التضحية بالدولة إذا تعارضت مع مصالح القبيلة أو المذهب الذي ينتمي إليه. ما يمكننا من مخالفة الرأي الذي يذهب إلى ادِّعاء التجانس الثقافي بين مجتمعات الخليج.

وهو ما يعني أن الصراع السياسي بين الدولة وأكثرية المجتمع تبدو المشكلة الأكثر حدة، رغم أن القوى السياسية الفاعلة يندر بينها وجود منظمات تسعى للاستيلاء على السلطة أو تهدف تقويض أنظمة الحكم، واصطفاف المعارضة السياسية في الكويت إبان الغزو الخارجي خير مثال على ذلك رغم ضغوطها المستمرة لإحداث المزيد من الإصلاحات السياسية، وفي السعودية رفضت فصائل المعارضة الاستجابة لضغوط غربية للتعاون السياسي والإعلامي ضد المملكة، وظلت محافظة على وطنيتها ومخلصة لأهدافها التي تتلخص في المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واسعة على غرار إصلاحات الدول المجاورة، لكن التباطؤ في الحراك الإصلاحي في الخليج أدى إلى حالة أقرب للتصادم في مواقع أخرى بين الدول وأغلب فئات المجتمع.

ويكمن السبب الأساسي للصراع السياسي في المنطقة في حالة الغربة بين الطرفين، حيث تتجلى هذه الغربة بظاهرتين تتفرع منها مجمل الأزمات الأخرى:

الأولى الغربة السياسية: فرغم الحراك السياسي النشط للشعوب، والنزعة نحو تحصيل المزيد من الحقوق السياسية، وعلو نبرة المطالبة بالإصلاح؛ إلَّا أن الدول لا تلبي الحد الأدنى من طموحات المجتمع، مما ولَّد حالة الجفاء والغربة بين الطرفين.

الثانية الغربة الحضارية: حيث إن الحكومات الخليجية لم تولِ الأهمية إلى ما يمكن تسميته الضوابط الحضارية التي تحفظ حقوق التنوعات المختلفة، بل سعت لسياسة التجاهل بالأعراق والمذاهب. هذا التجاهل لا يولد إلَّا الكراهية ويزرع حواجز بين الدولة والفئات المهمشة.

في دائرة التفكير

يرجع الكاتب مبررات الصراع الداخلي في الدول العربية بصفة عامة والخليجية بصفة خاصة لجذور تاريخية بحيث تعيد هذه الصراعات نفسها بأشكال وعناوين مختلفة، سواء على مستوى الصدام بين السلطة والمجتمع أم بين الطوائف والجماعات داخل الدولة الواحدة.

كما أن البعض الآخر يعود لأسباب استعمارية، ويظهر ذلك في التقسيم القسري للدول، ولأن مثل هذا التقسيم لم يتم على أسس طبيعية فقد كان من الصعب على أغلب الدول القطرية أن توفر لشعبها هوية وطنية جامعة.

وثالثها يعود إلى أسباب فكرية، وتفصيل ذلك في غياب رؤية واضحة للدولة والاختلاف في طريقة تحصيل مشروعيتها السياسية، مما سبب خللاً كبيراً وأزمة خانقة لا زالت تعيشها جميع التوجهات والجماعات، وكذلك بين الولاء للوطن الصغير أو للوطن الإسلامي الكبير.

ويشير لأهمية السعي لإيجاد نوع جديد من التعاقد الاجتماعي الجديد بين الدولة والقوى السياسية والاجتماعية المختلفة، يكفل توليد حلول وعلاجات للخلل التاريخي الذي أرهق الدول وصدع وحدتها.

الفصل السادس: صناعة الديمقراطية في الخليج

تدور معالجات هذا الفصل حول إمكانية نسج علاقة ديمقراطية تتلاءم مع واقع دول مجلس التعاون الخليجي، كما تناقش الرهان على إمكانية الاستفادة من نظريات الديمقراطية المعتبرة، في صياغة نظرية محلية تتجاوز حالة التقليد أو الانبهار بالتجربة الغربية.

وفي ظل هذه الخصوصية للدول الخليجية يطرح سؤال: ما هي فرص التحول الديمقراطي لديها؟ هل هناك فرص للتحول الديمقراطي أم أنها بعيدة المنال عصية على التحقق؟

الاعتقاد الشائع يقول بإمكان التحول الديمقراطي، وهناك من يقول بوجود فرص للإصلاح السياسي كبيرة وإن لم يخفِ هؤلاء رؤيتهم أن في الطريق عثرات ومحاذير. وهذا الأمر لا يتحقق إلَّا بإطلاق مبادرات مصالحة تسحب فتيل الأزمة والتوترات الداخلية.

ومن وجه آخر أظهرت القوى السياسية والنشطة رغبة حقيقية في المشاركة السلمية من داخل الدولة، وعبَّرت عن أنها تؤيد الإصلاحات من الداخل طالما تهيأت أرضياته المناسبة، وأثبتت من خلال أدائها في السنوات الأخيرة أنها لا تحمل أجندة انقلابية أو عنفية ضد الأنظمة الحاكمة.

أما المحاذير فتتلخص في مدى قدرة الحكومات على التخلُّص من قلق التغيير والإيمان بأهمية الانتقال الكامل لعصر الحداثة السياسية، اقتناعاً تاماً وليس فرضاً من الخارج.

فرص التحوُّل الديمقراطي في الخليج

يرى الكاتب وجود فرص استعداد القوى الفاعلة والنشطة للتنازل عن فكرة التغيير الشامل، والقول باستحالة التلاقي مع السلطة القائمة وتضاؤل رغبات اسئثار فريق بالحكم على حساب الآخرين هو علامة فارقة تدلل على قابلية القوى السياسية لاستيعاب التحولات الديمقراطية، كما يمكن عدها أحد المؤشرات المهمة على صحة الحياة السياسية وقدرتها على التفاهم والتلاقي.

إن ما يثار في السنوات الأخيرة من ضرورات التطوير السياسي في الخليج إنما يستهدف في الغالب تطوير وتغيير الحكومات لا الحكم ، أما نقد الحكم فيتركز على توجيه نظر الأسر الحاكمة إلى ضرورة تدارك الأخطاء وإصلاحها، وتقديم الكفاءات العلمية من أبناء الأسر الحاكمة. وقد اقترح بعض الناشطين في دول الخليج صيغة المملكة الدستورية كأحد الحلول التوفيقية بين استمرار الحكم الوراثي ومتطلبات الحداثة.

ثلاثة شروط أساسية للتحوُّل

هناك ثلاثة شروط أساسية تعلب دوراً محوريًّا في تحديد حجم ومقدار التحول الديمقراطي في الخليج، وبالتالي رسم ملامح ومستقبل الديمقراطية فيه، وهي الرخاء الاقتصادي في الدولة، من خلال اكتشاف النفط وحركة سوق العمل وحجم تبادل المصالح التجارية، ولما يلعبه الرخاء الاقتصادي من دور في تبريد التوترات الداخلية، والرخاء الاقتصادي يدلل على إمكانية الانفتاح والتطور الديمقراطي والسياسي، ولذا فإن غالبية الدول الديمقراطية والمستقرة سياسيا هي دول ثرية في الوقت ذاته، وكأن المال يجذب الديمقراطية والاستقرار للدول، حين تساهم الديمقراطية في تحسين إدارة الثروة الوطنية.

ثانياً: طبيعة الثقافة الديمقراطية

يقول الكاتب: «إن انعدام ثقافة المشاركة والتعددية السياسية في المجتمعات العربية والخليجية يعد من أبرز أسباب تعثر الديمقراطية في المنطقة»، ويقرر بأن ثقافة المشاركة في المجتمع تنمو وتتشكل من خلال القدرة على تأسيس ديمقراطية محلية تتناسب مع واقع كل دولة على حدة عبر مستويين: نظري وعملي.

فعلى المستوى النظري من خلال استنبات قيم التسامح وقبول الآخر والحوار والحرية السياسية وغيرها، لا ما يقوم على قيم الطاعة المطلقة لولي الأمر أو تمجيد الحاكم. ويصل إلى نتيجة مفادها أن ما يعيق الديمقراطية هو طبيعة الثقافة السائدة في المجتمع، فعندما تكون هناك قابلية للفساد في الثقافة فإن احتمالات الديمقراطية تتلاشى، ولابد من القول: إن ثقافة المبايعة تختلف بالمطلق عن ثقافة الديمقراطية.

بيئة التحول

لعل ما ينبغي الحديث عنه هو أن إنجاز المشروع الديمقراطي في الخليج يتطلب تلاقي إرادتين هما إرادة جماعية تستهدف تحقيق الديمقراطية من قبل القوى السياسية و المجتمعية، والثانية قبول النخبة الحاكمة للتعددية السياسية والفكرية، وبالتالي قدرتها على التأقلم مع إرهاصات التحولات والتغييرات الديمقراطية.

ويتعرض لقسمين من الأطروحات في قراءة الديمقراطية، بينما يقرؤها القسم الأول القراءة المدرسية التي تحاكي النظريات الغربية ويراها الكثيرون أنها نقل لسلطة التشريع المخصوصة لله تعالى إلى الناس أو جزء منهم ، يرى الآخرون أن منشأ الديمقراطية جاء كمطلب استعماري لتمكين المحتل من إدارة البلاد بصورة غير مباشرة.

والقسم الثاني يقوم على توسيع البحث لكنه لا يلبث أن ينقد الواقع القائم، ويسود لدى بعض المفكرين اعتقاد مؤداه عدم إمكانية نقل الديمقراطية من بيئة إلى أخرى بكامل حمولتها، الأمر الذي يستدعي من النخب الخليجية المعنية بالمسألة الديمقراطية تجديد فكرها ورؤاها عند التعامل مع الوضع الخليجي، وإبداع ديمقراطية من نسيج هذه البيئة.

ثالثاً: مهمات النخبة السياسية

لم يعد بالإمكان اليوم إلغاء دور المواطنين في تقرير مستقبل بلادهم من خلال المشاركة السياسية والمساهمة في اتخاذ القرار داخل الدولة، كما لا يمكن بأي حال إقصاء الناشطين من المعترك السياسي أو تحجيم أداء القوى السياسية الفاعلة، إذ يقتضي الأمر القبول بالديمقراطية بما يشمل من ضرورة تنظيم العلاقة بين السلطة والنخبة.

وقد أخفقت معظم الدول العربية في إحراز تقدم ملموس على مستوى العلاقة بين السلطة و المجتمع رغم المساعي الداخلية والضغوط الخارجية.

ملامح من الصورة الخليجية

أمام الدور الوطني والإيجابي للنخبة السياسية الخليجية انقسمت أنظمة دول الخليج تجاه هذا التحول في موقفها إلى اتجاهين، الاتجاه الأول لم يعترف بأثر التحولات عن النخب وأطروحاتها الجديدة، واستمرت في التشكيك في ولائها وصدق دعوها. والثاني تسامحت تجاه النشاط السياسي العام وقبلت بعودة الحياة الديمقراطية بمظاهرها المتعارفة، كما سمحت للجمعيات السياسية بممارسة أنشطتها بما لا يخل بأمن البلد، وفسحت الفرصة أمام الحريات الصحفية.

في نقد الديمقراطية

ليست نهاية المطاف في الإصلاح السياسي أن تتعثر الديمقراطية في الدول العربية، فعملية الإصلاح معرضة للعقبات والمخاطر المهم، ألَّا تكون الأخطاء التي تقع نتيجة سوء التطبيق في ممارسة الديمقراطية سبباً في الانقلاب عليها ومصادرتها، وفي هذا السياق يشير فريق من المهتمين إلى أن نزع فتيل التوترات هو أهم أدوار الديمقراطية على الإطلاق، فتنظيم عملية المشاركة الجماعية وترجيح رأي الأكثرية والسماح للأقليات بالمشاركة في صناعة القرار السياسي كلها إجراءات تخفف من حدة الشعور بالغبن السياسي والاجتماعي وتخفض حدة التوترات الداخلية.

 

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة